(Introspection)
بالله قُل لنا مَن أنتَ يا
كشكار حتى تنتقد "النداء" و"النهضة" واليسار ولم تترك "الجبهة"
ولا "الأوطاد" ولا "المسار" ولم يسلمْ من قلمك لا المدرّسين ولا
القيمين ولا حتى المتفقدين ؟ أنت درّستَ عشرين سنة في الإعدادي دون إجازة في
اختصاصك ولا حتى "جَرْدْ" باكلوريا. أنت لا تفقه في أي شيء غير اختصاصك وقد
قلتَ بعظمة لسانك أنك قرأت فلسفة فوكو ودولوز وباشلار وسارتر وأفلاطون وأرسطو وابن
تيمية والغزالي وابن رشد وتاريخ الطبري وغيرهم ولم تفهم منها شيئًا. تتباهى باختصاصك
"إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا"، وهو في الواقع فرعٌ صغيرٌ من
الديداكتيك أوالتعلمية، وهذه الأخيرة هي نفسها فرعٌ فتيٌّ طرِيٌّ من معارف التربية، اختصاصٌ لقيطٌ
هجينٌ غير معترفٍ به في جل البلدان الأنـﭬلوسكسونية وجل البلدان العربية. فبأي زادٍ علمي تُخاطبنا ؟ لم تَدْرُسْ
أكاديميًّا علوم السياسة ولا الاقتصاد ولا الاجتماع ولا النفس ولا .. ولا.. وفي
الأدب والفن والشعر لم تتجاوز نجيب محفوظ وفيروز ونزار قباني، يستعصي عليك فك رموز
درويش والنواب، أما سمفونيات بتهوفن وباخ ولوحات
بيكاسو ودالي فهي طلاسم لا يرقى لها ذوقك المتخلف. ما زلت ذوقًا بدائيًّا تهتز
طربًا لنغمات حضرة العيساوية الجمنية وعمِّي الشيفور للمرحومة فاطمة بوساحة وأفضل
طبقٍ عندك خبز طاجين بزيت الزيتون أو ربع مصلي دجاح أو نصف رأس علوش
تدّعِي أنك مثقفٌ وأنتَ لا
تتقن اللغة الأنڤليزية نطقًا ولا كتابة، ومَن لا يقرأ اللغة الأنڤليزية، يُعتبر مصابًا بِـ"فقر الدم الثقافي" !
تنتقد الماركسية وأنت لم تَدْرُسْ أكاديميًّا الماركسية ولو يومًا واحدًا ولم تقرأ
كتابَ ريمون آرون "أفيون المثقفين"، أشهر كِتاب في نقد الماركسية، إلا
بعد التقاعد مع أنه صدر في فرنسا قبل سنة ميلادك.
تنتقد الإسلاميين وجل مقالاتك شخصية انطباعية أو منقولة عن مفكرين
عَلمانيين. تكتب بلغة الضاد وأنت تجهل جُلَّ نحوِها وصرفِها.
لم تنتمِ إلى أي حزبٍ قبل
الثورة ولو دقيقةً واحدةً في حياتك، فكيف تسمح لنفسك بتقييم أنشطة الحزبيّين
المنتمِين، يساريين أو إسلاميين أو قوميين. هل عانيتَ معاناتهم ؟ هل عرّضتَ نفسك يومًا
للسجن أو التعذيب؟ هل تعرّضتْ عائلتُك للقمع والتجويع والحرمان والترويع ؟ هل ذقتَ
مرارة الهجرة القسريّة أو الفصل التعسّفي عن العمل لأسباب سياسية (فُصِلتُ مرة وأرجعتني
النقابة بسبب نقاش حادّ مع المتفقد كازالونـﭬا أكتوبر 1976) ؟
اِسْمَعْ يا ظالم ما قاله فيك
بعض قُدماء أصدقائك الحميمين اليساريين، اِسْمَعْ ما لم تسمعه في حياتك قَطُّ: تنكرتَ
لرفاق الأمس فكيف تريد أن يطمئن لك أصدقاء اليوم ؟ علّمتْكَ الماركسية الرماية، ولمّا
اشتد عودُك، أول ما رَميتَ، رميتَها بأمضَى السهامِ. هجرَك أصدقاؤك القُدامَى
الواحد تلو الآخر ولم تستطع تعويضهم. وهل يا تُرى ما زلتَ تحلم بِبِناء صداقات
جديدة بعد الأربعين ؟ بقي لك صديقٌ وحيدٌ فريدٌ، الكِتابُ الأخرسُ، جليسُك الوحيدُ
في "مقهى الشيحي التعيسة التي لم تَعُدْ تعيسة"، وبقي لك جِدارُ الفيسبوكُ
الباردُ الصامتُ، محاورُك الفريدُ في عزلتك المؤبَّدة. قَلَمُكَ في العِلمِ سليطٌ،
ولسانُك في النقاشِ طويلٌ، وصبرُك على الخَصمِ قليلٌ. تبدو ظاهريًّا مجامِلاً، لكن
العلمَ الذي تنقله بأمانةٍ صارِمةٍ، يُمِيتُنا ولا يُحيينا. لن نغفر لك أبدَا، يا
مُرتدّ، تَخَلِّيكَ الصريحَ والعَلني عن الماركسية، "النظرية العلمية الوحيدة
الشاملة والشمولية التي تملك الحقيقة، كل الحقيقة".
اِرْجَعْ إلى حجمك الضئيل ولا
تتطاول على أسيادك. اِلزَمْ جُحْرَكَ، والأسْلَمُ لك أن تكفَّ عن الهذيان وتصمتْ.
لو عرفتَ قدْرك وحصرتَ نشاطك في نقل ما ينتجه كبار المفكرين كما تفعل أحيانًا لَكفاك
ذلك شرفًا (ما يقارب ثُلُثَي ما نشرتَ). لكننا نعرف أن وفاءَك الجنوبي وحساسيتك
المفرطة وحنينك إلينا وتعلقك العاطفي بنا، هي نقاط ضعفك التي تمنعك من كرهنا وتحرمك
السعادة بدوننا، فلا تفرح كثيرًا فلن تظفر منّا بأي قدرٍ من الاعتراف، اعترافٌ قد
يريحك أو يرضيك. سوف نتظاهر أمامك بأننا لا نقرأ لك، ونتجاهل ما تكتب، قريبًا سنقتلكَ
كمدَا، فمُتْ بغيظك أيها الفاشل في كل شيء إلا في نقدِنا وانتقادِنا.
إمضائي: مواطن العالَم، الواعِي
بحدودِه وحدودِ
معرفتِه، عبدُكم الفقيرُ لله، يُقْرِئُكُمْ السلامْ.
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 9 ديسمبر 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire