ما هي أوجه الشبه بين الثورة
الفلسطينية و أساليبها و الحركة الصهيونية و طرق عملها؟ جزء 1. صادق جلال العظم.
نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار
كتاب "زيارة السادات و
بؤس السلام العادل"، صادق جلال العظم، دار الطليعة للطباعة و النشر، الطبعة
الأولى، بيروت 1978، 248 صفحة
نص المؤلف صفحة 83
و لا شك عندي أن كل مَن احتك
بوعي بأوساط منظمة التحرير و المقاومة الفلسطينية عموما أحس، بشكل من الأشكال،
بوجود هذا المنطق الخفي عبر المقارنات الكثيرة التي تشبّه حركة المقاومة بالحركة
الصهيونية، و تشبّه تعدّد المنظمات الصهيونية المقاتلة و غير المقاتلة بتعدّد
المنظمات الفلسطينية الفدائية و غير الفدائية، كما تشبّه وظيفة منظمة التحرير
كغطاء (أو مظلّة) تعمل تحته التنظيمات الفلسطينية باتجاهاتها المختلفة و المتضاربة
أحيانا، بالدور المماثل الذي قامت به المنظمة الصهيونية العالمية قبل إنشاء دولة
إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك تقول هذه المقارنات أنه كما كانت التنظيمات الصهيونية
المسلحة - كبيرها و صغيرها، يمينها و يسارها - تصطدم أحيانا ببعضها و تقتتل
بالحديد و النار، على الرغم من كونها جميعا جزءا من المنظمة الصهيونية، كذلك يجب
أن نتوقع مثل هذه الصدامات بين التنظيمات الفلسطينية المسلحة على الرغم من كونها
جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية. و يستمر هذا النوع من التحليل في عقد مقارناته
ليقول لنا: كما أن الجهد الصهيوني اليهودي العام - بمتطرفيه و معتدليه، بأغنيائه و
فقرائه، بمقاتليه و منظريه، بيمينه و يساره و وسطه - قد صبّ كله في المجرى العام
للحركة الصهيونية فأدى إلى إنشاء دولة إسرائيل و توسيعها المطّرد، كذلك يجب أن
نتوقع من الجهد الفلسطيني العربي - بمتطرفيه و معتدليه، بيمينه و يساره إلخ - أن
يصبّ أيضا في المجرى العام لحركة التحرير الوطنية الفلسطينية مما سيؤدي إلى إنشاء
الدولة الفلسطينية و توفير القاعدة اللازمة لتوسيع الكفاح حتى تتحقق الدولة
العَلمانية الموحدة التقدمية المعادية للإمبريالية إلخ على أرض فلسطين بكاملها.
المطلوب من الثورة الفلسطينية، إذن، التعلم من الأساليب السياسية و العسكرية و
التنظيمية الناجحة التي اتبعتها الحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها الاستعمارية و
الاستيطانية و الاستفادة منها في خدمة قضية الشعب الفلسطيني التحرّرية. يبدو لي من
هذه المقارنات أننا نقف هنا أمام دعوة (قديمة نوعا ما) لاقتداء الثورة الفلسطينية،
بأساليب الحركة الصهيونية و طرق عملها. غير أنه يجب ألا يغيب عن بالنا أبدا أن
المقارنات المذكورة لا تشكّل سوى جانب صغير و ظاهر من المنطق الضمني و المستتر
الكامن خلف الدعوة لتحقيق حل إقليمي محدود للقضية الفلسطينية. لذلك لا بد من
استكشاف هذا المنطق بدقة أكبر و تفاصيل أدق و أعمق بكشف المقدمات التي يقوم عليها
و النتائج التي يستلزمها
يبدو لي أن هذا النوع من
المنطق الخفي يرسم الصورة المقارنة التالية (في أحسن حالاته و أرقاها) لأوضاع
الشعب الفلسطيني و مآل قضيته: يعيش القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني وضعا من
الشتات يشبه إلى حد كبير الشتات الذي عاشته الجاليات اليهودية لفترة طويلة، و خاصة
في العصور الحديثة، و هو يفتقر - مثل الجاليات اليهودية قبل قيام دوبة إسرائيل -
إلى قاعدة إقليمية تعطيه في وقت واحد المركز الثابت لممارسة نشاطه الإنتاجي
الطبيعي بأصعدته الأولية و الثانوية، و الأساس الإقليمي اللازم لإيجاد صيغ التعبير
السياسية الملائمة عن وجوده الوطني و طموحاته القومية. و نتيجة هذا الشتات نمت
ظواهر اجتماعية هامة في صفوف الشعب الفلسطيني تشبه إلى حد كبير الظواهر المماثلة و
المعروفة التي طبعت حياة الجاليات اليهودية (الموزعة على عدد من المجتمعات و الدول
المضيفة) بطابعها الخاص لفترة طويلة من الزمن. من أهم هذه الظواهر نذكر
أ. الطابع المديني الطاغي على
الشتات الفلسطيني و على أوجه النشاط التي يمارسها أفراده
ب. ارتفاع نسبة المتعلمين و
المثقفين و الفنيين و العاملين في المهن الحرة و المدربين تدريبا عاليا على وجه
العموم في أوساط الشتات الفلسطيني بالقياس إلى النسب المماثلة في المجتمعات
العربية (و مجتمعات العالَم الثالث عموما
ج. الدور النشيط و المتميز
الذي تقوم به البورجوازية الفلسطينية (بشرائحها المختلفة) في المجتمعات المضيفة و
الذي يتصف بفاعلية كبيرة و مستوى عال من الحركية و الإقدام و التفوق مما أدى إلى
بروز عدد كبير - بالقياس النسبي - من الفلسطينيين كأقطاب للمال و التجارة و
المصارف و الصناعة إلخ
د. إقحام شرائح واسعة من
الشتات الفلسطيني في صفوف الطبقات العاملة التابعة للمجتمعات المضيفة لأن
"مخيمات اللاجئين" شكلت مصدرا طبيعيا لليد العاملة الرخيصة. و ترتب على
هذا الوضع غياب الارتباطات الطبقية العادية التي تحكم علاقات البورجوازية بطبقتها
العاملة في البلد الواحد، أي إلى نوع من الفصام غير الطبيعي بين البورجوازية
الفلسطينية من جهة و الطبقة العاملة الفلسطينية من جهة ثانية. ه. نشوء قطاع واسع
من البروليتاريا الرثة داخل الشتات الفلسطيني
و. الاحتكاكات القمعية أحيانا و الدموية في
أحيان أخرى التي كانت (و ما زالت) تقع بين الشتات الفلسطيني عموما و القوى
المسيطرة في المجتمعات المضيفة. و ترواحت طبيعة هذه الاحتكاكات بين حساسيات
المزاحمة و مشاعر الكراهية و البغضاء، من جهة، و بين التصفيات الجسدية و الحروب
الأهلية من جهة ثانية، مرورا بالقمع التقليدي و ممارسة السيطرة العنيفة على الطريقة
المعهودة في بلادنا
بناء على هذه المقدمات
الواقعية جدا يستنتج المنطق الفلسطيني الخفي الذي نحن بصدده (بدون إعلان ذلك
صراحة) النتيجة ذاتها التي توصل إليها المنظر الصهيوني "اليساري" بير
بوروشوف بالنسبة للشتات اليهودي في أوائل هذا القرن. أي أن الهرم الطبقي-الاجتماعي
للشعب الفلسطيني يعاني من اختلال خطير في تركيبه (إنه بدون قاعدة زراعية واسعة
مثلا) مما يعني أن المهمة الأولى المطروحة بإلحاح على كفاحه هي تصحيح هذا الوضع
الشاذ. و لا يمكن لهذا التصحيح أن يتم إلا بعد تزويد الشعب الفلسطيني بقاعدة
إقليمية (الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية و غزة) بحيث تشكل المركز الثابت
لممارسة جميع طبقاته لنشاطها الإنتاجي و الأساس الراسخ لكل تعبير سياسي عن وجوده
الوطني و طموحاته القومية. بعبارة أخرى، إن إنشاء الدولة الفلسطينية شرط لازم
لتقويم الوضع الشاذ الذي يعاني منه الشتات الفلسطيني لأن من شأنها أن تجعل من
الفلسطينيين مجتمعا كباقي المجتمعات العربية يخضع لقوانين التطور الاجتماعي و
الطبقي و السياسي ذاتها تقريبا. و كما أن إنشاء إسرائيل، أول الأمر، على جزء من
فلسطين فقط تحول إلى قاعدة لمزيد من التوسع العسكري و الاستيطان و خدمة المصالح الإمبريالية
في المنطقة العربية، فإن إنشاء الدولة الفلسطينية، أول الأمر، على جزء من فلسطين
فقط سيتحول كذلك إلى منطلق لمزيد من الكفاح في سبيل تحرير باقي الأرض المغتصبة، و
مقاتلة المصالح الإمبريالية في بلادنا و العمل على إنشاء دولة فلسطين العَلمانية
الاشتراكية الموحدة المعادية للإمبريالية إلخ.
تاريخ أول إعادة نشر على
مدونتي و صفحاتي الفيسبوكية الثلاث
حمام الشط، في 3 أفريل 2013
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire