الحداثة في الحضارة العربية
ليست "مستوردة" و ليست "فطرا". نقلا عن أدونيس. مواطن العالَم
د. محمد كشكار
(...) الحديث لا يمكن أن ينشأ
إلا بنوع من التعارض مع القديم من جهة، و بنوع من التفاعل مع روافد من تراث شعب
آخر. و هذا ما تنطق به الحضارة العربية، ككل، فهذا الذي نسميه الحضارة أو الثقافة العربية
التي نضجت في العصر العباسي، إنما هي، في أعمق أبعادها، جسد مغاير للجسد الثقافي
الجاهلي. إنه مزيج تأليفي من الجاهلية و الإسلام، تراثيا، و من الآخر، الهند و
فارس و اليونان، تفاعليا - أي مما كان يشكل النتاج البشري الأكثر حضورا و فاعلية،
بالإضافة إلى العناصر الأكثر قدما مما ترسب في الذاكرة التاريخية: سومر، بابل، و
آشور في صورها الآرامية-السريالية.
و في هذا أعطت الفاعلية
الإبداعية العربية المثل النموذجي الأول: لا يمكن أن تقوم لشعب ما، ثقافة بذاتها،
في معزل عن ثقافات الشعوب الأخرى، فثقافة كل شعب حضاري إنما هي تأثر و تأثير، أخذ
و عطاء، حركة من التفاعل. كذلك أعطت الفاعلية الإبداعية العربية المثل الآخر و هو
أن شرط هذا التفاعل أن يتسم بالإبداعية و الخصوصية في آن. و قد نقل العرب هذا
المزيج التأليفي الإبداعي الخصوصي، في ذروته العليا، إلى الآخر - و هو هنا الغرب -
عبر الأندلس.
ما الحداثة في المستوى الذي
عرضناه؟ إنها التغاير: الخروج من النمطية، و الرغبة الدائمة في خلق المغاير. و
الحداثة، في هذا المستوى، ليست ابتكارا غريبا. (...) "القديم" و
"المحدث" (و هذان مصطلحان عربيان "قديمان").
المصدر
الحداثة و انتقاداتها. 2 نقد الحداثة من منظور
عربي-إسلامي، إعداد و ترجمة محمد سبيلا و عبد السلام بنعبد العالي، دار توبڤال
للنشر، الطبعة الأولى، 2006، الدار البيضاء، 102 صفحة، مقال في الحداثة الشعرية،
أدونيس، صفحة 87.
تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط، 24 أكتوبر 2014.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire