mercredi 11 mai 2022

مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل وليس مماثلا له

 

أنطلقُ في هذا المقال من بحث أجريته عام 2000 (رسالة دكتورا، ديداكتيك البيولوجيا) علي عينة تونسيّة تتكوّن من 275 شخص، مستوي تعليم عال.  أبدأ أوّلا بموضوع من مواضيع هذا البحث   حيث توصّلت إلي النتائج المتواضعة التالية:  33 % من الأشخاص المستجوبين يعتقدون خطأ أن وزن مخ المرأة أقلّ من وزن مخ الرجل.

من المرجّح أن يرجع أصل هذه التصوّرات غير العلمية الراسخة في أذهان أفراد العيّنة إلي دراستهم الثانوية التي تعتمد على أعمال العالم الفرنسي"بروكا", مكتشف مركز الكلام  في المخ ( Le centre du langage),  أو إلي غياب تدريس تاريخ العلوم في الاختصاصات العلميّة بالمعاهد والجامعات، ومَن لم يدرس الإبستومولوجيا، لا يري أخطاء العلماء عند بناء علمهم.

في سنة 1861، وَزَنَ العالم الفرنسي "بول بروكا" أمخاخ مجموعة من الرجال والنساء، فوجد أن مخ المرأة اقلّ وزنا من مخ الرجل. استنتج "بروكا" علاقة سببية (لكنها غير علمية) بين النتيجة العلمية الّتي توصّل إليها و ظاهرة نقص الذكاء المكتسب عند المرأة.

بعد 120 سنة، وفي كتابه " القياس الخاطئ للإنسان" 

( La mal-mesure

  أعاد عالم الأحافير 

(Les fossiles

الأمريكي "ستيفن جاي ڤولد" النّظر في أعمال بروكا فوجد أنّ معدّل وزن المخ عند الذكور يساوي 1325 غرام، و عند الإناث 1144، فليكن الفارق إذن 181غ.

فنّد "ڤولد" هشاشة استنتاجات بروكا شبه العلمية وقال:"ينقص وزن المخ مع العمر،  وفي عيّنة بروكا النساء أكبر سنّا من الرجال"، ثم أضاف: "يكبر حجم ووزن المخ تناسبيّا مع القامة وفي عيّنة بروكا الرجال أطول من النساء بـ15سم".

أعاد "ڤولد" تحليل معطيات بروكا فوجد أنّ الفارق في وزن المخّ،  بين رجل قامته 1.62م وآخر قامته  1.93، يساوي 113 غ، ورغم هذا الفارق الكبير لا أحد يفكّر في اعتبار الرّجل الطّويل أكثر ذكاء من القصير، ولو كان الذكاء مرتبطا بالوزن لكان حوت العنبر -وهو من الثدييات البحرية- أذكى مخلوق على الأرض لأن مخه يزن حوالي 10كغ.

أثبت " ڤولد" أن الاختلافَ في الوزن لا علاقة له بالجنس، بل يتبع الاختلاف في القامة والعمر، لكن وبعد مرور أكثر من قرن على اكتشاف "بروكا"، ما زالت الاعتقادات الـ"بروكية" غير العلمية تؤثّر في أجيال المتعلّمين.

ليس من السهل الخروج من هذا المأزق وتمرير موقف علمي من هذه التصوّرات الـ"بروكية" غير العلمية الّتي قد تؤدّي في جل الأحيان إلي أفكار تقلّل من ذكاء المرأة في المجتمع. من البديهي أنّ الأفكار المبنية علي معلومات غير علمية، تكون أكيدا خاطئة، لكن إصلاح المعلومة العلمية لا يعني بالضرورة تغيير هذه الأفكار الناتجة عنها، وفي كلّ الحالات يبدو أن الذكاء لا علاقة له بالوزن أو الحجم، بل له علاقة بالشّبكات العصبيّة الّتي يبنيها المخ في تفاعله مع التجارب الّتي يعيشها الإنسان أثناء حياته اليومية.

تتكوّن الشّبكة العصبيّة الواحدة من مجموعة من الخلايا العصبيّة المخية التي تتصل في ما بينها وتتعاون للقيام بمهمّة معيّنة، مثلا مهمة "تهريب اليد عند لمس النار".  خذ مثلا: شقيقان توأمان حقيقيان في ملجأ أيتام، تبنّتهما عائلتان مختلفتان، واحد منهما أصبح مهندسا والآخر طبيبا. اذا قمنا بتشريح مخيّهما، بعد موتهما الطّبيعي،  فسنجد شبكات مخ الطّبيب تختلف عن شبكات مخ المهندس رغم تماثلهما الكامل في الوزن والحجم وعدد الخلايا وطبيعة الجينات الوراثية. 

إذن من الطبيعي جدا أن نجد فروقا بين شبكات مخ المرأة وشبكات مخ الرجل لأن المرأة تمكث في البيت والرجل يسافر، المرأة تطبخ والرجل يقرأ الصحف، المرأة تُزوّج و الرجل يتزوّج، المرأة تحبل والرجل لا يحبل، إلخ... وشيئا فشيئا مخ كل واحد منهما يختلف عن الآخر في تشعّب شبكاته. يبدو أن التقسيم الاجتماعي والتاريخي بين المرأة والرجل يلعب دورا في تكوين أمخاخ مختلفة تفرز بدورها أفكارا مختلفة، فالمخ يؤثّر في السّلوك والسلوك يؤثّر في المخ.  مع العلم أنّ تشعب هذه الشبكات العصبية المخية  لا يزيد تناسبيّا مع وزن المخ، ومخ العصافير أكبر دليل علي ذلك فرغم صغر حجمه فهو يحتوي علي شبكات خلوية عصبية مخية معقّدة جدّا ذات كفاءة عالية، في التغريد العذب مثلا. 

الأفكار المختلفة عند المرأة والرجل ليست معلّقة في الهواء ولا نازلة من السّماء، بل هي وليدة عمل مليارات الشّبكات الّتي تبنيها خلايا المادّة الشخمة في القشرة المخيّة. نضوج المخ ينتج عن تفاعلات الموروث مع المكتسب. لن يصل ذكاء القرد إلي ذكاء الإنسان حتى لو وضع في محيط بشريّ لأنّه ببساطة لم يرث مخ إنسان منذ البداية.

خلاصة القول:

مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل وليس مماثلا له، و التصوّرات غير العلمية لا تتغيّر بعصا سحريّة، ولا بـ"كن فيكون"، ولا بالعنف رجعيّا كان أو ثوريّا، ولا تتغيّر أوتوماتيكيا بتصحيح المعارف غير العلمية، والدليل أن   المعارف العلمية الصحيحة متوفرة في كتاب السنة الرابعة علوم تجريبية، وهي تقول: "يتغير وزن المخ حسب وزن الجسم وحجمه وقامته". هذه التصوّرات غير العلمية تنتقل من جيل إلي جيل عبر الموروث الثّقافي المكتسب، وفي كلّ جيل تترك بصمات بيولوجيّة في المخّ علي شكل  شبكات عصبيّة حاملة للفكر والتفكير. بعض العبارات الشعبيّة المتوارثة مثل "الرأس الكبير للتدبير" أو نعت الأغبياء "بمخّ العصافير" تدلّ علي طول عمر هذه التصوّرات غير العلمية وصلابتها و تجذّرها في المجتمع. 

أنهي هذا المقال بطرح الإشكالية التالية: كيف نغيّر هذه التصوّرات غير العلمية التي تبيح حقوقا للرجال وتمنعها علي النساء حسب حجم الجمجمة لدى الجنسين ؟

Fin du livre

 

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire