في ضيافة صديق، قمت البارحة
بجولة سياحية في زغوان، فشعرت ظرفيا بأن تونس حنونة و جميلة و أهلها في أمان و أرضها في اخضرار، لكنها قاسية على
المتوسط و الفقير في غلاء الأسعار. مواطن العالَم د. محمد كشكار
مقدمة
هذا نقل ظرفي صحفي انطباعي
محدود المكان و الزمان لكن دون تزيين أو تزييف للواقع التونسي المعيش، أطمح من
ورائه إلى تخفيف "الاكتئاب الوطني" (مصطلح حديث بعد الثورة لعالِم نفس
مصري) لدي المواطنين التونسيين من متابعين لبعض إعلامنا الموجَّه أو المأجور
وصف الجولة السياحية
اليوم الأحد، 14 أفريل 2013،
يوم مشمس و جميل. بمناسبة إحالته على التقاعد، استدعاني زميل صديق إلى جولة في
زغوان و ريف زغوان (قرية الزريبة البربرية الأثرية الجبلية، المهجورة و المجهولة من
قبل السياح التونسيين و غير المرمّمة و غير المهيأة للسياحة و المتروكة من قبل
وزارة الثقافة التونسية
قبل وصف الجولة السياحية "الزغوانية"
و ما أندر الجولات السياحية في حياتي، فَلْيسمح لي صديقي الكريم أن أقول فيه كلمة صدق
رغم أنني أعلم جيدا أنه يكره الشكر و المجاملة و الثناء و الإطراء: يبدو لي و كأنه
"وُلِدَ مستقيما خَلقا و خُلقا" (وَلْيَغفر لي صديقي زلّتي هذه إن
بدت له كذلك و ما أكثر زلاتي في حق أصدقائي، أما هذه الأخيرة فقد قلتها فيه بكل
صداقة و براءة مع تقدير مقرون بإعجاب). يكفي قرّائي عِلما أن أقول لهم أنه
صديق قديم جمعتني به الصدفة في "كُلاّج" (إعدادية) سيدي مرزوق بڤابس سنة
1967 و لا زالت صداقتنا الاجتماعية و العلمية متواصلة حتى اليوم، لم تَشُبها أي
شائبة و لم تتخللها فجوات جفاء على مدى 45 عاما. اجتمعنا في قسم واحد بالسنة
الثالثة إعدادي و لم نفترق حتى تخرجنا كأستاذين مساعدين (أستاذ إعدادي) في علوم
الحياة و الأرض ثم أنهينا مؤخرا و متأخرا المرحلة الثالثة في اختصاص تعلّمية
البيولوجيا و ختمناها الاثنان بنيل شهادة الدكتورا من جامعة كلود برنار بليون 1
بفرنسا. تتلمذنا في الثانوي و العالي على نفس الأساتذة (و كلهم في العلوم فرنسيين)
و تأطّرْنا في الماجستير و الدكتورا على أيدي نفس المؤطِّرَيْن، الأول و الأساسي فرنسي
و الثاني تونسي و هو زميل دراسة ثانوي و عالي في السبعينات. في الثمانينات من
القرن العشرين، عملنا في نفس المدينة الجزائرية "جامعة" (ولاية واد سوف)
كأستاذين متعاونين. نسيت أن أعلمكم أننا من نفس مسقط الرأس "جمنة" و من
نفس الحي "الحَمَادَة"، لكننا لم نكن أصدقاء طفولة. بعد تَجَمُّعِنا، أصبحت
أمه صديقة لأمي، رحم الله الطيبتين. و بعد
أعراسنا، أصبحت زوجته صديقة لزوجتي و قد رافقتانا في جولتنا الزغوانية
خرجنا منذ التاسعة صباحا في
سيارة صديقي قاصدين آثار "معبد المياه" بزغوان. وصلنا إلى المنتزه على
الساعة العاشرة تقريبا. وجدنا المكان يعج بالتونسيين السمحين الطيبين، نساءً و
رجالا، شيبا و شبابا و أطفالا، فرادى و أزواجا، سُيَّاحًا و طلبة علم. صعدنا الأدراج إلى معبد
المياه فلم أجد فيه مياهً. أخذنا صورا تذكارية و أكلنا "الحلوّ" العربي
الذي جلبته زوجة صديقي معها ثم استعجلنا الخطى نحو المقهى العالية و شربنا كؤوسا
من عصير البرتقال الطازج البارد المنعش (دينارين و نصف ثمن الكأس الواحدة
حوالي الواحدة زوالا توجهنا
نحو مطعم "مشوي" مشهور يقع خارج مدينة زغوان. تطرفنا في طاولة وطلبنا
سلاطة مشوية و خبز طابونة و مشوي "علّوش" تونسي (خروف صغير العمر) و كان
الثمن الفردي كالآتي: ثلاث دينارات ثمن صحن سلاطة مشوية مع خبزة طابونة صغيرة و إحدى
عشر دينارا ثمن صحن مشوي يزن نيئا 475 غرام، و لو حسبت ثمن بنزين السيارة المستهلك
لأصبحت كلفة الجولة جمليا مائة دينار تونسي تقريبا). لم آكل كثيرا من المشوي الطري اللذيذ، لا لعيب في
اللحم بل لخلل في بعض أضراسي المركبة حديثا
بعد ساعة استراحة تقريبا،
نهضنا و ركبنا السيارة و قصدنا قرية الزريبة القديمة، أثناء الرحلة الشيقة قدمت
لنا زوجة صديقي مشكورة، الموز و التفاح. عبرنا طريقا معبدة جبلية ضيقة. وصلنا إلى
قمة الجبل فاكتشفت لأول مرة في حياتي
قرية الزريبة البربرية الأثرية الجبلية. عشرات المنازل الخالية الجميلة
الضيقة المبنية بالحجر، أعلى الغرف في القرية تلامس قمة الجبل. تتوسط القرية زاوية
"سيدي عبد القادر" و هي حديثة البناء. في سفح الجبل و أعلاه، تمتد غابة
من الزيتون تنتشر فيها متباعدة بعض المنازل العصرية
عند رؤية سَكَنِ البربر الأثري
(البربر هم السكان الأصليون في شمال أفريقيا) في قمة الجبل دون ماء أو كلأ،
استحضرت بأسف شديد وفرة المياه في معبد المياه على بعد كيلومترات من القرية البربرية
الأثرية. ماؤهم، كان يستغلّه غصبا عنهم، الرومانيون المستوطنون القادمون من أوروبا
و ينقلونه في أنابيب حجرية فوق رافعات صخرية تُسمّى "الحنايا" و هي مَعْلَمٌ أثري شُيِّدَ منذ
قرون و يمتدّ من زغوان إلى قرطاج و أوتيك عبر عشرات الكيلومترات. بماء البربر،
يستحم و يستمتع أباطرة الرومان، و يموت أصحاب الأرض عطشا و يُجبَرون على الهروب
من ظلم المستعمر و بطشه فيلجئون إلى قمم الجبال الوعرة ضرورة و ليس اختيارا
تاريخ أول نشر على النت
حمام الشط في 15 أفريل 2013
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire