vendredi 27 mars 2020

ما الفرق بين التفكير العلمي والتفكير الديني؟ جزء 1. مواطن العالَم الجسّار




تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 نوفمبير 2008.

في هذا المقال، أنطلق من محاضرة ألقاها أحمد شبشوب, الأستاذ والباحث التونسي القدير في علوم التربية, أثناء المؤتمر الوطني الرابع لتعلّمية العلوم (أو فلسفة تعليم العلوم كما أود أن أسميها - La didactique des disciplines ).
   

نُظِّمَ المؤتمر في كلية العلوم بمدينة صفاقس التونسية سنة 1998 وعنوانه "التربية العلمية للتلاميذ: أيّ عوائق يجب تجاوزها؟" قال شبشوب: "في الواقع نحن ننتمي إلى ثقافة ما زالت شديدة التأثّر بما هو سحريّ و/ أو ما هو وراء الطبيعة مع العلم أن التعليم المكثف للعلوم العصرية مازال حديث العهد في تونس: في سنة 1875 بدأت مدرسة "الصادقية" تنشره لدى النخبة، والمفروض أن الإصلاح التربوي لسنة 1958 قام بتعميمه على كامل التونسيين، لكن علينا أن ننتظر قانون جويلية1991   ليصبح التعليم إجباريا حتى سن السادسة عشرة، ثم قانون التوجيه سنة 2002، ورغم تعليمه الطويل مازال التونسي المتوسط يعتمد في حياته اليومية على طريقة تفكير, في إدراك العالم وتفسيره, تتداخل فيها النتائج المادية والأسباب غير المادية وهذا مخالف للتفكير العلمي".

نبدأ بتعريف التفكير العلمي الذي يعتمد منهجية تتألف من المراحل التالية:
-         الملاحظة: تنبع الملاحظة من نظريات مسبقة عند العالِم وهي لا تحدث صدفة كما يعتقد الكثيرون في أسطورة حادثة التفاحة عند "نيوتن". عين العالِم, عين واعية ومُدرِكة، ليست كعيون غير العلماء والعامة.
-         الإشكاليات: تمثل مداخل البحوث العلمية وتأتي بعد الملاحظات الصادرة من العلماء بعد تفكير وليس صدفة.
-         الفرضيات : تطرح قبل البحث وهي استشراف لنتائجه لكن تبقي رهينة التجارب, تؤكدها أو تنفيها.
-         التجارب: يقوم بها العالِم أو الباحث أو التقني ويتحرى فيها الدقة والأمانة العلمية.
-         النتائج: يجمعها العالِم أو الباحث أو التقني ويتحرى فيها الدقة والأمانة العلمية.
-         تحليل النتائج وتفسيرها: هي أهم مرحلة لأنها الأصعب ولا يقوم بها إلا العالِم أو الباحث الملم بالنظريات العلمية السابقة.
-         الاستنتاجات: هي خلاصات البحوث العلمية الذي ينشرها العالِم أو الباحث في المجلات العلمية المختصة أو يلقيها في المؤتمرات العلمية الجامعية لتوضيح رؤيته الجديدة للآخرين (Le savoir savant).
لا يوجد فصل ميكانيكي بين هذه المراحل لا في الزمن ولا في الترتيب، بينما يوجد بينها تداخل وتفاعل وأخذ ورد وتغيّر في الترتيب.

بعد هذه المقدمة, نحاول مقارنة منهجين سائدين في العالم: التفكير العلمي والتفكير الديني:
- ينبني التفكير العلمي على الأرض فهو أرضي وعلى الإنسان فهو إنساني صرف يحرّكه الشك (الشك طريق إلى مزيد من الشك وليس طريقا إلى اليقين الأبدي)، ويحركه أيضا الخطأ والصواب والتطور والاختلاف في وجهات النظر وهو يحمل تاريخا وفلسفة وإيديولوجيا. يستطيع الإنسان أن يجدد ويضيف فيه بلا حدود ويعيد بناء أسسه متجاوزًا النظريات القاصرة أو غير العلمية.
- أما التفكير الديني فهو آت من "السماء"، فهو سماوي وإلهي وغيبي، وهو صواب لا يحتمل الخطأ، ويقين يقود حتما إلى مزيد من اليقين، وهو ثابت في نصه متحول في تفسيره. يستطيع الفرد أن يجتهد داخل دائرة صدقه دون أن يمس ثوابته.
- يتصف التفكير العلمي بالشفافية والتحدي فهو يعرض نفسه متطوعا للدحض أو النقض على صفحات المجلات المختصة وفي المؤتمرات العلمية لكل مَن استطاع إلى ذلك سبيلا, لا يحمل جنسا ولا جنسية ولا هوية ولا وطنية ولا عصبية ولا لون ولا عرق ولا دين. يراجع نفسه بلا خجل ويتخلى في أكثر الأحيان على الأفكار السابقة التي كان يمجدها في يوم ما إذا أثبتت التجربة خطأها.
- يتعالى التفكير الديني على التفكير العلمي بنسبه غير البشري  (الله مصدره وليس الإنسان)، ويقينه المطلق وعدم التزامه بالزمان والمكان (صالح لكل زمان ومكان). يتعصب له المؤمنون ويكفرون غير المؤمنين، ويقصون المخالفين لهم حتى لو كانوا موحدين مثلهم (الكفر ليس الإلحاد، المسلم كافر بالمسيحية واليهودية ولا يؤمن إلا بالإسلام الدين الوحيد غير المحرّف في نظره، أما المسيحي فهو كافر بالإسلام. الملحد لا يؤمن بكل الأديان السماوية ولا يؤمن بوجود إله أصلا).
- التفكير العلمي متواضع بإنسانيته وماديته ونسبيته وتحديد مكانه وزمانه وشكه المتجدد والمتواصل.
- التفكير العلمي يقبل كل العالَم، ويؤمن بالتفكير الديني بعض العالَم. يعرض الأول نفسه على الدحض والتعديل ويطالب الثاني بالتسليم والتقديس دون جدل.

إمضائي: أنا أكتب -لا لإقناعكم بالبراهين والوقائع- بل لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيّئ نردّ بمقال جيّد لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire