آآآه تفرّقت فراخك عنك يا مبروكة... مِن أدب سجون بورڤيبة وبن علي. نقل مواطن العالَم

 " آآآه تفرّقت فراخك عنك يا مبروكة... ولا تعلمين أين تفرقت، ولا كيف تفرقت، ولا كيف السبيل إلى إعادتها إلى عشك الصغير، ولا كيف يكفّون عن الحلم...

أنتِ مهددة في قبس من روحك. سيزول بريق الحياة من عيونك. ستتباطأ نبضات قلبك، ستفقدين طعم كل شيء لذيذ. لن تستطيعين تقبل الخبر بسرعة...

بكيتُ، بثثتُ همي إلى خالقي، غبتُ عن الوعي، صحوتُ، ولم أجد شيئا قد تغير... لو كان فراق عصفور واحد لأمكن التحمل. ولكنهم أربعة دفعة واحدة. متى يمكنك النداء مجددا: لحمد، منور، عزوز، مجدة؟ متى يمتلئ عليك بيتك بضجيجهم وخصامهم؟ من أين ستستمدين القوة لتشدي من أزر زوجك، وتطردي الحزن عن بيتك، وتخففي الحبس عن أهله، وتحمي بقية العصافير؟

لم تنجبي الأبناء لتأكلهم السجون، أنجبتِهم لحياة أجمل من حياتك. أنجبتِهم لينجحوا حيث فشلتِ وليقفوا حيث وقعتِ... يحين موعد الفطور، والغداء، والعشاء، ولا تجدين رغبة للأكل.

مَن منهم سَدَّ رمقه؟

ويأتي الليل بسدائله السوداء، ويلفّ بها العالم، فأذكركم وقد لفّكم الظلم فهل أنتم نيام أو قعود؟..

أستيقظُ في وجه الليل، إن نمتُ، بقلب يعتصره الشوق والحنين... أبكي وأنا لا أملك غير البكاء للتخفيف عني. قد ترى - صغراي - خديجة دموعي، فأمسحُها، وأبادرها بدعابة خوفا عليها، وهي الشديدة التعلق بي. اعتزلت الأعياد والمسرات... في حضوركم كانت أعراسا وأفراحا، رغم قلة ذات اليد. يمتلئ البيت صخبا وضحكا، للأعياد - في غيابكم - طعم العلقم. ذات عيد رفضتُ الفطور واستغرقتُ في بكاء مرير، حتى ثارتْ عفاف وصرختْ: حتى متى تُسرق منا فرحتنا؟

اقترن العيد باجتماع العائلة، وأذكر حرصك أن تكون بيننا...

(...) فلا أنتَ بالقرب الذي يزيل الشوق، ولا أنتَ بالبعد الذي يقطع الأمل."

المصدر: كتاب "حصاد الغياب 1    اليد الصغيرة... لا تكذب"، عبد الحميد الجلاصي، مكتبة تونس، 320 صفحة، ص 212.

إمضائي

"عَلَى كل خطابٍ سيئٍ نردّ بِخطابٍ جيدٍ، لا بِالعنفِ اللفظِي" (مواطن العالَم)

وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 16 ماي 2017.

Haut du formulaire