La connaissance, non le
savoir
1.
المستوى السلبي الأول (-2): وهي المعرفة التي يبثها المتحزبون الملتزمون والنقابيون
المحترفون، من كل حدبٍ وصوبٍ، يساريون وقوميون وإسلاميون ودستوريون، بِهدف كسبِ
المتعاطفين واستقطابِ المريدين ثم تأطيرهم وتأهيلهم (Embrigadement et Encadrement).
وهي من أسوء أنواع المعرفة وأتفهها لأن القائمين عليها والمروجين لها أشخاصٌ
انتهازيون بمختلف إيديولوجياتهم والغايةُ عندهم تبرر الوسيلة، غاياتهم عادة نبيلة
ووسائلهم غالبًا ما تكون رذيلة.
من
حسن حظنا أن عددهم قليلٌ في حمام الشط.
2.
المستوى السلبي الثاني (-1): وهي المعرفة التي يلوكها ويجترّها مَن لم يسعفهم الحظ
في الالتحاق بالجامعة أو تخرجوا منها كما دخلوها ولم يمسسهم سوءٌ، سوءُ وهجِ نارِ
المعرفةِ العلميةِ. هي الدرجة الأولى في سلم المعرفة
(Le sens commun ou le 1er degré de connaissance).
تراهم يرددون الشعارات الجوفاء والكليشيهات المتكلّسة والقوالب الجاهزة. يتكلمون بلسان خشبي، يمتهنون الوعظَ
والإرشادَ ولا يطبقون نصائحَهم على أنفسهم. لا يوظفون ولو ملّيمتر مكعّب واحد من
المادة الشخمة (La matière cérébrale grise) التي وهبهم الله إياها.
من
سوء حظنا أن
هؤلاء يمثلون الأغلبية الغالبة والسائدة بحمام الشط ونجدهم للأسف في كل الشرائح
والطبقات، أغنياءٌ وفقراءٌ، شبابٌ وكهولٌ وشيوخٌ، مباشرون ومتقاعدون، موظفون ومِهن
حرة، بطّالة وعمّال، رجالٌ ونساءٌ.
3.
المستوى الإيجابي الأول (+1): وهي المعرفة العلمية
(La connaissance scientifique
ou le 2ème degré de connaissance)،
وهي حِكرٌ على أصحاب الشهائد
الجامعية العليا (معلمون، أساتذة، مربون، أطباء، مهندسون، تقنيون سامون). لكنهم،
كلهم أو جلهم كـ"الحمارِ يحملُ أسفارًا"، تعلموا علومًا في شبه كليات وشرعوا
يرددونها في كل المناسبات كالببغاوات دون توظيف إبستموليجياتها الجوهرية المختلفة (الإبستمولوجيا
هي نقدُ المعرفةِ، اختصاصٌ لا نُدرّسه للأسف في جامعاتنا التونسية).
4.
المستوى الإيجابي الثاني، الأعلَى والأخير (+2): وهي أم المعارف، أعني بها الفلسفة أو حب الحكمة وليست
الحكمة الكاملة التي لن يبلغها أحدٌ إلا الله سبحانه وتعالى، حيث يفكر الفرد بعقله
ولا يكتفي بإعادة نشر الاستشهادات الانتهازية (Les citations opportunistes)
أو تلاوة ما حفظه دون تَرَوٍّ في كتبِ المفسرين ورجال الدين والمفكرين والعلماء
والمؤرخين.
للأسف
الشديد، لم أصادِف في حمام الشط إلا عيّنةً واحدةً وحيدةً
(Mon unique échantillon)
من هذا الطراز العالي، عيّنةٌ يجسمها
جليسي المسائي اليومي بمقهى الأمازونيا بحمام الشط،، المفكر اليساري الحر غير
المتعصب وغير المتطرف وغير الإقصائي وغير المنبت عن تربته العربية الإسلامية،
الموظف المتقاعد ذو السبعين حَوْلاً، تلميذ الصادقية ومدرّس الفلسفة بمعهدها
سابقًا، الأستاذ حبيب بن حميدة (هذا لا يعني أنه الوحيدُ زمانه وإنما الأكيد عندي
أن أمثالَه قليلون، نادرون ندرة المعادن النفيسة).
ملاحظة
منهجية: لا يخلو أي
مستوى من المستويات المذكورة أعلاه من فلتات، والاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
كيف
خطر على بالي هذا التصنيف؟
لي صديقان حميمان (سهيل ولطفي)، عاشقان مثلي للفلسفة، ومثلي أيضًا جرّبا مجالسة الأنماط
الأربعة من سكان حمام الشط. وفي آخر المشوار فضلنا، ثلاثتنا، عن قناعةٍ ورضاءٍ،
الترسيمَ في زاويةِ الوليِّ التقيِّ الصالحِ، وليٌّ من طينةٍ لا شرقيةٍ ولا
غربيةٍ، طينةٌ عقلانيةٌ لاميتافيزيقيةٌ، وليٌّ "أكرهُ ما يكرهُ"
استقطابَ المريدين، وليٌّ يفضلُ - الند للند - محاورةَ المفكرينَ، الذين هم
بعقولهم وحدها لا بغيرها يستنيرونَ، وعن شخصه بآرائهم يستقلونَ، وبألسنتهم فقط لا بألسنة الآخرين ينطقون. الله ينفعنا ببركاته! آمين يا رب العالمين.
إمضائي
"المثقفُ
هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"على كل مقال سيء نرد
بمقال جيد" مواطن العالَم
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 26 نوفمبر 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire