تجربة بيداغوجية رائدة
اكتشفتها أيضا في مدرسة مونتيسوري الدولية بحمام الأنف، تجربة غائبة تماما في
التكوين والتعليم العمومي التونسي في جميع مراحله.
تتمثل هذه التجربة في إنشاء "مجالس المواد" (Conseil-Matière)، مثلا: في هذه المدرسة توجد أربعة
مجالس، لكل مجالٍ مجلسه، عربية وفرنسية وأنڤليزية وتنشيط (تربية بدنية، تربية تشكيلية،
موسيقى و مسرح). سأكتفي بالحديث عن مجلس العربية الذي شاركتُ فيه ثلاث مرات: يحضره
مرشد بيداغوجي عمومي متعاقد صحبة كل أساتذة المواد المدرّسة بالعربية المتربصين
المنتدبين خصيصا للتدريس بهذه المدرسة الخاصة.
يتعلمون البيداغوجيا ويتشاورون في كل ما يهم التلميذ والعلم المدرَّس في حصصهم.
تصوروا معي لو عُمِّمت هذه
التجربة على التعليم العمومي عوضا عن الوصفات الجاهزة والتوصيات الشكلية المفروضة
فوقيا دون نقاش، أعني بها التوصيات المسنودة بسلطة المتفقد الإدارية الزجرية
البيهافيورية المتمثلة أساسا في الجزاء والعقاب بواسطة العدد البيداغوجي المسند
اعتباطا للمدرس ( béhaviorisme ). خلال ثلاثين سنة تدريس في تونس،
زارني المتفقد ست مرات، أي بمعدل زيارة تقييمية كل خمس سنوات. أبعدَ هذا الاعتباطُ
اعتباطٌا ؟
تتلخص نظرية مونتيسوري في تربية الأطفال قبل بلوغ الست سنوات في الشعار التالي على لسان الطفل: "ساعدني على أن أتعلم بنفسي"
(“Aide-moi à faire seul”).
نحن أطفال جمنة وعموم الأرياف التونسية لم ننتظر اكتشاف
النظريات التربوية الحديثة وطبقنا، منذ أجيال وبطريقة موروثة ثقافيا، شعارا قد
يكون أفضل تربويا من شعار مونتيسوري وهو التالي: "أتركني أتعلم بنفسي".
كنا نلعب وحدنا دون رقيب كهل مختص أو غير مختص،
نصنع لُعبنا بأيدينا ونتعلم من لَعِبِنا ومحيطنا وأقراننا. عندما أقول "
طبقنا شعارا قد يكون تربويا أفضل"، أنا أعي ما أقول، قلت "تربويا
أفضل" ولم أقل "علميا أفضل" ولهذا انقرضت تقريبا طريقتنا
البيداغوجية غير العلمية من جمنة وعوضتها رَوضات أطفال تجارية غير تربوية. كادت
تجربتنا أن تكون علمية صِرفة لو توفرت عينُ رقيبٍ باحثٍ عالِمٍ ميداني، عينٌ مسندة
بعقل يلاحظ ويسجّل ويدوّن ويطوّر طريقتنا
في التعلم الذاتي ويستنتج ويقارن وينشر، لو فعلنا ذلك لَكنا ربما سبقنا علماء
الغرب من أمثال مونتيسوري وفيڤوتسكي وبياجي ولَاكتشفنا "نظرية التعلم البنائي
الذاتي" قبلهم جميعا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire