تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 6 أفريل
2012.
المصدر: كتاب
"مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية في الفكر والحياة."،
هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391
صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام الشط. كتاب من أفضل الكتب التي قرأتها في السنوات الأخيرة
وأعتبر كاتبه من أعلم وأنضج الفلاسفة التنويريين العرب، وأعُدّه من أهم رواد
النهضة العربية الإسلامية المعاصرة.
تنبيه ضروري: ما أنشره في هذه السلسلة من نقل وتعليق، تحت العنوان
المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل بالضرورة موقفي الفكري بل هو عبارة عن
مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع إلى الكتاب الأصلي. لا تغني هذه المذكرة عن
قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي الحذر الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا
تصل إليكم فكرة الكاتب ناقصة أو مشوّهة. أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد
الاعتبار لفن ثامن في طريق الانقراض، اسمه "مطالعة الكتب" وفكرة الكتاب
تلزم الكاتب ولا تلزم الناقل دون أن نتغافل عن كون الأفكار هي وقائع فكرية تستقل عن قائلها.
نص هاشم صالح:
صفحة 238: إذا كنا بحاجة إلى حُقَنٍ تاريخية متواصلة ومكثفة لِـبثِّ
الحياة والحيوية في مفاصل عروقنا الجامدة بعد طول همود، فإن الحركة في الغرب تبدو
وكأنها تنحو في اتجاه معاكس تقريبا. فهم بحاجة إلى التخفيف من حدة التسارع
التاريخي الذي شهدته مجتمعاتهم منذ أكثر من قرنين من الزمن. فالتطور الاقتصادي
والمادي أصبح غاية بحد ذاته بدلا من أن يكون وسيلة لإسعاد الإنسان في سكناه على
هذه الأرض. وهم يشعرون بالحاجة إلى إعادة النظر في مسارهم السابق ولإعادة
تحديد العَلمنة الصارمة التي تشكلت في القرن التاسع عشر ليس فقط كرد فعل ضد
الكنيسة وطبقة الإكليروس -فهذا مفهوم ومشروع في وقته- بل ضد العاطفة الدينية
والروحية ذاتها. وقد أخذت الأصوات ترتفع مؤخرا من أجل بلورة "عَلمانية جديدة
منقحة ومنفتحة". فالإنسان لا يمكن اختزاله إلى بعده المادي والتاريخي فقط، بل
يحق له أن يطالب بإشباع روحي أيضا، أي بأن يتجاوز شرطه العرضي الفاني لكي يعانق
مستوى المطلق المتعالي. فعصر التقنية بتسارعه المطّرد والجهنمي لم يعد يعرف أن
يتوقف عند حد.
هكذا نجد أن الحس التاريخي
يقول لنا بأن ما نحتاجه هو عكس ما يحتاجه الغرب في هذه اللحظة الراهنة من التاريخ،
وذلك لسبب بسيط هو وجود تفاوت في التطور التاريخي بيننا و بينه. صحيح أننا جميعا،
في نهاية المطاف، بشر، وأننا نعاني من حاجات مشتركة مادية وروحية. ولكن هذه
الحاجات غير مطروحة بشكل متزامن في هذه الجهة أو تلك من البحر الأبيض المتوسط. هذا
كل ما في الأمر، لا أكثر ولا أقل. ولا يعني ذلك أننا مضطرون لإتباع نفس المسار
التاريخي الذي اتبعه الغرب طيلة مائتي سنة في حداثته. فقد نتوصل إلى اكتشاف طريقنا
الخاص عن طريق التجريب الشخصي والمغامرة الذاتية في الإبداع.
إضافتي:
حسب وجهة نظري المتواضعة والمحدودة جدا وغير المختصة في
علم المستقبل، يبدو لي أن هذا ما يحصل فعلا والآن في تونس ما بعد الثورة لو
تُرِكنا نخوض التجربة النهضوية لوحدنا -نسبة إلى النهضة العربية الإسلامية المسيحية-
دون تدخل أجنبي وخاصة عندما يجيء هذا التدخل من أكبر نظامين رجعيين متخلفين كنظام
قطر ونظام السعودية، أعداء الحداثة وأعداء العَلمانية الجديدة المنفتحة، شبه عملاء
أمريكا وشبه سفرائها الفاشلين في العالم العربي الإسلامي وشبه نسخها في التخلف
والتطرف الديني الأصولي. ونحن نمتلك الامتياز التالي بالقياس إلى الغرب، ألا وهو
أن تجربته هو قد تمت قبلنا، وبالتالي نستطيع أن نتخذ منها مسافة نقدية فلا نتردد
في الاستفادة من إيجابياتها وطرح سلبياتها. أو بمعنى آخر، فإن مفهوم التفاوت
التاريخي لا يعني إطلاقا التبعية للغرب، أو السير على خطاه خطوة خطوة، أو تقليده
تقليدا أعمى. فأصالتنا التاريخية تأبى علينا ذلك دون شك. وإنما هو يعني الرؤية
التاريخية للأمور من خلال المسافة الفاصلة بين التطور الاقتصادي والتقني والمنهجي
الأدواتي لمجتمعات الغرب وما يقابل ذلك لدى مجتمعاتنا العربية-الإسلامية. فنحن
مثلا لسنا بحاجة إلى عَلمانية متطرفة واختزالية كتلك التي بلورها الغرب في القرن
التاسع عشر. لكن هذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى عَلمنة على الإطلاق كما يزعم
بعضهم! فنحن بأمس الحاجة إلى العَلمنة إذا ما اعترفنا بأن العَلمنة لا تعني
القضاء على البعد الروحي ولا على العاطفة الدينية السامية لدى الإنسان، بل تعني
موقفا للروح أمام مشكلة المعرفة، وحرية الروح تجاه المعرفة والكشف. وبهذا
المعنى، فالعَلمنة ليست فقط غربية، وإنما عربية-إسلامية أيضا، لأننا عرفنا شيئا
منها في عصرنا الإبداعي والكلاسيكي المجيد (انظر حركة المعتزلة مثلا). هذا على
الرغم من أن الغرب هو الذي مشى بها شوطا أبعد من غيره في العصور الحديثة. انتهت
إضافتي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire