dimanche 21 avril 2013

محاولة فلسفية خامسة: مفهوم "التطوع لوجه الله"؟ مواطن العالم د. محمد كشكار



محاولة فلسفية خامسة: مفهوم "التطوع لوجه الله"؟ مواطن العالم د. محمد كشكار


أنبّه القارئ أنني لا أنطلق في مقالي هذا من بحث فقهي مسبق و لست مختصّا في الدين، إنما هي مجرد خواطر تشغلني، أردت نقل إشكالاتها إلى قرائي الأعزاء حتى يدلوا بدلوهم فيها و يعطوا رأيهم فأستفيد من نقدهم و يستفيد الغير من النقاش العلمي و الموضوعي نسبيا

أنا لا أشك لحظة في الفائدة الدينية الروحية الأخروية لمفهوم الشهادة في الإسلام لكن أردت فقط إعادة الاعتبار لمفهوم "التطوّع لوجه الله" المتجذّر في ثقافتنا العربية الإسلامية. أنا لا أرى في الواقع المعيشي للمواطنين الأحياء فائدة في الشهداء الأموات ما عدى القُدوة الحسنة و قد أكون مُجانبا للحقيقة قليلا، لقصر في النظر ناتج عن قلة التجربة و العلم في الأمور الدينية و الدنيوية

قد يفوز الشهيد المرحوم بالجنة يوم القيامة، و العلم عند الله، لكن ممّن نستفيد نحن أكثر، من شهدائنا الأحياء عند ربهم و الأموات عندنا أو من المتطوّعين لوجه الله، الأَحْيَاءٌ بيننا؟ و قد قرأت مرّة أن الله سبحانه و تعالى يتسامح و يعفو عن عبده إن قصّر في أداء واجبه نحو ربه و لا يُسامح عبده إن قصّر في أداء حق تجاه أخيه من البشر

ماذا أعني بمفهوم "التطوع لوجه الله"؟ مع الملاحظة أن وجه الله ليس حِكرا على الإسلاميين أو المسلمين، يسع وجه الله الناس أجمعين مسلمين و مسيحيين و يهود و وثنيين و بوذيين و ملحدين و لا أدريين و غيرهم، رحمته واسعة، شملت بعفوه و قدرته الكون و ما فوق الكون،  يا مؤمنين، أرجوكم، لا تضيّقوا في غُفرانه تحت تأثير ضِيقِ أفقكم

أول مثال يحضرني و أنا أكتب المقال هو مثال رجل كويتي، نسيت اسمه، شخصية غنية مرموقة، وهب صحته و ثروته و جاهه لخدمة الفقراء السود الأفارقة دون تمييز بين مسلم و مسيحي و وثني و دون أن ينتظر جزاء و لا شكورا و دون أن يحاول أسلمتهم بواسطة الوعظ و الإرشاد المباشر و أقام بينهم سنينا، خادما صادقا مخلصا أمينا

المثال الثاني يتجسّم في منظمة "أطباء بلا حدود" التي تُسعف المصابين و المرضى خلال الحروب و الكوارث الطبيعية دون "تمييز ظاهر" بين الجنسيات و الأديان و الألوان.

المثال الثالث هو عبدكم الفقير لله، أنهيت دراستي العليا في سن متأخرة نسبيا و تحصلت على شهادة الدكتورا من جامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا سنة 2007 و لم ينصفني النظام البائد بانتدابي للتدريس بالجامعة التونسية لخلل في مؤسساته. قدّم لي هذا النظام خدمة مجانية من حيث لا يشعر فوهبت نفسي "متطوعا لوجه الله" و تفرّغت لنقد التصوّرات غير العلمية السائدة في مجتمعنا التونسي على صفحات الفيسبوك، أدامه الله علينا، لا أبغي من وراء عملي هذا جزاء و لا شكورا و لا أطمح و لا أطمع في شغل أي منصب سياسي أو إداري خاصة و أنا في الستين من عمري. أنا راض بما سطّرته لي الأقدار و الظروف و أجد متعة لا تضاهيها أي متعة في الوجود، المتعة الفكرية، أنا أكتب لنفسي أولا و لإرضاء ضميري ثانيا، متطوّع لوجه الله

ما من أحد منّا يملك كل الحقيقة لكن كل واحد يُدرك جزءا بسيطا منها. لتتضافر جهودنا إذن لغربلة تصوراتنا غير العلمية تجاه قضايانا المصيرية و غير المصيرية، العاجلة و الآجلة، دون تفضيل أو أولوية بين المهم منها و الأقل أهمية

سوف أستثني في حديثي هذا، شهيد الحروب التي يتقابل فيها جيشان مسلحان، جيش احتلال و جيش تحرير. يَهَبُ الشهيد الفلسطيني و العراقي حياته "من أجل تحرير وطنه". و في بعض الحالات، يفجّر نفسه بين البشر، أيّ بشر، لا يميّز بين العسكريين و المدنيين الأبرياء مسلمين و غير مسلمين و لا يفرّق بين الكهول و الأطفال و النساء و الشيوخ و الأسوياء و المَعوقين

أي وطن هذا الذي نريد تحريره بتفجير قلوب محبّيه من الشهداء؟ و أيّ تحرير، يُبيح لنا قتل المدنيين العُزّل الأبرياء غير المسؤولين عن سياسة حكّامهم المستبدّين؟

أي وطن هذا الذي نقدّم له قرابين من الأبرياء، أطفالا و شيوخا و مَعوقين، يهودا كانوا أو مسلمين؟

يموت الشهيد حبا في الله فيفارق الدنيا و يبقى حيا في الآخرة، كما قال الله تعالى: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" [آل عمران:169

أنا مواطن، أوتيت من العلم قليلا و من الصدق في القول و الإخلاص في العمل  ما قدّره الله لي، أطرح السؤال التالي: إذا وصل الإيمان بقضية الوطن عند قُدوتنا، المناضلين الفلسطينيين و العراقيين، إلى حدّ الاستعداد للتضحية بالجسد و الروح فلماذا لا يَهَبُ بعضهم حياته جسدا و روحا متطوّعا لوجه الله في العمل الخيري و يُبقي على حياته حتى يأخذ الله أمانته سليمة؟ أَلاَ يكون التطوّع لوجه الله في العمل الخيري  أَفيَدَ و أنفع للوطن و المواطنين؟

كيف؟
-         لنأخذ مثلا رجلا نجّارا مسلما يفكّر و يرغب في الاستشهاد و مستعد للتضحية، عوض أن يموت و ينتهي أداؤه في الدنيا و يذهب إلى الآخرة و معه حسنة واحدة مهما علا شأنها. لماذا لا يتخلى عن الاستشهاد، حبا في الله أيضا، و يواصل حياته كمتطوّع لوجه الله، نجّارٌ يَحْيَ بين البشر، مُيسّر و مُسيّر من الله لخدمة الضعفاء من مواطنيه دون مقابل، يحلّ أقفالهم المُغلقة و يفتح أبوابهم الموصدة و يصنع أثاث مدارسهم في انتظار أجله ليلتحق بالرفيق الأعلى و في جعبته الملايين من الحسنات عوض واحدة فقط
-         يخدم النقابيُّ "المتطوّع لوجه الله" الله زملاءَه دون حسابات حزبية أو مادية ضيقة
-         يقدّم الناشطُّ السياسيُّ "المتطوّع لوجه الله" مصلحة شعبه على مصلحة حزبه
-         يُعطي المدرّسُ "المتطوّع لوجه الله" أولاد الفقراء دروسا خصوصية مجانا
-         تُرضع الأمُّ "المتطوّعة لوجه الله" و تربّي أطفالا لا أمَّ لهم
-         ينقل سائقُ التاكسي "المتطوّع لوجه الله" في أوقات فراغه، الكبيرَ و الفقيرَ و المريضَ دون مقابل
-         تَهَبُ الجرّاحةُ "المتطوّعة لوجه الله" نفسها للقيام بعمليات جراحية مستعصية في مناطق الظل
-         يُعالج الطبيبُ "المتطوّع لوجه الله" الفقراءَ و المساكينَ الذين لا يتمتعون بتغطية صحية
-         يبني  البنّاءُ "المتطوّع لوجه الله" بيوتا للمعوزين و المشرّدين، فاقدي السند العائلي و الاجتماعي
-         يترافع المحامي "المتطوّع لوجه الله" و يدافع مجانا على من لا محاميَ له سوى الله

بهذه الطريقة المبتكرة التطوّعية لوجه الله ، يصبح التطوّع لوجه الله مُباحا للمسلمين و غير المسلمين في الحرب و السلم و في متناول الجميع و ليس حكرا على الشباب و الكهول من الفلسطينيين و العراقيين و اللبنانيين و يصبح عندنا جيش من المتطوّعين لوجه الله متكون من جنود، عائشين بيننا في الدنيا، ينعمون بحياتهم و يهبون الحياة لغيرهم من البشر، كل البشر، دون تمييز جنسي أو ديني أو عرقي أو طائفي أو وطني أو جهوي و ليس جيشا متكونا من قنابل بشرية موقوتة. متطوعون وهبوا أنفسهم لوجه الله و اشتروا الحياة بالحياة و جسّموا قيم الإسلام السمحة أفضل تجسيم و قدّموا للناس، كل الناس، خدمات مجانية

عندما ينبثق و ينتشر و يعمَّ ثقافتنا العربية الإسلامية هذا النوع الجديد من قيم التطوّع لوجه الله و يكثر الخير في الدنيا، عندئذ، يحق لنا تذكير العالم بأننا أحسن أمة أُخْرِجَتْ للناس، نَهَبُ الحياة من أجل الحياة و لا تنتظر جزاء و لا شكورا
خلاصة القول:
في هذه الأوقات العصيبة التي تمرّ بها أمّتنا العربية الإسلامية، نحن في أشدّ الحاجة إلى تضحيات الشهيد و تضحيات المتطوّع لوجه الله في الوقت نفسه
أمضي مقالي كالعادة بجملتين: "أنا أكتب، لا لإقناعكم بالبراهين أو الوقائع، بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى". "على كل مقال سيئ، نرد بمقال جيد لا بالعنف اللفظي أو المادّي

تاريخ أول نشر على النت
حمام الشط في 16 سبتمبر 2010

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire