dimanche 20 août 2017

تصدير كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي سفر في الديداكتيك وعشرة مع التدريس (1956 - 2016)"، جزء 3. بقلم بلڤاسم عمامي، باحث متخصًّص في تعلّميّة البيولوجيا ومتفقّد أوّل للمدارس الابتدائيّة

في العلاقة بين الدّولة والتّعليم في تونس:
رصد لسياقات التّحوّل ومهمّات الإصلاح التّربوي
II.               ملامح أزمة النظام التونسي، التعليم نموذجا:
اتخذت الأزمة التي تعيشها تونس مظاهر متعددة مست النسيج الاجتماعي والاقتصادي والتنموي وتدهور الوضع المعيشي والصحي إذ بلغت نسبة الفقر مستوى عال سنة 2014  حيث يعيش ربع سكان البلاد حالة من الفقر المدقع منهم 20 %  تحت خط الفقر، كما تفشت ظاهرة البطالة ليصل العدد إلى ما يقارب 700 ألف بطال تمثل النساء منهم ثلاثة أخماس في حين بلغ عدد البطالين من حاملي شهادات جامعية 160 ألفا والعدد في تزايد سنويا أمام تخرج ما يقارب الـ80 ألفا، وتزايد عدد المتسربين من المدارس والمعاهد (بلغ عددهم سنة 2013 فقط الـ100 ألفا) مقابل ضعف وتيرة الانتداب وخلق مواطن شغل حقيقية، مع ارتفاع جنوني في الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية وتراخي الدولة في تقديم الخدمات الصحية والبريدية والتعليمية والبلدية وتخريب البُنى التحتية، وإهمال تام لقطاعات الشباب والثقافة والمرأة،  والتغاضي على ما أصاب الأنظمة الإيكولوجية من دمار (محميات مهملة، نفايات، تلوث البحر والصحراء..) تصبح الصورة أكثر بؤسا مما أدى إلى تفشي ظاهرة العنف والانحراف وتعاطي المخدرات والتفكك الأسري.
ولعل من أسباب تخلّي الدولة عن التزاماتها إزاء مواطنيها قلّة مواردها وارتباط اقتصادها كليا بالدوائر المالية العالمية مما سارع في وتيرة التّداين إذ بلغت الديون الخارجية للسنة الحالية  48 % من الناتج الخام وتمثل كلفة سدادها سنويا 18 % من ميزانية الدولة، وكنتيجة لذلك، أجبِرت الدولة على فتح السوق المحلية أمام منتوجات الدول الكبرى دون قيود وكذلك تشجيع الاستثمارات الأجنبية بشروط مجحفة ضد مصالح الدولة، ضمن علاقة غير متكافئة مع دوائر المال والأعمال العالمية تحولت من "استشارات إلى نصائح فتوجيهات ثمّ إملاءات " في شكل برامج لإعادة "هيكلة الاقتصاد" وفرض منوال تنمية تابع.             
ولم يبق قطاع التعليم في منأى عن تأثير الأزمة العالمية على تونس، إذ دخلت العلاقة بين الدولة والتعليم حقبة مغايرة مع نهاية السبعينيات، ففُرضت  على تونس شروطا مجحفة مقابل الحصول على قروض لعل من أهمها "تخفيف عبء المصاريف العمومية" والتعليم في مقدمتها، الذي شهد تسارعا في عملية التراجع والتفكك ليبلغ أوجه بإقرار "مشروع مدرسة الغد" في 2002 تحت شعار "تعزيز الهوية" ضمن خصومات سياسية للنظام السابق مع "فكر الإسلام السياسي"، فحظي التعليم الخاص بتشجيعات كبيرة وزحفت الجامعات الخاصة محمية بترسانة من التشريعات ومرونة كبيرة في اعتماد شهائدها.
رضخت الدولة لشروط المانحين وأعلنت "مرحلة التقشف" للتخفيف من أعباء الإنفاق العمومي، وتمّ تدريجيا تحرير السوق وخصخصة المنشآت العمومية حتى الاستراتيجية منها، وفُتح قطاع التعليم أمام المستثمرين وهو ما مثّل تحوّلا في موقع التعليم الخاص في علاقته بالتعليم العمومي من دور "الإسناد" إلى دور"الرّيادة" خاصة في الابتدائي، انجرّ عنه تراجع  لمكانة التعليم في التمثلات الاجتماعية. وتزامن ذلك مع مرونة في شروط معادلة الشهائد الجامعية، ففقدت الجامعة التونسية مكانتها عالميا (الجامعة التونسية لا توجد ضمن 70 جامعة الأولى بإفريقيا ولا ضمن الـ500 جامعة الأولى في العالم)، وتفاقم فشل المدرسة واستفحلت ظاهرة التسرّب المدرسي، وسقطت كل الأوهام حول "التشغيلية بارتباط بسوق العمل الأوروبية"، فارتفعت نسب البطالة مع هبوط في المستوى الفكري، وتفشت ظواهر اجتماعية غريبة مثل الانحراف والعنف والغش والهجرة السرية والتكسب السهل وغير المشروع والإرهاب والتهريب.  وتكتمل الصورة برفع الدولة يدها عن التعليم العمومي وذلك بـغلق مدارس الترشيح والمعاهد العليا للمعلمين وتقليص ميزانية التربية (من ثلث الميزانية إلى 17%  فقط) وتكريس مبدأ عدم المساواة بإقرار التعليم النموذجي واعتماد مقاربات ومحتويات بشكل اعتباطي  والإحجام عن القيام بأي إصلاح جدي.

إمضائي
 وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ إعادة النشر على النت: حمام الشط، الاثنين 21 أوت 2017.Haut du formulaire






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire