vendredi 6 mai 2022

أي مدرسة أعددنا في تونس للأجيال القادمة ؟

 

في كتابه "تعلّمّ" (Apprendre)، 1998، صفحة 247، قال أستاذي وصديقي، عالِم البيداغوجيا والديداكتيك الفرنسي، الأستاذ أندري جيوردان:

في القرن الثامن عشر ميلادي، كانت موسوعة واحدة تكفي للتوثيق لجميع معارف العصر. أما اليوم فعلوم المخ وحدها تنتج كل عام ما يعادل كمية من المنشورات العلمية بسُمك خمسين مترًا.

بعض الخبراء يقدّرون أن المعارف البيولوجية تتضاعف كل خَمس أو ست سنوات والمعارف التكنولوجيا تتضاعف كل سبع أو ثمان سنوات أما في الروبوتيك أو تقنية المعلومات فصلوحية بعض المعطيات لا تصمد أكثر من ثلاث سنين وكل ثمانية عشر شهر يُولد جيلٌ جديدٌ من الشرائح الألكترونية. ما هي المعارف التي ستبقى "صالحة" في 2020 أو 2040 ؟ وما هي المعارف الجديدة التي ستنبثق من رحم القديمة ؟

صحيح أن القراءة والكتابة والحساب هي كفايات أساسية لكنها أصبحت غير كافية للتأقلم مع متطلبات الألفية الثالثة (2050). ألفية تتناقص فيها أهمية الأخبار المكتوبة (الجرائد) وتطغى فيها الصورة (التلفزة والأنترنات).

فبأي زادٍ معرفيٍّ سيحل تلميذ المستقبل شفرة تواترات الصور والنصوص الرقمية ويحدد مصدرها ونجاعتها ووجاهتها ؟

Les Hypertextes et l`enchaînement d`images dans les journaux télévisés et les documentaires.

 

على تلميذ المستقبل ومدرّس المستقبل ومدرسة المستقبل إذن أن:

-  على تلميذ المستقبل إذن أن يتعلم كيف يتعلم: "لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد" (شيءٌ يحتاج إلى بعض التفكير وإلا فَقَدَ المَثَل الصيني معناه). - على الأفراد تحضير أنفسهم لإدارة "المنَظَّم" (L`organisé)  و"غير المؤكد "    (L`incertain)  و"غير المنتَظر" (L`inattendu) .

-  على مدرسة المستقبل إذن أن تغير من أولوياتها  فلم يعد مطلوبا منها أن تكتفي بتعليم محتوى المواد بل عليها إتاحة الفرصة والوقت للتلميذ للإلمام بجميع معارف عصره وكشف ما خَفِيَ منها واكتشاف ما ليس واضحًا فيها أو مألوفا فيها وتدريبه على طريقة استقصاءٍ تجعله قادرًا على مجابهة التحديات الحالية والمحتملة ("أن الغباوة في اعتقاد الفرد فَهْمَ الأشياء، لا بِكشف ما حُجِبَ منها، بل بتصديق ما كُشِفَ منها").

-  على مدرّس المستقبل إذن أن يطوّر مَلكة التعلم عند التلميذ وهي تُعدّ أهم من حشو دماغه بمعارف قد تفقد قيمتها بسرعة جنونية (Les connaissances).

-  يصبح من الأكيد إذن على مدرسة المستقبل -وقبل كل شيء- أن تكوّن عقولاً قابلة للتساؤل حول العالَم وحول نفسها وتُربّي مواطنينَ قادرينَ على مناقشة الرهانات الاجتماعية المعاصرة وترجّح طريقة منهجية تُملِّكهم التفكير وتمنحهم مكانة مركزية في النظام التربوي حيث يصبح التلميذ هو محور العملية التربوية لا غيره.

-  على تلميذ المستقبل إذن أن يضع موضع التنفيذ البحوث الوثائقية والتجريبية والشاملة (Systémiques) ويمارس النمذجة (La modélisation) والمحاججة (L`argumentation) والمحاكاة (La simulation).

 لم يعد مطلوبًا من تلميذ المستقبل إذن أن يتعلّم حل المسائل فقط بل يصبح المُلِحُّ عنده أكثر هو التوصّل إلى بسط المسائل بوضوح داخل وضعية تعلمية. ولم تعد الأولوية تتمثل في البحث عن المعلومة بل أصبحت الأولوية في فرزها وترتيبها ومناقشة وثاقة صلتها بالموضوع.

- على مدرّس المستقبل إذن أن يعطي الأهمية الكبرى لتملّكِ تمشيات التفكير ويطوّر شخصية التلميذ ولا يجب عليه أن يحجب عنا أهمية المعارف  (Les connaissances) لكن وفي هذا الإطار بالذات فإن التغييرَ في علاقتنا بنتائج المعارف (Les savoirs) يفرض نفسه هنا أيضا وما يزال للمعارف سببٌ للوجود ودونها لا نستطيع تطوير سلوكيات  (Des comportements)، أو معالجة منهجيات (Des méthodes) على شرط أن تكون معارف قابلة للتلف البيولوجي  («des connaissances biodégradables») حتى لا يُحنَّط المخ في لحظة يحتاج فيها إلى مرونة قصوى (La plasticité cérébrale). لكن من ناحية أخرى يجب استغلال بعض المفاهيم "الكبرى" كعناصر منظِّمة أو ضابِطة للفكر.

هذه المبادئ الأساسية يجب أن تُختار من أجل إيجاد رابط بين أخبار العالم ومن أجل تمكين الفرد من التموقع وتجديد ترسانته التخيلية (الزمن، الفضاء، المادة، الأخبار، التنظيم، الضبط، الذاكرة، التطوّر، إلخ.) وفي نفس الوقت يصبح من الضروري نقد المعارف التي نتناولها والأهم من المعارف نفسها هو التفكير في الرابط بين نتائج المعرفة والثقافة والمجتمع أو بين المعارف والقِيم

(Les connaissances ne changent pas automatiquement les valeurs)

-  على تلميذ المستقبل إذن أن يتفطن لإمكانية تواجد عدة حلول لمشكل واحد، وكل حل منهم يُفهم في سياقه وقد لا يوجد حل بالمرة أو قد تكون الحلول أسوأ من المشاكل نفسها ويصبح السؤال أهم من الجواب... أو يحيلنا الحل على إطار جامد متكلس.

 

خاتمة: والسؤال المطروح اليوم يهم استقلالية التفكير لدى الفرد. وفي هذا الاتجاه تصبح نتيجة المعرفة تساؤلا وجيها وفي محله أو ربطا وإبداعا وبلورةً لوجهة نظر وتصبح أداةً في خدمة مشروع، مشروع فَرْدٍ يحضنه مجتمعٌ بأكمله.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire