محاولة فلسفية 8: العدالة الاجتماعية المنشودة: مَن حققها أفضل،
مجتمع البشر أم خلية النحل؟ مواطن العالَم محمد كشكار
نبدأ بمقارنة بسيطة بين القدرات البيولوجية لدى
الإنسان و النحلة
-
مخ البشر يحتوي تقريبا على على 100 مليار خلية
عصبية، يزن 1350غ و يبلغ حجمه مليون و 400 ألف مم3 (أو 1400 صم 3
-
مخ النحلة يحتوي على مليون خلية عصبية فقط، و
يزن 1 غ و يبلغ حجمه مم3 واحد
-
الخلية البشرية تضم 23 زوج من الكروموزومات أو
46 صبغية
-
تحتوي خلية النحلة الملكة أو النحلة العاملة
على 16 زوج أو 32 صبغية فقط (عند الذكر، 16 صبغية عوض 32، لأنه يأتي من بويضة ملكية
غير ملقحة فهو إذن ناقص جينات و صبغيات مقارنة بالأنثى
-
الخلية البشرية تضم 30 ألف جينة أو مورّثة (جزء
من الصبغية يحمل المعلومات الوراثية المسؤولة على تجسيم الصفات الوراثية أو نقلها
من جيل إلى جيل
-
الخلية النحلية تضم 10 آلاف مورثة فقط
تُعتبر خلية النحل مملكة قائمة بذاتها وقائمة
على دستور لا يستطيع أحد من الخلية أن يتجاوزه. دستور مكتوب بالشفرة الجينية على مورّثات
كل خلية نحلية، فهو إذن دستور غير قابل للتعديل أو التدليس حتى و إن أرادت الملكة ذلك
أو أجمع جمهور النحل كله على تغييره. كل نحلة تحمل مليون نسخة من هذا الدستور موزعة على عدد خلاياها. كل
نحلة تُطبّق الدستور الجيني النحلي بحذافيره و بصفة ميكانيكية غريزية دون تردد و
لا نقاش و لا غش و لا تزوير انتخابات و لا تحتاج إلى محكمة عليا لمراقبة دستورية
القوانين. تعرف النحلة مهامها و دورها المحدد في خلية النحل منذ الولادة و لا
تحتاج إلى تعليم أو تدريب أو إقناع، تكتفي بقراءة ما هو مكتوب في مورّثاتها أو
جيناتها و تترجمه عملا جادا في صالح المجموعة دون غاية و لا مصلحة خاصة و لا ملكية
خاصة و لا إرث و لا إدراك (بالمعنى البشري للكلمة) و تنفذ الأوامر الجينية المشفرة
أو المرمزة بطاعة عمياء دون أمر من أحد، داخل مجتمع النحل لا توجد سلطة و لا يوجد وعّاظ
سلفيين، يسارا كانوا أو يمين. تقوم كل نحلة بعمل بسيط: عاملة (هي التي تقوم
بالأعمال في الخلية مثل جمع العسل و الرحيق وحبوب اللقاح والعناية بالنظافة العامة
و التكييف والاعتناء باليرقات وما شابه ذلك) أو ملكة (إنتاج البويضات) أو الذكر
(يلقح الملكة أو يعطي إشارات للنحل عن
موقع الزهور). ليس للنحلة الواحدة برنامج أو غاية من وراء شغلها لكن ينبثق من
تفاعل أعمال المجموعة النحلية إنجاز عظيم غير مدبّر و لا مبيّت و لا مبرمج، يتجسم
في هندسة الخلية نفسها. رغم ضعف إمكاناته البيولوجية مقارنة بالبشر فالنحل قادر
على إنجاز معجزة هندسية معمارية تسمى خلية النحل، يعجز عن تصميمها أمهر المهندسين
المعماريين، و النحل قادر أيضا على صنع
غذائه بنفسه، أشهى و أطيب غذاء في الوجود، عسل ذهبي مصفى فيه شفاء للمرضى و غذاء للأصحاء،
لا بل يشارك النحل في صنع غذاء الإنسان
بصفة أساسية وذلك من خلال عملية تلقيح الأزهار عند تنقله العشوائي من زهرة إلى
زهرة
ليس لخلية النحل رئيس أو ملك (ملكة النحل هي
الملكة الوحيدة في عالم الأحياء التي لا تملك شيئا و لا تتحكم في شيء). ليس للنحل
برلمان و لا ممثلين و لا انتخابات و لا مجلس تأسيسي. ورغم كل هذا الفراغ الدستوري فهو مجتمع منظم بل
قمة في الانضباط و "الضمير" و "الأخلاق"، كل واحد يقوم بعمله
و لا ينتظر جزاء و لا شكورا، لا في الدنيا و لا في الآخرة. لم يفوض النحل أمره إلى
غيره بل صنع مصيره بنفسه عبر ملايين السنين من التطور الجيني و لم يكُ أبدا مستلب
الإرادة المكتسبة مثل أخيه الإنسان. ينتخب الإنسان ممثلين له في البرلمان و يوكل
لهم مهمة كتابة الدستور و ممارسة و مراقبة السلطة و احتكار العنف. يكتب الممثلون أو
النواب الدستور على هواهم و قد لا يعرضونه على الاستفتاء في بعض الأحيان و لا
يرجعون الأمانة لصاحب الأمانة - الشعب - عند الاختلاف. تحتكر الدولة العنف و
تمارسه كما تشاء ضد المواطنين العزل اللذين انتخبوها بـ"محض إرادتهم".
أعطى الناخب صكا على بياض لممثليه و تخلى إراديا عن حقه في ممارسة السلطة الشعبية المباشرة
أو المشاركة (أو الديمقراطية "الروسوية" المباشرة) فأصبح مواطنا مغتربا
في وطنه، مسلوب الإرادة، ينتظر الحسنة ممن أكرمهم بمنحهم صوته و ثقته في صندوق
الاقتراع. يُكتب الدستور من قبل نواب المجلس التأسيسي و قد لا توزع منه نسخا على
الناخبين، يبدَّلُ و يعدَّلُ و يغيَّرُ حسب هوى الحكام و في أكثر الحالات لا تطبق
بنوده بتعلة الحفاظ على النظام العام. مَن
يعرّف حدود النظام العام؟ أليس مجتمع النحل أفضل من مجتمع البشر؟ مجتمع النحل،
مجتمع خال من العنف دون وزارة داخلية و لا حربية! مجتمع منظم دون دولة! مجتمع
"متخلق" دون أخلاق سماوية و لا أرضية! مجتمع يعرف فيه كل فرد حقوقه و
واجباته دون قانون و لا قضاء! مجتمع ينفع نفسه و ينفع غيره
من الناحية البيولوجية، ليس الإنسان بكائن
متطور عن الحيوان و لنا في النحلة و البكتيريا أسوة حسنة. بخلية واحدة فقط، تقوم
البكتيريا بكل الوظائف البيولوجية (التكاثر و التنفس و التغذية و التنقل و غيرها)
التي يشقى الإنسان و يتعب من أجل محاولة تحقيقها و هو صاحب المائة ألف مليار خلية!
من المتطور أكثر إذن؟ البكتيريا أم الإنسان؟ بقدرات بيولوجية محدودة لا تقارن
بقدرات الإنسان، يحقق مجتمع النحل وفرة في الإنتاج و عدالة في التوزيع، عدالة يعجز
عن تحقيقها البشر بدولهم و برلماناتهم و علمائهم و مفكريهم و مثقفيهم و ديمقراطياتهم
البورجوازية المشهدية
لو تحدثنا قليلا عن خلية النحل قبل ملايين
السنين في الخيال العلمي "الكشكاري": كانت الملكة تملك الخلية و تحكم في
بقية النحل و كان الذكر يسيطر على الأنثى و يطوعها لخدمته و كانت الإناث تتكاسلن و
تتغيبن عن العمل و لا يتقنّ واجباتهن و يطالبن بمزيد من العدالة بين أفراد الخلية
و كن يعاقَبن على فعلهن و كانت خلية النحل، عند الحاجة، تسطو على غيرها و تسرق
غذاءها من المونة المخزنة في خلية النمل. بمرور السنين و تعاقب الأزمنة و تنوع
الصراعات بين مكونات الخلية و بفضل التطور البيولوجي الانتقائي و النقلة
البيولوجية النوعية و عامل الصدفة و عوامل أخرى لا يعلمها إلا علاّم الغيوب،
استقرت الأدوار و كتبت على المورثات فأصبح النحل يتوارثها جيلا بعد جيل و انتفى
الصراع الطبقي و رضي كل فرد من خلية النحل بدوره و استبطنه و لم يعد مستلبا و لا
مغتربا في مجتمعه الصغير المتمثل في الخلية المستقلة
عن باقي الخلايا النحلية الأخرى. طبق النحل قبل الإنسان بملايين السنين العدالة
الاجتماعية المنشودة المتمثلة في المبدأ النبيل المجسم لنكران الذات و المساواة الشيوعية:
"من كل حسب جهده و لكل حسب حاجته
لو تحدثنا قليلا عن المجتمع البشري بعد ملايين
السنين في الخيال العلمي "الكشكاري": تعتبر النباتات الخضراء من
الكائنات الحية ذاتية التغذية، لا تحتاج في تغذيتها إلى كائن حي آخر بل تحتاج فقط
للضوء و الأملاح المعدنية و الماء و ثاني أكسيد الكربون، تصنع من هذه المواد
المعدنية المغذية مادة عضوية نباتية مثل البروتينات و الدهنيات و السكريات و
النشويات بواسطة اليخضور (مادة عضوية ملونة بالأخضر داخل خلايا الأوراق الخضراء).
تعتبر الحيوانات من الكائنات غير ذاتية التغذية لأنها تعتمد في غذائها على المادة
العضوية التي تنتجها النباتات في التركيب الضوئي. توجد بحوث علمية جادة تحاول التوصل
إلى غرس جينات منتجة لليخضور في خلايا الجلد البشري فيصبح الإنسان ذاتي التغذية
مثل النباتات الخضراء و يصبح كل البشر ملونين بالأخضر فتنتفي العنصرية اللونية
بينهم. إن نجح هذا المشروع العلمي الواعد، تنقرض عديد المهن البشرية مثل الفلاح و
الخباز و صانع المواد الغذائية و موزعها و أطباء التغذية و مختصّوها و نقضي نهائيا
على أمراض الجلد و السكري و القلب و الشرايين و القرحة و مليونا بعد مليون من
السنين، نتطور بيولوجيا و نتخلص تماما من الجهاز الهضمي الذي يعطل تفكيرنا فنتحرر
من البطن و مشاكلها و نلتفت إلى الدماغ و إبداعاته اللامحدودة
و تتحرر قطعان الماشية و النباتات المزروعة من
عبودية الإنسان وينقى الجو و الأرض و الماء من الأسمدة و المبيدات الكيميائية
لو تمادينا في الخيال العلمي
"الكشكاري" قليلا لتوصلنا - بقدرة الله - إلى الآتي: يتصارع الإنسان مع
أخيه الإنسان من أجل الحصول على لقمة العيش بكرامة، انتفت الحاجة إلى لقمة العيش
عند الإنسان ذاتي التغذية المذكور أعلاه فانتفى الصراع الطبقي من أجل البقاء و عمّ
السلام و الحب بين البشر، خاصة و نحن معشر البشر أقلية مقارنة بعدد النباتات، لذلك
لن نتخاصم بحول الله على المجال الحيوي لأن أرض الله واسعة و شمسه دائمة و ثاني
أكسيد الكربون متوفر في محيطاتنا و مداخن مصانعنا. يصبح مجتمعنا عندئذ مجتمع عدالة
دون قضاة و مجتمع نظام دون دولة و مجتمع غنى دون استغلال. في هذا المجتمع الخيالي،
يأخذ كل فرد حاجته من الغذاء "الكربوني - الضوئي" أو الثروة المتجددة
المستديمة، فيصبح مطالب إذن بتحقيق إنسانيته على الأرض - بعد ما يتخلص من حيوانيته
إلى الأبد - بالالتفات إلى الإبداع الفكري و الفني و الديني إلى من أراد إلى ذلك
سبيلا، فلا يلام المتصوف العابد غير العامل على تعبده المستمر و لا يلام الفنان
لتفرغه للفن و لا يلام المثقف لتفرغه للتفكير و النقد
ترجمة المصطلحات المستعملة في النص
خلية
النحل La ruche
الخلية النحلية La cellule
du tissu de l’abeille
الصبغية
أو الكروموزوم Le
chromosome
المورثة
أو الجينةLe gène
الشفرة
الجينية المكتوبة رمزيا على الجينات Le code
génétique
التطور
البيولوجي الانتقائي (البقاء للأصلح L’évolution
sélective
الطفرة أو
النقلة النوعية البيولوجية التي تحدث قليلا جدا جدا و تفاجئ قانون الوراثة La mutation
génétique
عامل
الصدفة في التطور البيولوجي Le hasard
اليخضور La
chlorophylle
التركيب
الضوئي أو صنع المادة العضوية بحضور الضوء La
photosynthèse
ما وراء
الطبيعة La métaphysique
إمضاء م. ك
الذهن غير المتقلّب غير حرّ
لا أحد مُجبر
على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن
يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي
يطلب الداعية
السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج
العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد
لا أقصد فرض
رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و
على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي
الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد
عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعية، لا فكري و لا سياسي, أنا
مواطن عادي مثلك، أعرض عليك وجهة نظري
المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون
أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن عارضتها فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين
البديل يُصنع بيني و بينك، لا يُهدى و لا
يُستورد و لا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا
ما بأنفسهم) و واهم أو ديكتاتور من يتصور أنه يملكه جاهزا
تاريخ أول
نشر على النت
حمام الشط في 1 ديسمبر 2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire