dimanche 12 octobre 2014

أيُّ أمة نحن، عجز التدين و العلم و الثورة مجتمعين عن تغييرها؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

أيُّ أمة نحن، عجز التدين و العلم و الثورة مجتمعين عن تغييرها؟ مواطن  العالم د. محمد كشكار

لا أعرف من أين أبدأ؟ من عجزي أنا شخصيا، أو من عجز نخبنا العلمية و الفكرية و السياسية، أو من عجز سلطتنا و معارضتنا، أو من عجز دعاتنا و رجال ديننا، أو من عجز إيماننا بقدرتنا على التغيير؟

أبدأ بنقد نفسي: عِلمٌ تعلمته، خلال المرحلة الثالثة تعليم عال بعد الإجازة، على مدى سبع سنوات (عامان ماجستير و خمسة دكتورا) في أرقى الجامعات الفرنسية، عِلمٌ عجزت عن تمريره لمن هم في أشد الحاجة إليه (رجال و نساء التعليم). بعد التقاعد، مُكره أخاكم لا بطل، اكتفيت بمقال يومي في الفيسبوك و محاضرة أو اثنتان مجانيتان في العام و الباقي كتب من المكتبة العمومية و حديث ثقافي في المقاهي. هل العِلة فِيَّ أنا أم في البيئة الاجتماعية أم في الاثنين معا؟

نُخبنا و ما أدراك ما نخبنا! جل أساتذة جامعاتنا، ناقلون للعلم غير منتجين له. جل أطبائنا تجار مستكرشون لا يشبعون و من دماء فقرائنا لا يرتوون و للبحث العلم تاركون. جل محامينا مرتشون و جل متهمينا راشون، فأي عدالة نحن لها منتظرون؟ جل مثقفينا منبتّون و في سحر الحلول الغربية الجاهزة معتقدون جازمون. أما نقابيونا القياديون المحترفون فهم لـ"التكنبين" و تدليس الانتخابات مُفْرَغون و متفرغون و لمرتباتهم دون شغل قابضون، و جلهم للأسف يساريون انتهازيون و للعمال و حلم ماركس الوهمي خائنون و من جنته للبروليتاريا مقصون  و مطرودون و بحقوق العمال يتلاعبون و من مقايضتها مقابل امتيازات ذاتية يسترزقون. جل أساتذة الثانوي و معلمي الابتدائي، هم للعلم بائعون و للأطفال الأبرياء مستغلون و بمستقبل باهر لهم واعدون. دنيا و آخرة، كلهم ملعونون.

جل عمالنا اليدويين متكاسلون و لمهنهم غير متقنين و في أعمالهم يغشّون و في تقدير عرقهم يُغالون و يبالغون. جل تجارنا للسلع الحياتية محتكرون و لعرق المنتج سارقون و على المستهلك يتحايلون. جل موظفينا  دون سبب يتغيبون و على الرخص المرضية مقبلون و كبارهم في السن بعطل المرض طويل الأمد يتمتعون و خارج أماكن عملهم في صحة جيدة يشتغلون و لرواتبهم مضاعفون و من حرامه يكتسبون.

جل سياسيينا، يسارا و يمينا، شرعا على الكراسي يتعاركون، لكن ليس شرعا أنهم للمصلحة العامة مهملون و لكل مشروع وطني من البنك العالمي يستلفون و التبعية الاقتصادية لنا جالبون. جل يساريينا مع اليمين الليبرالي متحالفون و عن جرائم التجمعيين صامتون و للإسلاميين فقط معادون و مشيطنون. جل إسلاميينا بمشروعهم غير مؤمنين و لخدمة تونس غير متحمسين و لمزايا العَلمانية عليهم ناكرون و مع التكفير متسامحون و للجهاد ضد إخوانهم في سوريا و العراق داعون. أما رموز الدساترة فهم لا يستحون، من سبسيهم إلى مرجانهم إلى قرويهم، و مكانهم في السجن لا يخرجون و في تونس الغد لا يفسدون.

جل أئمتنا صادقون يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و في العام الواحد 52 خطبة جمعة عصماء مثالية جوفاء يلقون. و وعظهم للأسف لم و لن يتجاوز سور الجامع أو قد يتجاوزه صوتا ناشزا عبر مكبرات الصوت. جل مصلينا لم و لن تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء و المنكر لا لأن الصلاة لا تنهى بل لأنهم هم لا ينتهون و إلا لَما أمرنا الله بتطبيق باقي أركان الإسلام الأربعة! القرآن خلق أمة و الأمة لم تواصل الرسالة و لم تخلق شيئا يُذكر فيُشكر. صحيح كنا "خير أمة أخرِجت للناس". مَن أخرجها يا مسلمي اليوم؟ أخرجها سبحانه تعالى للعالمين و أسسها محمد صلى الله عليه و سلم و سلمها إليكم أمانة في رقابكم جميعا، خنتم الأمانة بعد ما استخلفكم الله في الأرض، فمن أدراكم أنكم لا زلتم خير أمة أخرِجت للناس؟ من أدراكم أنه، سبحانه و تعالى، لم يستبدلكم بأمة من أممه الراقية كالأمة الأسكندنافية مثلا؟ و بماذا تدافعون عن أنفسكم؟ بنفاقكم أم بمتاجرتكم بدينكم أم بتناحركم و تقتيلكم لبعضكم أم بتخاذلكم أمام العدو و عدم نصرتكم لإخوانكم في غزة أم باستئسادكم على الأقليات المستجيرة بكم أم باستباحتكم قتل المستضعفين منكم ابتغاء لمرضاة أمريكا؟ هل خُلقتكم لتحمل مشقة تبليغ الرسالة كما تحملها أسلافكم؟ و الله العظيم أشك فيكم و في نواياكم ما لم تستقيموا و تعطوا المثال الطيب قبل أن تأمروا بما ليس فيكم و تدعوا زورا لِما أنتم غير قادرين على تنفيذه. و الله نبهكم و قال لكم: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فما بقي لكم إلا أن تشمّروا على سواعدكم و تبحثوا عن أسباب الرقي خارج أسوار تخلفكم و تأخذوا بها و لو من عدوكم، و أنهِي بالآية  الكريمة: "و قل اعملوا فسيرى الله أعمالكم" آمين.

لم يدّع العلم يوما أنه قادر على تغيير قيم مجتمع ما، لكن أكيد لن يحصل تغيير بعد اليوم دون علم (Les connaissances ne changent pas les valeurs).

إمضاء م. ع. د. م. ك.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 25 أوت 2014.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire