jeudi 30 novembre 2017

أسبابُ الإرهاب الإسلامي في العالمِ: يبدو لي أنها ليست مربوطةً بالفقرِ، ولا بالجهلِ، ولا بالتخلّفِ، ولا بالاستعمارِ، ولا بالسلفيةِ، ولا بالوهابيةِ، ولا بالإخوانيةِ، ولا بالقاعدةِ ولا حتى بداعشَ؟ مواطن العالَم

هي مربوطةٌ بتورُّمِ عائداتِ النفطِ الخليجي، وتحديدًا بتسلّطِ ملوكِ وأمراءِ السعوديةِ والإماراتِ وقَطرْ. ظَهَرَ الإرهابُ الإسلامي في العالمِ في بداية الثمانينيات متزامنًا مع ارتفاع سعر النفط الخليجي بعد الحظر سنة 1973، سنة حرب أكتوبر بين مصر وإسرائيل.
"وداوِني بالتي كانت هي الداءُ": اغتنى الخليجُ دون جهدٍ (ثروة أحفورية) فبدأت الحروبُ الأهلية، وفي رحمها نشأ الإرهابُ، ولن يتوقفَ الشرُّ إلا عند نزول سعرِ البترول وإفقارِ أمراءِ الخليجِ.

ماذا فعل أمراءُ الخليج حتى نحمّلهم كل هذه المسؤولية؟
أجرموا في حق العالم العربي وسأكتفي بذكر جريمتين نقلاً عن مجلة "لوموند ديبلوماتيك" (عدد نوفمبر 2017):
-         "ما زال أثرُ التشوّهِ الذي أحدثته عائدات البترول يلعب دورَهُ السامّ بالتمام، وذلك بتوظيفِ مبالغَ مالية خيالية (دولة قطر لوحدها صرفت 137 مليار دولار لتمويل الحرب الأهلية في سوريا، مبلغٌ يساوي تقريبًا 9 أضعاف ميزانية تونس السنوية المقدّرة حاليًّا بحوالي 30 ألف مليون دينار) لخدمة مصالح أنانية حقيرة خاصة (البذخ والفسق) وتطبيق سياسات قمعية في الداخل وتمويل حروب أهلية في الخارج. (...) ولن يكبح جِماحَ حِدة تدخلاتهم إلا انهيار أسعار البترول مما سيحرمهم أيضًا من الموارد الضرورية للمحافظة على السلم الاجتماعي الداخلي. (...) أو يكبحها تطوُّرُ إنتاج الطاقة البديلة المتجددة (ريح، شمس) وتعميم استعمال السيارات الكهربائية في سياق الحد من الاحتباس الحراري المتزايد أكثر فأكثر. نُظيفُ إلى ما سبق ظهور غاز الشيست في الأسواق العالمية والذي سوف يساهم في منافسة النفط وتحطيم أسعاره."
-         "في العشريتين الأخيرتين، استثمرت دول الخليج المصدرة للبترول جانبًا مهمًّا من رساميلها السيادية التي تُقَدّر بآلاف ملايير الدولارات مما أجبر الحكومات الخليجية على تكريس جهودها في إدارة هذه المبالغ الضخمة الموظفة عادة في الخارج عوض توظيفها في تنمية اقتصاديات بلدانها. يلح علينا السؤال الأساسي التالي: مَن هو المالِك الشرعي لهذه الثروة؟ السلطان، عائلته، الشركات  العمومية (أرامكو مثلاً)، البنوك الأجنبية أين أودِعت هذه المبالغ المالية الهائلة، أو بالأحرَى البلد كله."

خاتمة: يبدو لي (ليس اجتهادًا ولا تأويلاً بل هو قِياسٌ مجازيٌّ) أن الآية الكريمة "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا" أمر مترفيها بالطاعة، ففسقوا فيها بمعصيتهم الله (الطبري)،  يبدو لي أن هذه الآية تنطبق على وضعنا الحالي: مُتْرَفِيهَا هم ملوك وأمراء الخليج والقرية هي سوريا واليمن والصومال، والله أعلمُ!
قال فرنسوا بورڤا، عالِم السياسة الفرنسي والمختص في دراسة الإرهابِ الإسلامي: "حلُّ مسألة الإرهاب الإسلامي يكمن في إحلالِ العدلِ في العالَم، خاصة بين العربِ والغربِ أو بين الجنوبِ والشمالِ، والإسلامُ هو صوتُ العربِ خاصة والجنوبِ عامة".

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"على كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 30 ديسمبر 2017.


Source: Le Monde diplomatique, novembre 2017, « Urgence économique, Impasse idéologique », par Hicham Alaoui, chercheur à l`Université Harvard, p.  22

mercredi 29 novembre 2017

ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً * ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ (طرفة بن العبد)؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً


تورّدَ وجهي من فرط المتعة الفكرية التي غمرت كياني كله وأنا أقرأ ميشيل أونفري وهو يغرّد ضد السرب تغريدًا لم يأت به الأوائلُ، كتب ما يلي: "فلاسفة القرن العشرين ومفكّريه لا يحبون البؤسَ كثيرًا. على الأقل البؤسَ القذِرَ، بؤسُ الفقراء والمهمشين ومَن لا سَكنَ لهم ولا لقبًا. البؤسُ الذي يؤذِي أنوفنا، الذي نُخفيه ولا نتكلم عنه أبدًا، الذي لا يمكن بل يستحيل أن نُزيّن به نصوصنا البليغة وإلا أضحت غير لائقة وغير متناغمة مع السائد. الروائح الكريهة التي تنبعث من المتسكعين، نتانةُ صيادي السمك، وساخة عمال المناجم، وساخة مربي الماشية، كيف سنُخرِج كل هذا ونُصوّره ونَنشره ونُحقق به نجاحًا باهرًا؟"

أحسستُ بالسعادة والرضا والراحة وبنوعٍ من الاعتراف الأدبي بما كتبتُ في كتابي "جمنة وفخ العولمة" (2016)، حيث  تكلمتُ عن أناسٍ عاديين وأماكن عادية، عن أبطالٍ في نظري لا يُعتبرون للأسف عند المثقفين أبطالاً، أبطالٌ غير معترفٍ بهم في سُلّمِ المجدِ والعطاءِ دون جزاءٍ، أبطالٌ لم يسجلهم التاريخ الرسمي المنحاز، تكمنُ بطولتُهم في كونهم يحملون حِملَ كل الذين مثلهم، يعملون بِصمتٍ، ساكتين، كل واحدٍ منهم يقوم بِمهنته المتواضعة دون فرقعةٍ ولا ضجيجٍ ودون احتجاجٍ ضد أحدٍ ودون اتهام أحدٍ. وبفرادتهم المجهولة، يصبحون نماذجَ مثاليةً، يصبحون مواطنين عالميين. وحياة كل واحدٍ منهم تسير مثل حياة أسلافه منذ أجيالٍ وهي حياة لَعَمري حَرِيّةٌّ  باهتمام المؤرّخ و المفكر وعالِم الأجناس والأنتروبولوجي لأن في حياتهم المؤقتة كعابرين مجهولين تكمن ملحمة الإنسانية وصراعها الأبدي من أجل البقاء ومن خلال جودهم كأفراد يتحقق خلود النوع البشري (فقرةٌ من وَحْيِ أونفري). وهل الفلاسفة والمثقفون سيبقون بدونهم أحياءً؟ أما هم فأحياءٌ قبل الفلاسفة وبعدهم إلى يوم يُبعثون!  عرفتُهم وبودٍّ كبيرٍ عاشرتهم، احترمتهم وعن قربٍ خبرتهم، لذلك كتبتُ عنهم بصدقٍ وحنينٍ وأمانةٍ، وقبل أن أكتبَ أحببتُهم لا بل شخصياتٍ وأماكنَ عشقتُهم، هم أهلي، ناسِي، سَكَنِي، طفولتِي، قِيمِي، دَمِي، هم بُناةُ وساسَةُ وأسُسُ شخصيتي:
1. المناضلة الصامتة، أمي يامنة بنت احمد.
2. صديقة أمي، للتي الزينة بنت غنوة، القابلة التقليدية التي ولّدت المئات في جمنة وأحوازها.
3. صديقة أمي، للتي امْنِي بنت احمد، طبيبة أطفال تقليدية، كانت تداويني وبتمائمها دون دواء تشفيني.
4. الضريرة المستنيرة، أختي فاطمة كشكار في المعمل في سوسة.
5. جارُ الساس عمي نصر بالهاني، لا توجد صلة قرابة دموية بيني وبينه، مات أبي وأنا في سن الخامسة عشرة فلم أجد أمامي أبًا سواه.
6. عمتي رقية، رِقّة وحِنيّة.
7. النمنام، الذهن الفطن في الجسم العليل.
8. زايد بن زايد، يُفرِّقنا في السحور ويُفرِحنا في العيد.
9. سيدي المبروك، كرمٌ جمنيٌّ فاق الكرمَ الحاتميَّ.
10. علي بالبحري، تربع على عرش الضحك في جمنة على مدى عقود.
11. علي بن إبراهيم (شُهِرَ الدُّعباكْ)، أسعدنا وأهمل نفسه.
12. محمود الطهار، نخافه يومَ... ونحبه بعدَ.
13. ملك المهمشين الساسي بنحمد، نظف شوارعنا، أسعدنا وأسعدناه.
14. محمد الصالح، النفسُ الوحيدةُ غيرُ المتكبِّرةِ في جمنة: المواطن الجمني "العادي" قد يكون غير متكبِّرٍ في طَبعِه لكنه قد يتكبّرُ على مَن تكبّرَ عليه كردّ فعل ككل البشر، أما محمد الصالح فلم يفعلها طوالَ حياتها.
15. الشيخ إبراهيم، سلطة مُهابة وحنينة.
16. الساسي بن صالح بن بوبكر مغدادأ حافظُ الأمانة بامتياز.
17. رأس العين، مركز المدينة.
18. الجامع القديم والعين القديمة.
19. الشرشارة (بانُو الشباب)، والعين الجديدة التي نضب ماؤها ولم ينبض من قلوبنا عطاؤها.
20. النخلة في بلادي، والأطفال شيء واحد. قالت لهم: "لقد أُثقِلت روحي بثمرتي الناضجة. مَن ياتُرى يأتي ويأخذها ويكون بها مسرورا؟ ويخفف من عِبء خصبي؟ (...) ليتني كنت شجرة لا زهرَ لها ولا ثمر فإن عَناء الخصب أمرّ من القحطِ" (جبران).

خاتمة: ألّفتُ هذا الكتاب تطوّعًا لفائدة قضيتنا في جمنة (هنشير المعمر)، طبعتُ منه ألف نسخة على نفقة "جمعية حماية واحات جمنة"، احتفظتُ لنفسي بـ100 نسخة والباقي (900) وزعَتْه الجمعية مجانًا على عشاق جمنة وزائريها ومساندي قضيتها، جمنين وغير جمنين. لم أقبضْ من الجمعية لفائدتي الخاصة ولو ملّيمًا واحدًا.
ألفتُه، لا للشهرة ولا للتباهي ولا شفقةً على مُهَمَّشِي جمنة ولا لإدانة أحدٍ أو التشهير بأحدٍ.
ألفتُه شهادةً على عصر الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، شهادةٌ تُنشَر لِتُحكَى وتُروَى لأجيال الحاضر والمستقبل، جمنين وغير جمنين.

ملاحظة: تجدون صورَ الأبطال والأماكن في الرابط المرافق لهذا المقال.

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"على كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 30 نوفمبر 2017.

Référence: Michel Onfray, La lueur des orages désirés, Éd. Grasset, 2007, p. 336




















في مقهى الأمازونيا بحمام الشط، ناقشتُ أمس مسلمًا قرآنيًّا فأفحمني تأويلُه (عبد الله شعبان، أستاذ رياضيات). مواطن العالَم

مسلم يساري: حاشا الله أن يقول في قرآنه غير الحق. يقول التأويل الشائع للآية القرآنية "وأما بنعمة ربك فحدّث": حدّث بما أغدق الله عليك من مالٍ وبنون.
يبدو لي أن هذا التأويل يحمل شيئًا من التكبّر والتفاخر على الفقراءِ والعُقَماءِ مما قد يسبّب لهؤلاء نوعًا من الإحباط ويزيدهم غمًّا على همٍّ.

مسلم قرآني: المقصود بـ"نعمة ربك" في القرآن ليس المالَ والبنون وإنما هي نعمة القرآن نفسه، فيصبح التأويل كالآتي: حدّث بالقرآن للناس.

انتهى النقاش وانتصر المنطق الرياضي بالضربة القاضية.

ملاحظة ديونتولوجية: طلبتُ الإذنَ من صديقِي وجليسِي قبل نشرِ تأويلِه واسمِه ولقبِه ومهنتِه فوافقَ، وبعد ذلك وليس قبلَه نشرتُهم.

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"على كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 29 نوفمبر 2017.


mardi 28 novembre 2017

التعليم في تونس: هل هو هرمٌ مقلوبٌ؟ مواطن العالَم

 استوحيت هذه الخواطر من معاناتي في القسم كأستاذ تعليم ثانوي في ضواحي تونس. أدرّس علوم الحياة والأرض بالفرنسية للسنة الأولى من التعليم الثانوي. في الثلاثي الثاني من السنة الدراسية 2009-2010, طلبت من تلامذتي واجبا منزليا يتمثل في انجاز تمرين عدد 3 صفحة 73 من الكتاب المدرسي الوحيد بعد ما شرحت لهم كتابيا في القسم تمرين عدد 1 صفحة 62 من نفس الكتاب. تشجيعا و ترغيبا لهم ورفعا لمعنوياتهم المتردية لتدني معدلاتهم في علوم الحياة والأرض في الثلاثي الأول, وعدتهم بإسناد 20 على 20 في فرض الأشغال التطبيقية لكل تلميذ يقوم بواجبه المنزلي، نعم وللأسف الشديد أجازيهم على القيام بواجبهم المنزلي البسيط. في الحصة الموالية, وكما هو منتظر في هذا الزمن الردئ، لم يقم بالواجب إلا 36 تلميذا من مجموع 180 تلميذ، عدد تلامذتي في ست أقسام. لم يتفطن إلا تلميذ واحد منهم (صاحب معدل 17 من 20) أن التمرينين, المشار إليهما أعلاه, متشابهان تماما. قلت لهم معاتبا: لن تجدوا أستاذا يشجعكم ويرغّبكم في العمل أكثر مني ولن أجد، أنا, تلامذة أذكى منكم في الضرر بأنفسهم.
لماذا لا يعمل التلميذ التونسي؟ هل هو كسول بطبيعته؟ لماذا يلجأ التلميذ التونسي إلى العنف؟ لماذا يلجأ التلميذ التونسي إلى الغش؟ هل هو عنيف بطبيعته؟ هل هو غشاش بطبيعته؟ هل هو المسؤول الوحيد على عنفه وعلى غشه وعلى تردي مستواه التعليمي؟

هل الأساتذة يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون؟
هل الوزير يعرف مستوى التلاميذ؟
هل الدولة تستشرف مستقبل التعليم في تونس؟

تخصّص الدولة ميزانية ضعيفة جدا للمرحلة الأولى من التعليم الأساسي: أقدم لكم هذا التقرير التقريبي في أكثر المدارس الابتدائية: أقسام مكتظة, تلامذة لا يلعبون الرياضة, لا يستعينون بالحاسوب, لا توجد مخابر ووسائل إيضاح ومجسّمات لتدريس العلوم, لا يوجد معلم مختص في مجال معين, لا توجد في بعض المدارس آلة ناسخة ولا أنترنات ولا قاعة معلمين ولا حتى بيت راحة خاص بهم, لا يوجد مقياس علمي للنجاح فالارتقاء أصبح تقريبا آليا. ألغِي امتحان "السيزيام", الغربال الوحيد في الابتدائي. ينجح التلميذ إلى السابعة أساسي وهو لم يتملّك كفاءات الابتدائي الأساسية الثلاث، وهي التعبير الشفوي والتعبير الكتابي بالعربية والفرنسية والحساب. يفشل أكبر عدد من التلامذة في السنة الأولى إعدادي أو السابعة أساسي لعدم تأهيلهم في الابتدائي لهذه المرحلة.

في المقابل، ترتفع كثيرا ميزانية المدرسة الإعدادية والمعهد بالمقارنة مع المدرسة الابتدائية لكنها تُصرف في استهلاك الإضاءة والماء والطباشير والطباعة وتسخين مكاتب الإداريين. ألغِي امتحان "النوفيام", الغربال الوحيد في الإعدادي. ينجح التلميذ إلى الأولى ثانوي فتنزل عليه الصاعقة الكبرى، ألا وهي تدريس كل المواد العلمية بالفرنسية بعد ما كان يدرسها بالعربية طيلة تسع سنوات تعليم أساسي. في السنة الأولى ثانوي, ألاحظ أن النجاح الآلي وتدريس العلوم بالعربية أوصل إلينا أكثرية من التلامذة لا يستوعبون الدرس باللغة الفرنسية ولا يفهمون منه شيئا وفي هذه الحالة يلجئون إلى تعطيل سير الدرس والتشويش والعنف والغش الواضح والفاضح والوقح ليفرضوا أنفسهم بعد ما أخرجهم النظام التعليمي الجديد من المنظومة التربوية. هنا يندرج تشكي الأساتذة من عنف تلامذتهم وغشهم ويتهمونهم بشتى التهم من غباء وعدم تربية وقلة انضباط واستهتار بالقِيم. أنا لا أنزّه التلميذ ولا الولي بل أحاول فقط تسليط نظرة شاملة على المشكل وقد تبين لي أن التلميذ ضحية ومسؤول في نفس الوقت. التلميذ هو نتاج ما صنعت أيدينا من سياسة تربوية فاشلة سنها وطبقها كهول وليس مراهقين, فعلينا إذن قبل أن نلوم التلميذ والولي, أن ننقد أنفسنا ووزارتنا والمبرمجين والمتفقدين والإداريين. أما مسؤولية التلميذ فتتمثل في عدم قدرته على التأقلم مع هذا الوضع السيئ وإهماله لدروسه, السهل منها والصعب.

بقي امتحان "الباكلوريا" شكليا وألغِي فعليا باحتساب المعدل السنوي بنسبة الـ25% في معدل النجاح في الباكلوريا. قد يتحصل التلميذ عل شهادة "الباكلوريا" بـ 8 معدل فقط في الامتحان الرسمي، لكن مع احتساب المعدل السنوي بنسبة الـ25% في المعدل النهائي للنجاح في الباكلوريا، قد يصل إلى معدل 9 من 20 يؤهله للنجاح بالإسعاف (أخيرًا ألغِي هذا الإجراء، تاريخ إعادة نشر هذا المقال 28 نوفمبر 2017،). قد يرتقي التلميذ إلى الجامعة وهو لم يستعد لها تمام الاستعداد في الثانوي.
ترتفع كثيرا، على حد علمي، ميزانية الجامعة بالمقارنة مع الابتدائي والإعدادي والثانوي لكن لا تصرف في البحث العلمي وتجهيز المخابر. فرغم بناء عشرات الكليات والمعاهد العليا في كل الولايات التونسية ما زالت جامعات السبعينات تستوعب بنفس الفضاءات آلاف الطلبة في 2010 ككلية العلوم وكلية الحقوق وكلية الهندسة بالمركب الجامعي وكلية 9 أفريل بتونس العاصمة.

خلاصة القول
حسب وجهة نظري المحدودة جدا كغير مختص في تقييم أداء وزارة التربية, أرى أن فشل التلميذ التونسي في الدراسة مسؤولية يتحملها البنك العالمي والوزير والمدير والأستاذ والمعلم والولي والتلميذ. تهتم الدولة بالتعليم الجامعي أكثر من اهتمامها بالثانوي والابتدائي وحسب اجتهادي المتواضع, لو عكست لأصابت. تبني الدولة هرما تعليميا مقلوبا والذي يقلب الهرم التعليمي عليه أن يحذر يوما ما من سقوطه على رأسه (تونس).

سُمّي التعليم الابتدائي تعليما أساسيا لأنه يمثل قاعدة الهرم ونقط ارتكازه. توفر الدولة لتلامذة الثانوي أساتذة أصحاب شهائد عليا وتجهز القاعات ببعض الحواسيب وبعض السبورات البيضاء وبعض وسائل الإيضاح وتبخل بكل هذا على تلامذة الابتدائي وهم أحوج الناس لمثل هذه القدرات ولمثل هذه التجهيزات. في أمريكا يطالَب المعلم بشهائد أعلى من شهائد الأستاذ. إذا أهملنا التكوين في الابتدائي فلا نستطيع تدارك الخطأ في الثانوي لأن التصورات غير العلمية التي رسخناها في أذهان التلاميذ لا تزول بسهولة لكن إذا أكسبنا التلميذ مهارات متعددة وكفاءات متينة في الابتدائي نستطيع أن نظيف ونبني على أساسها الصلب في الثانوي والجامعي وإلا نكون كمن يبني عمارة على الرمال المتحركة.
أذكّر دائما بمثال التعليم في كوريا الجنوبية أين استقر الهرم التعليمي وثبت على قاعدته العريضة فدولتهم عكس دولتنا تخصص ميزانية أكبر للتعليم الأساسي. نهضت كوريا الجنوبية وأقلعت في ظرف عشريتين وأصبحت من الدول المتقدمة بعد ما كانت تُصنف كثالث أفقر دولة في العالم. حققت نجاحا بفضل استثمارها الوطني في التعليم والعبرة لمن يعتبر.

أريد أن أوضّح للقراء الأعزاء أنني, و إن كنت ضد الارتقاء الآلي وضد توسيع ثقوب الغرابيل في الامتحانات, لست مع الرسوب المجاني ولا أؤيد سياسة الانتقاء المجحفة. تابعت أخيرا برنامجا تلفزيا مهمّا, بالفرنسية طبعا, لأن كل البرامج بالعربية تقريبا تشترك في اللغة واللسان الخشبيين. يتحدث هذا البرنامج عن المدرسة "الفنلندية" حيث لا يرسب التلاميذ ومع ذلك حققت نجاحا باهرا بفضل الدعم والتشجيع الفعال للتلاميذ المحتاجين لذلك. أما المدرسة "الفرنسية" حيث يرسب 50 في المائة من التلامذة خلال مسيرتهم الدراسية, عاما على الأقل [والعهدة على الراوي], فهي أسوأ المدارس في أوروبا وهي للمفارقة قدوة وقبلة بالنسبة لنا. كنا نحن الأساتذة النقابين نعارض سياسة الانتقاء التي طغت في تونس السبعينات وحرمت العديد من أبنائنا من مواصلة تعليمهم واليوم نعارض النجاح الآلي الذي أراه سببا للعنف والتسيب في معاهدنا بجانب أسباب أخرى من بينها تردي القدرة الشرائية لدى المدرس وتدني التمويل الحكومي في التعليم العمومي. أنا لا أملك البديل التربوي لهذه السياسة الديمقراطية في ظاهرها والفاشلة في داخلها ولا أملك أيضا البديل البشري لتعويض جمهور الأساتذة والمعلمين غير المؤهلين للقيام بواجبهم (لا أستثني شخصي طبعا رغم اجتهادي العصامي لتكوين نفسي علميا وثقافيا) وعلى سبيل الذكر لا الحصر أذكّر ببعض عيوب تكويننا: لم نتلق تكوينا أكاديميا في علم نفس الطفل ولا في علم التقييم ولا في علم التواصل ولا في فلسفة المعرفة ولا في البيداغوجيا ولا في التعلمية ولا في المنهجية ولا في إدراك عملية الإدراك, فكيف تطلب منا النجاح في مهمتنا ونحن لا نفقه منها إلا الجانب المعرفي وهذا لا يكفي. لا يملك البنك العالمي وزمرة الخبراء والمبرمجين البديل أيضا ولن يستطيعوا استنباطه وحدهم مهما استعانوا بخبراء أجانب مرتزقة مأجورين

مهما نقدتُ زملائي ونقدت نفسي فلا نستطيع أن نستغني عن خبرة المباشرين, أعني بهم المعلمين والأساتذة وقد يتعلم الإنسان الصادق من أخطائه ويتطور نحو الأفضل.

أوجه ملاحظة أخيرة إلى بعض القراء الذين قد يلومونني على إغفال بعض الجوانب أو عدم ذكر بعض الأسباب: كل علم و كل خطاب عادة ما يكون مُختزَلا (Réduit) بطبيعته لأنه يقوم بتحول منهجي من حقل معرفي إلى آخر أخص وأدق وأضيق، فما بالك بمقال تحسيسي في صفحة. لذلك أرى أن المقاربة الشاملة (Approche systémique) أفضل من المقاربة التحليلية (Approche analytique) في تناول أي مسألة مهما كانت بسيطة. تتضافر العلوم مجتمعة وتتكامل في تفسير أي ظاهرة. لذلك أطالب بتكوين شامل للمدرس و لا نقتصر على المعارف فقط بدعوى حياد العلم (Les connaissances)، والعلم لم يكن ولن يكون يوما محايدا، وأركز أيضا على القيم ( Les valeurs Universelles) وعلى الممارسات الاجتماعية المرجعية (Les pratiques sociales de référence).

لم يكن العلم يومًا محايدا في تاريخه مثل صانعيه العلماء البشر. تهتم برامج تعليمنا في كل مراحله بالمعرفي النظري أكثر من اهتمامها بالتطبيقي لأن التكوين النظري لا يكلف الدولة كثيرا وتهمل تماما القيم الحضارية والسلوكيات الاجتماعية المدنية.

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.

ملاحظة
اقتبست عنوان المقال وفكرته الرئيسية من حديث تلفزي لصحافي تونسي من جريدة الشعب.

تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 20 فيفري 2010.



Ce PROGRAMME est annulé aujourd`hui par l`association "Les Semeurs".

Titre de l`exposé: Enseigner des Connaissances ou des Valeurs? (Les valeurs Universelles), présenté par  Mohamed KOCHKAR, Docteur en Didactique de la Biologie(Ou épistémologie de l`enseignement), 2007.
Mon exposé comprend 4 parties :
q   Cadre théorique
q   Enseigner des Connaissances ou des Valeurs?
q   La Science véhicule-t-elle une Idéologie?
q   Conclusions et Perspectives


dimanche 26 novembre 2017

في المنطق الإسلامي، يبدو لي أنه لا يصحُّ أن نقول: "أنا مسلمٌ صالِحٌ، وأنت مسلمٌ طالِحٌ". فكرةُ فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، تأثيثُ مواطن العالَم

"ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء" (قرآن).
يكفي أن تدّعي قولاً أنك صالحٌ عقائديًّا فقد زكيتَ نفسَكَ. الصلاحُ الكاملُ صفةٌ من صفاتِ الله ولن يبلغها بشرٌ مهما أوتِي من حكمةٍ.
"إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (قرآن).
يكفي أن تحكم على بشرٍ بالطلاحِ العقائديِّ فقد تجاوزتَ حدودك (La finitude humaine) واستشرفتَ مستقبله ودخلت في علم الغيب، علم يختص به الله وحده ولا يشاركه فيه بشرٌ ولا حتى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
محمد الشعراوي:  "حديث رسول الله لمّا مرّت جنازة يهودي، أخذ الرسول يبكي، فقالوا ما يبكيك يا رسول الله، قال نفسٌ أفلتت منّي إلى النار" (موقع منتديات شبكة الأسهم القطرية). لاحِظ أن الرسول لم يستشرف مسبقًا ساعة اليهودي، ولم ييأس من هدايته إلا بعد وفاته، فَرَقّ قلبه وبكى أسفًا لأنه لم يقدر على إنقاذ نفسٍ بشريةٍ من النار.
لو فعلنا عكس ما فعل الرسول لَكنّا من المخطئين. يحضرني مثال الفيلسوف الفرنسي روجي ڤارودي الذي أسلم وهو في سن 69 عامًا بعدما كان شيوعيًّا ملحدًا. ليس صدفةً أن يُتركَ بابُ التوبةِ مفتوحًا على مصراعَيه حتى الرمق الأخير على شرط أن يكون الطمعُ في رحمةِ الله الواسعة عفويًّا وليس انتهازيًّا أو مبرمجًا سلفًا.
أما الحركات الإسلامية السياسية السنية (إخوان، سلفيون، قاعديون أو دواعش) التي تدعي أن الله اصطفاها لتحقيق مشيئته على الأرضِ مثلما يدعي بَابَا المسيحية أو مرشد الشيعة، فالله لم يصطفِ من البشرِ إلا المُصطفَى. اصطفاه الله وعصمه من الخطأ، لم يكلفه بفرض شريعته سبحانه بالقوة بل كلفه بتبليغ رسالته، بيانه وقرآنه، وقال له آمرًا: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ  لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ". فإن كان الرسول، جل قدرُهُ، مذكِّرًا، فهل يحق لمرشد الشيعة أو الحركات الإسلامية السنية أن يسيطروا؟ مشيئةُ الله لن يحققها على الأرضِ إلا الله، لأنه هو وحده الذي يعرفها مسبقًا.

الله خلق عبدَه 
(Sa créature)
 جسمًا وروحًا 
(Ni bête ni ange, un mélange faible et instable)
 وجعل بين الجسم والروح تفاعلا وتبادلا ورحمةً ومودةً، ثم أسكنَ الجسمَ نفسًا "فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا". بإرادته العلِيّة، خلقَ بشرًا ناقصًا وما على المخلوقِ الناقصِ إلا التسليمُ والانحناء أمام عظمةِ الخالقِ الكاملِ. الروحُ مجرّدةٌ عاليةٌ ساميةٌ وهي من أمرِ ربي (C`est à dire insaisissable et intouchable  أما الجسمُ فهو من خلقِ الله أيضًا، بناه على غير الروح، بناءٌ ماديٌّ محسوسٌ وهشٌّ وذلك لحكمةٍ نجهلها. فإن ضعُف الجسمُ وعصا ربه، فهل يحق لنا أن نعذبه أو نقتله أو نحرقه؟
الله خلقه ضعيفًا فهل تريدون لخلقِ الله تبديلا؟ أتبغون تنصيبَ أنفسكم فوق مشيئة الله؟ أأنتم أدرَى بمستقبل الفرد أم الله أعلمُ؟ أنظرتُكم أشملُ أم نظرة الله؟

أيها الإسلاميون السياسيون الذين لأنفسهم مُزَكُّونْ وعلينا حُكّامٌ مُنصَّبون وفي رقابنا متحكمون ولديننا محرّفون وفي الشر تفتون ومن فعل الخير تتنصلون، أيها المتكبّرونْ المتطرّفونْ المتعصبونْ الاستئصاليونْ الإقصائيونْ، حراسُ المعبد المزيفونْ: في الحق والباطل تكبّرون؟ في السلم والحرب تكبّرون؟ في المظاهرات تكبّرون؟ في قتل الكفار تكبّرون؟ في قتل المسلمين تكبّرون؟ في نسف بيوت الله تكبّرون؟ في الانتخابات تكبّرون؟ في الإضرابات تكبّرون؟ أمام قصر العدالة تكبّرون؟
الله كبيرٌ برحمته ولا يحتاجُ إلى تكبيركم بمناسبة ودون مناسبة، أما أنتم فصغارٌ كالبعوض أو أقل، صغارٌ بأفعالكم المشينة، صغارٌ بحروبكم الأهلية والطائفية والعرقية، صغارٌ بتكبّركم، صغارٌ بسيطرتكم على خلق الله، صغارٌ باستباق مشيئة الله، فلْتعلموا أن لا وجود لمسلمٍ مثالي إلا في خيالكم ولا وجود لعاصٍ أبديٍّ إلا لِقصرِ نظركم. اتقوا الله في خلق الله، تنحّوا جانبًا، حلّوا عن سمائنا واتركوا الحساب للخالق فهو الأرحم بعباده.

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"على كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 27 نوفمبر 2017.