mardi 23 avril 2013

محاولة فلسفية 7: هل توجد نقاط ضعف مشتركة بين إيديولوجيا الإسلاميين الأصوليين و إيديولوجيا الشيوعيين الأرتدوكسيين؟ مواطن العالم د. محمد كشكار



محاولة فلسفية 7: هل توجد نقاط ضعف مشتركة بين إيديولوجيا الإسلاميين الأصوليين و إيديولوجيا   الشيوعيين الأرتدوكسيين؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

كنت جالسا صباح يوم الخميس 22 سبتمير 2011 في مقهى النت بحمام الشط الغربية، أقرأ كتاب "الإسلام شريكا" للمستشرق الألماني - المعجب بالإسلام و المنصف للمسلمين - فريتس شتيبات، ترجمة د. عبد الغفار مكاوي. عندما وصلت إلى الصفحة الأخيرة فرحا مسرورا بما أسميه أنا إنجازا عظيما، و هو إنهاء قراءة كتاب، هلّ عليّ و قطع وحدتي، أستاذ فلسفة قدير متقاعد، خريج مدرسة الفلسفة الناطقة بالفرنسية و الألمانية،  من مرتادي المقهى صباحًا مساءً و يوم الأحد. طلب قهوة و قارورة ماء بارد، شربت معه ماءً و تعلمت منه درسا فلسفيا مهما، سوف أحاول نقله إليكم متحليا بموضوعية  نسبية قد يختلط و يتفاعل داخلها النقل الأمين مع الإضافة الذاتية دون فصل ميكانيكي بينهما، و ذلك غصبا عني لأنني فوجئت بالدرس و لم أكن أحمل جهاز تسجيل صوتي

قال محدثي المحترم و كنا نتجاذب الحديث حول "الثورة" التونسية ككل المستقلّين المستقيلين الجالسين - غصبا عنهم - على الربوة، الناقدين للوضع الماضي و الراهن و المستقبلي، غير المتعاطفين و غير المنتمين لأي حزب و لأي جمعية - في هذه الأيام "الثورية" العصيبة - المتقاعدين المتفرغين العاطلين و المعطّلين عن العمل و خاليي الأدمغة من الأيديولوجيات السائدة كالإسلامية الأصولية و الشيوعية الأرتدوكسية (الماركسية و اللينينية و الستالينية و الماوية)، جلساء المقاهي المثقفون المجانين الذين لا يلعبون البتة لعبة الورق و لا لعبة الحجر "الديمينو" و الذين لا يملؤون أوقات فراغهم بالنميمة إلا ما خف وزنه و غلا ثمنه، نميمة ليست كالنميمة، نميمة قد ينبثق منها و ينساب - دون قصد - حديث قد يرتقي إلى مصاف الإنتاج الأدبي و الفني. قال و العهدة أساسا على الراوي وقليل منها على الناقل

1.     النقطة الأولى: الاثنان لم يشاركا في ثورة 14 جانفي 2011، كأحزاب منظمة و محرّكة للجماهير و الاثنان شاركا كأفراد و ذوات معزولة عن منظماتيهما
لم يشارك أعضاء الأحزاب الإسلامية و لا الشيوعية في مظاهرات و اعتصامات ثورة 14 جانفي 2011 كأحزاب منظمة بل شاركوا فيها كأفراد مستقلين مثلهم مثل المستقلين و النقابيين القاعديين

الثورة التونسية هي الثورة الوحيدة في تاريخ الثورات في العالم التي لم تستول على مؤسسات الدولة الأمنية و العسكرية و الاقتصادية و الثقافية و الإعلامية و الدينية و لم تستلم مقاليد السلطة السياسية من برلمان و حكومة و ولاة و معتمدين و رؤساء بلديات. اُستنسِخت "تجربتنا" التونسية في مصر لأن الشعب واحد و المتآمر واحد

2.     النقطة الثانية: الاثنان رفضا الدخول في الحكومة الانتقالية و لم يستلما السلطة و بقيا على هامشها
ترفّع المناضلون - الثوريون الشرعيون المعارضون لنظام بورقيبة و نظام بن علي - الإسلاميون و الشيوعيون و الوَطَدِيون و الحَوَدِيون و العَوَدِيون و المثقفون و الفنانون و المستقلون و النقابيون و النساء الديمقراطيات، و أحجموا عن الدخول في الحكومة الانتقالية الأولى و الثانية. تركوا الجمل بما حمل رغم علمهم بما يحمل من كنوز السلطة. لا بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك و سَبّوا و شتموا و وصفوا بالخيانة أحزاب المعارضة العلنية - حركة التجديد و الحزب الديمقراطي التقدمي - جراء اشتراكها في حكومة الغنوشي. و النتيجة، بقي رموز النظام القديم بوجهيه، البورقيبي و البنعلي، يحكمون و يشرّعون و يعقدون الصفقات و الاتفاقيات  الدولية، و واصل معارضو "بن علي" معارضة السبسي و القافلة تسير و الـ... ينبح

بعد الثورة، أصبح الإسلاميون و الشيوعيون يتخاصمون و يتقاذفون التهم حول خلافات فقهية في مسائل فارغة كتعدد الزوجات و المساواة في الإرث بعدما كانوا متحدين ضد الاستبداد البنعلي في اتفاقية 18 أكتوبر 2005. هل التونسيون المتوسطون و الفقراء، و هم أغلبية الشعب، قادرون - حتى و لو حلّل لهم - على الزواج بثانية أو ثالثة؟ و هل تقسيم الإرث المادي المخجل الهزيل لدى الأغلبية الساحقة من العائلات التونسية بين الذكر و الأنثى، يمثل مشكلا مهما في تونس؟ أليس حريًّا بنا التفكير في المسائل الهامة ذات الأولوية؟ كالتشغيل و التصنيع و التعليم و الصحة و الكرامة للمرأة و الرجل و الطفل و الفقير و الضعيف و المعاق و السائل و رعاية أبناء شهداء الثورة  و عائلتاهم و المصابين في المظاهرات و السعي لرفع المظالم و استرجاع الحقوق و محاسبة القتلة و الفاسدين الهاربين من العدالة و تطهير القضاء من القضاة الفاسدين و المناشدين و إعادة تأهيل رجال الشرطة و الحرس من أجل دسترة أمن جمهوري و المطالبة بحق استتباب الأمن في كامل تراب الجمهورية التونسية دون اللجوء إلى العنف المجاني و دون استعمال وسائل التعذيب للحصول على معلومات أمنية من المتهمين

أطرِدَ العام الماضي بعض مديري المعاهد التجمعيين الفاسدين إثر حركة احتجاجية ثورية و فَرضت القاعدة الأستاذية مدراء بالانتخاب. باركت وزارة التربية هذا الفعل الثوري، لا بل كافأت بعض المديرين المنصبين الجدد سنة 2010-2011 بتنفيلهم بخمس نقاط في مناظرة انتداب المديرين في صيف 2010-2011. ما رأيكم لو عُمِّمت  هذه التجربة الثورية خلال العام الماضي على كل المعاهد (دون انتظار الاتفاقية الفوقية الصيفية للنقابة و الوزارة) و كل المندوبيات الجهوية و كل الإدارات العمومية و كل مراكز الأمن و انتخبوا على رأس كل إدارة عمومية مسؤولا من القاعدة و على رأس كل معتمدية معتمدا ثوريا و على رأس كل ولاية واليا ثوريا، لو حدث هذا لانتهت السلطة المحلية و الجهوية في يد  الشعب و لَبَقي السبسي يشغل منصبا شرفيا كشيخ مدينة تونس و هكذا تتحقق الديمقراطية في أبهى حللها و هو التغيير من تحت إلى فوق بإرادة ثورية شعبية و ديمقراطية "رُوسَوِيَّة" مباشرة

3.     النقطة الثالثة: الاثنان طالبا بمجلس تأسيسي و أصرّا على كتابة دستور جديد رغم وجود دستور مؤسس و هو دستور 1959
طالب اعتصام القصبة 2 - المنظم من قبل الأحزاب الإسلامية و الاشتراكية المعارضة و السرية في عهد بن علي - بمجلس تأسيسي و دستور جديد. أما عن الدستور، فهو عقد أخلاقي ضمني  بين الفرقاء السياسيين و غير ممضى من قبلهم. أثبتت لنا التجربة النازية و العربية و البورقيبية و البنعلية أن رئيس الدولة المتغطرس قادر على تحوير دستور البلاد الجيد و تعديله على مقاسه كما يشاء و بمباركة برلمان ببغاء أو استفتاء شعبي مزيف. أعتى الديمقراطيات في العالم و أقدمها، بريطانيا العظمى، لا تملك دستورا مكتوبا كاملا مجمدا بل تملك أفضل منه، فقه قانوني مرن و متطور، ناتج عن تجارب و قرارات محاكم حسب وضعيات مختلفة و معقدة. من هذا الدستور غير المكتمل، يستشف البرلماني قوانينه و القاضي أحكامه و يثريانه بتجربتيهما الخاصتين فيتركان للأجيال القادمة حرية الاجتهاد و الاستنباط و الخلق و الإبداع في ما يجدّ و لا يورّثان أحكاما جاهزة متكلسة تعطل نهوضنا و مسيرتنا نحو التجديد و التقدم و الرقي الحضاري. اليابان، أكثر الدول ديمقراطية و تقدما، علميا و تكنولوجيا و حضاريا، ، كَتب دستورها حَرفيا، المحتل الأمريكي دون استفتاء و لا مجلس تأسيسي، لم يمنعها هذا الدستور المكتوب من قبل المحتل من التقدم في كنف الحرية و الديمقراطية و التعددية و لم يعقها عن تحقيق نهضتها العلمية و الحضارية و الوصول إلى أرقى درجات الرقي و العيش الرغد الكريم. كُتب دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الحالي - المستوحى من نموذج الحكم البريطاني - في 4 أكتوبر 1958، رجلان فذان وضعا أفكارهما فيه و تركا بصماتهما عليه، هما "ميشال دوبري" و "شارل ديقول" دون مجلس تأسيسي (المجلس التأسيسي الوحيد الأول و الأخير في تاريخ فرنسا، اُنتُخِب بعد الثورة الفرنسية  سنة 1789) و لكن بعد استفتاء أُجري في 28 سبتمبر   1958   و فاز الدستور الجديد بأغلبية 79،25 بالمائة

يبدو لي أن الدستور يهتم بمسألتين اثنتين لا غير و هما تنظيم السلطة السياسية و إقامة دواليب الدولة الوطنية الحديثة و الإشارة إلى الخطوط الاقتصادية العامة و لا يتدخل بعمق في الاختيارات الثقافية و التربوية و التعليمية و الدينية للمواطنين.  يبدو لي أن الإسلاميين الأصوليين (قال الأستاذ أنه لا يعرف تفريعاتهم بدقة و يذكر من بينهم - على سبيل الذكر لا الحصر - الجماعة الإسلامية و الإخوان المسلمين و الأزهريين بمصر و الترابي بالسودان و حزب الله بلبنان و القاعدة في العالم الإسلامي و جبهة الإنقاذ بالجزائر و حزب التحرير و الاتجاه الإسلامي في ثمانينات القرن الماضي بتونس) و الشيوعيين الأرتدوكسيين (النصوصيون الحَرْفيون الماركسيون و اللينينيون و الستالينيون و الماويون)، الاثنان لا يملكان تراثا غنيا في هذا المضمار - كتابة الدساتير - و ليس لهما كتابات دقيقة في شؤون تسيير الدولة عكس المنظرين الليبراليين الغربيين و الفلاسفة اليونانيين القدامى الذين ألفوا آلاف الكتب و المجلدات في الحكم الديمقراطي و في نظريات تأسيس و تنظيم الدول و كتابة دساتيرها، سبقت مؤلفاتهم مؤلفات المسلمين بـألف عام و سبقت مؤلفات الشيوعيين بثلاثة آلاف سنة إلا نيف

نشأت الدولة العربية الإسلامية في القرن السادس ميلادي على يد الرسول محمد صلى الله عليه و سلم و توسعت و تطورت في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم و توقف الاجتهاد في مفهوم الدولة العربية الإسلامية عند الفاروق عمر. لقلة تجربتهم في الحكم و لانعدام فقه القانون عندهم، تشبّه ملوك الأمويين بالحكّام البيزنطيين و حكم ملوك العباسيين باستعمال بيروقراطية فارسية و مسيحية إلى أن ولَّى ملكهم و انقرض و خلاله تحكّم فيهم الفرس و خانوهم و سلموهم لقمة سائغة للمحتلين المغول المتأسلمين حديثا و جاء بعدهم حكم العثمانيين ثم اندثرت خلافة هؤلاء الأخيرين و سقطت الإمبراطورية الإسلامية العثمانية سنة 1924 على يد الزعيم العَلماني التركي كمال أتاتورك و لم تُمارس الديمقراطية و لا الشورى الموسعة يوما واحدا في تاريخ المسلمين على مدى 14 قرن. أشهر من كتب في الدولة و نظام الحكم من العرب القدامى هما الفارابي و ابن خلدون

أبدع الفيلسوف الألماني كارل ماركس في نقد الرأسمالية و فضح بجلاء أساليبها في الاستغلال و الربح السهل على حساب عرق العمال و ألّف في الاقتصاد السياسي كتُبا علمية قيّمة، لكنه أهمل تنظيم الدولة عن قصد - حسب رأي أستاذ غير مختص في العلوم السياسية - لأنه نظّر و تنبأ بأفول هذه الأخيرة و زوالها عندما يصبح الإنسان سيد نفسه و تنقرض السلطة في آخر مراحل الشيوعية الانتقالية نحو الشيوعية الدائمة، عندها يتحرر  الفرد من كل قيود الاستبداد و الاستعباد و يصنع مصيره بنفسه كما يشاء هو، لا كما تشاء الدولة أو السلطة أو الطبقة البورجوازية الحاكمة و الظالمة للبروليتاريا بطبيعة طبقيتها الرأسمالية. لم يعترف ماركس في حياته بالديمقراطية النسبية الغربية، لا بل عاداها باعتبارها الواجهة السياسية للرأسمالية الاقتصادية و عوضها بديكتاتورية البروليتاريا و سيطرة هذه الأخيرة بالقوة و القمع على باقي الطبقات إلى حين تنقرض الطبقات نفسها

4.     النقطة الرابعة: الاثنان يؤمنان بفكر شمولي
الاثنان، الإسلاميون الأصوليين و الشيوعيون الأرتدوكسيون، يتمتعون بميزة عجيبة و غريبة و مستحيلة في الوقت نفسه، تتمثل في القدرة على الإجابة على كل الأسئلة الاقتصادية و الثقافية و الفكرية و الوجودية و الفلسفية و حتى مسائل العلاقات الخاصة بين الجنسين. و يملكون بديلا جاهزا لكل صغيرة و كبيرة في الحياة و ما يصنعونه هو بالضبط  تعريف التفكير الشمولي ضيق الأفق الذي ينفي عن  الإنسان القدرة و العزم على تغيير حياته و مصيره بنفسه. لا يؤمن الاثنان بدور النقد الخالص المكمّل للتطبيق الفعلي و ينعتون مفهوم "النقد دون بديل" بالنقد الهدّام لأنه لا يقدم بدائل جاهزة و وصفات سحرية للمشاكل الحياتية المعقدة و لا يؤمن الاثنان بأن الفرد أو المجموعة يصنع أو تصنع بدائلهما بنفسهما و لا تأخذانها جاهزة لأن الجاهز يُترك و يوضع على الرفوف و في الخزانات كـ"جهاز" الفتاة المرتبة عند الزواج التقليدي و لا يؤمنان أيضا بإعادة إحياء المفاهيم الجديدة التالية و تفعيلها في الواقع المعيش مثل
مفهوم الصدفة  Le hasard
 أو مفهوم انبثاق الحلول من تفاعل العوامل المتداخلة و المتشابكة
L’émergence des solutions à partir de l’interaction de plusieurs facteurs
أو نظرية التعقيدLa théorie de la complexité
يؤمن الإسلاميون الأصوليون بالمكتوب في صيغته الحرفية و يؤمن الشيوعيون الأرتدوكسيين بالحتمية التاريخية و الاثنان لا يتركان مجالا للشك و الصدفة  و التعقيد و الانبثاق غير مضمون النتائج مسبقا

5.     النقطة الخامسة: الاثنان لا يؤمنان بالديمقراطية - على الأقل في مرجعيتها الغربية البورجوازية - حتى و لو ناديا بها في ممارساتهما اليومية
تختلف الديمقراطية عن الشورى (الشورى بمفهومها الضيق المتكلس في الحكم الإسلامي غير المتأقلم مع العصر الحديث). تتمثل الشورى - حسب الإسلاميين الأصوليين - في استشارة أهل الحل و العقد من علماء الإسلام و أهل الرأي و أعيان القوم و عقلائه. مارسها الرسول صلى الله عليه و سلم في حياته على أكمل وجه و طبقها أروع تطبيق و هو المعصوم من الخطأ في تبليغ الوحي الإلهي. واصل تطبيقها الخليفة الأول، أبو بكر الصديق رضي الله عنه و اجتهد في تطويرها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أوصى بالشورى الضيقة في اختيار خَلفِه عثمان بن عفان رضي الله عنه و ماتت الشورى النخبوية على الطريقة الإسلامية مع موت عمر. توسعت الشورى مع الإسلاميين المعاصرين العصريين الحداثيين و تعصّرت و تأقلمت و تطورت فشملت الشعب بأكمله مثل ما هو الحال في الديمقراطيات الغربية الحديثة و في بعض البلدان الإسلامية الديمقراطية القليلة جدا كماليزيا و تركيا و إيران و أندونيسيا و الباكستان. لكن الديمقراطية ليست فقط تحكيم الأغلبية في الانتخابات و إنما يضاف إلى هذا الإجراء الديمقراطي الضروري، قانون احترام أفراد الأقليات في الدولة و اعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق و الواجبات مثلهم مثل أفراد الأغلبية من الشعب مهما كان دين الأقليات أو عرقهم أو لونهم أو مذهبهم أو طائفتهم. لا يجب أن يُعتبر أفراد الأقليات أهل ذمة أو يُعاملوا معاملة عنصرية أو حتى متميزة و يحق لهم كباقي المواطنين ترشيح أنفسهم لقيادة البلاد في أعلى المناصب الإدارية و القضائية و السياسية و الأمنية و العسكرية و الخارجية

تختلف الديمقراطية اختلافا جذريا مع ما تطرحه النظرية الماركسية من ديكتاتورية البروليتاريا و سيطرة الحزب الشيوعي الأوحد و هيمنة الأيديولوجية الماركسية "العلمية" المعصومة

6.     النقطة السادسة: الاثنان يستعينان في حملتهما الانتخابية بتكتيك الخطاب المزدوج
يعتمد الاثنان في حملتيهما الانتخابيتين على مراوغات الخطاب المزدوج (يبدو لي، و هذا رأي شخصي لا يلزم أحدا غيري، أن الخطاب المزدوج غير المبرمج داخل الحزب يُعدّ ظاهرة صحية و ليست مرضية كما يعتقد الكثيرون من غير المتحزبين لأن ازدواجية الخطاب تدل على تحرر أعضاء الحزب من عقلية القطيع. كل عضو يحتفظ و يتمسك برأيه و يدافع عن وجهة نظره في المسائل الخلافية الجزئية و الفرعية و ليس مجبرا على الطاعة العمياء في كل شيء و الاختلاف الجزئي في الرأي بين الأعضاء لا يفسد للحزب خطوطه العامة في برنامجه الانتخابي). تسوّق الشيوعية الأرتدوكسية خطابا ديمقراطيا و أنا لا أشك في النوايا الحسنة و الطيبة و الصادقة للشيوعيين الأرتدوكسيين التونسيين و لي بينهم أصدقاء مناضلين محترمين كثر لكنني أرى تناقضا بين كتابات ستالين النظرية الماركسية و بين ممارساته و تطبيقات نظامه الديكتاتوري الدموي القمعي الظالم ضد مَن ينعتهم هو بـ"أعداء الثورة" و ضد العمال و الفلاحين أنفسهم الذين قامت الثورة البلشفية الاشتراكية من أجلهم و باسمهم و نظريا لصالحهم. تسوّق الإسلامية الأصولية أيضا خطابا ديمقراطيا و أنا لا أشك في النوايا الحسنة للأفراد الإسلاميين الأصوليين لكن في السياسة لا تكفي النوايا بل يجب أن تسندها الأفعال المحسوسة. في حلقاتهم المضيقة، يشحن الإسلاميون الأصوليون تابعيهم بخطاب تكفيري لليساريين و العَلمانيين بجميع فصائلهم الحزبية و مستقلّيهم الملحدين أو المؤمنين و في المقابل يبثون خطابا علنيا ديمقراطيا تحرريا جاهزا للاستهلاك الخارجي على طريقة الوزير الأول التركي الحالي "أردوقان

7.     خلاصة القول
فشلت الأنظمة الإسلامية الأصولية الشمولية و سقطت الأنظمة الشيوعية الديكتاتورية و ولّى عهد الأيديولوجيات الدوغمائية المتكلسة ذات المرجعية الدينية الثابثة و الطاغية على الحياة السياسية و تكلست و تحنطت الأيديولوجيات ذات المرجعية الماركسية أو اللينينية أو الستالينية أو الماوية

حققت الأنظمة الشيوعية (الاتحاد السوفياتي و الصين و كوبا و دول أوروبا الشرقية و فيتنام و كوريا الشمالية) نجاحا نسبيا على مستوى البُنى التحتية للمجتمع في مجالات الصناعة و الفلاحة و التكنولوجيا و ضمِنت نسبيا الشغل و التعليم و السكن و الصحة للجميع لكنها فشلت فشلا ذريعا على مستوى الديمقراطية و التداول على السلطة  و الانتخابات النزيهة و الشفافة و الحريات الفردية و الإبداع الأدبي و العلمي و الفني. حققت هذه الأنظمة عدالة نسبية على حساب الديمقراطية و التداول على السلطة و الحرية الفردية

حققت الأنظمة الرأسمالية الغربية (بريطانيا و أمريكا و فرنسا و ألمانيا و غيرها) قفزة علمية و تكنولوجية و فتحت الباب واسعا أمام الحريات الفردية و الإبداع الفني و الديمقراطية و التداول على السلطة و الإعلام "الحر" و القضاء "المستقل" لكن بقي كل هذا النجاح سجينا في بلدانهم و حكرا على مواطنيهم الأصليين و صدّروا لنا إرهابهم و غطرستهم و ظلمهم و جربوا فينا أسلحتهم المتطورة و احتلوا جزءا كبيرا من عالمنا الثالث و نهبوا ثرواتنا الطبيعية و سرقوا بذورنا الأصلية و استقطبوا علماءنا و استغلوا أسواقنا و أخذوا أفضل عمّالنا و احتكروا صناعة الأدوية و اللقاح في العالم. حققت هذه الأنظمة الحرية الشكلية و  العدالة السياسية و التقدم العلمي و الوفرة الاقتصادية لجل مواطنيها على حساب العدالة الاجتماعية و الاقتصادية للجميع و على حساب حق الشعوب الضعيفة في التمتع بثرواتها الطبيعية و أفظع ما صنعته البلدان الرأسمالية الغربية هو احتلال بلدان العالم الثالث و تهديد السلم العالمية 

حققت الأنظمة الإسلامية الحديثة (تركيا و ماليزيا و أندونيسيا و إيران) نهضة علمية تكنولوجية نسبية  و فتحت نسبيا أيضا باب الديمقراطية و الحرية الفردية و الانتخابات النزيهة و التداول على السلطة لكنها أهملت حرية الإبداع السينمائي و الأدبي و الفني. حققت هذه الأنظمة شيئا من الحرية و شيئا من العدالة الاجتماعية و شيئا من الديمقراطية و لم تحقق الكثير في هذه المجالات الثلاثة

وقتيا و في المرحلة الراهنة، يبدو لي أن مَثَلي الأعلى يتجسم في الأنظمة السياسية الأقل سوءا بين كل الأنظمة الموجودة حاليا في العالم، ألا و هو نظام الحكم في الدول الأسكندنافية (النورفاج و فنلندا و الدنمارك و السويد). جمع هذا النظام بين مكتسبات الرأسمالية و مكتسبات الاشتراكية و مزج أفضل ما في الاثنين فانبثق منهما نظام أقرب للعدالة الاجتماعية و الحرية في الوقت نفسه، نظام غير معتدِِ و لا يتدخل في شؤون الدول الأخرى، الغنية منها و الفقيرة، نظام لا يحتكر السلع و لا يحتل دول العالم الثالث، نظام يفكر في مصلحة أجياله القادمة و يحافظ على التوازن الطبيعي و الاجتماعي العالمي

8.     اقتراح - أراه وجيها - أنصح به الاثنين المعنيين
لو آمن الإسلاميون الأصوليون  و الشيوعيون الأرتدوكسيون بالديمقراطية، و أسسا أحزابا "إسلامية ديمقراطية" و أحزابا "شيوعية ديمقراطية" بشرط تفعيل و إدماج مفهوم الديمقراطية و الشفافية و التداول على السلطة في مرجعية كل واحد منهما و سعيا جادين لتطبيق الديمقراطية بصيغتها الأقل سوءا حاليا، على الأقل كما أراها أنا مطبقة في البلدان الأسكندنافية المذكورة أعلاه

لو أخذ الإسلاميون الأصوليون   القيم الإسلامية - الثابتة في القرآن الكريم و الموروثة عن الرسول صلى الله عليه و سلم و عن اجتهادات عمر بن الخطاب رضي الله عنه - و لقحوها مع ما هو ناجح - نافع و مفيد و غير متناقض و لا مسيء لأخلاقنا العربية الإسلامية - في البلدان الأسكندنافية لانبثق من التلقيح الهجين بين سلالة عربية و سلالة أسكندنافية، أفضل نظام سياسي ذو مرجعية إسلامية حداثية في العصر الحديث

لو اتعظ الشيوعيون الأرتدوكسيون من تجارب الأنظمة اللينينية و الستالينية و الماوية الفاشلة و أخذوا أجمل ما في الشيوعية من  عدالة اجتماعية و فكر أممي و مساواة دون تمييز ديني أو عرقي أو طائفي أو لوني أو مذهبي أو جهوي و كيّفوها مع تجارب الدول الأسكندنافية (يتعلم التلميذ الفنلندي مجانا و يأكل وجبة مجانا و يتنقل مجانا و يأخذ أدواته المدرسية مجانا و يتمتع بمنحة دراسية في التعليم العالي مجانا)، لانبثق منهما أفضل نظام سياسي ذو مرجعية شيوعية إنسانية (و ليست بروليتارية) في العصر الحديث

إمضاء  م. ك
الذهن غير المتقلّب غير حرّ
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي


يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي
الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد

عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعية، لا فكري و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين

البديل يُصنع بيني و بينك، لا يُهدى و لا يُستورد و لا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) و واهم أو ديكتاتور من يتصور أنه يملكه جاهزا

تاريخ أول نشر على النت
حمام الشط في 23 سبتمبر 2011

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire