في العلاقة بين الدّولة
والتّعليم في تونس:
رصد لسياقات التّحوّل ومهمّات
الإصلاح التّربوي
I.
تاريخيّة المدرسة العمومية التونسية:
أ- يعود تاريخ
المدرسة العمومية في تونس إلى العصر القرطاجني حيث كان التعليم عموميا ومهيكلا إلى تعليم ابتدائي ويسمى بارقولا "Pergola" منتشر في المدن وأيضا في القرى والمناطق الريفية، أما المستوى الثاني
ويسمى لوداس "Ludas" ويخص الأطفال
بداية من ال 12 عاما حيث يعنى
بتدريس شرح النصوص والنحو ونظام المعايرة (مبحث مقادير الأدوية)
والعلوم الطبيعية والرياضيات... أما المستوى
الثالث فيعنى بعلم البلاغة والبيان ضمن مدارس مخصصة لأبناء الذوات والنبلاء، وأخيرا التعليم الجامعي في
اختصاصات متعددة منها الآداب واللغات والحقوق والموسيقى والطب والطبيعيات (ماغون القرطاجني الذي يعدّ أب الفلاحة والذي
ترك موسوعة "كتاب الفلاحة" في 28 مجلدا
اعتبرها مجلس شيوخ روما المنتصرة أهمّ غنيمة حرب) لقد كانت جامعة قرطاج منافسا
جديا لجامعتي روما وأثينا [3]
ب- كما
اهتمت الدولة الحفصية بالتعليم وكان تعليما تحت إشراف الدولة من حيث
المحتويات والفضاءات والأجور، إذ لم تمض ست سنوات فقط بعد تأسيس دولته، حتى تولى
أبو زكرياء الحفصي بعث أول مدرسة سنة 1234 وهي "المدرسة الشماعية" [4]
بسوق الشماعين ثم المدرسة التوفيقية سنة 1252 قرب جامع الهواء وأسستها الأميرة عطف
زوجة أبو زكرياء، وكان عدد المدارس العمومية في تلك الحقبة قد بلغ الخمسة عشر
مدرسة في مدينة تونس لوحدها.
ت- لقد
اهتمت سلطة الاحتلال بعيد انتصابها في تونس بالتعليم باعتباره وسيلة
لنشر ثقافتها فبنت المدارس العصرية كنوع من الترويض الثقافي والمعرفي وفتحتها أمام
التونسيين بالتوازي مع الإبقاء على التعليم الزيتوني (حظيت قريتي المكناسي بالوسط
التونسي بمدرسة عصرية منذ 1903)، ولقد استفاد التونسيون من التعليم العصري وتعاطوا
معه "كغنيمة حرب" مثله مثل المواصلات والسكك الحديدية والمسارح.
ث- اهتمت دولة
الاستقلال بالتعليم فأصدرت أول قانون ينظم التعليم [5]
بتونس سنة 1958 وجعلت من غائياته الضبط الاجتماعي، بالتركيز على بناء
الشخصية التونسية وتحميل المدرسة "تزكية هذه الشخصية" مثلما حددها الشيخ
عبد العزيز الثعالبي منذ 1928 في كتابه "l’esprit
libéral du coran الروح التحررية للقرآن" كالتالي: "أن يستمدّ المسلم العناصر القادرة على
تغيير عقليته وتحويله إلى إنسان جدير حقيقة بهذا الاسم، أي إنسان حرّ ومتعلّم
ومتأثّر بكلّ ما له علاقة بالإنسانية والرّقيّ والحضارة"[6]، وهي ذات المبادئ التي نصّ عليها الفصل 39 من
دستور 2014، وتحصين التعليم من "إمكانية العودة إلى النّمط
الزيتوني"بجعله تعليما عصريا وموحّدا، وضمان استمرارية الإدارة والدواوين
وتزويدها بالإطارات الوطنية تعويضا للأجانب المغادرين، واعتبار أن التعليم عامل
ترقّ اجتماعي فتعزّزت مكانته في التّمثلات الاجتماعية للتونسي.
ولقد تمثل هذا الاهتمام خاصة في سَنّ التشريعات ورصد التمويلات (ثلث
الميزانية يخصص للتعليم) وضبط التوجهات الكبرى والمحتويات وبناء الفضاءات في كامل
أنحاء البلاد وتأمين تكوين المعلمين والأساتذة (بعث دور ترشيح المعلمين) مع قدرة
تشغيلية عالية لخريجي المدارس. هكذا لعبت الدولة دورا تنمويا شمل قطاعات واسعة من
المجتمع وأنشطته وعلى رأسها التعليم.
إمضائي
وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ إعادة
النشر على النت: حمام الشط، السبت 19 أوت 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire