رفاقك خانوكَ وفضّلوا المالَ والأمانَ
والجُبنَ على الصدقِ والأمانةِ والنضالِ، وتراهم اليوم يزايدون عليك بثورِيتهم
المغشوشة وتَجَذُّرِهِم الماركسي المزيّف. رفاقك المنتمون إلى الأحزاب الستالينية
والماوية، أحزابٌ متخفيةٌ وراء عنوان برّاق يُكَنَّى بالاشتراكية العلمية أو
الماركسية اللينينية. العلوم التجريبية يا رفاقي تشتغل على الواقع المادي (Le réel ou la matière) المرئي والمجهري (مثل البيولوجيا،
الفيزياء، علم الوراثة، إلخ.)، والعلوم الصحيحة على الافتراضي (Le virtuel ou le conceptuel) (مثل الرياضيات، علوم الحاسوب،
إلخ.). أفيقوا من أوهامكم وتخلوا عن تعاطي أفيونكم فالماركسية ليست عِلمًا
تجريبيًّا ولا صحيحًا، هي فلسفةٌ وبَسْ، والأخيرةُ خيرٌ من الأولَى لو كنتم
تعلمون!
(« Le marxisme, c`est l'Opium des intellectuels », Raymond Aron, philosophe français de droite, 1955)
والفلسفة لم تدّعِي يومًا
أنها تملك الحقيقة يا مُدَّعُو احتكار الحقيقة، والفلسفة لم تدّعِي يومًا أنها
تملك البديلَ الجاهزَ يا مُدَّعون أن لا بديلَ أفضل من بديلِكم.
الفلسفةُ توقٌ للحكمة ولم
تدّعِي يومًا أنها الحكمة يا "حكماء عصركم". الفلسفةُ بحثٌ متواصلٌ عن
بديلٍ متحرّكٍ غير جاهزٍ وغير ثابتٍ. الفلسفة تواضعٌ يا "متكبّرون
زمانكم".
سأل برنار بيفو الفيلسوفَ بول
ريكور: "لماذا تصلُحُ الفلسفة"، فأجاب: "لا تصلُحُ لِشيءٍ، أو تصلح
لِشيءٍ أقرب للصفر، لكن في الواقع هذا
الشيء الأقرب للصفر قد يصبح كل الشيء أو الشيء كله". أيها الرفاق: تعلّموا
إذن كل الشيء من اللاشيء، ولا تمشوا على الأرض مرحًا فأديمُ الأرض أبقَى وأفضل من
أفضلكم لو كنتم تعقِلون!
رفاقك فضلوا المناصب والكراسي
وركنوا إلى رَغَدِ العيشِ أو أسهله وانسلخوا من طبقة البورجوازية الصغيرة طمعًا في
اللحاقِ بالكبيرة عوض الانضمام إلى الطبقة التي يدّعون أنهم طليعتُها ورأس حَرْبَتِها،
أعنِي طبقة العمال.
كان بإمكانك - وأنتَ الوحيدُ
عصرِه وزمانِه - أن تُطوِّعَ قلمَكَ
وإبداعَكَ الخَطابِي لتلميعِ صورة المرشحين في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتكسب
من وراء موهبتِكَ أرباحًا طائلةً دون عناءٍ كبيرٍ. لكنك عاكستَ الفكر السائد وجدّفتَ
ضد التيار الجارف، ورغم صِغرِ قارِبِكَ لم يجرِفكَ. الصغارُ فقط في هذا المستنقع
يتألقون وأنتَ كبيرٌ كبيرْ.
حاصروكَ وضيقوا عليكَ سَجنًا
ونَفيًا وإذلالاً وازدراءً واحتقارًا وتَهميشًا. دنّسوا شرفكَ وانتهكوا عِرضكَ،
والأنكَى وأمرّ أن أعداءَ الإنسانيةِ وأعداءَكَ وبكل سهولة وجدوا مرتزقة متطوعين للقيام بهذه
المهمة القذرة، وجدوهم وللأسفِ الشديدِ في صفوفِ أصدقاءِ شبابِكَ وأعزهم عليك، أصدقاءٌ
أنتَ علمتهم فَكَّ أبجديات الفكر والثقافة والسياسة والنقابة. علّمتهم التفكيرَ
الحرّ فكافؤوك بالغدرِ المُرّ!
صَدَقَ فيهم القولُ المأثورُ
للشاعرِ أبو الطيّب المتنبي: "وإذا أتتك مذمّتِي من ناقصٍ...فهي
الشهادةُ لي بأني كاملٌ". هم ناقصون أما أنت - ورغم إعجابي بكَ - فلستَ
كاملاً لأن الكمالَ لله وحده لا يُشاركه فيه أحدٌ.
بعد الثورة كنتَ حصيفًا ونبيهًا
ولم تنطلِ عليك كذبة الإنقاذِ في "جبهة الإنقاذ"، ولم تصدق قُطّاع الطرق
ولا التصويت المفيد (Vote utile). صرختَ في وجوه الرفاق قائلاً:
"يا طامع بالعسل مِن طبلة بوفِرزِزّو". رفاقكَ ليسوا بُلَهاء يا
قُدْوتِي، كانوا ولا زالوا انتهازيينْ طمّاعينْ وسيبقونْ إلى يوم الدينْ..
يُتبَع...
ملاحظة: للأمانة
العلمية، نَصٌّ مُستوحَى من كتاب:
Michel
Onfray, Politique du rebelle Traité de résistance et d`insoumission, Ed. Grasset,
1997
إمضائي
وَ"إذا كانت كلماتي لا
تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 23 ماي 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire