أعني
مشاركة المديرين حضوريا في إضراب الأساتذة ومرابطتهم داخل قاعة الأساتذة كامل
اليوم. تبدو لي هذه المشاركة وكأنها حركة
غير مسؤولة. قد يهدف من ورائها أصحابُها إلى التقرب من زملائهم الأساتذة وأراها
من وجهة نظري تهرّبا غير لائق من تحمل المسؤولية وتخليا إراديا عن أداء الواجب
التربوي في أوقات الشدّة، وذلك -على سبيل الذكر لا الحصر- للأسباب التالية:
-
دون توفيق وسخيف، أعتبر أن المدير ليس أستاذا وذلك لأنه
ببساطة لم يعد يباشر التدريس بل يقوم بمهمة إدارية بحتة. والدليل أن في فرنسا قد
يُنتدب المدير من بين خريجي المدرسة العليا للإدارة أو جامعة الاقتصاد والتصرف.
المدير يراقب إداريا عمل الأستاذ وقد يكتب تقريرا ضده لو أخل بواجبه وقد يصل به
الأمر إلى أن يخصم أجرة يوم عمل من مرتب الأستاذ المتغيب لأسباب غير قانونية.
-
المدير هو ممثل وزير التربية في المعهد وهو المسؤول
الأول والأخير على سير العمل في المؤسسة، وهو المكلف بمهمة مراقبة أداء الأساتذة والإداريين والقيمين وأعوان
المخابر والعملة والتلامذة، وهو الحارس المستأمَن على البناء والجدران والسور
والتجهيزات المخبرية وغير المخبرية. وبناء على ذلك يتوجب عليه استنفار جميع قدراته
للسهر على السير الحسن للعملية التربوية كامل أيام السنة الدراسية وخاصة يوم
الإضراب لِما قد يحدث في مثل هذا اليوم من
تجاوزات من الداخل أو الخارج. لنضرب مثلا كاريكاتوريا لكنه معبر: لو كان مدير
المستشفى طبيبا، فهل يُعقل أن يشارك حضوريا في إضراب أطباء الصحة العمومية ويهمل
المرضى المقيمين عنده وإدارة المؤسسة بما فيها من عملة وإداريين وممرضين، إلخ...
-
المدير هو المنفذ الفعلي والمباشر لسياسة الدولة في
الحقل التربوي أما الأساتذة فهم مضربون احتجاجا على هذه السياسة نفسها. فهل يُعقل
أن يضرب المدير ضد سياسةٍ هو الساهر والمسؤول الوحيد على احترامها وتنفيذها ؟ من
حقه كفرد أن يكون له رأي خاص لكن ليس من حقه كمسؤول أن يتخلى عن صفته الإدارية
وينضمّ إلى فئة الأساتذة المضربين ويهمل في الوقت نفسه حق الأطراف الأخرى المكونة
للأسرة التربوية. المدير المشارك حضوريا في إضراب الأساتذة والمرابط داخل قاعة
الأساتذة صباحا مساءً، مثله كمثل رُبّان سفينة يترك سفينته تغرق بحجة التعاطف مع
مطالب البحارة، أو قائد عسكري ينحاز يوم المعركة إلى جنوده غير المنضبطين
عسكريا.
-
اختلطت الأمور بعد الثورة وتداخلت المسؤوليات وغابت
التراتُبية الإدارية الضرورية (لا أقصد البيروقراطية التسلطية) لتسيير المؤسسات
وأصبح شعار "ديڤاج" يُرفع في كل الحالات دون رَويّة أو تَثبّت. وإذا بلغ
الشيء حدّه انقلب إلى ضده. تحضرني هنا الحادثة الأليمة والمؤسفة التي وقعت في أحد
معاهد الأحواز الجنوبية للعاصمة: مدير محترم وضميره حي مات كمدا بسكتة قلبية بعد
تعرضه لصاروخ "ديڤاج"، صاروخ فتاك من صنع تلامذته.
-
قبل التقاعد، كنت أشارك شخصيا في تنظيم وتنشيط إضرابات
الأساتذة صباحا ومساءً لكنني في الوقت نفسه كنت أقول لمدير معهدنا ما يلي: لو وقع
أدنى مشكل يهدد المعهد أو الأسرة التربوية من الداخل أو الخارج، أنا مستعد أن أوقف
الإضراب وأنضمّ إلى الإدارة - عكس كما يقع اليوم - من أجل المصلحة العامة ومن أجل
الحفاظ على الأمانة المُناطة بأعناقنا، ألا وهي سلامة التلامذة وسلامة المعهد، وهو
الواجب المقدَّم على غيره من الواجبات وتهون حقوقنا أمام واجباتنا.