jeudi 25 avril 2013

محاولة فلسفية (إبستمولوجية) 9: يتهمونني! مواطن العالم د. محمد كشكار




محاولة فلسفية (إبستمولوجية) 9: يتهمونني بتُهم لا أنفيها، بل أتبنّاها و أعمّقها و لا أخفيها! مواطن العالم د. محمد كشكار

1.     يتهمونني بازدواجية الشخصية! ماذا أفعل إن لم تَسَعَ فكري اللامحدود شخصية نمطية واحدة؟ طبعا أنتحل و ألبس و أغيّر عباءات عدة شخصيات فكرية تماشيا مع التطور و التجديد الفكري، و هذه سمة من سمات المفكر الحر المستقل المواكب لمجتمعه المتحرك غير الثابت. أتحدى عن وعي ذلك الجمود العقائدي المتعصب المقيت. و أستشهد بجملة بليغة قرأتها أخيرا "الذهن غير المتقلّب غير حرّ

2.     يتهمونني بالتخلي عن جملة من المفاهيم و المبادئ! و هل ثبتت المبادئ على قاعدة صلبة و دائمة حتى أثبت أنا عليها؟ ماذا أصنع بمفاهيم تجاوزها التقدم الفكري و أنجبت العبقرية البشرية أحسن و أرقى منها بكثير و أبطل مفعول سحرها تطور المجتمعات؟ لماذا يطالبونني أنا بالتشبث بها و قد تخلى عنها الفكر الغربي، مولّدها و خالقها و مصممها؟ مفاهيم انتهت صلاحيتها و أصبحت تأثيراتها السلبية أكثر من إيجابياتها: مثل دكتاتورية البروليتاريا و الحزب العمّالي الواحد و الزعيم الملهم المعصوم و الأيديولوجية الضيقة و القومية العنصرية و الوطنية الشوفينية المنغلقة و الثورة المصطنعة و المثقف الطلائعي الذي يفكر للبروليتاريا و التحزب الطائفي و الممثل الوحيد و الشرعي و الأصالة الرجعية و حداثة القرن 19 و 20م و الحتمية التاريخية و الحتمية المادية و الحتمية الدينية (المكتوب) و الحتمية الجينية و الحتمية البيولوجية

3.     يتهمونني بالاعتراف بالدين الإسلامي كعامل مادي فاعل و مؤثر في المجتمعات العربية الإسلامية! و هل ينتظر هذا الدين اعترافا مني أنا أو اعتراف زيد أو عمر؟ لقد أثبت هذا الدين فاعليته المادية قبل فاعليته الروحية على مدى تاريخه الغني و الطويل بـ14 قرن و إلا كيف نفسّر ديمومته أو كيف نفسر اعتناقه من قبل مليار و نصف من البشر في شتى أنحاء العالم و من مختلف شرائح المجتمع من العالِم إلى الجاهل و من الفقير إلى الغني و من الأمريكي إلى الصومالي و من المجرم إلى التقي الورع؟ ألا يمثل هؤلاء ذواتا فاعلة في مجتمعاتهم في القرن الحادي و العشرين؟ أليس لهم الحق في اعتناق دينهم و ممارسة شعائرهم بحرية؟

4.     يتهمونني بالانهزامية و التقوقع في العالم الافتراضي! و مَن منّا نحن، العرب و المسلمين، ليس مهزوما قبل أن يُولد و منذ أن وُلد و بعد أن يموت؟ مهزومون قبل أن نُولد بفعل عصور الانحطاط العربي الإسلامي التي ورثناها عن أسلافنا و أثقلت كاهلنا منذ القرن الثالث عشر ميلادي! مهزومون منذ وُلدنا بفعلنا الرجعي و أدائنا المتخلف و قطيعتنا المزدوجة مع تراثنا العربي الإسلامي النيّر و مع عصر التنوير الأوروبي! مهزومون بعد أن نموت جزاءًا لنا على ما اقترفت أيدينا من خطايا جسيمة في حق أجيالنا القادمة، ورثناها بورا و تركناها لهم بورا، ورثنا عقلية ملوثة و بيئة ملوثة و ورّثناها لأبنائنا على حالها أو أشدّ سوءً دون اجتهاد أو تغيير. و أتساءل: ماذا يفعل المهزوم الواعي بهزائمه و غير القادر على تجاوزها رغم محاولاته المتكررة لافتكاك حقه في الحياة و الفعل؟ يفعل كما يفعل العابد المتصوّف عندما ضيّق عليه السلطان الظالم و حاصره من كل جانب و لم يترك له مهربا. فهرب إلى السماء حيث لا حدود و لا قيود مادية تعوق حريته. أبدع المفكر المتصوف في فضائه الاضطراري و ترك لنا فلسفة روحية عميقة و أدبا و شعرا رائعا رقيقا. أما أنا فقد اجتمع عليّ سلطاني و مجتمعي، ففعلت مثل المفكر المتصوف و هربت إلى العالم الافتراضي، عالم النت و ما أشبه فضائي بفضاء المتصوف و ما أشبه زماني بزمانه رغم اختلاف الأمكنة، فضاء استيراد و تدجين التكنولوجيا دون إنتاج العلم. و هل ترك لي سلطاني و مجتمعي مجالا غير المجال الافتراضي أمارس فيه بكل حرية ما تلقيت من علم؟

5.     يتهمونني بعدم التقيّد باختصاصي التربوي! و هل يُعرّف المثقف إلا بالخروج عن اختصاصه؟ افتكوا مني اختصاصي غصبا و ظلما و بهتانا و منحوه لمتفقدي الثانوي يدرّسونه بالجامعة و هم لم يتعلّموه أكاديميا و لو شهرا واحدا. لم يمكّنونني من الآليات المادية للبحث العلمي في اختصاصي داخل مختبرات مجهزة و منعوني من النشر في نشريات التربية الرسمية. فهربت - مكرها أخاكم لا بطل - إلى التأليف و الكتابة و النشر على النت في اختصاصات أخرى فرضها عليّ الواقع المتخلف داخل مجتمعي التونسي المسلم العربي. كتبت مئات المقالات في شتى المجالات و لم أدّع يوما أن مقالاتي ترتقي إلى المستوى العلمي أو تستجيب إلى الحد الأدنى من المواصفات العلمية المتداولة في الأوساط الأكاديمية. أكتب حتى لا اُجَنَّ أو أنتحر. تعلمت قيما علمية من سبع سنوات قضيتها في البحث العلمي، أحاول تطبيقها قدر المستطاع في كتاباتي مثل: المقارنة بين الأشياء و الظواهر، دقة الملاحظة، التأكد من مصدر الخبر قبل نشره، التعالي عن السفاسف و التنابز بالألقاب، الأمانة العلمية في النقل و الاستعارة، عدم الكذب و الافتراء على العلماء، تجريم السرقة العلمية و الأدبية و الفكرية، الشك هو طريق إلى مزيد من الشك و ليس طريقا إلى اليقين، التواضع، الإنصات، الإيمان بفكرة التنمية المستدامة و المحافظة على حق الأجيال القادمة في حصتهم من الثروات الطبيعية و حقهم في وراثة بيئة نظيفة...إلخ

6.     يتهمونني بالتخلي عن بعض الأصدقاء! ما رأيكم في صديق تعلن له و تصرّح أمام الملأ أنك تحبه و تعشقه و تعتبره من أعز الأصدقاء و لن تبخل عليه - إن احتاج - بكلية من كليتيك أو رئة من رئتيك، فينعتك بالكذب و النفاق. الكرامة قبل الصداقة. ما رأيكم في صديق، متعاطف مع حزب حركة النهضة، أجلس معه يوميا في المقهى، و يوميا و منذ عشر سنوات تقريبا و نحن ننقد مع بعضنا اليسار و اليساريين مع أنه يعرف أنني يساري الهوى. هذا الصديق الذي أكنّ له كل الاحترام و التقدير و هو يستأهل أكثر، لم يصبر علىَّ أياما معدودات نقدت خلالها حزب حركة النهضة و المنتمين له و المتعاطفين معه. حرية الفكر قبل الصداقة. ما رأيكم في صداقة عائلية جميلة حميمية، صمدت و قاومت و دامت أربعين سنة، و فجأة عكّرت صفوها مشاحنات أجبرتني على قطعها. العائلة قبل الصداقة

7.     يتهمونني برمي الورود يمينا و شمالا و لمن هبّ و دبّ ؟ و لمن نرمي الورود، إذا لم نرمها لأصدقائنا و أحبائنا؟ أيريدون مني - و أنا العبد الرقيق الحسّاس - أن أرمي الأصدقاء بالشوك و الطوب؟ مع العلم أن احترام "الآخر" يحتل مساحة صغيرة في المادة الشخمة لأمخاخ أكثر الناس، أما عندي أنا فيستحوذ الآخر على الرمادي الأعظم فيها. أحترم الآخر و أعشق الآخر و أحب الآخر و أنصت للآخر، صغيره و كبيره، غنيه و فقيره، عالِمه و جاهله، دون طمع في خدمة أو شراء لذمّة. لذلك أقول: إن جننت يوما  في حبكم، فاعذروني في جنوني

8.     يتهمونني بالفوضوية! أقول: إن كانت الفوضوية تتمثل في عدم الانتماء لأي حزب و عدم الإيمان بأي أيديولوجيا و عدم تقديس البشر و خاصة الحكّام منهم و عدم الرضوخ و التسليم لأي سلطة سياسية مهما كانت مرجعيتها سماوية أو أرضية، غربية أو شرقية، فأنا فوضوي و تسعون فوضوي! و إن كانت الفوضوية تتمثل في نقد كل شيء و التشكيك في كل شيء (إلا الله طبعا)، فأنا فوضوي و ألف فوضوي! و إن كانت الفوضوية تتمثل في عدم تناسق الأفكار و انعدام التراتبية و الترابط في تناولها، فأنا أخو الفوضوية و جدها و أبوها! و إن كانت الفوضوية تتمثل في تعدد الشخصيات و انعدام التوافق و التجانس بينها، فأنا الفوضوية نفسها

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي

تاريخ أول نشر على النت
حمام الشط في 21 مارس 2012

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire