يعيبون على العرب أنهم لا
يقرؤون وأنا أعيب على بعض إسلاميّي الصحوة انكبابهم على القراءة بنَهَمٍ كل الكتب التي
تعلّم الكراهية والانغلاق والتطرف والتزمّت والإقصاء وعدم التسامح والتكفير! مواطن
العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا (La Didactique de la Biologie)
جعلنا بيننا وبين الفلسفة
جبالًا من الكتب الصفراء الحديثة حتى حجبنا شمسها من سمائنا. يقرأ الغربيون (بما
فيهم المسلمون) ليتفتحوا ويتقدموا ونحن نقرأ لننغلق أكثر ونتأخر أكثر:
-
هل يُعقل أن يقرأ مسلم عادي ليصبح داعشيا يقتل المسلمين
وغير المسلمين؟
-
هل يُعقل أن يقرأ مسلم عادي ليصبح لا يصافح زوجة خاله
بعد ما كان ينام في حضنها وهو رضيعٌ ويتوسّد ركبتيها وهو يافعٌ؟
-
هل يُعقل أن يقرأ مسلم عادي ليصبح لا يزور قريباته
قرينات أمه في غياب أزواجهن؟
-
هل يُعقل أن يقرأ مسلم عادي ليصبح يكره أساتذته
الفرنسيين ويراهم شياطين لمجرد أنهم غير مسلمين؟
-
هل يُعقل أن يقرأ مسلم عادي ليصبح إرهابيا يقتل المثليين
الأمريكيين.
-
هل يُعقل أن يقرأ مسلم عادي ليصبح محطِّمًا للآثار
والتماثيل التي لم يحطمها عمر بن الخطاب ولا عمر بن العاص؟
-
هل يُعقل أن يقرأ مسلم عادي ليصبح يطرد المسيحيين
والصابئة من ديارهم والرسول أوصى بهم خيرًا؟
-
هل يُعقل أن يقرأ مسلم عادي ليصبح عدوًّا للغناء والطرب
والنحت والرسم والرقص والفرح؟
-
هل يُعقل أن يقرأ مسلم عادي ليصبح عدوًّا لدودًا للحرية
والقيم الكونية ويطلب من المجتمع الدولي أن يخصه ببيان إسلامي لحقوق الإنسان وكأن
لليهود بيان وللمسيحيين بيان وللبوذيين بيان؟
بئس
هذه الكتب التي نقرؤها، كتبٌ
تضيف لعقولنا عوائق معرفية (Des obstacles épistémologiques) عوض أن تزيل ما فيها من عوائق
وهي كثيرة والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه. نقرأ حَسَنْ البنا ولا نقرأ
جمال البنا. نقرأ المودودي ولا نقرأ إقبال. نقرأ سيد قطب ولا نقرأ علي عبد الرازق.
نقرأ الشريف رضا ولا نقرأ محمد عبده. نقرأ القرضاوي الذي يقول أنه يعرف كل شيء
ويفتي في كل شيء ولا نقرأ سقراط الذي يقول أنه يعرف أنه لا يعرف أي شيء. نقرأ الخميني
ولا نقرأ علي شريعتي.
أطلب
بكل لطف من قرائي الكرام أن يقرؤوا ولن يندموا، يقرؤوا ما قرأت ومنهم استفدت:
أركون، هاشم صالح، جعيط، الشرفي، الفرجاني، عياظ بن عاشور، الطالبي، محمد حداد،
شريعتي، الأفغاني، الكواكبي، وكبيرهم أمين معلوف، إلخ. تعلمت منهم تقديس العقل وحب الرسول والقرآن والمسلمين وغير
المسلمين. تعلمت منهم الانفتاح والقيم الكونية وحب الآخر قبل حب النفس. تعلمت منهم
أن الإسلام ليس كل الحل بل هو جزء ضئيل من الحل. تعلمت منهم أن مَن يُقصي نفسه من
العالَم يُقصيه العالم. تعلمت منهم أن العلم والعمل هما الحل المشترك الوحيد لمشاكل
العالم. تعلمت منهم أن المتآمر الوحيد على الإسلام هم المسلمون قُرّاء الكتب
الصفراء الحديثة. تعلمت منهم أن أمهاتنا وآباءنا الذين لم يقرؤوا هذه الكتب
الصفراء الحديثة كانوا أتقى منا ألف مرة وأكثر منا تسامحا وصِدقا ورحمة وبِرّا وخِشية من الله.
لستُ
من المتحاملين على المتأسلمين المتطرفين الجدد والدليل أنني أعيب على اليساريين ما
عبته على زملائهم في الانغلاق والإقصاء والتطرف، أعني بهم الماركسيين الذين لا
زالوا في القرن الواحد وعشرين يجترّون كتب ماركس ولينين وستالين وماو وڤيفارا
وأنور خوجا، ويرفضون قراءة روزا (منتقدة لينين) وسارتر (منتقد ستالين) وجيلبار
(منتقد اليسار الماركسي التونسي المتحزب) وريمون آرون (مؤلف كتاب " أفيون
المثقفين" ويقصد به الماركسية، صدر سنة 1955) وليتطهروا لم يأخذوا مثلي حمّامًا رمضانيًّا فلسفيًّا يوميّا
يستمتعون فيه بالإنصات المقدس لمحاضرات إدڤار موران وميشال سارْ وميشال أونفراي
ولم يسمعوا مثلي في المقهى فيلسوف حمام الشط الماركسي حبيب بن حميدة (منتقد
اللينينية والستالينية والماوية والأحزاب الشيوعية التونسية "الكبرى"
الثلاثة).
إمضائي:
يطلب الداعية
السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج
العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
"وإذا
كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 17 جوان 2016.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire