vendredi 7 septembre 2018

العقد البيداغوجي بين الأستاذ والتلميذ: هذا ما كنتُ أقوله لتلامذتي في الحصّة الأولى. مواطن العالَم، أستاذ تعليم ثانوي متقاعد منذ ست سنوات



أطرح عليكم هذا الاجتهاد الشخصي حول طُرق التدريس وأعرضه عليكم للنقد، لأن النقد يصقل ويطور الفكرة أما الشكر فيخدّر العقل ويقتل الإبداع.

كنتُ أقول لتلامذتي في الحصة الدراسية الأولى في أول السنة ما يلي:
أهلا و سهلا بكم في قسمكم ومعهدكم وأتمني لكم عاما سعيدا، سوف يُتوج بالنجاح إن شاء الله إن عملنا معية لتحقيق ذالك. بعد التحية, أعرّف بنفسي: أنا أستاذ علوم الحياة والأرض, عيّنوني منذ 36 سنة أستاذا لتدريس هذه المادة ومنحوني - بكل مجانية - "ترخيصا للتدريس مدي الحياة دون قيد أو شرط"، وما زلت أمارس هذه المهنة بكل رغبة ولذة التدريس. آليت علي نفسي أن أحسّن مستواي العلمي والبيداغوجي والتعلمي،  لذلك لا زلت حتى الآن أتعلم مثلكم وأتعلم منكم أيضا وأنا علي قاب قوسين أو عامين من التقاعد.
نمرّ الآن إلي المهمّ وهو "العقد البيداغوجي"  الذي يربط بيني وبينكم، وهو عقد ضمني غير مكتوب ومسكوت عنه دون قصد من جل مدرسي الابتدائي والثانوي والعالي.

سأحاول شرح هذا العقد حتى تتبين الحقوق من الواجبات:
1.     سنبدأ ببعض الحقوق التي كفلها لكم القانون ولا تتمتعون بها فعليا إما لِتقصيرٍ منكم أو بتعسف من غيركم:
-         أول حق هو حقكم في الاحترام الكامل من قِبل المدرس والإدارة والعَمَلَة، يعني ممنوع اللمس والضرب
 والسب والشتم والإقصاء المجاني وتخفيض العدد والتدخل في الشؤون الخاصة والتشهير بالأخطاء.
-         ثاني حق هو حقكم في فهم الدرس حتى وإن أدّى الأمر إلي تأخير في البرنامج باستثناء برنامج السيزيام والنوفيام والباكلوريا وذلك لكونها سنوات تُتَوَّجُ في آخر السنة بامتحانات وطنية.
-         ثالث حق هو حقكم في نقاش العدد الذي يُسند إليكم ومقارعة الأستاذ الحجة بالحجة لكن بكل أدب ولياقة.

2.     ولكم  بعض الواجبات أيضًا:
-         أول واجب هو احترام المدرس وليس تقديسه، لأنك لو لم تحترم المدرس فلن تتركه يقوم بواجبه ولن تستفيد من علمه، ولو قدّسته فلن تستفيد أيضا لأنك ستصدّق كل ما يقوله وأنت مسلوب الإرادة، والعلم لا يطلب التقديس بل يطالب بالنقد فهو مبني أصلاً علي الخطأ  والصواب.
-         ثاني واجب هو عدم التأخر الزمني في الحضور وعدم تعطيل سير الدروس والانتباه لكل ما يقوله الأستاذ أو التلاميذ المتدخلون في القسم.
-         ثالث واجب هو مراجعة الدروس في المنزل، ليس لأن المدرس كلفك بها فقط، بل لأن المعلومات لا تُفهم ولا تَستقر في الذاكرة إلا بالمراجعة والهضم الشخصي المتأني والقيام بالتمارين، والذكاء غالبًا ما يُكتسب ولا يُورّث.

3.     بعد ذكر بعض الحقوق وبعض الواجبات، أعود إلي طريقتي الخاصة في العمل والتعامل مع التلاميذ وهي وليدة تجربة وعلم حيث أقول لهم:
-         لن أستعمل قانون العقوبات المدرسية التأديبية مهما فعلتم، حتى وإن وصل الأمر إلي التعرض لي في الشارع، رغم إيماني الراسخ بأن انعدام الانضباط في المعهد قد يمثل صورة من صور إهمال تربية التلميذ. اشطبوا إذن بالأحمر كلمة " عقوبة" - علي الأقل معي أنا - لأنني لست مسؤولا عن زملائي ولا عن الإدارة ولا عن الوزارة. وهذا الموقف من العقوبة ليس طِيبة ولا كرما مني، بل هو موقف علمي مبني علي اطلاع واسع علي تجارب تربوية في مجتمعات أخري. وكلامي هذا لا يعني البتة التشجيع علي التسيّب لهذا سأقترح عليكم بعض الإجراءات، إن وافقتم عليها فستقوم مقام القانون الداخلي بيننا: يُقصَي من القسم كل تلميذ  يعطل سير الدرس ولا يستجيب لتحذيرات المدرس المتكررة، وكل مَن يقِل أدبه علي زميله أو علي المدرس. الحكمة من هذا الإجراء هو حماية الأكثرية من أخطاء الأقلية وتجنيب التلاميذ الوضعيات غير الحضارية وغير التربوية، كالمواجهة الكلامية المتشنجة في القسم بين المدرس والتلميذ. بعد خروج التلميذ يهدأ المدرس ويواصل درسه ويهدأ التلميذ خارج القسم. فإذا كان المدرس مخطئا، يدعو التلميذ إلي الرجوع للقسم ويعتذر له أمام الملأ، وإذا كان التلميذ مخطئا يرجع للقسم بعد دقائق ويطلب العفو من المدرس ويواصل التعلّم. يُسند واحد علي عشرين لكل من يُضبط في محاولة أو عملية غش في الامتحان لأنه سيتفوق علي زملائه دون وجه حق وسيأخذ عددا مرتفعا لا يدل على مستواه العلمي الحقيقي، وقد يعلمه الغش، هذا السلوك غير التربوي، الكسل والاعتماد على الحيلة لتحقيق النجاح. ولن أحيله على مجلس التربية لأن لا يُعاقب على جُرم شجعته الظروف المحيطة على ارتكابه بسبب الضغوطات الخارجة عن نطاقه مثل اكتظاظ القسم وطول البرنامج أو عدم ملاءمة هذا الأخير لاهتمامات التلميذ.
-         سأقترح عليكم بعض الأدوات المدرسية وأترك لكم حرية اختيار النوعية الغالية منها أو الرخيصة حسب إمكانياتكم المادية إلا الكتاب المدرسي فهو إجباري وضروري وسنستعمله في القسم وفي المنزل للاستفادة من المعلومات والتمارين. تمنيتُ لو كان الكتاب اختياريا أيضا مثل ما هو موجود في البلدان المتقدمة.
-         ألاحظ دائما مستوي متواضعًا في اللغة الفرنسية لدي تلاميذ السنة أولى الثانوي بسبب التعريب الكامل في التعليم الأساسي [في تونس يدوم التعليم الأساسي تسع سنوات من الأولى أساسي إلى التاسعة أساسي، يعني مرحلة الابتدائي ومرحلة الإعدادي, يدرس التلاميذ خلاله - باللغة العربية - الرياضيات والفيزياء والتقنية وعلوم الحياة والأرض] لذلك ألفتُ انتباهكم إلي أهمية هذه اللغة في تكوين مستقبلكم الدراسي، وليس أدل علي ذالك أنكم في مرحلة الثانوي تدرسون بالفرنسية، الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتقنية وعلوم الحياة والأرض والإعلامية، وفي مرحلة الجامعة  تدرسون بالفرنسية أيضا الطب والهندسة والطيران وكل الشعب العلمية دون استثناء. لا تتجاهلون إذن اللغة الفرنسية لأن لا يتجاهلكم العلم الحديث. وأحسن طريقة لتحسين مستواكم هو استعمالها في القسم وخارج القسم. لا تغفلوا أيضا عن تعلم اللغة الأنقليزية فهي اللغة العالمية الأولى في العالَم. أما اللغة العربية فهي هُويتكم ولغتكم الأصلية وأوصيكم بها خيرًا لأن اللغة يفرضها رجالها ونساؤها وتقدمُ بلدانها وازدهارُ اقتصادها.
-         أرى أن "خطأ التلميذ في القسم" أصبح يُعتبر إيجابيا، لا بل أصبح محركًا للقسم. كان وضع الخطأ سلبيا في المنظومة التربوية القديمة وأصبح اليوم ايجابيا في المنظومة التربوية الجديدة. فكلما أخطأ التلميذ أكثر، استفاد هو وزملاؤه أكثر، ونجح الدرس أكثر.
-         أما تقييم الامتحانات فيخضع إلى ضوابط علمية : لديكم ثلاثة فروض كل ثلاثة أشهر, فرض في الأشغال التطبيقية داخل القسم وفرض مراقبة بنصف ساعة يحتوي علي أسئلة مباشرة حول الثلاثة دروس الأخيرة وفرض تأليفي في آخر الثلاثي يتكون من أسئلة تخص الذاكرة والفهم والرسم والملاحظة وخاصة توظيف المعلومات.
-         أرى أن من حق التلميذ المطالبة بمقياس الإصلاح 
(Barème de correction)
               في بداية الامتحان حتى يستفيد منه أثناء الإجابة وعند الإصلاح.

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على النت: معهد برج السدرية في 27 نوفمبر 2008.



  

معاناة المؤلف المبتدئ في تونس: ظَلَمَ نفسه ولم يظلمه أحدٌ، جاء بعد وقته، "اللغالب عليه، الله لِيَّ ولِيه"! مواطن العالَم، كاتب مبتدئ (ثلاثة كتب ورقية وكتاب واحد رقمي)



مقدمة واستشهاد بفيلسوف فرنسي معاصر مرموق، ميشيل سارْ  (87 عام و75 كتاب)، قال معلقًا على تشييد المكتبة الوطنية العظيمة بباريس بقرار ميتيرّان رئيس الدولة الفرنسية (81-95): "ما فائدة تكديس مليون كتاب ورقي في مكان واحد؟ تبذير في غير محله، فالأنترنات توفر نسخة رقمية واحدة للكتاب، نسخة واحدة يتصفحها مليون قارئ في العالم أجمع دون عناء التنقل إلى باريس".

معاناة الكاتب تنتج عن كساد مبيعات الكتاب الورقي في السوق.
الكاتب، كيف جاء بعد وقته؟
العصرُ الحالي، هو عصرُ الكتابة الرقمية والنشر على الأنترنات. ما هي مزايا هذه النوعية الجديدة من الكتابة والنشر: الحرية المطلقة في الكتابة والنشر. مجانيتها بالنسبة للكاتب (صفر تكاليف الطباعة والنشر) والقارئ (صفر تكاليف شراء الكتاب). سرعة انتشارها في العالم أجمع. ارتفاع عدد القرّاء وتنوعهم وتفاعلهم الحِيني الساخن أحيانًا،  تعليقاتهم المُثرية والمشجعة للكاتب. الأنترنات توفّر فرصة ذهبية للكاتب لإجراء تعديلات لغوية أو فكرية على منشوراته دون أن ينتظر الطبعة الثانية في الكتاب الورقي.

هذا الكمّ الهائل من التسهيلات التي يقدمها لنا مجانًا النشر الرقمي، يقابله كمٌّ هائلٌ من العوائق يضعها في طريقنا الناشر الورقي:
-         بالنسبة للكاتب الناشر على نفقته (مثلي):  غلاء تكاليف الطباعة، صعوبة البيع، جَشَعُ أصحاب المكتبات (يقتطعون 40% من ثمن النسخة المباعة).
-         بالنسبة للكاتب المتعاقد مع دار نشر (الأغلبية على حد علمي): جشع أصحاب دُورِ النشر (يطبعون على حسابهم ويستأثرون بـ90% من عدد النسخ المطبوعة وفي بعض الأحيان لا يعرضونها في المكتبات ولا يدفعون شيئًا للمؤلف). حتى دُور النشر الرقمي الغربية، فيها وعليها: أنا وما يقارب العشرة دكاترة ديداكتيك بيولوجيا تونسيين، تعاملنا مع إحداها ومقرها في ألمانيا (EUE: Editions Universitaires Européennes) ولم نقبض أورو واحدًا منذ 2010، تاريخ نشرِها لأطروحاتنا.
-         بالنسبة للقارئ المتواضع ماديًّا (مثلي ومثلكم): الأنترنات توفّر له جميع أنواع الكتب مجانًا، في كل حِينٍ وفي كل مكان وتريحه من تَأبُّطِ كتابه مثلي من مقهى إلى مقهى ومن المترو إلى الحافلة (هي عادة جميلة تعودنا عليها نحن مواليد الخمسينيات. حنينٌ رومنطيقيٌّ، لكنه غير عَمَلِيٍّ، نحاول عبثًا توريثَه لأبنائنا).

د. محمد كشار، صَدَرَ لِي أربعةُ كُتُبٍ:
  1. Enseigner des valeurs ou des connaissances? L’épigenèse cérébrale ou le "tout génétique"? Édition électronique, Presses Universitaires Européennes (PUE), 2010
2. Le système éducatif au banc des accusés ! «Les professeurs ne comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas», Édition libre, 2016
3. جمنة وفخ العولمة، طبعة حرة، 2016
4. الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017

ملاحظة: كتبي الورقية الثلاثة معروضة في العاصمة في مكتبة الكتاب (شارع بورڤيبة، الكوليزي) وفي مكتبة ڤي سافوار (شارع حشاد، ساحة برشلونة).
رابط كتابي الرقمي:  https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-00495610/document

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 7 سبتمبر 2018.


lundi 3 septembre 2018

المواطن التونسي العادي: كيف يرى في سِرِّهِ أخاه اليساري التونسي؟ مواطن العالَم



-         لا يصلّي معنا فهو إذن ليس منّا!
-         لا يحج معنا، ليس منّا!
-         مع بُشرى، ليس منّا!
-         شيوعي، ليس منّا!
-         لا يُقدِّس ما نُقدِّس، ليس منّا!
-         لا يبسمل ولا يحوقل، ليس منّا!
-         زوجته وبناته غير محجبات، ليس منّا!
-     إلخ..........................................!

لا يا إخوتي، هو فيكم ومنكم لكنه مختلفٌ عنكم. مختلفٌ ومن فرط عزة نفسه يكابر فلا تواجهوا كِبْرًا بِكِبْرٍ! وما أطالِبكم به سبق وأن طبقته - في الاتجاه المعاكس - على نفسي كيساري غير ماركسي اجتمعتْ فيه بعض الصفات المذكورة أعلاه وليس كل الصفات والحمد لله: أحببت أهلي وتقرّبت منهم، أعتز بتاريخي، تاريخ أهلي، دينهم، حضارتهم، عاداتهم وتقاليدهم، تراثهم، قرآنهم، طيبتهم، تسامحهم، دمشقهم، بغدادهم، أندلسهم ومالوفها وحدائقها، متنبيهم، أبونواسهم، معرّيهم وبشّارهم الكفيفَين، رشديهم وغزالهم، عمريهما وعليًّا، وأخيرًا عشقت كما يعشقون حبيبهم المصطفَى. فعلت كل هذا دون أن أتنازل - ولو قيد أنملة - عن يساريتي الروحانية حد النخاع.


خاتمة: أنا أحبّكم، بادلتموني حبًّا بِحبٍّ، جازاكم الله خيرًا، بادلتموني حبًّا بِكرهٍ، من حقكم، قدَري , أنا راضٍ بِحلوه ومرِّه، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 3 سبتمبر 2018.


مأساةُ أصحابِ المِنجلِ في تونسَ واليوم بالذات (مشروع بُشرى)؟ مواطن العالَم




مَن هم أصحابُ المِنجلِ؟ هم عائلتي الموسّعة، لم أنكرها يومًا وهي أنكرتني واعتبرتني في أضعف الإيمان ابنٌ عاقٌّ، تهمةٌ لا أنفيها وشرفٌ لا أدّعيه، والعقوقُ لعائلةٍ واحدةٍ أقلُّ ضررًا من العقوقِ لشعبٍ بأكملِه! لفظوني لفظَ البحرِ للسّمك، هم الستالينيون المنتمون للجبهة الشعبية، أقصوني لأنني - في رأيهم - يساريٌّ مُرتدٌّ حديثًا عن الماركسية-اللينينية-الستالينية، دينُهم الأرضي.

وضعُ أصحابِ المِنجلِ في تونسَ واليوم بالذات (مشروع بشرى) كـ"وحلة المِنجل في الڤلّة": إذا  استرجعتَ المِنجلَ (المبادئ الماركسية-اللينينية-الستالينية التي تؤيد بشرى)، كسرتَ الڤلة (الهوية العربية-الإسلامية، أي الأغلبية الساحقة للمجتمع التونسي، أي أغلبية الناخبين التي تُعارِضُ بشرى)، وإذا حافظتَ على الڤلة خسرتَ المِنجلَ!

أنطلقُ من فرضيةٍ معقولةٍ للفيلسوف اليساري المغربي عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه...".
مَن المُجبرِ على التماهي مع مجتمعه التونسي؟ المستقل أم المنتمي؟ طبعًا المنتمي إلى حزب سياسي (منهجيًّا، لا يعنيني ولا يعني المجتمع ولا الناخب ولا القارئ الكريم ، لا يعنينا جميعًا رأي المستقل)، المتحزّب يريد أن يحكم المجتمع التونسي، أي اليساريون الجبهاويون الذين يعلنون في خطابهم أنهم يعترفون بهوية الشعب التونسي العربية-الإسلامية. مَن سيوصلهم للسلطة؟ الناخب التونسي المسلم عمومًا. ماذ يريدُ هذا الناخب المسلم التونسي؟ هو يقف بحماس ضد مشروع بشرى جملة وتفصيلا، اطّلعَ عليه أو لم يطّلع: هو ضد المساواة في الإرث، مع تجريم المثلية الجنسية، مع الإبقاء على عقوبة الإعدام، إلخ. كيف سيتصرف الجبهاوي حيالَ ناخبِه المحتملِ؟ إذا وقف معه ضد مشروع بشرى طمعًا في صوتِه، خانَ مبادئَه اليساريةَ (كلها مع المساواة في الإرث، مع عدم تجريم المثلية الجنسية، مع التخلي على عقوبة الإعدام، إلخ.)، وإذا وقف ضده، خانَ هويته العربية-الإسلامية المعلنة جهارًا نهارًا وخسر الانتخابات القادمة والتي تليها إلى أن يأتي ما يخالفُ ذلك.

ما العمل؟ سؤال كلاسيكي عند أصحابِ المِنجلِ وليس سؤالي!
ألمْ أقل لكم إنها "وحلة المِنجل في الڤلّة"! لا ولن يرضى أحدٌ أن يكون مكانهم!
الله وماركس يكونان في عونهم وربي إخلِّصْ "وحَلْهُمْ"! آمين يارب العالَمينْ، رب المسلمينْ والشيوعيينْ والناسَ أجمعينْ!

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 3 سبتمبر 2018.


dimanche 2 septembre 2018

للأذنِ عند الصمِّ وغير الصمِّ دَورٌ أساسيٌّ في النظرِ! مواطن العالَم



هي الأذنُ الداخليةُ (L`Oreille interne) المسؤولةُ على وظيفةِ تَوازنِ الجسمِ (La fonction d'équilibration )، ينطلقُ منها عَصَبُ التَّوازنِ (Le nerf vestibulaire)، عَصَبٌ حسّيٌّ يَنقلُ إلى المخِّ معلوماتٍ حِينيةٍ مفصَّلةٍ حولَ وَضعِ كل أعضاءِ الجسمِ بما فيها الأعضاءُ التي تُحرِّكُ العينَ وتؤمّنُ سلامةَ النظرِ، والمخُّ يؤلفُ بين العضلاتِ المتضاربةِ (Les muscles antagonistes) لتأمينِ تَوازنِ الجسمِ في كل الوضعياتِ.  
حالةٌ مرضيةٌ أعرفُها: في مرّةٍ من المرّات مَرِضَ مديرُ أطروحتي السابق بيير كليمان، أصابَه التهابٌ في عَصَبِ التَّوازنِ: فَقَدَ توازنَه، لم يَعُدْ قادرًا على قيادةِ سيارتِه ولا درّاجتِه، عَجَزَ عن القراءة والكتابةِ ومشاهدةِ التلفزةِ. شُفِيَ من مرضِه والحمدُ لله، ليس بواسطة الأدويةِ بل بفضلِ "المرونةِ المخّية" (La plasticité cérébrale): أصلحَ العَصَبُ نفسَه بنفسِه. كيف؟ أنبتَ أليافًا عصبيةً حسيةً جديدةً (Des fibres nerveuses sensitives collatérales) لتجسِيرِ الهوّةِ التي خلقها الالتهابُ، وبفضل نموِّ هذه الأخيرةِ تلامسَ طرفا العَصَبِ ونُقِلت السيالةُ العصبيةُ الحسّيةُ بِيُسْرٍ (L`influx nerveux sensitif)، من الأذنِ الداخليةِ إلى المخِّ، واسترجعَ أستاذي توازنَه الطبيعيَّ ونظرَه العادي. لله في خلقِه شؤونٌ!

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 2 سبتمبر 2018.


samedi 1 septembre 2018

الصحوةُ الإسلاميةُ في العالَمِ العربيِّ: توصيفٌ وليس حُكمًا قطعيًّا نهائيًّا؟ مواطن العالَم




الحصيلةُ الماديّةُ الظاهرةُ لِي من الصحوةِ الإسلاميةِ في العالَمِ العربيِّ: ارتفع عدد الدعاة والمصلين والحجاج والصائمين. تضاعف عدة مرات عدد الجوامع والمدارس القرآنية. تكاثر حفظة القرآن. زادت مبيعات الكتب الدينية. طغى الحجاب وانتشر النقاب. وصلت الأحزاب الإسلامية إلى السلطة التشريعية والتنفيذية في عدة دول عربية. القنوات الفضائية الدينية تُعَدُّ بالمئات. كل القنوات العمومية والخاصة أصبحت تبُث الآذان في أوقاته. لا يوجد مكان عمل تقريبًا دون مسجدٍ. الحانات قلّت، وأغلِقت أغلبُ دورِ البِغاء العلني.
تقريبًا صِفر إنجازات مؤسساتية أو اجتماعية أو اقتصادية أو صحية أو تعليمية أو ثقافية أو إبداعية فنية أو علمية أو تكنولوجية، إلخ.
ومِن أبشعِ إنجازاتِها، عشرات الاغتيالات لمثقفين عرب مسلمين غير إسلاميين، خاصةً في الجزائر ومصر ولبنان.
لم نَفُزْ من حُكمِهم أو مشاركتِهم في الحُكمِ ولو بجامعةٍ إسلاميةٍ جديدةٍ أو بنكٍ إسلاميٍّ جديدٍ أو مدينةٍ إسلاميةٍ جديدةٍ.

أنقل إليكم انطباعي الشخصي (قلت "انطباع" ولم أقل "تحليل علمي"): رغم يساريتي غير الماركسية الراسخة والمعلنة، ورغم عَلمانيتي غير المعادية للإسلاميين، والله العظيم، وفي قرارةِ نفسي وبيني وبين نفسي، استبشرتُ بالصحوةِ خيرًا، بصراحة استبشرتُ بما كنتُ أظن أنني سأجنيه منها لنفسي أولا وعاجلا، ولمستقبلِ أولادي من بَعدي ثانيا وآجلا: بشرٌ أتقياءٌ يخافون ربي، طبيبٌ غير جشعٍ، تاجرٌ غير مُشِطٍّ في الأسعارِ، ميكانيكيٌّ لا يغش، موظفٌ يخدم المواطنينَ وهو مبتسمٌ، صدقة لله. للأسف، سرعان ما خابَ فيها وقتيًّا ظني وتأكدتُ لاحقًا "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (قرآن).

لا أستطيع أن أتنبأ بمستقبلِها القريبِ ولا البعيدِ، وأتمنى أن يكونا أفضلَ من حاضرِها، ولستُ متحاملاً حتى أحمِّلَها أوزارَ كل مصائبِنا (الحروب الأهلية والعمليات الإرهابية المنتشرة في جل البلدان العربية). أنا أعي جيدًا أنها لا تعدو أن تكونَ إلا عاملاً من العواملِ المؤثرةِ لا أكثر ولا أقل (الغربُ الاستعماري هو أهم العوامل، تليه الأنظمة الديكتاتورية المافيوزية العائلية في العالَم العربي)، ولا أحمِّل الدينَ الإسلامي بعض انحرافاتها الدموية، لكنني أنفي عنها، وبِشدة، الروحانية (La spiritualité) التي كنتُ وبكل سذاجة أنتظرها منها، وبكل مرارةِ المخدوعِ في قومِه، أقول: فشلَ يساريونا وقوميونا وإسلاميونا، ثلاثتُهم فشلوا في تغييرِ أنفسِهم فطبيعي جدا أن يفشلوا في تغييرِ واقعِنا المتخلفِ.

الروحانية التي أنشدُها، ظننتُ أنني سأجدُها في مكانِها "الطبيعي"، أي عند الإسلاميين أكثر من المسلمين. ظالِمٌ مَن يعتقد أن لا روحانية عند المسلمين العَلمانيين اليساريين غير الماركسيين أمثالي بل هي عندي ترتفعُ إلى عنان السماء. لا أنكر الروحانيةَ حتى على التونسيينَ الماركسيينَ الملحدينَ، لأن الملحدَ التونسيَّ هو ملحدٌ مسلمٌ رغم أنفِه، مسلمٌ اجتماعيًّا وحضاريًّا وأنتروبولوجيًّا، وأستطيعُ أن أذهبَ مجازيًّا أبعدَ من ذلك وأضيفُ أن الملحدَ التونسيَّ ورثَ في جيناتِه الإسلامَ عن والدَيه، والإسلامُ يجري في عروقِه مَجرَى الدمِ، مسلمٌ ولو أنكرَ ذلك، ولن أصدِّقَ إلحادَه المطلقَ ولو خرجَ من جلدِه.

خاتمة: أنا متفائلٌ خيرًا، تفاؤلٌ نضاليٌّ فكريٌّ، تفاؤلٌ ليس ساذجًا، متفائلٌ بكل البشرِ، باليساريينَ والقوميينَ والإسلاميينَ والناسَ أجمعينَ.

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 1 سبتمبر 2018.


هل يحقّ لنا أن نقول "يا حسرة، قْبَلْ كنّا خِيرْ، في أوائلِ الاستقلالِ" كما يردّدُ اليوم أغلب كبار السن من أندادي؟ مواطن العالَم



"عالميًّا - وأنا مواطن العالَم - كان يحكمنا رجالٌ نبلاءٌ فضلاءٌ شجعانٌ مثل لينين، ستالين، ماو، موسولوني وهتلر، قتلوا منّا 45 مليون مدني على أقل تقدير وفي ظرف ربع قرن فقط. لستُ ساذجًا ولا غِرّاً حتى أقول أننا اليوم في أفضل حالٍ. عديد المبدعين ماتوا صغارًا وحُرِمت الإنسانية جمعاء من عبقريتهم: بودلير (46 عام)، موباسّان (42 عام بمرض الزهري)، كافكا (40 عام بمرض السل)، جين أوستين، شومير، موزار، إلخ. اليومُ، جل المبدعين يعمّرون وبفضل الطب على آلامهم تقريبًا يسيطرون. هذا لا يعني أن كل تقدم هو فعلٌ إيجابي، ولكل تقدم جانب سلبي وثمن غالٍ، مثلاً تزايد السكان والتلوث بوتيرة مفزعة. "قْبَلْ" كانت الحياة الزوجية تدوم عقدًا أو عقدين واليوم تدومُ نصفَ قرنٍ أو أكثر قليلاً، العلمُ أدامَ العشرةَ بين القرينَينِ. التطور التكنولوجي قد يقضي يومًا على العمل (Le travail) ومجتمعنا مجتمعٌ منظّمٌ حول العمل، فلْنَعُدُّ أنفسَنا لمجتمعٍ جديدٍ. أومن بالتفاؤلِ المناضلِ وليس التفاؤلَ الساذجَ" (ترجمة عن مقابلة تلفزية على اليوتوب للفيلسوف الفرنسي المعاصر العظيم ميشيل سارْ، 87 عام، 75 كتاب).

أوهام "قْبَلْ" الخادعة وحقائق اليوم الواقعية:
-         الوهم المُخدِّر: كان التعليم أفضل، لم نكن نرتكب أخطاءً لغوية كجيل اليوم الفارغ، كنا نقرأ أكثر من جيل اليوم الجاهل، ومعلِّمونا كانوا جهابذةً.
الحقيقة الواقعية: التعليم كان تلقينيًّا مائة في المائة، ارجعوا إلى امتحانات الإملاء بالعربية والفرنسية القديمة وستكتشفون الكم الهائل من الأخطاء الإملائية، أما اليوم فالحاسوب يوفر لكل كاتبٍ (لا أعني المؤلف بل المواطن العادي)، ويُجنّدُ لخدمتِه مستشارًا لغويًّا متعدد الألسنة ودون مقابل، تدعوه وبمجرد نقرة على الفأرة كالجن يخرج من قمقمه ويقول لك "شُبيك لُبيك أنا بين إيديك"، جيل اليوم أصبحوا كلهم يكتبون، يعبّرون وكل الحواجز يَعبُرون، وفي الفيسبوك عشرات الصفحات يوميًّا يقرأون، وعلى أخبار العالم حينيًّا يطّلعون، يتحاورون، يتواصلون، وكل دقيقة على أحوال بعضهم يسألون، وعلى أحبابهم يُسلّمون ويَطمئنّون. ماذا يقرأون؟ مسألة تُناقَش بهدوءٍ. معلمونا كانوا كلهم خريجي ثانوي لكنهم كانوا صادقين مغرومين نتاجُ عصرهم وليسوا نتاجَ اجتهادهم الشخصي، مع احترامي الشديدِ لهم واعترافي بأفضالهم عليّ شخصيًّا.
-         الوهم المُخدِّر: كان غذاؤنا صحيًّا وكنا أقوى بدنيًّا.
الحقيقة الواقعية: جل كبار السن كانوا دُرْدًا (فم دون أسنان) إلا الأغنياء يشترون "مَضْحَكًا" (فكّان صناعيان يضعهم الأدرد في فمه في النهار وفي الليل ينزعهما ويضعهما في كأس ماء، رأيتهما عند أبي العامل المهاجر بفرنسا قبل الاستقلال)، واليوم وبفضل العلم، كل كبار السن يبتسمون، وعن أسنانٍ سليمةٍ بيضاءَ بخيلاء يكشفون. أمل الحياة زادَ (espérance de vie)، ولم أقل زادت بهجةُ الحياةِ. التلقيح الشامل والبنسلين قَضَيَا على جل الأمراض الجرثومية. كنا في جمنة (المعذرة لأولاد بلادي فأنا أتحدث على عائلتي في طفولتي عند شيخوخة أبي، أبي كان نسبيًّا غنيًّا، فَقِرَ في أواخر أيامه، أنجبني وعمره 66 عامًا)، كنا نملك أفقرَ كوجينة في العالم، نطبخ دون زيت (لا زيتونة لا سانڤو) ودون لحم (لا غِنمي لا بِڤري لا دجاج، ولم نكن نعرف من الحوت إلا الوزف الشايح يتغزغز في البركوكش)، حتى القمح والشعير هجروا مطبخنا، عوضتهم أنواعٌ غريبةٌ من الحبوبِ، ماسطة وحتى أسمائها خايبة مثل "البِشْنَة والدُّخْنَة"، كعبات الفول في الكسكسي، مِن فرطِ قلتها كنا نتعارك حولها، أنا والمرحوم أخي الأكبر صالح.
-         الوهم المُرعب: كنا في سلام وأصبحنا في حرب.
الحقيقة المُهدّئة: العكس هو الصحيح، على الأقل في تونس، قبل الاستقلال كانت تونس مرتعًا للاستعمار الفرنسي ومسرحًا لحربٍ ضَروسٍ بين الألمان والحلفاء، بعد الاستقلال، أي منذ 1956، ونحن ننعم بسلام دام 62 عامًا وإن شاء الله يدوم إلى الأبد (الشعانبي إرهابٌ مخطرٌ لكنه ليس حربًا شاملةً). احمدوا ربكم يا توانسة على هذه النعمة رغم الفساد المستفحل وضَنْكِ العيش اليومي بالنسبة لأغلبية الشعب. الحربُ لم تعد سببًا من أسباب الموت على الأقل في تونس باستثناء السلفيين التونسيين الجهاديين في سوريا الذين اختاروا الموتَ في سبيل إيديولوجيتهم الدموية المتطرفة وليس في سبيل الله أو الإسلام كما يدّعون وعلى أنفسهم يكذبون.

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 1 سبتمبر 2018.