mardi 5 janvier 2021

لماذا لستُ ماركسيًّا ولا قوميًّا ولا إسلاميًّا، وكيف تصالحتُ مع هويتي العربية-الإسلامية ؟ مواطن العالَم

 


1.     لستُ ماركسيًّا لأنني:

-         لا أؤمن بديكتاتورية البروليتاريا ولا بالإلحاد ولا بالصراع الطبقي ولا بالمادية الجدلية ولا بالحتمية التاريخية ولا بالحزب الواحد ولا بالفصل بين تناقض رئيسي وآخر ثانوي ولا بالعنف الثوري ولا بالثورة البلشفية أو الصينية نموذجًا ولا بمفهوم الثورة كأداةٍ للتغيير الجذري أصلاً، لأن كل الثورات الشيوعية أتت للبشرية بديكتاتور وهُم للأسفِ الشديدِ كُثرُ مثل لينين، ستالين، ماو، كاسترو، شاو سيسكو، أنور خوجا، بول بوت، إلخ.

-         لا أعتبر الماركسية نظرية علمية بل أعتبرها حلمًا جميلاً ما زلتُ أحلمه، ألا وهو زوال استغلال الإنسان للإنسان.

-         لا أعتبر لينين فيلسوفًا بل أعتبره رجل دولة ديكتاتور دموي، هو وماو وستالين.

-         أعتبر كل التجارب الشيوعية تجارب فاشلة لأنها لم توفّر الحرية والكرامة للشعوب التي مرّت بها (الاتحاد السوفياتي، دول أوروبا الشرقية، الصين، كوبا، ألبانيا، يوغسلافيا، كوريا الشمالية، ألمانيا الشرقية، إلخ.)، والحرية والكرامة عندي قبل الخبز.

ملاحظة 1، هامة جدًّا: قبل نشر هذه الفقرة أعلاه حول نقد الماركسية، وليطمئنَّ قلبي، سألتُ فيلسوف حمام الشط، جليسي اليومي الماركسي حبيب بن حميدة، فاطمأنَّ قلبي والحمد لله !

 

2.     لستُ قوميًّا لأنني:

-         أؤمن بالأممية، وهي أرحب وأقرب لأنسنة الإنسان من العولمة الرأسمالية السائدة حاليًّا المبنية على تفوق العنصر الغربي المتعالي.

-         الدولة القومية (l’Etat nation indépendant et souverain) وّلَّى زمنُها وانتهى دورُها التاريخي الاستعماري الدموي (النازية، الفاشية، الستالينية، الاستعمار الفرنسي والبريطاني)، وجاء دور التكتلات الإقليمية واتحادات الدول (أوروبا، أمريكا، روسيا، الهند) المبنية على مصالح الشعوب المشتركة وليس على العِرق أو اللغة أو الدين مثلما يعتقد القوميون العرب.

-         لا أعتبر ناصر زعيمًا قوميًّا بل أعتبره رجل دولة ديكتاتور، هو والأسد وصدّام والقذافي، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.

-         أعتبر كل التجارب القومية العربية تجارب فاشلة لأنها لم توفّر الحرية والكرامة للشعوب التي مرّت بها (مصر، سوريا، العراق، ليبيا، اليمن)، والحرية والكرامة عندي قبل الخبز.

 

3.     لستُ إسلاميًّا لأنني:

-         مسلمٌ علمانيٌّ، أؤمن بفصل الدين عن السياسة وليس فصلَه عن المجتمع، والمفارقة أنني أعتمد في موقفي هذا على آية قرآنية واضحة الدلالة ولا تحتاج إلى مفسّرين، ألا وهي: "إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم".

-         لا أؤمن بأن الرجوعَ للإسلامِ فيه كل الحل، بل أؤمن أنه جزءٌ من الحلْ، لا أكثر ولا أقلْ.

-         لا أعتمد كثيرًا كلامَ الدعاة ولا كتابات علماء المسلمين وذلك لسبب علمي بحت: هؤلاء السلفيين، الذين يبدون في ثوب مجدّدين حداثيين، لا يوظفون العلوم الحديثة في تأويل القرآن والحديث، أقصد العلوم الحديثة التالية: الفيزياء، الجيولوجيا، البيولوجيا، الإبستمولوجيا، الأنتروبولوجيا، البسيكولوجيا، الفيلولوجيا، الأركيولوجيا، السيميولوجيا، الألسنية، إلخ.

-         يبدو لي أن العقوبات البدنية (جلد، قطع اليد، إعدام) لم تعد صالحة لهذا الزمن، والمفارقة الثانية أنني أعتمد في موقفي هذا أيضًا على ما جاء في أواخر آيات الحدود من حَثٍّ على تجنبها ما أمكن ذلك ومن حسن حظنا كمسلمين أن القرآنَ نفسَه وفّر لنا بدائلَ أخرى أفضلَ، بدائلَ خاليةً من العنف البدني، بدائلَ أكثر رحمةً بالمذنب، كالعفو مثلاً: "وإن عفوتم فهو خيرٌ لكم".

ملاحظة 2، هامة جدًّا: أحترم الثلاثة ولي فيهم أصدقاء حميمين أعزاء، لكنني أختلف مع ثلاثتهم فكريًّا.

 

4.     كيف تصالحتُ مع هويتي العربية-الإسلامية؟

-         المفارقة أنني اكتسبتُ هذا التصالح مؤخّرًا من خلال قراءاتي الإسلامية باللغة الفرنسية وبعضها باللغة العربية (الفرنسية لغتي الأولى، والعربية لغتي الأم). لكن المفارقة تزول ولا تغدو مفارقة (Le paradoxe n’est pas aussi paradoxal qu’il le parait) عندما نكتشف السر: الكتابات الإسلامية باللغة الفرنسية، خلافًا للكتابات الإسلامية باللغة العربية، توظف العلوم الحديثة المذكورة أعلاه (علي شريعتي، هاشم صالح، محمد أركون، هشام جعيّط، محمد الطالبي، يوسف الصديق، جاكلين الشابي، أمين معلوف، محمد حداد، عبد الله العروي،  عبد المجيد الشرفي، ميشيل أونفري، Le Coran des historiens que je suis en train de lire, p. 740 de 3400 pages).

-         في زمن ما قبل الحداثة، قبل سقوط غرناطة، قبل عصور انحطاط الحضارة العربية-الإسلامية، قبل القطيعة مع الفلسفة الإغريقية العقلانية، أي قبل القرن 15 ميلادي: لو قارنّا بين حضارتنا والحضارة المسيحية لوجدنا أن الأولى أقل ظلمًا، أقل دموية، أقل احتلالاً، أكثر مساواة، أكثر عدلا، أكثر تسامحًا. ولو أن المقارنة، أخلاقيًّا لا تغسل أيدينا من دماء ضحايانا، حتى ولو كانوا أقل عددًا. أليس ديننا وقرآننا هو القائل: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

-         "وشهد شاهدٌ من أهلها": أمين معلوف، المفكر-الروائي، عضو الأكاديمية الفرنسية منذ 2011، الفرنسي-العربي-االلبناني-المسيحي، قال: "عشنا في لبنان 14 قرنًا في ظل الحضارة العربية-الإسلامية، ولم يمسَسْنا أيُّ سوءٍ في كنيستنا ولا في عرضننا ولا في مالنا"، وقال أيضًا: "في القرن 19 ميلادي، كان ثلثَيْ سكان مدينة اسطنبول، عاصمة الخلافة الإسلامية، غير مسلمين، وكانوا يعيشون في سلامٍ وتسامحٍ ووئامٍ مع المسلمين"، وأضافَ: "لو فتحتَ دفاتر التراث الإسلامي، فلن تجد للإرهاب الداعشي دعامة ولا سابقة، لكنك لو فتحتَ دفاتر الحداثة (القومية الغربية الاستعمارية والشيوعية الشمولية) لوجدت عوض الدعامة الواحدة دعامات وعوض السابقة الواحدة سابقات كثيرات".

-         في زمن ما بعد الحداثة، أثناء عصور الانحطاط الحضارة العربية-الإسلامية، بعد القطيعة النهائية مع الفلسفة الإغريقية العقلانية، بعد حرق كتب الفيلسوف المسلم العقلاني ابن رشد، أي بعد القرن 15 ميلادي، أي بداية النهضة الأوروبية وبداية تشكل أمريكا البيضاء، أي عصر الحداثة المتمثل في تغوّل الغرب وهيمنته على الشرق بقوة السلاح والعلم والتكنولوجيا: لو قارنّا بين حضارتنا والحضارة الغربية لوجدنا ثانيةً أن الأولى أقل ضررًا بالإنسانية وأقل تلويثًا للبيئة. "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم": المفرِح أو المحزِن، لا أعرف؟ كنا أقل ضررًا بالإنسانية وأقل تلويثًا للبيئة، للأسف ليس عن وعي بل بسبب تخلفنا الصناعي والعلمي والتكنولوجي ولانعدام وسيلتنا، "رُبّ ضارّة نافعة"، ولو خيّروني بين "التخلف مع عدم إلحاق الأذى بالإنسانية والبيئة" و"التقدم مع إلحاق الأذى بالإنسانية والبيئة"، لفضّلتُ، ودون تردّدٍ، الأول عن الثاني، حفاظًا على التوازن الطبيعي واحترامًا لكياني الإنساني، لا فرق عندي بين عربي وصيني وألماني.

 

إمضائي (مواطن العالَم البستاني، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري غير ماركسي حر ومستقل، غاندي الهوى ومؤمن بمبدأ "الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي" - Adepte de la rectitude morale et la spiritualité à l’échelle individuelle):

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence. Le Monde diplomatique



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 14 ديسمبر 2019.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire