samedi 28 mars 2020

ما الفرق بين التفكير العلمي والتفكير الديني؟ جزء 2 والأخير. مواطن العالَم الجسّار




تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 نوفمبير 2008.


التفكير العلمي والتفكير الديني، خطان متوازيان ولو حدث أن تواجدا في شخص واحد فهو ثنائي التفكير، ولا ضرر في ذلك عند عظماء العلماء المتدينين مثل الفيلسوف المسلم الكاتب والطبيب "ابن سينا" (980-1037) والمعلم الثاني بعد أرسطو الفيلسوف المسلم "الفارابي" (872-950) والراهب المسيحي عالِم النباتات والأب المؤسس لعلم الوراثة، القس "مندال" (1822-1884).

أما الضرر الجسيم -حسب رأيي- فيكمن في الخلط بينهما، وهذا وارد في عقول  بعض المتدينين حين يستشهدون بالعلم لتقوية إيمانهم ولو عكسوا لأصابوا، وكأن العلم في أذهانهم أعظم شأنا من الإيمان، أما بعض العلمانيين الملحدين (بفتح العين وليس بكسرها لأن المفهوم مشتق من كلمة العالَم وليس من كلمة العِلم كما يعتقد الكثيرون)، فهم يؤمنون بالإنسان ويثقون في قدرته على صنع مصيره بنفسه، لذلك يتنافسون في محاربة المقدس ويكذّبون بالدين وهذه تجارة خاسرة لو تفكّروا لأن الإيمان إحساس ذاتي لا يخضع للقياس (La mesure) ولا للتجارب العلمية أو العلوم الإنسانية.

خلاصة القول حسب اجتهادي المتواضع: للعلم منهجٌ, مَن مشي فيه واحترم قواعده, حقق المعجزات، وللدين بابٌ من دخل فيه وصدّق معجزاته وجد فيه راحة البال.

هذان النمطان من التفكير يستطيعان التعايش إذا احترم كل واحد منهما الآخر، لأن غاياتهما السامية تتمثل في تحقيق القيم الإنسانية النبيلة على الأرض, من عدالة وتضامن وصدق وإخلاص وسلم ومقاومة للقيم الهدامة السائدة للأسف منذ ظهور الإنسان على الأرض  من ظلم وجشع وكذب وخيانة وحرب.

العلم "عمومي مشترك" والإيمان "ذاتي بحت" رغم أن الدين في ممارسته اجتماعي أو لا يكون, أنت حر في إيمانك تمارسه كيفما يشاء ربك وتشاء أنت في علاقة عمودية، ولن تأتي فيه بجديد مهما علا شأنك. أما العلم فتمارسه كيفما يشاء اتفاق العلماء وتشاء أنت في علاقة أفقية، لذلك تستطيع أن تبدع في مجالك وتثبت صحة فرضياتك فتُجازَى على قدر إبداعاتك أو تُكذِّبُ فرضياتك فيستفيد الآخرون من النتيجة السلبية كما استفادوا من نجاحات غيرك.

الرسالات الدينية موجهة للبشرية جمعاء فهي ليست حكرا على المتدينين، والعالَم الإنساني المادي المحسوس مِلك للعلمانيين ولغيرهم. فمِن المفروض إذن أن يكون العَلماني "متدينا محتملا" بالنسبة للمتدين المعتدل والمتسامح، ويكون المتدين "عَلمانيا محتملا" بالنسبة للعلماني المتفتح والمتفائل.

العلم والدين -لكل محرابه- فرجاءً من مريدي الاثنين أن لا يهدم الواحد منهم محرابَ أخيه في الإنسانية، وإذا رُمتَ المقام في أحدهما أو في كِليهما فالدين رحبٌ، يؤمن به المؤمنون فقط وهم كُثْرُ, والعلم أرحبُ، تؤمن به أغلبية البشر، مؤمنون وغير مؤمنين.
ستيفن جاي ولد قال: "مِن الأفضل أن لا نسجن أنفسنا في خانة الخيارات الخاطئة مثل: أنت مؤمن بنظرية التطور لداروين، إذن أنت ملحد، أو العكس أنت مؤمن  بالله إذا أنت لا تعترف بهذه النظرية. مِن الممكن أن يكون الإنسان مؤمنا بالله ويعترف بنظرية التطور أو ملحدا ولا يعترف بها. يكوّن التفكير الديني والتفكير العلمي عالَمَين مختلفين ومنفصلين ومستقلين، فلا تطابق بينهما ولا تناقض، والمواجهة بينهما معركة خاسرة للاثنين. قد يلتقيان في علم الأخلاقيات (L’éthique)".


إمضائي: أنا أكتب -لا لإقناعكم بالبراهين والوقائع- بل لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيّئ نردّ بمقال جيّد لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire