mercredi 25 mai 2022

انتظارات الفلسفة من النظام التربوي التونسي (جزء 1). فيلسوف حمام الشط، حبيب بن حميدة (مقدمة كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي"، 2016)

 

 

مِن خصائص الحداثة اقترانها بالعلم والفلسفة. فبعد صراعٍ طويل بين النقل والعقل، بين التقليد والتجديد، أعني بين اتجاهات سلفية واتجاهات عقلانية تجريبية، تأسست المدرسة الحديثة مقابل المدارس التقليدية السكولاستية (جامع الزيتونة في العاصمة وفروعه في بعض الجهات) وذلك بوضع مبادئ وقيم تؤكد على التجديد والإبداع وتحرص على المطابقة مع العالَم الحيوي من أجل فهمه وتغييره...

كحدث تاريخي، تمثل المدرسة الحديثة أول ثورة حقيقية في مجتمعاتنا الإسلامية السلفية. ثورة تأكدت نتائجها على كل المستويات إذ حررت الإنسان العربي المسلم من اغتراب عمّق في وعيه الاتباع والتقليد ورسّخ في شعوره الثبات والعطالة والانغلاق وحوّل وجوده إلى كائن مطيع وخاضع وخانع للوضع الغيبي والنظام السائد، فلا وجود لذاتٍ حرة قادرة على تأمّل العالم الخارجي للكشف عن قوانينه... لقد كسّرت المدرسة الحديثة زجاجة التقليد وكانت بمثابة المحرك الأول الذي حطّم الهيكل القديم وفجّر البُنى التقليدية التكرارية المنغلقة. ليست القطيعة التي أحدثتها هذه الثورة مجرد ترميم للقديم بقدر ما هي تأسيس لنظام تربوي جديد ينفي ما مضى، نظام متحرك باستمرار، متحول ومبدع ومنفتح على الحياة ومتطلباتها المادية والنفسية والفنية.

تمثل المدرسة الحديثة فضاءًا ماديًّا ورمزيًّا ومَعبَرا ندخل من خلاله إلى أقاليم إنسانية شعارها الكونية والعمل على تحقيق نمو وتقدم لامتناهي في إطار حركة تاريخية تنظر إلى حاضر الإنسان انطلاقا من تصورها لمستقبله.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire