samedi 27 avril 2013

محاولة فلسفية 11: دردشة في مقهى النت بحمام الشط الغربية: قلب بعض المفاهيم السائدة! مواطن العالم د. محمد كشكار


محاولة فلسفية 11: دردشة في مقهى النت بحمام الشط الغربية: قلب بعض المفاهيم  السائدة! مواطن العالم د. محمد كشكار

أنقل بأمانة أدبية - دون إلمام كبير بالموضوع - فكرتين طريفتين لكن عميقتين لمؤسس حزب "العمل عبادة" و مُلهم بعض أفكاري، أستاذ الفلسفة القدير المتقاعد، العَلماني اليساري المستقل غير الانتهازي حبيب بن حميدة. حزب يضم عضوين متقاعدين فقط و ينشط في مقهى النت بحمام الشط يومي السبت و الأحد صباحا فقط، مقرّه في المخ، و لا يسعى إلى السلطة و إنما  يعارض فكريا كل سلطة مهما كانت مرجعيتها - يمينية أو يسارية - و مهما حققت من إنجازات، حزب لا يعجبه العجب و لا الصوم في رجب

1.     الفكرة الأولى: اللغة العربية هي السلطة المؤسَّسَة و المؤسِّسَة للحضارة العربية الإسلامية Institution dotée d’un pouvoir fondateur
اللغة العربية، لغة معَقّدة جدا بالمعنى العلمي و الإيجابي لمفهوم التعقيد
La complexité de la langue arabe

-         اللغة العربية قبل الإسلام
اللغة العربية تمثل مؤسسة قائمة الذات قبل ظهور الدين الإسلامي. مؤسسة يدور في فلكها الشعر "الجاهلي" ، و الحِكَم "الجاهلية"، و القيم العربية من كرم و شهامة و مروءة و شجاعة و حسن جوار، و الديانة الروحية الوثنية الصنمية المكّية، و الديانتين التوحيديتين، اليهودية العربية و المسيحية العربية، و الحنفية التوحيدية (قس بن ساعدة و محمد قبل الرسالة و غيرهم كثيرون)، و التجارة، و الحج، و السقاية و الرفادة، و النحت، و الغناء، و الرقص، و نواميس شرب الخمر، و بيوت الدعارة العلنية، و العبودية، و الرعي، و الغزوات و غيرها من شؤون الدنيا و الدين. كانت مكّة تمثل مجتمعا متدينا بالمفهوم الروحي و العميق للتدين حتى و لو كان أهلها يعبدون ظاهريا الأصنام و يستعملونها كواسطة بينهم و بين آلتهم

اللغة العربية مؤسِّسة للحضارة العربية الإسلامية و الدليل أن أكبر معجزة في الإسلام هي معجزة بيانية و هي القرآن الكريم ببلاغته و موسيقاه و سلاسة أسلويه، يغزو القلوب قبل أن تدركه العقول
اللغة العربية لغة موحِّدة للقبائل في كامل الجزيرة العربية من اليمن إلى سوريا و البحرين
بفضلها، لم تكن مرحلة ما قبل الإسلام جاهلية كما يروّج لهذا المفهوم غير العلمي بعض المغرضين الناكرين لدور اللغة العربية في ازدهار تجارة قريش و دين قريش. صمد دين قريش قرونا  في وجه انتشار اليهودية و المسيحية في الجزيرة العربية

-         اللغة العربية بعد الإسلام
اللغة العربية لغة موحِّدة و جامعة و شاملة عند الناطقين بالعربية أكثر من الدين الإسلامي، فهي وحدها التي تمثل القاسم المشترك الذي وحّد الديانات العربية المختلفة عن رضا و طواعية، وحّد  المسلمين و المسيحيين و الصابئة و البهائيين في مصر و السودان و فلسطين و سوريا و لبنان و العراق، و وحّد القوميات المختلفة الناطقة العربية ، و وحّد العرب و الأكراد و التركمان و البربر في سوريا و العراق و المغرب العربي البربري، و وحّد المذاهب الإسلامية المتنافسة، و وحّد الشيعة و السنة في العراق و اليمن و وحّد الخوارج و السنة في المغرب العربي البربري

تُعتبر كل لغة ناقلة لحضارتها و اللغة العربية هي الناقل الأمين للحضارة العربية الإسلامية و الدليل القاطع دينيا أن الله اختارها دون غيرها للحفاظ على القرآن الكريم من التحريف و حمايته من التلف و الانقراض و كانت بالفعل للقرآن لسانا مبينا و حافظة مانعة لا لبس فيها. لذلك على كل من أراد أن يحافظ و يطور حضارته أن يستعمل لغته الأصلية في التعليم و الثقافة و نحن اخترنا أو أُجبِرنا على اختيار (أو الاثنين معا) اللغة الفرنسية، لغة أولى في تعليمنا (تُدرّس كل العلوم و التكنولوجيا من أبسطها إلى أعقدها باللغة الفرنسية، فكيف لا تكون هي اللغة الأولى في تونس؟ حتى و لو كنا نصرّح عكس ذلك أن اللغة العربية هي اللغة الأولى في تونس). و بعد هذا الاختيار الإجباري، نصيح و نفزع من الغزو الثقافي السلبي (الغزو الثقافي الإيجابي يتمثل في الاستفادة من اللغات الأجنبية دون إهمال اللغة الأم مثل ما تفعل فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و تركيا). كيف لا نُحتلّ ثقافيا و نحن نعلم علم اليقين أن اللغة تجلب معها حضارتها و ثقافتها و تقاليدها و غثها و سمينها؟ لا ينفع اللوم بعد حدوث المصيبة لكن يمكن تجاوز الخطأ و إصلاحه و إن أردنا و شئنا ذلك

نأتي إلى إشكالية التعريب: هل تعريب العلوم الدقيقة في الدول العربية يمثل عائقا أم حافزا لتلامذتنا و طلبتنا؟ لنتفق أولا على المبدأ قبل الدخول في التفاصيل و أغتنم الفرصة للإفصاح عن رأيي الشخصي في هذه الإشكالية: من حيث المبدأ، أنا مع تعريب العلوم الدقيقة قلبا و قالبا في الدول العربية، من التعليم الأساسي إلى التعليم العالي. لكنني أقف ضد التعريب المُطبّق الآن في الدول العربية و ذلك للأسباب التقنية التالية
المشكل: يشمل التعريب في تونس المرحلة الأساسية من التعليم فقط، أي المرحلة الابتدائية التي تدوم 6 سنوات و المرحلة الإعدادية التي تدوم 3 سنوات. ثم ينتقل التلميذ إلى المرحلة الثانوية فيجد العلوم الدقيقة غير معرّبة و تُدرّس كالعادة باللغة الفرنسية و في الجامعة تُدرّس كل الاختصاصات العلمية و التكنولوجية الدقيقة بالفرنسية أما في المرحلة الثالثة من التعليم العالي، ماجستير و دكتوراه، فالطالب يدرُس بالفرنسية و يكتب مقالاته العلمية في المجلات المختصة بالأنجليزية

لقد سبق لي و إن درّست علوم الحياة و الأرض بالفرنسية لتلاميذ السنة أولى ثانوي لمدة 15 عاما و عرفت خلالها ما يعانيه التلميذ التونسي و ما يتعرّض له من صعوبات جَمَّة لتعلّم علم دقيق بلغة أجنبية بعد ما تعوّد خلال تسع سنوات على دراسته بالعربية. أسوق لكم مثالا آخر عشته في الجزائر عندما كنت أستاذا متعاونا في الثمانينات من القرن الماضي: لقد عُرّب كل التعليم العلمي الدقيق الأساسي و الثانوي، أما في الجامعة فهو مُفرنَس. يدرس  التلميذ الجزائري علوم الحياة أو البيولوجيا بالعربية طيلة سنوات الثانوي و يدرس الفرنسية كلغة ثانوية (لا يتمكن من الإلمام بها جيدا كالعربية) ثم ينتقل إلى دراسة الطب بالفرنسية في الجامعة فيجد صعوبة كبيرة في قراءة و فهم المراجع الطبية الوحيدة المتوفرة باللغة الفرنسية فقط مما قد ينجرّ عن هذا الخلل تعثر في الدراسة الجامعية أو انقطاع تام عنها. في الجزائر أيضا، عاشرت زملاء علوم دقيقة من سوريا و مصر و فلسطين، أساتذة لم يدرسوا الفرنسية بتاتا و الغريب أن كل المراجع من الكتب المدرسية الموازية و المجلات العلمية المختصة في بلاد التعريب الجزائر متوفرة في السوق لكن باللغة الفرنسية مما يجعل مهمة الاطلاع عليها مستحيلة من قبل هؤلاء الأساتذة المتعاونين و هذا العائق اللغوي أو الألسني قد يؤثر على أدائهم العلمي في القسم
الحل المقترح: قبل التفكير في تعريب العلوم الدقيقة، يجب إنشاء مؤسسة للترجمة، و قد فعلها جدنا المأمون ( فترة الخلافة بالهجري: 198 -218 أو بالميلادي 813 -833) عندما أمر في عهده بترجمة الكتب العلمية و الفلسفية من اللغات اليونانية والسريانية والكلدانية و الفارسية القديمة إلى العربية و كانت بيت الحكمة ركنا من أركان النهضة العربية في القرون الوسطي العربية الإسلامية المضيئة. علينا الاقتداء بمنهجية هذا السلف الصالح من العلماء المترجمين و فعل الشيء نفسه في القرن الواحد و العشرين دون عقدة نقص حتى ننهض بلغتنا و ننقذها من الانقراض كلغة علمية حية. و مَن لم يَحترِم لغتَه، لا يُحْتَرَمُ

2.     الفكرة الثانية: ما علاقة التراتبية (Hiérarchie)  بالديمقراطية (Démocratie)؟
خضع المجتمع الأوروبي منذ القدم إلى تراتبية اجتماعية حديدية متكونة من طبقة النبلاء و طبقة العبيد و خضع أيضا إلى تراتبية دينية كَنَسِيّة، قمة في النظام و الانضباط، و إلى تراتبية إدارية في الدولة - المدينة الإغريقية اليونانية و في الإمبراطورية الرومانية المشهورة بمؤسساتها و قوانينها المكتوبة الصارمة. كان "لويس الرابع عشر"، ملك فرنسا في القرن السابع عشر يرفع شعارا معبّرا على تلك الحقبة التاريخية يقول فيه: ملك واحد، دين واحد (يعني الكاثوليكية و ليس البروتستانتية)، قانون واحد. جاءت الديمقراطية إلى أوروبا في القرن التاسع عشر ميلادي فوجدت أرضية مهيأة متكونة من دولة قانون و مؤسسات. الديمقراطية ليست سلطة الشعب كما يتوهم العامة و لا تعني أيضا أن الشعب يحكم نفسه بنفسه بل العكس فمِن أسُسِ الديمقراطية أن يسلّم الناخب، يوم الانتخاب، عن اقتناع و طواعية و رضا، حقه في ممارسة السلطة إلى ممثليه نواب الشعب في البرلمان و يفوّضهم حق تقرير مصيره دون الرجوع إليه إلا في حالات الاستفتاء على بعض القضايا الخلافية المهمة و في فترات متباعدة زمنيا. في الديمقراطية و بعد إيداع بطاقة الانتخاب في الصندوق السحري، يتخلى الشعب إذن عن ممارسة الديمقراطية الشعبية المشارِكة (la démocratie participative) و يعتمد نظام الديمقراطية التمثيلية حيث تتكفل الدولة بالشأن العام و الخاص و تحتكر العنف و تسلطه في بعض الأحيان ضد الشعب الذي انتخبها نفسه لكن بالقانون. للمواطن حق النقد و الاعتراض لكن لا يحق له استعمال العنف لقلب النظام و إنما عليه انتظار موعد الانتخابات الموالية حتى يستطيع أن يمارس سلطته ليوم واحد و يعاقب السلطة الحاكمة بعدم التصويت لها ثانية و هذا كل ما يمنحه له القانون من صلاحيات ضيقة و محدودة و في تواريخ متباعدة في الزمن، من أربع سنوات إلى 7 سنوات. لكل هذه الأسباب التاريخية، نجحت الديمقراطية في البلدان الأوروبية

لكن لماذا لم تنجح الديمقراطية في البلدان العربية؟  
لم يخضع المجتمع العربي قبل الإسلام إلى تراتبية اجتماعية إلا في مكة، كان مجتمعا بدويا رعويا حرا فوضويا، خال من الطبقات و المؤسسات، غير مستقر و غير منظم و لا يحكمه قانون مكتوب. جاء الإسلام، فحَكَمَ الخلفاء الراشدون دون مؤسسات و دون قوانين مكتوبة فوقعت الفتنة الكبرى بين صحابة الرسول نفسه، بين علي و معاوية. أرسى معاوية بعد انتصاره عَلَى عَلِي مؤسسة المَلَكية (من المَلِك) فاستقر الوضع ثم جاء العباسيون و فعلوا نفس الشيء. دام الاستقرار و "الفتوحات" و الازدهار ثلاثة أو أربعة قرون ثم انهار النظام بسقوط مؤسسة الإمبراطورية. تأسست بعدها الإمبراطورية العثمانية واستمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة، وبالتحديد منذ حوالي  سنة 1299 م حتى  تاريخ تفككها و تأسيس الدولة التركية القُطْرية الحديثة العَلمانية على يد كمال أتاتورك سنة 1923 م

و على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، تكونت الدويلات العربية حسب التقسيم الاستعماري. حَكَمَ هذه الدويلات حكام دكتاتوريون باسم القومية العنصرية (مصر و سوريا و العراق) أو باسم الاشتراكية المشوهة (الجزائر و ليبيا و اليمن الجنوبي) أو باسم الليبرالية الاقتصادية غير الديمقراطية (تونس) أو باسم الأصولية الإسلامية (السودان و السعودية و الخليج) أو باسم المَلَكية غير الدستورية (المغرب و البحرين و الأردن). عاث حكامنا في الأرض فسادا، أهلكوا الحرث و الزرع، أقاموا انتخابات مزيفة و نصّبوا برلمانات موالية للسلطة التنفيذية و بعثوا مؤسسات صورية مقلدة و صحّروا العقول و البلاد واقعا و مجازا ففشلت الديمقراطية لأنها قدِمت إلى أرض غير مهيأة و لا تعترف بالتراتبية الاجتماعية (لم يمر المجتمع العربي بمرحلة الإقطاع المنتج و المستنير ثقافيا مثل ما حدث في أوروبا و لم يحكمه مستبد عادل مستنير) و لا بالتراتبية الدينية (لا وجود لكنيسة في الإسلام السنّي و الدليل على أن التراتبية الدينية تمهد للاستقرار و الديمقراطية و النهضة، انظر ما فعله المجتمع الشيعي التراتبي دينيا في إيران في ثلاثين سنة، من انتخابات نسبيا نزيهة و ما حققه من تقدّم علمي في مجال النووي السلمي و في مجال الفضاء و العلوم التجريبية، حقق ما عجز عن تحقيقه في نفس المدة الزمنية المجتمع المصري أو السعودي السنّي غير التراتبي دينيا  و انظر التنظيم التراتبي الديني المحكم لمسيحي و شيعة لبنان مقارنة بسنّة لبنان المتفرقين و المتناحرين جماعات و ملل) و لا بالتسلسل الإداري (انظر الفوضى التي حصلت بعد الثورة في الإدارة التونسية و ما نتج عنها من إهدار طاقات جيدة باسم الشرعية الثورية و الثورة منهم براء، أُطْرِد عديد المديرين الأكفاء بمجرد أنهم عملوا تحت نظام بن علي و لم يُراعَ لبعضهم حرفيته و مِهَنيته و تفانيه في العمل و السلام

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل البناء الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي
و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا. هاشم صالح
الفلسفة هي القبض على الواقع من خلال الفكر. هيغل
الذهن غير المتقلّب غير حرّ.
قال الرسول محمد، صلى الله عليه و سلم: مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدَهُما
قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا، عليكم أنفسكم لا يضرّكم مَن ظلّ إذا اهتديتم إلى الله

تاريخ أول نشر على النت
حمام الشط في 1 أفريل 2012

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire