سؤال إلى دعاة تطبيق الحدود الشرعية
الآن: أيّهما أفضل، تطبيقها الآن أو تأجيل تطبيقها إلى يوم العدل المطلق اتقاءً لضعف
و ظلم و طمع البشر؟ مواطن العالم د. محمد كشكار
شاركت اليوم، الثلاثاء 20
مارس 2012، في مظاهرة عظيمة بآلاف التونسيين، المدنيين السلميين البسطاء
المستنيرين، للمطالبة بتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، لا دولة دينية رجعية و لا دولة
عسكرية دكتاتورية و ذلك بمناسبة إحياء ذكرى عيد استقلال تونس في 1956.
تصوّروا معي هول الكارثة، لو
طبّق نظام "بن علي" الحدود الشرعية (القَصَاصُ و قتل المرتد و المرتدة عن الدين الإسلامي و قطع يد
السارق و السارقة و جلد - قرآن - أو رجم - حديث - الزاني و الزانية) على التونسيين منذ 1987(و قد فعلها في السودان زميله عمر
البشير بمباركة حسن الترابي)، لو طبّقها و تمادى في حكمه الظالم 23 عاما رغم معارضة
الإخوان و العَلمانيين و الشيوعيين و القوميين. فماذا سيحدث يا ترى؟ ستحدث كوارث
رهيبة لن يصلحها، لا التاريخ و لا الثورات! سوف يبدأ بقطع الرؤوس قبل قطع الأيادي.
لو فعلها لـحَكَمَ بعض قضاتِه الظالمين المرتشين بالإعدام شنقا على الغنوشي و
الجبالي و ديلو و البحيري و بن سالم بتهمة الخروج على الحاكم المسلم، و بالإعدام
رميا بالرصاص على حمة الهمامي و زوجته راضية النصراوي و منصف المرزوقي و نجيب
الشابي و مصطفى بن جعفر بتهمة العَلمانية و الكفر و الإلحاد.
و لَاتهمت نيابته العمومية المنحازة
المناضلين القاعديين اليساريين و الإسلاميين و القوميين و لَألصقت بهم و ألبستهم
زورا و زيفا قضية سرقة بسيطة و حَكَمَ بعض قضاته الظالمين المرتشين بقطع أياديهم
جميعا.
و لَكُنَّا نتيجة عهده الإسلاموي
المطبّق الحدود الشرعية، سنفقد خيرة زعمائنا و مناضلينا من اليساريين و
الإسلاميين و القوميين و لأصبح مناضلونا القاعديون معوقين عضويين. حصيلة ثقيلة لا
ينفع بعدها محاسبة أو مصالحة أو تسامح!
أثري مقالي ببعض
ما قاله الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي في هذا المضمار في برنامج الشريعة و الحياة في قناة الجزيرة و قد
يصبح المعنى - بعد ما صغته بتصرف - غير مطابق حرفيا لما قاله الأستاذ بالضبط:
-
و للشريعة في
الواقع وجهان: وجه تربوي و وجه ردعي. فلو طوّرنا الوجه الأول فقد نستغني عن الوجه
الثاني لأن عندما يكبر الوازع الذاتي التربوي الأخلاقي تنقص الحاجة للوازع الخارجي
الردعي. (إضافة م. ع. د. م. ك: و ما أحوجنا الآن إلى الوجه التربوي أكثر من
حاجتنا إلى الوجه الردعي وربما لن نحتاج في المستقبل لهذا الوجه الجزائي تماما).
-
بعد موت النبي
المعصوم في تبليغ الوحي الإلهي, أصبحت الجماعة أي الأمة هي المسئولة الوحيدة عن
الشريعة. فالجماعة إذن - و ليس الفقيه أو السلطان - هي التي تختار بحرية تطبيق
الشريعة و هي التي تراقب التطبيق في نفس الوقت, هي إذن الديمقراطية و دولة القانون
و المؤسسات بالمعنى الغربي للكلمة و ليس بالمعنى العربي المشوّه. لو احتكر الحاكم
سلطة الدين و سلطة القانون لأصبح طاغية بالتأكيد.
-
قد يسبّب اختلاف
الشريعة مع الواقع نوعان من الانفصام لدى الإنسان: انفصام محمود و انفصام مذموم.
الانفصام المحمود يرى أن الشريعة تمثل المثال المتعالي عن الواقع الذي نسعى دائما
لتحقيقه مع العلم أن الشريعة لم تتحقق كاملة متكاملة في أي لحظة من تاريخ المسلمين
منذ الرسالة حتى الآن و لن تتحقق لأنك ستجد دائما من يخالفها عن قصد أو عن عجز أو
عن جهل أو عن كفر أو عن إلحاد أو عن مرض. أما الانفصام المذموم دينيا فيرى أن لا
حاجة لنا لمثال نسعى لتحقيقه و لن نحققه فنكتفي إذا بواقعنا و نحاول تحسينه و هذه
سياسة الرأسمالية الذي ينعتها "فوكوياما" بنهاية التاريخ.
-
البدو غير
المتحضرين هم أبعد الناس عن الشريعة لأنهم أبعد الناس عن التمدّن و فهمهم للدين
منافِ للشريعة التي لا يرون منها إلا قطع اليد و إقامة الحد.
خاتمة:
أنهي مقالي بطرح
الإشكالية التالية: ماذا ستكون حصيلة تطبيق الحدود الشرعية لو طُبِّقت في ظل حكم "الترويكا"
(الثلاثي) بقيادة حزب حركة النهضة؟ ربما ستكون أفظع من حصيلة تطبيقها في ظل النظام
البائد، و ذلك للأسباب التالية الخارجة عن نطاقها: بعد الثورة، عمّت الفوضى و
السرقة و زاد الفقر و انتعش الجهل و استفحلت الرشوة و قل العمل و أصبح الكسل
تعبيرا عن الرأي و زاد عدد القضاة الظالمين
المرتشين و تحصّن خارقو القانون من الأمنيين بالنقابة المهنية المنحازة لمنخرطيها
و المسانِدة لهم، ظلمة أو مظلومين. عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، علق تطبيق الحد
على السارق لأسباب اجتماعية أقل بكثير مما أصابنا بعد الثورة، علقه في عام المجاعة
(عام الرمادة). فإذا كان عمر بن الخطاب - المشهور بعدله - قد علق تطبيق الحدود الشرعية لمدة عام، فماذا سنفعل بها نحن إذن تحت أنظمة حكامنا
العرب المعاصرين المشهورين بظلمهم؟
يبدو لي - و الله و أهل العلم الفقهي و الغربي أعلم - أنه من الأفضل لنا و الأسلم
للجميع و الأتقى لله أن نؤجل تطبيق الحدود الشرعية إلى يوم العدل
المطلق اتقاءً لضعف و ظلم و طمع البشر!
إمضائي المختصر:
لا
أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه
إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده
الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد
بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 20 مارس 2012.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire