dimanche 9 avril 2017

نحن بشرُ القرنِ 21، هل قدرُنا أن نمرّ بِـ"اختبار الموت" حتى يعترف الواحدُ منا بالآخر؟ فكرة الفيلسوف العظيم هيڤل. عن فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة. صياغة وتأثيث مواطن العالَم، مسالِمٌ حتى النخاع ومُحِبٌّ للآخر إلى حد التماهي معه والذوبان فيه عِشقًا

 يبدو أن الاعتراف بالآخر كـ"آخر له كامل الحقوق رغم اختلافه" شيء صعبُ المنالِ والتحقيقِ لدى الإنسانية القديمة والمعاصِرة. نقيصةٌ من نقائصِ الجنس البشري أو إرثٌ جيني من ماضيه البدائي الأقرب لطبائع الحيوانات.
"اختبار الموت" (L`épreuve de la mort) هو صراعٌ بين الإنسان وأخيه الإنسان، صراعٌ بين خصمين يصل إلى ملامسة الموت عن قربٍ، ملامسةٌ تجعل كل واحد منهما يراها بعينيه، يراها مصيبة في أخيه، في ولده، في جاره، في ابن عمومته وابن قبيلته. صراعٌ ينتهي عادة بانتصار ساحقِ وماحقٍ لأحد الطرفين فينبثق عنه حلّان: تعايشٌ في حالة الاعتراف المتبادل أو انفصالٌ في حالة الإصرار على عدم الاعتراف.
1.     بعض الأمثلة الحديثة التي أفضت إلى التعايش المشترك:
-         مرّت دولة روندا أخيرًا بحربٍ أهلية، تقاتلت فيها فرقتان من شعبها (الهُوتُو 80% والتُّوتسِي  20%) سنة 1993-1994، ودفعتا الثمنَ غالِيًا جدًّا، مليون قتيل أي عُشر سكانها تقريبًا.  واليوم تجاوزت محنتها واعترف المتخاصمان بِبعضهما البعض وأصبحت رواندا نموذجًا للبلدان النامية تحقق نسبًا عالية من النمو (8 أو 9 %).
-         مرّت الشقيقة الجزائر تقريبًا بنفس المحنة، حربٌ أهليةٌ بين الجيش الرسمي والمتمردين الإسلاميين الجزائريين. الحصيلة 200 ألف قتيل. هُزِم الإسلاميون فسلّموا سلاحهم، عفَى عنهم الجيش وها هو الشعب الجزائري اليوم ينعم  بـ"الأمن مقابل الحرية".
-         في تاريخ أوروبا، تقاتلا الكاتوليك والبروتستان حتى الموت طيلة عقود دموية. واليوم ها هم يتعايشون بسلام ووئام بعد أن اعترف كل واحد من الفريقين بمذهب الآخر. فمتى نرى هذا عندنا بين السنة والشيعة. ألا تكفينا حرب العراق-إيران والمليون قتيل شيعي وسني من الطرفينِ وكلاهما عندي وبنفس الدرجة إنسان.

2.     بعض الأمثلة الحديثة التي أفضت إلى الانفصال الجغرافي والفصل التام بين المتحاربين:
-         في كورِيا وبعد حربٍ ضروسٍ لم يحدث الاعتراف المتبادَل بين المتحاربين، فانقسمت إلى دولة جنوبية وأخرى شمالية. الجنوبية رأسمالية والشمالية شيوعية ومهما كانت حِدة الاختلاف بينهما اليوم فهو أفضل ألف مرة من الفِتنة وهي أشد من القتل. المهم أن القتل والاقتتال توقفا وقتيا وأتمنى أن يكون نهائيًّا.
-         سنة 1945، أي في أواخر الحرب العالمية الثانية ذات الحصيلة الثقيلة، 60 مليون قتيل من العالم أجمع. وبعد انتصار الحلفاء على هتلر،  حدث انفصالٌ بين الألمانيتين (شرقية وغربية) وذلك لتجنب حربٍ بين الروس والأمريكان، وفي عام 1989 ومن حسن طالع البشرية انهارت الشيوعية اللينينية-الستالينية وللأسف الشديد انتصرت الرأسمالية فحصل تعايشٌ بين القُطبَيْنِ، نَتَجَ عنه اتحادٌ بين الألمانيتين.

3.     بعض الأمثلة القديمة والحديثة التي أفضت إلى الاعتراف بالهزيمة والتسليم التام الوقتي أو النهائي من قِبل المهزوم للمنتصر:
-         سكان المغرب "العربي" الأصليون، أعني بهم الأمازيغ، انهزموا أمام الفاتحين المسلمين بعد مقاومة بطولية شرسة دامت 300 عام، صمدوا، انهزموا وعن كره أو طواعية أسلموا، تعرّبوا، انصهروا، تأقلموا، تكيّفوا، وفيهم مَن أصبح قائدًا لجيوش المسلمين وأشهرهم طارقٌ بن زياد فاتحُ إسبانيا. يبدو لي أنه يحق لِمن لم يتعرّب منهم أن يطالب اليوم بِاستعادة هُويته المسلوبة وإحياء لغته البربرية، حق يكفله لهم الإسلام قبل البيان العالمي لحقوق الإنسان.
-         صَبَرَ الإسبانُ على الاحتلال العربي-الإسلامي، لكنهم لم يقبلوا، لم يُسلِّموا ولم يُسلِموا، لم يتأقلموا، لم ينصهروا ولم ييأسوا من رحمة ربهم فمنّ عليهم وخلصهم منه بعد ثمانية قرونٍ من المعاناة بِغض النظر عن إنجازات المسلمين الحضارية في حَضَرِ الأندلس (فلسفة، علم، موسيقى، معمار، فلاحة، إلخ) فهي فخرٌ للمسلمين وحدهم وتبقى في تاريخهم يعتزون بها كما يشاؤون وليس كما يشاء السكان الأصليون المسيحيون. الإسبانيون قاوموا الدخلاءَ المسلمين ولم يرضوا بالفتح وتمسكوا بدينهم ورفضوا الإسلام وهم أحرار، ولا إكراه في الدين، والإنسان الحر بطبيعته يرفض أن يُقاد عنوة ولو للجنة والإسلامُ لا يرضى بإذلال الإنسانِ مهما كان دينُ هذا الإنسان، لا بل يحترم مَن لا يُبدّل دينه ويحتقر مَن يفعلها خوفًا أو طمعًا أو نفاقًا والله أولَى بالخِشيةِ من الحاكمِ المسلمِ وهو أعلَمُ بما في الصدور. أما علاقنا نحن مع مجيء الإسلام في المغرب فمختلفة تمامًا: رأى أغلبُنا وبِصفة بَعدية (بعد 300 عام) أن الفتحَ الإسلامي فتحٌ بعد ما رآهُ نصفُ أجدادِنا البربر ولأول صدمةٍ احتلالاً، ورضينا بِالإسلام دينًا وبِالعربية لغةً وبِالعروبة قوميةٌ (إلا بعض الأمازيغ المحافظين على أمازيغيتهم) وذُبنا فيهم الثلاثة (الدين واللغة والقومية) وأصبحنا من أشد المدافعين عليهم بل اعتبرناهم من ثوابت هُويتِنا والحمد لله. 
-         أقرّت ألمانيا واليابان بِهزيمتهما أمام الأمريكان، ومن فرط فِطنتهم وذكائهم استنبطوا مقاومةً من نوعٍ جديدٍ، عنوانها "العلم والعمل" وأصبحا أفضل أمَّتَيْنِ أُخْرِجتا للناس في القرن العشرين.
-         في إسبانيا قامت ثورة في الخمسينيات، انتصرت فيها الفاشية الفرنكية على الجمهوريين الكوسموبوليتيين ثم خمدت الحرب الأهلية ودام الاستقرار للمنتصر عقودًا ثلاثة ثم سقط سقطة مدوية واسترجعت إسبانيا عافيتها وديمقراطيتها وهبت فأقلعت وبسرعة التحقت بِركبِ الأمم المتقدمة.

خاتمة متفائلة: يبدو لي أن "اختبار الموت" ليس قدرًا محتومًا على الإنسانية وما على الشعوبِ إلا أن تمرّ به قسرًا للوصول إلى التعارف المتبادَل والتعايش السلمي. أنا من موقعي وجانِبِي أرى أن "اختبار الحب والإيمان بِإمكانيةِ إعادةِ أنْسَنَةِ الإنسانية" أفضل طريقٍ وأسلمِها وأقصرِها لو وَعَتِ البشرية بقيمة البشرية. وأتمنى أن يُجنّبنا الله في تونس المرور بـ"اختبار الموت" بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، أوَ ليس هو القائل سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
الله قال "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" ولم يقل "أقواكم أو أذكاكم أو أشرفكم أو أوسمكم أو أغناكم" فالبشر ليسوا بحيوانات حتى يحكمهم قانون داروين القائل بمبدءَيْ "الانتقاء" و"البقاء للأصلح".

إمضائي
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 9 أفريل 2017.
Haut du formulaire



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire