mardi 25 avril 2017

مقامة همذانية في فن النميمهْ (الڤرضة) دون حقدٍ أو ضغينهْ! مواطن العالَم

هل سمعتم في حياتكم بِنمّامٍ نِيّهْ يَشِي بِنفسه للضحيّهْ؟
الرابعةُ صباحًا، الليلُ الصحراوي صامِتٌ وقارِصْ، والطريق فارغٌ وبائسْ. أنا ويونسْ، انطلقنا في العربة من جمنة إلى تونسْ. كنتُ للمرة الألف مقلِعًا عن الدخّانْ، فَلانَ جسمي الوَسْنانْ. شارفنا على مدينة الحامهْ، بدأ مرافقي في "تمجيدِ مناقِبِ" الغائبِ الهامّهْ. توكلنا على الحفيظْ، وشرعنا في التقريضْ. استيقظتُ ونَشِطُّ، وفجأة أمرتُه بالتوقف، شربتُ قهوتين مُرَّتينْ، ومِن المالبورو اشتريتُ عُلبتَينْ، ثم واصلنا في "التمجيد"، لا ذمًّا ولا عارًا نُبالِي بعد ما لَذَّ لنا التقطيعُ والترييشْ وخلا لنا الجو للنبشِ والتبربيشْ. سللنا الرماحْ وأثخنّا الفريسة الغائبة بالجراحْ. مرافقي بالسرعة مشهورْ، ولايحترم قوانينَ المرورْ. يومها لم يتجاوز الستينْ، لا بل نزل راضيًا مرضيًّا للأربعينْ. توقفنا في استراحة سيدي الظريف، ومِن شِدّةِ ما نقولْ، خِفنا أن ببلغ مَسامِع  صديقنا عنه ما نقولْ، فسكتنا عن الكلامِ المباحْ، ليس ندمًا بل خوفًا على السر مِن أن تنقله لفريستنا الأرواحُ والأرياحْ.

في الغدِ، التقيتُ صديقي المأكولْ، وأبلغته عنوانَ ما كنا حوله نقولْ، دون أن أشِي بِما كان في خاطِرِي يجولْ. فاجأني مبتسمًا، وبِسخرية الأدباء نطق: آهٍ لو تدري ما كنتُ في غيابك وحولك وفيك أروِي وأقولْ، لَمِتَّ كمدًا بعد أن يصيبك ممّا سمعتَ الذهولْ! وضحكنا ضحك طفلين معاً .. وعدوْنا فسبقنا ظلنا.. بِفرادتِنا فرِحان، وعلى جنونِنا راضِيانْ، ومن الجِدّ في غير موضعه دومًا ساخِران.
صديقي هذا، أحَبُّ الأصدقاء إليَّ وأقربهم مني فكريًّا وجغرافيًّا. صداقتنا صمدت نصفَ قرنٍ ولا تزال وبحول الله لن تنتهي إلا بِموتِ أحدِنا، وسوف يقبلُ الحيُّ العزاءَ في الميّتِ، وممّا لا شك ولا ريبَ فيه، أنه في غيابه لن يرحمه ولكن حتمًا لن يُؤذيه، وفي مأدبة جنازته سـ"يَڤرُضُه" وبطريقته سيَرثيه. بيننا عقد غريبٌ، شاذٌّ وفريدٌ، يصرّح ويقول أن "النميمةَ أدبٌ ما لم ينقلها ويُخرِجها من سياقها الفني واشٍ حاسدٌ مُغرِضٌ حاقِدٌ". نميمةٌ فكريهْ، لا تصل إلى العظمِ ولا تمسّ العرضَ ولا الأصلَ ولا الذُّرِّيهْ.
أنَرضَى الاثنان بِما بيننا ولا يَرْضَى الواعِظُ السخيفُ، الحَكَمُ المتطفِّلُ الظريفُ؟ ما دَخلُهُ؟

إمضائي
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 25 أفريل 2017.
Haut du formulaire



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire