samedi 21 mars 2020

حِوارٌ سُرْياليٌّ بينَ فَيروسْ كورونا ومُسِنٍّ مُصابٍ بالكورونا؟ مواطن العالَم الكسّار



المصابُ: وأخيراً شرّفتْ!
الكورونا: أكنتَ تنتظرني؟
-         ومَن لم يكنْ ينتظرك في هذا الزمن الأغبر يا أغبرَ من الزمن؟
-         أليس في جُعبتك كلامٌ ألطفُ من هذا؟ أوَ تشبّهُني بالزمن الأغبر؟ ومَن جعله أغبرا يا تُرى؟ أليس جشعك؟ أكلتَ لَحْمَ أخيك في حروب طاحنة ولم تشبع، فغزوت محرابي والله أوصاك أن لا تعتدي على العابدين في معابدهم. أتتصوّر أن الله ربك لوحدك؟ أأنتَ علماني أو حتى في الروحانيات أناني!
-         ادخلْ.
-         وهل تستطيع أن تمنعني أيها الجاهلُ بقيوده، العاجزُ عن الدفاع عن سيادته وحدوده؟
-         أنا جاهلٌ؟
-         ومَن تَرى أجهلَ منك في هذا الكون؟
-         نوّرني يا مثقف زمانه؟
-         ولِمَ لا، ألم يجعل حكمته في أصغر خلقه؟
-         وهل الداءُ والبلاءُ من خلقه أيضًا؟
-         ألم أقل لك أنك جاهلٌ؟
-         جاهلٌ بماذا؟
-         ألم يقلْ خالقك في أمثالك، مَثَلكم: "كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا"؟ أسفارٌ تحملها في داخلك، في داخل داخليتك، قصورٌ أبديٌّ تحمله في جيناتك الثلاثين ألف، ومن فرطِ جهلك ودون غربلة، قصورٌ تورّثه لأولادك.
-         جاهلٌ وتكلّمني على الخلق والخالق؟
-         جنيتَ على نفسك، ألا تعرف أن الله أرحم بك من العِلم، ولكن ما دمتَ بعظمة لسانك طلبتها -الحجة العلمية- فهي لك.
-         كيف أجني على نفسي وأنا أعقلُ الكائنات؟
-         كلامُك، "كلمة حق أريدَ بها باطلٌ".
-         كيف.. الحقُّ يُرادُ به باطلٌ؟
-         حسب داروين، اصطفاك "الانتقاء الطبيعي" (La sélection naturelle)، ميّزك عنّا جميعًا، حباك بثلاثين ألف مليار من الخلايا البشرية، منحك مليارات الخلايا العصبية الصالحة للتفكير، وبَرْمَجَكَ في ADN، برمجية نادرة معقّدة لكنها قديمة وقد انتهت صلوحيتُها، ألا يكفيك نقصًا أنك علماني أناني،  والله لم أكنْ أعرفُ أنك متخلفٌ آدآني (ADN).
-         وأنتَ؟
-         أنا أرآني (Le Covid-19 est un virus à ARN).
-         أنت إذن فوتوكوبّي وأنا الأصلُ.
-         ومَن أدراك يا جاهلُ، أنا خُلِقتُ قبلك وسأبقى بعدك (Ma source d’inspiration: Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste, Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages).  خُلقتُ قبلك بأربعة مليار سنة أو أقل قليلا (عُمُرُ الإنسان يُقدَّرُ ببعض الملايين من السنوات). عشتُ وحدي أنا والبكتيريا على وجه البسيطة ما يقارب مليارَين اثنين من السنوات، نصف عمر الأرض. "جِيتْ أنتَ من تالي وقُلْتْ خلّوهالي"، ما أكبرني وما أصغرك! خُلقتَ بعدي، فرحنا بقدومك وسخّرنا لك أنفسَنا  خدمًا وحشمًا في جسمك، فيروسات وبكتيريا وميكروبات بالمليارات على عدد خلاياك أو أكثر، كائنات دقيقة نسكن معك في نفس القصر-الجسم، نقتاتُ منك وتقتاتُ بواسطة كفاءاتنا الكيميائية، نهضم مكانك لك طعامك، ولولانا لهلكتَ جوعًا، وعِوض أن تشكرنا على صنيعنا وتكتفي بما أنعم الله عليك، لاحقتَ أبناء عمومتنا ضيوف الحيوانات البرية (القرد والخفّاش والخنزير وغيرهم).
-         ناقص أن تقول أنك ربي وخالقي؟
-         بالعلم الذي تؤمن به، أنا كذلك وأكثر من ذلك، فكل عَضية فيك (Organites: les chromosomes, les ribosomes, les enzymes digestives, les mitochondries, etc )، هي في الحقيقة فيروسًا كان كائنًا حرًّا طليقًا، و"الانتقاء الطبيعي" لفائدتك ولخدمتك دون غيرك قيّده وفي جسمِك السميكِ سجنه.
-         بعد هذه المحاكمة السريالية، قل لي ولا تتفلسف.. ما أنت فاعلٌ بي؟
-         عهد العبودية ولّى وانتهى، نحن، الفيروسات القاتلة، جئنا لتدميرك وتخليص الكَونِ من شرورك، أنت كائنٌ لا تستحق الحياة، على النعمة تبطّرتْ، وبرب العالمين كفرتْ، وبنعمته حدّثتْ، ولكنك بجبروتك على مخلوقاته الدقيقة تكبرتْ، وعلى المستضعفين من فصيلتك استكبرتْ، غاباتنا-بيوتنا من أجل تدفئتك حرقتْ، أجسامًا كانت لنا ملاذًا أفنيتْ (الحيوانات والنباتات البرية). قاموسي (ARN constitué de 30.000 lettres-bases, ATCG)، قاموسي أفقرُ من قاموسِك (ADN constitué de 3 milliards de lettres-bases, ATCG)، لكنني ودون نية مبيتة مني وبسهولة فككتُ رموزك ونجحتُ في اختراقك وأصبتُك في مقتلٍ، رئتيك التي تتنفس بهما، وأنت يا أنت، بعلمك المنحاز للأقوياء والأغنياء، حِرْتَ في قاموسي ذي الأربع كلمات مقارنة بقاموسك، سأقضي عليك قبل أن تفك شفرتي ورموزي وأفنيك، سأعاقبك على أفعالك، سأعزلك عن أقرب أقربائك، أبنائك أمك أبيك أصدقائك، وسأحرمك حتى من لمسة حنان أو وداع من زوجتك، سأجعلهم يعاملونك كالكلب المكلوب، يضعون لك الطعام أمام جحرك، وسأدفنك في حفرة مثلما تُدفن الكلاب السائبة ودون تغسيل أو صلاة، ولا من مشيّع إلا العسكر، لا فرق عندي بين دين وآخر، وهل نفعتْ فيك الأديانْ، وهل آمنتَ بالرحمان أو حتى بأخيك الإنسان، مُتْ فأكيدٌ سيموت معك القهر والظلم والكذب والبهتان. سأعفي عن فئة قليلة منك علها تتعظ، وإن عادوا عدنا، والسلام يا عدو نفسك والحجر والنبات والحيوان، يا مُعلِي كلمة الشيطان، يا عدو الرحمة وحسن الجوار والتضامن والعدل والإنصاف والإحسان.

إمضائي: "المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 21 مارس 2020.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire