مقارنة طريفة بين المقاربة بالمناهج (Réforme
du curriculum) ونظرية المافَوقَ وراثي
(L`épigénèse)؟ مواطن العالَم
محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا (La Didactique
de la Biologie)
نظامنا التربوي التونسي يعتمد حتى اليوم المقاربة بالبرامج وليس المقاربة
بالمناهج. تتمثل المقاربة المستعملة حاليا في تصميم برنامج دقيق لكل مادة (Discipline) وكل مستوى تعليمي (Niveau scolaire) والسير
على نهجه دون انحراف وكأنه الصراط المستقيم ودون الأخذ بعين الاعتبار المحيط
التربوي الذي يشمل المستوى الذهني المحتمل للتلميذ (Développement mental potentiel ou la ZPD
de Vygotsky-La Zone Proximale de Développement) وحالته
الاجتماعية والمادية، كما يشمل أيضا المدرّس والتجهيزات والخدمات المتوفرة داخل
المؤسسة التربوية ومكانها الجغرافي.
أما بعد الإصلاح الموعود فالحوار التربوي يتطلع إلى العمل
بالمقاربة بالمناهج. تتلخص هذه الأخيرة في تصميم برنامج متحركٍ، مَرِنٍ، أي يأخذ
بعين الاعتبار كل مكونات المحيط التربوي. برنامج قابلٍ للتغيير والتعديل والتأقلم
مع المتغيرات التي قد تعترض تطبيقه وهو البرنامج المُعد سلفا. وقد تصل مرونة هذه
المقاربة الجديدة إلى أقصاها في تربية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة (Les handicapés
moteurs ou mentaux) وتخصص برنامجا انفراديا خاصا لكل طفل على
حِده.
أسوق لكم مثالا أولا يبيّن مدى انعدام المرونة في المقاربة
بالبرامج من خلال مقارنتها ببيداغوجيا الأهداف
(PPO: Pédagogie Par Objectifs) ونظرية الكل وراثي (Le tout génétique) سيئتي السمعة، الأولى علميا والثانية تربويا: تقوم هذه
البيداغوجيا المتروكة (PPO) على رسم أهداف الدرس قبل إنجازه.
بيداغوجيا مثلها مثل المقاربة بالبرامج لا تأخذ بعين الاعتبار جميع مكونات المحيط التربوي.
وعلى أساس هاتين المقاربتين الأخيرتين (PPO et
Programmes)، يتعامل المدرس التونسي الحالي مع التلميذ
كما يتعامل عالم النفس السلوكي مع فأر التجارب: يرسم المدرّس مسبقا للتلميذ
مُدْخَلاتِ الدرس ومُخْرَجَاتِه، وينظر إليه وكأنه إناء فارغ يملؤه بما يريد أو
صفحة بيضاء يخط فيها ما يشاء، ويعتبره شيئا سلبيا (Objet) عوض أن يعتبره ذاتا حرة مستقلة (Sujet)، ويركّز على تحقيق
الأهداف المسبقة التي رسمها هو لدرسه، ولا يعير اهتماما للأهداف الأخرى التي قد
تتحقق في الدرس خارج إرادته القاصرة والخالية من الخيال (Manque d`imagination).
كذلك تبدو لي أيضا نظرية الكل وراثي التي تعتبر الـADN برنامجا متكلسا ينفي إمكانية انبثاق صفات
ذهنية كالذكاء نتيجة تفاعل الوراثي (L`inné) مع المكتسب (L`acquis) كما ينفي البرنامج في المقاربة بالبرامج أي جديد (L`intelligence potentielle) قد ينبثق
(L`émergence) نتيجة
تفاعل المبرمَج مع الطارئ (Le contingent) .
أسوق لكم مثالا ثانيا يبيّن مدى المرونة الكامنة في المقاربة
بالمناهج وفي نظرية مافَوقَ الوراثي: على عكس نظرية الكل وراثي تعتبر نظرية
مافَوقَ الوراثي برنامج الـADN برنامجا
قابلا للتفاعل مع المكتسب، تفاعلٌ قد تنبثق منه صفاتٌ ذهنية غير منتظرة كالذكاء
المحتمل كما قد ينبثق من العمل بالمقاربة بالمناهج تلميذٌ جديدٌ واعدٌ يتقن مهارات
القرن الوحد والعشرين (المبادرة، النقد، التواصل، إلخ).
ملاحظة: من بين المقاربات الخمس التي تناولتها أعلاه، أعترف أنني لم
أتعرّف على المقاربة بالمناهج إلا من خلال مشاركتي الأخيرة في الحوار الوطني حول
إصلاح المنظومة التربوية التونسية، لذلك أنتظر من المتخصصين في هذه الأخيرة تعديلا
لو كانت مقارَناتي لا تجوز.
إمضائي:
على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 26 ماي 2016.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire