lundi 16 mai 2016

يساريان منفردان في مقهى يتناقشان حول العرب والإسلام، لو تصنّت عليهما إسلامي متزمّت لَكَفَّرَهُما، ولو سمعهما شيوعي أرتدوكسي لَخونَجَهُما. مواطن العالَم محمد كشكار ، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

يساريان منفردان في مقهى يتناقشان حول العرب والإسلام، لو تصنّت عليهما إسلامي متزمّت لَكَفَّرَهُما، ولو سمعهما شيوعي أرتدوكسي لَخونَجَهُما. مواطن العالَم محمد كشكار ، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

واحد أستاذ فلسفة والآخر عاشق للفلسفة.
- الحضارة الإسلامية حضارة مساواة بامتياز.
- في الإسلام لا يخضع الفرد إلا لخالقه ولا يطلب المغفرة إلا منه عكس ما هو سائد في المسيحية حيث البابا يمنح صكوك الغفران والبرجوازي يرث استرقاق العامل عن سلفه النبيل والاثنان يستعبدان بقية البشر الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.
- الحضارة الإسلامية لم تمرّ بالطبقية، لا في شكلها الأرستقراطي القديم ولا في شكلها البرجوازي الحديث.
- لا وجود لتراتبية فيها فأفقر إنسان قد يصبح إماما والمساجد في كل حي يديرها أهل الحي أنفسهم.
- لكن التراتبية والعبودية هي التي خلقت الحضارة الغربية وبَنت وشيّدت وراكمت الثروات وصنعت نخبة من العلماء والفلاسفة والفنانين لكن السيدَ أصبح فيها عبدَ العبدِ.
- حضارتهم إذن هي حضارة يد وحضارتنا حضارة شعر وكلام (الفلسفة).
- هم أول مَن بعث الروح في فلسفة كادت تنقرض، أعني بها الفلسفة اليونانية التي سبقتهم في العلم والفن والتفكير بعشرة قرون، لكنهم للأسف هم أنفسهم مَن حاصرها فهاجرت إلى الغرب وكانت سر نهضتهم وهجرتُها من بلادنا كانت بمثابة إعلان بداية نكبتنا في نهاية القرن الثاني عشر ميلادي وأؤرخها بحرق كتب ابن رشد في الأندلس.
- كيف تقول إذن أن لا حضارة أفضل من حضارة؟ أليست حضارتهم أفضل من حضارتنا؟
- لو كانت كما تقول لَما أنجبت ستالين وموسولوني وهتلر وفرانكو!
- استطرد فقال: من المفارقة أن قيمة المساواة (Société égalitaire) هي التي قضت على حضارتنا كما قضت على الشيوعية.
- في الجاهلية كان المجتمع فرداني (Individualiste) وكان الشنفرى صعلوكا كريما (من الكرامة) وحرا لا يخضع لأي قبيلة.
- لذلك كنت أقول: كنا في جمنة الخمسينيات نعيش أحرارا ورغم فقرنا كانت أنوفنا في السماء، لا نخفض جناح الذل لأحد إلا احترامًا لكبار السن فينا وكانت المرأة في قريتنا لا تخضع لزوجها، كانت حرة تستقبل ضيوفها وتخرج للعمل في الحقل دون إذن أحد وتمشي في الحي سافرة تضرب بقدميها الأرض شموخا ولا يتجرأ زوجها على مجرد التفكير في ثانية. كنا مجتمعا غير طبقي، لا غنيَّ فينا ولا متسلط.
- الغرب بَنَى ثروته على أكتاف العبيد.
- أما نحن وفي الجاهلية فلم يكن اقتصاد الكفاف عندنا يحتاج إلى كثير من العبيد ثم جاء الإسلام وحث على تحريرهم رغم قلتهم لكن المسلمين فعلوا عكس ما أمر به القرآن بوضوح واستطابوا الجواري والغلمان ولو طبقوا ما جاء فيه لكان لهم السبق في تحرير العبيد نهائيا أربعة عشر قرنا قبل أبراهام لنكولن.
- الحرية الفردية والمساواة والكرامة قِيمٌ متجذرة فينا ونحن قبرناها وردمناها بالطقوس وتركنا المقاصد العليا للشرع وتشبثنا بالنصوص ففسحنا المجال للصوص من الخوارج والدواخل.
- التيار السلفي هو حركة حداثية أحدث من الشيوعية ولو أراد الغرب أن يشوّه الإسلام لَما نجح في تشويهه أكثر مما شوّهه الحداثيون من السلفيين كما شوّه الماركسية الحداثون من الماركسيين. 
ولو قام محمد بن عبد الله صلوات الله عليه لأنكر على المسلمين السلفيين، محتكري الإسلام "الصحيح"، إسلامَهم، ولو قام ماركس لأنكر على الماركسيين الأرتدوكسيين، محتكري الرأي المستقيم، ماركسيتَهم، ولَترافقا الاثنان وهاجرا واستقرا معًا في البلدان الأسكندنافية الاشتراكية الديمقراطية، يتمثل عذر الأول في قول ابن تيمية "دولة كافرة عادلة خيرٌ من دولة مسلمة ظالمة" أما عذر الثاني فيتمثل في انعدام استلاب البروليتاريا في تلك الربوع.
 - لا تفتخر كثيرا بقِيم أجدادك الرعاة فأرسطو قال عن أمثالهم أنهم طفيليون (Des parasites) فهُم للدواب تابعون وفي حليبها ولحمها طامعون ووراءها في الفيافي تائهون ولبلدانهم غير معمرين وبهويّتهم البدائية ملتصقين وعلى العالم غير منفتحين وبالحضارات المعاصرة لهم غير متأثرين بل لها رافضين وعلى أنفسهم منغلقين، لم يعرفوا الناس فتوهموا أنهم خيرُ أمة أخرِجت للناس. 
- سمعتُ اليوم في الحوار التربوي كلاما لم يعد يستقيم بعد ما سمعتك، يقولون: "القِيم الكونية (الحرية، الكرامة، المساواة، التسامح، حرية المعتقد، إلخ) وملاءمتها للسياق التونسي". يجب أن يقولوا: "القيم العربية الإسلامية (الحرية، الكرامة، المساواة، التسامح، حرية المعتقد، لا شفاعة ولا وساطة لمخلوق بين الخالق والمخلوق حتى ولو كان الرسول نفسه، إلخ) وملاءمتها للسياق الغربي (عبودية، استيلاب، طبقية، تراتبية، وساطة البابا والرهبان بين الخالق والمخلوق، إلخ)".
- وأنا في طريق العودة، اعترضني مسلم غير مثقف فقال لي ناصحا: "مَن لا يصلي لا ينتمي للإسلام". أجبته: "بالله عليك، كنت أجنّح بالإسلام في عالم القِيم الإنسانية الكونية فأنزلتني إلى حضيض التعصب والانغلاق والطقوسية المفرغة من الإيمان، رحمة ربي واسعة وأنتم بفضل جهلكم ضيقتم فيها، ولحكمة لا يعلمها إلا هو خلقنا مختلفين وأنتم تريدوننا كدجاج الحاكم، لا طعم له ولا رائحة. هيا تصبح على خير".
إمضائي:
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 17 ماي 2016.
Haut du formulaire


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire