mardi 10 mai 2022

أطروحةٌ مطروحةٌ للنقاشْ: أين تسكن غرائزُنا ؟

 

أين يوجد مصنع الظلم واللامساواة والإرهاب والحيف الاجتماعي والأنانية والاستغلال الرأسمالي، وأين يوجد التضامن والعدوانية. ضدّان مترافقان (التضامن مع الشقيق داخل القبيلة \ العدوانية ضد الأجنبي خارج القبيلة). مصنعٌ أو مدرسةٌ يتخرّج منها الملايين كل سنة. مدرسةٌ لا شرقية ولا غربية، لا قرآنية ولا علمانية، لا شيوعية ولا إسلامية.

للأسف المصنعُ موجودٌ فينا، داخل كل كائن بشري، رجلاً كان أو امرأةً، طفلاً أو كهلاً، متعلماً أو أميّاً، أمريكيّاً أو تونسيّاً، يمينيّاً أو يساريّاً، مؤمناً أو ملحداً.

 المصنعُ موجودٌ في نواة كل خلية من خلايا جسمنا المائة مليار مليار، مصنعٌ نُورّثه لأولادنا في البويضة والحيوان المنوي. مصنعٌ لا يُرى بالعين المجرّدة ولا بمجهر المدرسة !

مصنعٌ يُنفذ ما وردَ في كتابٍ عملاقٍ، كتابٍ مكتوبٍ بأربعة أحرفٍ تتكرر (A, C, G, T)،  كتابٍ يضم أربعة مليار حرف !

هل عرفتموه ؟

اسمه الحمض النووي (ADN) أي الجينات البشرية وعددها تقريبًا 25 ألف. جينات تطورت حسب علم التطور الدارويني عبر 6 أو 7 مليون سنة 

(Sélection naturelle + Mutation + Hasard) وكل غرائزنا الحيوانية-البشرية هي نتاجُها (حب التملك، الأنانية، الرغبة في الشهوات، السيطرة على المرأة، إلخ.). المفارقة الكبرى أن جيناتنا تَحثنا على التضامن داخل مجموعتنا البشرية الضيقة، تضامن يقوى كلما انحسرت دائرته  (بداية من الإنسانية جمعاء، فالأمة، فالوطن، فالجهة، فالقبيلة، فالعائلة)، وفي نفس الوقت تَحثنا على العدوانية باسم الدفاع عن النفس ضد المجموعات البشرية الأخرى. عدوانية تزيد كلما اتسعت دائرتها  (بداية من العائلة، فالقبيلة، فالجهة، فالوطن، فالأمة، فالإنسانية جمعاء)، مثلاً: الأخ وأخيه ضد الجار، قبيلة الهمامّة ضد الفراشيش أو العكس، الجندوبي والسلياني ضد الساحلي، الجندوبي والساحلي ضد الليبي، التونسي والليبي ضد الإسرائيلي، التونسي والروهينڤ ضد الهندوس المعتدين.

هل نستطيع أن نغلق هذا المصنع أو هذه البرمجية المتكلسة التي لم تتغير منذ 100 ألف سنة على أقل تقدير 

(Date probable de l`émergence de l`Homo sapiens) ؟

طبعاً لا وإلا انقرض الجنس البشري ! يكفي الحمض النووي (ADN) شرفاً أنه منحنا الحياة على الأرض بقدرة الله طبعاً.

هل نترك غرائزنا تتحكم في سلوكاتنا ونطلق العنان لشهواتنا تقودنا إلى الفناء بقنبلة هيدروجينية تحت إصبع مخبول اسمه دونالد ترامب ؟

هل نساير الطبيعة وننتظر نقلة نوعية إيجابية 

(Mutation bénéfique

تزيد في حجم جمجمتنا ووزن مخنا ومساحة تلافيفنا وعدد وصلاتنا العصبية ؟ قد تحدث بسبب الانتقاء الطبيعي الدارويني لكن هذا قد يتطلب مئات آلاف السنين نكون خلالها قد أفنينا أنفسنا بأيدينا، بأسلحتنا، بمبيداتنا، بِرُوبُواتنا، بأدويتنا "المذرّحة"، بأغذيتنا المسرطنة، أو نكون قد عدّلنا جيناتنا من أجل إشباع نزواتنا وحوّلنا نوعنا إلى مخلوق مشوّه أشوم من ذاتنا التي نحن عليها اليوم.

الحمض النووي (ADN) هو الذي دفعنا دفعًا إلى الرأسمالية واستغلال الإنسان للإنسان، هو الذي ألهمنا صُنْعَ أذرعة أطول وأقوى من أذرعتنا، وظفنا بعضها للخير (آلات البناء والحفر والرفع)، أما جلها فوظفناه للشر حتى نأخذ بها أكثر ونخنق بها أقوى (الأسلحة بجميع أنواعها). ألهمنا أيضًا صُنْعَ آذان تسمع ما كنا لا نسمع، وظفنا بعضها للخير (آلات طبية وتواصلية وكشافة) وجلها للشر حتى تتجسس أمريكا على باقي العالَم، وصُنْعِ عيون ترى ما كنا لا نرى، وظفنا بعضها للخير (آلات طبية وتواصلية وكشافة)، أما جلها فوظفناه للشر حتى نتجسس عن بُعد ونقتل بالدرون عن بُعد 

(Bref,  je n`aime pas un monde qui n`est pas à notre mesure, un monde qui n`est pas conçu pour le bien de tous, un monde inhumain et ignoble).

ما العمل إذن ؟

العملُ واضحٌ والهدفُ واضحٌ والطريقُ إليه أوضحُ:

 Culture contre Nature ou Épigenèse contre ADN ou plutôt  la Culture en interaction avec la Nature ou l`épigenèse en interaction avec le tout génétique

التربية (l’éducation) هي الوسيلة الوحيدة للحد من هيمنة الغرائز، والهدف هو أنسنة الإنسان والابتعاد به أكثر ما يمكن عن الحيوان الذي هو أصله حسب علم التطور الدارويني والله أعلم. الطريق هو التالي: ما دمنا لا نستطيع أن نغيّر جيناتنا فالأفضل لنا إذن أن نعمل معها وندبر ضدها في نفس الوقت (Faire avec pour aller contre). نربّيها، ندجّنها وإذا تجاوزت حدودها نوقفها عند حدها. كيف ؟ بالاعتماد على علم جديد اسمه التخلّق أو ما بعد الخلق أو ما فوق الوراثي (l`épigenèse)، وهو بالصدفة موضوع أطروحتي (UCBLyon1, 2007) التي تقول أن ما هو مكتوب بالشفرة الجينية 

(Le code génétique

في كتاب الجينات (L`ADN ou les 46 chromosomes ou les 25 mille gènes) ليس برنامجا مغلقا 

(Un programme figé

أو قدرنا المحتوم 

(Notre destin, une fatalité).

إنما الجينات لا تعبّر عن نفسها إلا بالتفاعل مع المحيط. لِنغيّر بالمحيط إذن وبعون الله سوف نفوز بإنسانيتنا ونخلصها من أدران حيوانيتها. أقصد بالمحيط (L`environnement) أي  البيئة التي نعيش فيها، أي الثقافة، أي ما نستطيع تغييره وتطويره في جيل واحد أي في ثلاثين سنة. الثقافة تضم: العائلة، الشارع، المدرسة، الناس، الدين، العلم، الفلسفة، الغذاء، الحب، الحنان، التضامن داخل المجموعة وخارجها، الفن، العادات، التقاليد، اللغة، الذوق، الخيال، إلخ.

للأسف هذا العلم الجديد نسبيّاً (ما فوق الوراثي - l`épigenèse) لا يُدرّس عندنا، لا في الثانوي ولا في العالي. في فرنسا أدرجوه سنة 2000 في برنامج الثالثة ثانوي. قابلتُ وزير التربية في ذلك الوقت، الأستاذ منصر رويسي، وطلبتُ منه فِعل نفس الشيء في تونس. للأسف أقِيلَ من منصبه بعد مدة قصيرة ولم يتمكن من تنفيذ ما وعدني به، وما زال هذا العلم الحديث لا يُدرّس كمادة مستقلة في جامعاتنا إلى اليوم.

 

خاتمة: المشكلة أن كتابَ الجينات وراثيٌّ (L`ADN) وكتابَ الثقافة مكتسبٌ (l`épigenèse) ! بلغة أوضح غرائزنا الحيوانية (L`ADN) نرثها وتمر أوتوماتيكيّاً من جيل إلى جيلٍ عبر التكاثر الجنسي، أما طريقة مقاومتها التربوية (l`épigenèse) فنتعلمها مع كل جيل جديد. حِملٌ ثقيلٌ نرفعه إلى قمة الجبل وكحجرة سيزيف يتدحرج إلى الأسفل مع كل ولادةٍ جديدةٍ وفي كل مرةٍ نعيدُ رفعَه من جديد، قَدَرُنا نتعلم ونعلم والنتيجة غير مضمونة (la condition humaine)، علينا أن لا نتعب ولا نكل ولا نمل وإلا انتصرت علينا غرائزنا كما هي منتصرة علينا اليوم.

غرائزنا التي تمشي في شوارعنا عارية قبيحة وأسماؤها متعددة: ترامب، ماكرون، نتنياهو، السيسي، بشار، الدواعش، برنار هنري ليفي (BHL)، الدوائر المالية العالمية (FMI, BM, BCE, Club de Paris, etc)، الشركات البترولية الاحتكارية (ُEsso, Total, Schell, BP, etc)، الشركات الصناعية والتجارية المتغولة (Carrefour, Danone, General Motors, Nokia, Apple, etc )، جارٌ يظلم جاره من أجل متر مربع من التراب، زوجٌ يمدّ يده على زوجته، مدرّس يصفع تلميذه، موظفٌ يأخذ رشوة، تاجرٌ يحتكر سلعة، أخٌ يحرم أخته من حقها في الميراث، عالِمٌ  يوظف عِلمه من أجل تطوير أسلحة الدمار الشامل وغير الشامل، مسؤولٌ غير أمينٍ، حِرفيٌّ غشّاشٌ، وبعض القيادات السياسية والعسكرية ومثقفو السلطة الظالمة، إلخ. 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire