dimanche 26 novembre 2017

في المنطق الإسلامي، يبدو لي أنه لا يصحُّ أن نقول: "أنا مسلمٌ صالِحٌ، وأنت مسلمٌ طالِحٌ". فكرةُ فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، تأثيثُ مواطن العالَم

"ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء" (قرآن).
يكفي أن تدّعي قولاً أنك صالحٌ عقائديًّا فقد زكيتَ نفسَكَ. الصلاحُ الكاملُ صفةٌ من صفاتِ الله ولن يبلغها بشرٌ مهما أوتِي من حكمةٍ.
"إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (قرآن).
يكفي أن تحكم على بشرٍ بالطلاحِ العقائديِّ فقد تجاوزتَ حدودك (La finitude humaine) واستشرفتَ مستقبله ودخلت في علم الغيب، علم يختص به الله وحده ولا يشاركه فيه بشرٌ ولا حتى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
محمد الشعراوي:  "حديث رسول الله لمّا مرّت جنازة يهودي، أخذ الرسول يبكي، فقالوا ما يبكيك يا رسول الله، قال نفسٌ أفلتت منّي إلى النار" (موقع منتديات شبكة الأسهم القطرية). لاحِظ أن الرسول لم يستشرف مسبقًا ساعة اليهودي، ولم ييأس من هدايته إلا بعد وفاته، فَرَقّ قلبه وبكى أسفًا لأنه لم يقدر على إنقاذ نفسٍ بشريةٍ من النار.
لو فعلنا عكس ما فعل الرسول لَكنّا من المخطئين. يحضرني مثال الفيلسوف الفرنسي روجي ڤارودي الذي أسلم وهو في سن 69 عامًا بعدما كان شيوعيًّا ملحدًا. ليس صدفةً أن يُتركَ بابُ التوبةِ مفتوحًا على مصراعَيه حتى الرمق الأخير على شرط أن يكون الطمعُ في رحمةِ الله الواسعة عفويًّا وليس انتهازيًّا أو مبرمجًا سلفًا.
أما الحركات الإسلامية السياسية السنية (إخوان، سلفيون، قاعديون أو دواعش) التي تدعي أن الله اصطفاها لتحقيق مشيئته على الأرضِ مثلما يدعي بَابَا المسيحية أو مرشد الشيعة، فالله لم يصطفِ من البشرِ إلا المُصطفَى. اصطفاه الله وعصمه من الخطأ، لم يكلفه بفرض شريعته سبحانه بالقوة بل كلفه بتبليغ رسالته، بيانه وقرآنه، وقال له آمرًا: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ  لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ". فإن كان الرسول، جل قدرُهُ، مذكِّرًا، فهل يحق لمرشد الشيعة أو الحركات الإسلامية السنية أن يسيطروا؟ مشيئةُ الله لن يحققها على الأرضِ إلا الله، لأنه هو وحده الذي يعرفها مسبقًا.

الله خلق عبدَه 
(Sa créature)
 جسمًا وروحًا 
(Ni bête ni ange, un mélange faible et instable)
 وجعل بين الجسم والروح تفاعلا وتبادلا ورحمةً ومودةً، ثم أسكنَ الجسمَ نفسًا "فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا". بإرادته العلِيّة، خلقَ بشرًا ناقصًا وما على المخلوقِ الناقصِ إلا التسليمُ والانحناء أمام عظمةِ الخالقِ الكاملِ. الروحُ مجرّدةٌ عاليةٌ ساميةٌ وهي من أمرِ ربي (C`est à dire insaisissable et intouchable  أما الجسمُ فهو من خلقِ الله أيضًا، بناه على غير الروح، بناءٌ ماديٌّ محسوسٌ وهشٌّ وذلك لحكمةٍ نجهلها. فإن ضعُف الجسمُ وعصا ربه، فهل يحق لنا أن نعذبه أو نقتله أو نحرقه؟
الله خلقه ضعيفًا فهل تريدون لخلقِ الله تبديلا؟ أتبغون تنصيبَ أنفسكم فوق مشيئة الله؟ أأنتم أدرَى بمستقبل الفرد أم الله أعلمُ؟ أنظرتُكم أشملُ أم نظرة الله؟

أيها الإسلاميون السياسيون الذين لأنفسهم مُزَكُّونْ وعلينا حُكّامٌ مُنصَّبون وفي رقابنا متحكمون ولديننا محرّفون وفي الشر تفتون ومن فعل الخير تتنصلون، أيها المتكبّرونْ المتطرّفونْ المتعصبونْ الاستئصاليونْ الإقصائيونْ، حراسُ المعبد المزيفونْ: في الحق والباطل تكبّرون؟ في السلم والحرب تكبّرون؟ في المظاهرات تكبّرون؟ في قتل الكفار تكبّرون؟ في قتل المسلمين تكبّرون؟ في نسف بيوت الله تكبّرون؟ في الانتخابات تكبّرون؟ في الإضرابات تكبّرون؟ أمام قصر العدالة تكبّرون؟
الله كبيرٌ برحمته ولا يحتاجُ إلى تكبيركم بمناسبة ودون مناسبة، أما أنتم فصغارٌ كالبعوض أو أقل، صغارٌ بأفعالكم المشينة، صغارٌ بحروبكم الأهلية والطائفية والعرقية، صغارٌ بتكبّركم، صغارٌ بسيطرتكم على خلق الله، صغارٌ باستباق مشيئة الله، فلْتعلموا أن لا وجود لمسلمٍ مثالي إلا في خيالكم ولا وجود لعاصٍ أبديٍّ إلا لِقصرِ نظركم. اتقوا الله في خلق الله، تنحّوا جانبًا، حلّوا عن سمائنا واتركوا الحساب للخالق فهو الأرحم بعباده.

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"على كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 27 نوفمبر 2017.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire