محاولة فلسفية 13: الاختيار
الصعب: الديمقراطية السياسية أولا، أم العدالة الاجتماعية أولا؟ مواطن العالَم د.
محمد كشكار
سأمر مباشرة إلى لب الموضوع دون
مقدمات معتمدا على ذكاء و سِعة اطلاع القارئ و أبدأ بعرض جملة من الأمثلة الحية
1.
الديمقراطية السياسية أولا أم العدالة الاجتماعية أولا؟
-
كوريا الجنوبية و كوريا الشمالية
انقسم
الشعب الكوري الواحد إلى دولتين متجاورتين. كوريا الشمالية اختارت العدالة
الاجتماعية متمثلة في صورة من صورها المحرفة من الشيوعية و هي اللينينية
الستالينية الماوية أو أُجبرت على الاختيار من قبل حليفيها المتعاقبين الاتحاد
السوفياتي و الصين الشعبية و أهملت تماما الديمقراطية فوصلت إلى نظام حكم شيوعي ستاليني
ماوي مشوه تُورّث فيه رئاسة الجمهورية من الأب إلى الابن إلى الحفيد و لم تنجح في
تحقيق العدالة الاجتماعية حتى في أبسط تجلياتها: الغذاء و الدواء لعامة الشعب.
دولة شيوعية ترتهن في تغذية أبنائها إلى هبات من الدول الرأسمالية! أما شقيقتها السفلى
كوريا الجنوبية، فقد فرضت عليها أمريكا أو اختارت بمحض إرادتها الديمقراطية فاستطاعت
في عشرية أو عشريتين أن تقلع و تحلّق في سماء الرقي و التقدم الاقتصادي و أصبحت قوة اقتصادية متقدمة و معتبرة في العالم
الرأسمالي بعد ما كانت تُصنّف في الخمسينات كثالث أفقر دولة في العالم. جلبت الديمقراطية
لكوريا الجنوبية التنمية و التقدم العلمي و التكنولوجي فقطعت شوطا مُهمّا في تحقيق
العدالة الاجتماعية و نقلت بروليتاريتها إلى مستوى معيشي مادي و أدبي محترم، مستوى
يحلم به أي بروليتاري في الدول الشيوعية حيث تُمارس الديكتاتورية على البروليتاريا
باسم ديكتاتورية البروليتاريا نفسها مالبروليتاريا منها براء
-
ألمانيا الغربية و ألمانيا الشرقية
انقسم
الشعب الألماني الواحد إلى دولتين متجاورتين. ألمانيا الشرقية، فرض عليها الاتحاد
السوفياتي أو اختارت بمحض إرادتها العدالة الاجتماعية متمثلة في صورة محرفة من الشيوعية
و هي اللينينية و أهملت تماما الديمقراطية فوصلت إلى نظام حكم ديكتاتوري شيوعي
لينيني مشوه، أما شقيقتها الكبرى ألمانيا الغربية فقد فرضت عليها أمريكا أو اختارت
الديمقراطية بمحض إرادتها فاستطاعت أن تواصل نمط التنمية الاقتصادي المتسارع فوصلت
في ظرف نصف قرن إلى أحسن دولة مصنعة في العالم الرأسمالي دون مقاومة مسلحة
للمستعمر الأمريكي الذي حررها من نفسها، أي من النازية الألمانية نفسها فتنكرت لماضيها
النازي و أدانته سرا و علنا
-
مصر و الهند
في
الخمسينات اختار عبد الناصر العدالة الاجتماعية و اختار نهرو الديمقراطية. افتك
عبد الناصر الأراضي من الباشوات الإقطاعيين و قسّمها على الفلاحين و بعد نصف قرن
رجعت هذه الأراضي إلى ملاكها القدامى و رجع الفلاح المصري إلى فقره و جهله و جلبت
ديكتاتورية عبد الناصر الذل و العار إلى الشعب المصري و إلى كل الشعوب العربية بعد
هزيمة 1967 أمام الجيش الإسرائيلي الغاصب. أما الهند فأرست نظاما ديمقراطيا، نظام
جلب لها الاكتفاء الذاتي و التقدم العلمي و التكنولوجي و العزة و المناعة في الوقت
نفسه
-
ألمانيا النازية
وصل
هتلر إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع و ألغى الديمقراطية فألغته الديمقراطية إلى
الأبد و رمته في سلة مهملات التاريخ البشري و ورّث الشعب الألماني استحقاقات و تعويضات كبيرة
يدفعها حتى الآن إلى اليهود و غير اليهود
-
الاتحاد السوفياتي
اختار
لينين تطويع الماركسية إلى نزواته الديكتاتورية و جرّ وراءه شعوبا غير روسية بأكملها
و جاء بعده ستالين و أجهز على الطبقة البروليتارية باسم ديكتاتورية البروليتاريا
ثم قضى قضاءً مُبرما على "الأنتليجنسيا" أي الطبقة المثقفة و المفكّرة و
النيّرة بما فيها علماء الطبيعة. انهار الاتحاد السوفياتي بعد سبعين عاما كنمر من
ورق (كان ماو يشبه الرأسمالية بنمر من ورق) و لم تصل شعوب الاتحاد السوفياتي، لا
إلى الديمقراطية و لا إلى الرقي الاجتماعي المنتظر على مستوى الفرد البروليتاري. فرضوا تدريس و
تلقين الإلحاد في جامعاتهم و بعد سبعين عام انقرضت الشيوعية اللينينية و الشيوعية
الستالينية و ذهب الإلحاد و بقي الدين
المسيحي الأرتدوكسي و الدين الإسلامي كأن لم يمسسه شيء
خلاصة
القول
الديمقراطية
السياسية تجلب وراءها العدالة الاجتماعية النسبية و حرية الرأي و حرية المعتقد
الديني و الفلسفي و العكس غير صحيح فإن قدمنا زمنيا العدالة الاجتماعية على
الديمقراطية فسنخسر الأولى و الثانية
ملاحظة
جميع
الحقوق محفوظة لمنتج الفكر المتعصب للديمقراطية ضد الإيديولوجية
و صاحب مقولة "الديمقراطية أهم و أولى و أقرب و أسهل تحقيقا من العدالة
الاجتماعية"، أستاذ الفلسفة القدير حبيب بن حميدة، الديمقراطي اليساري
المستقل، المتقاعد الفرنسي و الألماني اللسان، غير المغرّب و غير المعرّب،. أما
التأثيث و الأمثلة المتعددة فهي من إنتاجي الخاص
2.
التوظيف السيئ للعلم و التنمية تحت الحكم الديكتاتوري
-
صنع صدّام حسين الكيمياوي المزدوج و طوّر الصواريخ
السوفياتية المتخلفة و أهمل توظيف الثروة النفطية الوطنية في ما ينفع الناس. بعد حرب
الخليج الأولى، حاصرته أمريكا حصارا اقتصاديا إجراميا فظهرت عيوب تنميته و اكتشفنا
أن العراق لا يصنع المضادات الحيوية و لا يتمتع باكتفاء غذائي ذاتي و لا يقدر حتى
على تحويل نفطه الخام إلى بنزين للسيارات
-
حاول بومدين إرساء صناعة ثقيلة في الجزائر باستيراده
مصانع جاهزة من الألف إلى الياء و قطع أشجار العنب المنتجة للكحول (كانت الجزائر
قبل الاستقلال تُعدّ المنتج العالمي الثاني للكحول) و حاول تعويضها بإنتاج القمح و
الثمار و الخضر و الغلال. لم ينتج قمحا و لا غلالا و لم يصنع سيارة و لا دراجة و
ذهبت الثروة النفطية الوطنية في مهب الرياح نتيجة تنمية تفتقد الديمقراطية
السياسية
-
صنع هتلر الطائرات و الدبابات و بدأ في استعمار العالم و
شرع في التطهير العرقي. انهزمت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية شر هزيمة و
احتُلّ شطرها الغربي من قبل الأمريكان و شطرها الشرقي من قبل السوفيات
-
وصل الاتحاد السوفياتي إلى القمر قبل الأمريكان و وصل البروليتاري السوفياتي إلى الحضيض في حياته
اليومية. و بعد انهيار الاتحاد السوفياتي اكتشفنا اقتصادا هشا و تكنولوجيا متخلفة بكثير
عن التكنولوجيا الغربية
مقارنة طريفة بين المنهجية الديمقراطية و المنهجية
العلمية
أبدا بالعلم، مجال اختصاصي: حضرت عدة مؤتمرات علمية عالمية حول علم "تعلّميّة البيولوجيا" شارك فيها العالِم الملحد و العالِم المسيحي و العالِم البوذي و العالِم اللاأدري أو الأڤنوستيكي L'agnosticisme
و العالِم المسلم السني و الشيعي و الصوفي من كل الجنسيات. لم أسمع أحدا منهم يتبجّح بانتمائه الديني أو الإيديولوجي أو يستشهد بآيات بيّنات من كتابه المقدس ليدلل على صحة أطروحته العلمية، فلا تستطيع إذن أن تفرق بينهم إن كنت لا تعرفهم شخصيا. كل واحد منهم يقدم و يدافع منطقيا على أطروحته العلمية دون الالتجاء لأي سند غير علمي، دينيا كان أو إيديولوجيا. في المطعم فقط تظهر الفوارق، العالِم المسلم - في بعض الأحيان - لا يأكل لحم الخنزير و لا يشرب الخمر و العالِم البوذي - في بعض الأحيان أيضا - لا يأكل لحم البقر
أتمنى أن يفعل السياسيون الديمقراطيون مثل ما يفعل العلماء المعاصرون و يتخلون عن مرجعياتهم الدينية و الإيديولوجية و لو وقتيا أو ظرفيا، و يقيمون مؤتمرات ديمقراطية عالمية مثل الذي يقيمها العلماء و يدافعون على أطروحاتهم الديمقراطية بتقديم أدلة و براهين ديمقراطية دون الرجوع إلى مرجعياتهم الفردية الذاتية المحترمة و دون تعسّف أو تعال مرجعية على مرجعية أخرى و لكل واحد منهم الحق في تقديس و ممارسة ما يعتقد دون فرضه على الآخر بالقوة
البصمة الفكرية للـد. م. ك
لست مثقف الشعب و لا مثقف السلطة، أنا رئيس جمهوريتي و سيّد نفسي
بكل شفافية، أعتبر نفسي ذاتا حرة مستقلّة مفكرة و بالأساس مُنتقِدة، أمارس قناعاتي الفكرية
بصورة مركبة، مرنة، منفتحة، متسامحة، عابرة لحواجز الحضارات و الدين و العرق و
الجنس و الجنسية و الوطنية و القومية و
الحدود الجغرافية أو الأحزاب و الأيديولوجيات
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي
Mes
trois principales devises dans la vie, du moins pour le moment
1.
أؤمن إيمانا جازما أن القناعة كنزٌ لا يفنَى
2.
Mohamed Kochkar : faire avec les conceptions non scientifiques (ou
représentations) pour aller contre ces mêmes conceptions et en même temps
auto-socio-construire à leurs places des conceptions scientifiques.
3.
J. P. Sartre : Les idéologies sont liberté quand
elles se font, oppression quand elles sont faites.
إمضاء جديد و محيّن للـ د.
محمد كشكار
مواطن العالَم (أعتذر لكل
المواطنين في العالَم غير الغربي على ما فعله و يفعله بهم حتى الآن، إخوانهم في
الإنسانية، بعض المواطنين في العالَم الغربي)، ديمقراطي (أعتذر لكل الشعوب على ما
فعلته بهم الأنظمة الديكتاتورية اليمينية و اليسارية)، مسلم (أعتذر لكل المواطنين
غير المسلمين على ما فعله بهم بعض أجدادي المسلمين)، عربي (أعتذر لكل المواطنين
غير العرب على ما فعله بهم بعض أجدادي العرب) تونسي (أعتذر لكل المواطنين
التونسيين على ما فعله بهم نظام بورقيبة و نظام بن علي طيلة سنوات الجمر الخمسة و
خمسين)، "أبيض- أسود" البشرة (أعتذر لكل المواطنين السود في العالَم
علىِ ما فعله بعض أجدادي البيض ببعض أجدادي السود)، يساري غير ماركسي (أعتذر لكل المواطنين غير اليساريين
و لليساريين غير الماركسيين في
العالَم علىِ ما فعله بهم بعض
رفاقهم الماركسيين اللينينيين الستالينيين الماويين)، و غير منتم لأي حزب أو أي
أيديولوجيا ( أعتذر لكل المواطنين غير المنتمين حزبيا أو أيديولوجيا في
العالَم عن كل خطأ ارتكبته في حقهم الأيديولوجيات و الأحزاب الحاكمة و المعارضة)،
معجب بالأنظمة الأسكندنافية الحالية التي استفادت أحسن استفادة من مكتسبات
الرأسمالية و مكتسبات الاشتراكية (أعتذر لكل الشعوب التي تحكمها أنظمة رأسمالية متوحشة
أو تحكمها أنظمة اشتراكية ديكتاتورية
تاريخ أول نشر على النت
حمام الشط في 4 نوفمبر 2012
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire