قالت الفلسفة الهيڤلية (Hegel) أن الحياةَ مبنيةٌ على المنطقِ
والأخلاقِ والجمالِ (La logique, l`éthique et l`esthétique).
المنطقُ هو العِلمُ - أبوه اللغة (Le logos) وأمه الفلسفة العقلانية (حب
الحكمة أو الطموحُ والجنوحُ والتقرّبُ منها وإليها) - والأخلاقُ هي الدينُ
والمُورالُ، والجمالُ هو الفن. ولِلعلمِ واليسارِ موارالَيْهِما، مورالانِ مستقِلانِ
عن الدينِ ولكنهما غير مُناقِضيْنِ له، عكس ما يعتقد الكثيرون من الجهتَيْنِ.
أنا الآن وتَوًّا أبحثُ عن
"لُو بُو" (Le Beau) ...
أبحثُ عنه في منازلنا، لا
أجده، لا موسيقى راقية تُشنف آذاننا ولا لوحاتٍ فنيةٍ تُزيّن جدراننا وترقَى
بأذواقنا ولا هندسة معمارية تُريح أنظارنا ولا أطباق منمّقة تُشبِع أعيننا قبل
بطوننا ولا استبرقَ في فروشاتنا ولا حدائق غنّاء تسرّ الناظرين المارّين قرب
ديارنا.
أبحثُ عنه في مُدننا، لا
أجده، بناءٌ فوضويٌّ وفضلات في كل ركن وسلع معروضة على الأرصفة ووسط الطرقات دون
لمسة جمال ولو قليلاً قليلا.
أبحثُ عنه في قلوبنا، لا
أجده، كُرهٌ وحِقدٌ متبادلٌ بين الفرقاء، بين اليمين واليسار، بين الحداثيين
والمحافظين، بين مناطق الظل والمناطق
الأقل ظلاًّ.
أبحثُ عنه في لِباسنا، لا
أجده، في مظهرنا لا أجده، في طرقاتنا لا أجده، في مؤسساتنا لا أجده، لا أجده في
مدارسنا، في معاهدنا، في جامعاتنا، في جوامعنا، في مقابرنا، إلخ.
أجده والبحثُ يُضنيني، أجده في تاريخنا الأول
والوسيط: في تعايشنا مع غير المسلمين، في حدائق الأندلس وقصر الحمراء، في مُتنبِّينا
وشعرنا ومجوننا وخمرياتنا وموسيقانا وأغانينا وفي تصوّفِنا أيضًا، في قصص حبنا
العذرية، في فن الخط عندنا، في لغتنا، في مجازها وإعجازها، في نحوها وصرفها، في بلاغتها
ومعانيها...
أجده في إيماننا بالتجريد والتوحيد.
في العلاقة العمودية والمباشرة بين الخالق والمخلوق، لا وساطة فيها ولو لِنبي. ألمْ
يقلِ الغزالي أبو حامد أن "الإيمانَ نورٌ قذفه الله في القلبِ"؟ أليس
النورَ هو روحُ الجمالِ؟
أجده في كتابِنا المقدّسِ. ألا يُقالُ عن القرآن
أنه "يدخل القلوب قبل العقول"؟ أليست القلوب هي مسكن الجمال؟ جمال الخط،
جمال التلاوة والتجويد والموسيقى، جمال الصورة والمجاز، جمال القصص والعِبر
والمواعظ والحِكم، جمال الرحمة والتراحم، جمال التواضع والتعارف والتحابب والتوادد،
جمال الجسم والطيبِ والجنس الحلال. آهٍ لو
كان المسلمون في جماله يتفكرون، وفي بحر سحره يتأنون ولا يتسرعون، ومن روعة الشكل
لا يملّون، ولِلـ"لُو بُو" في ظاهره قبل مضمونه يسجدون وله يُصلّون
ويصومون.
أجده، وبسرعة في تَدمُرَ
أفقده، وتحت مَعاوِلِ المسلمين المتطرفين أرثيه وأندبه.
أجده وبسرعة في وجوه بعض المسلمين أفقده، وفي لِحيِّهم الشعثاء يموت
وأدفنه.
أجده وبسرعة تحت نِقابِ بعض المسلمات
أفقده، وفي قلوبهن أحس به يرفرف ويجنّح ومن حِدّةِ الاستلاب لا يطير. أدعو الله من
قلوبهنّ يحرره.
أجده وبسرعة في لباس بعض
السلفين أفقده، لباسٌ لا أفغاني ولا ياباني، و الـ"لُو بُو" يأبى أن
يتستر به أو يستره.
حتمًا يا وَلَدِي ستجده، في
الحَجَرِ تجده، في الشجرِ تجده، في المرأة تجده، في الغنِيّ، في الفقيرِ، في
الجبالِ، في الصحراء، في العتمةِ في النورِ تجده. ثق دائمًا في الله، في الإنسان حتما يا ولدي ستجده،
وإن أسعفكَ الحظُّ ووَجدته فاربط قدرك به يا وَلَدِي ولا تفارقه أبدًا ومِن بين
يديك لا تُفرّط فيه ثانية ولا بِكنوز الدنيا تبيعه أو تبدّله!
في الإسلام ابحث عنه، وفي الفلسفة
الإغريقية تجده، في البوذية تجده، في الصين، في الهند، في بلاد الواق واق، لا يهم،
المهم أن تتصالح معه وفي بلادك ودينك وعصرك ترغّبه ولِأولادك وبناتك تورّثه ولِزُوارك
وضيوفك تهديه وتقدمه وتاجٌ على رأسك يكلله!
الـ"لُو بُو" هو
معجزة نبيّكَ وإكليلُ رسالته، ومعجزة رسولنا هي أبهى وأجملِ معجزاتِ مَن أتى قبله
من الرُّسُلِ كلِّهِمِ.
سألتُ بكّار عن "لُو
بُو"؟ قال: "أدرّسه في باريس مع القرآن والحديث".
إمضائي
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر"
(جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 13 أفريل 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire