mardi 28 mai 2019

الإنسان بين رحمة خالقه الواسعة وضيق أفق بعض إخوانه الإسلاميين! مواطن العالم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 30 أفريل 2012.

1.     درس في الرحمة الربانية الواسعة: سمعتها من قسّ قِبْطي في قناة مصرية وسمعتها أيضًا من شيخ أزهري:
"من عادة سيدنا إبراهيم الخليل أنه كان يسهر ولا يتعشى في انتظار عابر سبيل يتقاسم معه لقمته. جاءه ضيف في الستين من عمره، أكرمه، أطعمه وأشربه فطلب هذا الأخير نارا، أشعل له سيدنا إبراهيم نارا ظنا منه أنه يريد أن يتدفأ. قام الضيف وبدأ يسجد ويصلي للنار. طرده سيدنا إبراهيم قائلا: أتُعبد النار في بيتي؟ خرج الضيف هائما على وجهه. هتف هاتف من السماء، كلّم الله عبده إبراهيم، أبا الأنبياء، معاتبا ومربيا ومعلما وقال له: تحمّلته أنا ستين سنة وأنت يا إبراهيم لم تصبر عليه ليلة واحدة!".
يا لروعة الحكمة ويا لحكمة الخالق، هو خلقنا مختلفين ولو شاء لخلقنا متماثلين متجانسين أما ضيق أفق المتعصبين فهو نابع من جهلهم والأمر من مأتاه لا يُستَغرب.

2.     قصة مواطن فرنسي شيوعي، أسلم بعد 69 عاما من الشك، موعظة وحكمة ربانية لمن يريد أن يتعظ:
هداه الله ولم تهده المواعظ المنفّرة كمواعظ بعض أئمة جوامعنا القدماء والحاليين أو محاضرات بعض الدعاة الإسلاميين الدجالين من أمثال وجدي غنيم وعمرو خالد. انتظره ربه 69 عاما (ولد سنة 1913 وأسلم سنة 1982)، لم "ييأس"، جل جلاله و علا شأنه على الغفلة واليأس والنسيان، و هو الأدرى بمخلوقاته، فلماذا تتجرأ بعض النفوس الجزعة على بعضها البعض.
أكبر تحول طرأ في حياة الفيلسوف الشيوعي الفرنسي روجيه ارودي كان تحوله للإسلام؛ لقد تعرّف على الإسلام مبكرًا جدًا قبل أن يسلم، حوالي سنة 1941، وهو يقول في أحد الحوارات التي أجريت معه:
"لقد عشت في بداية الحرب العالمية الثانية تجربة فريدة من نوعها: قبضت قوات الاحتلال الألماني على المجموعة الأولى للمقاومة الفرنسية حين سقطت باريس، وصدر الأمر بنقلها إلى معسكر (الجلفة) في جنوب الجزائر، وكنت أحد أفراد هذه المجموعة، فدعوت رفاقي إلى تمرد في السجن، وفي مارس من سنة 1941م دعوت حوالي خمسمائة منهم إلى التظاهر لتأكيد اعتراضنا على السياسة النازية .. حُكِمَ علينا بالإعدام، ويوم التنفيذ وبعد ثلاثة إنذارات من قائد المعسكر .. أصدر أوامره للجنود الجزائريين بإطلاق النار علينا ففوجئنا برفض الجنود ذلك الأمر حتى بعد تهديدهم بالسياط .. ولم أفهم للوهلة الأولى سبب رفضهم، ثم عرفت أن هؤلاء الجنود كانوا من الجزائريين المسلمين، الذين يرون أن شرف وأخلاق المحارب المسلم تقتضي ألا يطلق النار على إنسان أعزل...".
ويضيف ارودي: "لقد صوروا لنا المسلم على أنه متوحش همجي، فإذا بي أمام منظومة قيم متكاملة ولها اعتبارها. لقد علمني هذا الموقف، واستفدت منه أكثر من استفادتي من عشر سنوات بالسوربون".
كان ارودي شيوعيا، لكنه طُرِد من الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1970 م وذلك لانتقاداته المستمرة للاتحاد السوفياتي، و بما أنه كان عضواً في الحوار المسيحي الشيوعي في الستينيات، فقد وجد نفسه منجذباً للدين وحاول أن يجمع الكاثوليكية مع الشيوعية خلال عقد السبعينيات، ثم ما لبث أن اعتنق الإسلام عام 1982 م وسمى نفسه رجاء.

3.     لماذا يتسرّع بعض الإسلاميين و يضيّقون في رحمة الله - سبحانه و تعالى - الواسعة ويكفّرون إخوانهم المسلمين العَلمانيين الذين يطبقون على الأقل ثلاثة أركان من أركان الإسلام الخمسة ولو أن الدين لا يجزأ؟
-         ينجح التلميذ أو الطالب باستحقاق وينتقل من مستوى إلى مستوى أعلى بمجرد حصوله على معدل سنوي يساوي 10/20 أو يُسعف بالنجاح في حال حصوله على 9/20. أما التلميذ الذي يجمع ثلاثة أخماس العشرين، يكون معدله 12/20، فينجح باستحقاق.
-         يفوز الحزب في الانتخابات ويستلم السلطة بمجرد حصوله على نسبة تفوق الــ50 في المائة من أصوات الناخبين.

لماذا نكفّر إذن مواطنا تونسيا عَلمانيا مسلما لا لشيء سوى أنه طبق ثلاثة أركان من أركان الإسلام الخمسة ولم يهده الله أو لم يهتد إلى تطبيق الركنين المتبقيين: شهّد وصام وزكى (أو دفع الضريبة لخدمة الصالح العام)، لكنه لم يقم بالصلاة - و هي عماد الإسلام - لأسباب لا يعلمها إلا هو، الحي القيوم، ولم يحج، لا لأنه يرفض الحج بل لأنه لم يستطع إلى ذلك سبيلا من شدة فقره وهذه حال أغلبية المسلمين. أمهله ربه الأعلى ولم يهمله، فلماذا يتسرع المسلم الإسلامي ولا يصبر على أخيه المسلم العَلماني، التلميذ المتوسط في مادة الدين، المتحصل على معدل 12/20 في مدرسة العقيدة الإسلامية وذلك بتطبيقه ثلاثة أخماس أركان الإسلام؟ فهل المسلم أعلم من خالق المسلم والإسلام؟ صبر عليه الله خالقه طوال سنوات عمره مهما طالت أو قصُرت، ولم يؤذه بل أعطاه ومنحه الحياة، ولم يقبض روحه وهو القادر على ذلك في كل حين. تحمّل الله خليقته الكسولة أو العاصية أو الغافلة أو الرافضة أو الشاكّة أو اللاأدرية لأنه هو وحده المسؤول عنها وهو الذي خلقها على هذه الجِبلّة، وإذا لم يرعاها هو الرحمان الرحيم، فلمن يتركها يا ترى؟ أيترُكها لمن هو مثلها من البشر، مثلها في الجزع والأنانية والضعف وقصر النظر، هذا البشر الذي لو اجتمع هو و إخوانه كل البشر، فلن  يقدروا لخلقة الله تبديلا.  ضاق الإنسان بأخيه الإنسان ذرعا وقد صدق قول الله فيه: "إن الإنسان خُلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا" . لماذا نضع الشوك في طريق هداية المسلم العَلماني والله، ربنا و ربه، يقوده ببطء - لحكمة لا يعلمها إلا هو - إلى نهاية الطريق الصواب والمستقيم.
-         قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كونوا دعاة إلى الله و أنتم صامتون. قيل: كيف ذلك؟ قال: بأخلاقكم. ولم يقل بتكفير غيركم أو التشهير بهم أو تخوينهم أو التشكيك في عقيدتهم أو تحقيرهم وكرههم و نبذهم و إقصائهم من دينكم الذي هو دينهم.

الإمضاء
على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
أكتب للمتعة الفكرية وللمتعة الفكرية فقط، لا أكثر ولا أقل، ولكن يسرّني جدا أن تحصل متعة القراءة أيضا لدى قرّائي الكرام والسلام.

ملاحظة حول تحديد المفاهيم المستعملة في عنوان المقال استجابة لبعض تعليقات القراء:
الإسلامي هو مَن ينتمي إلى التيارات السياسية الإسلامية المعاصرة مثل الإخوان أو السلفيين أو حزب التحرير، أما المسلم فقد يكون إسلاميا في نفس الوقت أو علمانيًّا أو يكون فردا مسلما غير منتم سياسيا إلى التيارات الإسلامية ومنتمي عقائديا أو حضاريا واجتماعيا إلى الإسلام.


هل الإيمان بالله وراثيّ أو مكتسب؟ مواطن العالم



  
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 نوفمبر 2008.

أنطلق هذه المرّة من جزء صغير من بحث علمي شخصي، أجريته علي عيّنة تتكوّن من 275 أستاذ تعليم ثانوي تونسيّ، وذلك في إطار الإعداد لشهادة دكتورا  في اختصاص علوم التربية فرع تعلمية البيولوجيا، 2007، تحت إشراف جامعة كلود برنار بفرنسا وجامعة تونس.
 طرحت في سؤال من جملة 25 سؤال ما يلي: هل يوجد استعداد جينيّ للإيمان بالله، يورّثه الآباء للأبناء؟
 أجِب بنعم أو لا ثم علّل جوابك.

بعد فرز الأجوبة, توصّلت إلي النتائج الآتية:
78,5 % من الأساتذة أجابوا بلا و %14,3 بنعم و7,2 لم يجيبوا.
نصف المستجوبين لم يعلّلوا أجوبتهم و40 %  فسروا رفضهم لتوارث الإيمان  بتأثير البيئة التي يعيش فيها الأبناء و10 % قدّموا حججا أخري.

قبل أن أشرع في التحليل أطرح وأجيب علي سؤال قد يُسأل:
السؤال: لماذا هذا البحث من أصله والمسألة واضحة ومحسومة لدي أهل العلم بأن الإيمان مكتسب وليس وراثيّا؟
الجواب: كل العلماء يؤكدون أن لا وجود لأي مسألة علمية واضحة ومحسومة. والدليل أن نفس السؤال قد طُرِحَ في نطاق بحث علمي في أرقى الجامعات الغربية وأجابوا عليه كالتالي:
ورد في غلاف مجلة "العلم و الحياة" بعنوان: "مخّ الإنسان مبرمج للإيمان. اكتشاف الجزيء  المسئول عن  العقيدة ؟". نتابع ما كُتب في الصفحة  49 من المجلة:
-         توّصل فريق من الباحثين في جامعة سويدية إلي ربط درجة  التديّن بنسبة "السروتونين"  في المخّ  وهي إفراز عصبيّ ينقل المعلومات من خليّة عصبيّة إلي أخري وهي هرمونة مخية مسؤولة عن الإحساس بالجوع والعطش والنوم.
-          وتوصّل فريق آخر في جامعة أمريكيّة إلي ربط التديّن بما هو مكتوب  رمزيّا في جينات المتدين  لا بالمحيط الذي ترعرع فيه الشخص المتدين.
انتهى الاستشهاد بالمجلة.

بكل احترام للعلم والعلماء، أوجه سؤالين إلي الفريقين المذكورين أعلاه:
-         أولا علي أي تديّن تتحدّثون ؟ المسيحيّة أم الإسلام أم اليهوديّة أم البهائية أم البوذيّة  أم  المجوسيّة؟
-         ثانيا، أين  ذهبت  جينة  التديّن  عند الملحدين؟ هل  هي  موجودة وصامتة أم مفقودة تماما؟ ومن المسؤول علي عدم وجودها أوصمتها؟

نترك العلماء الأفاضل يواصلون بحوثهم لعلّهم يكتشفون ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب جفاء، ونعود الآن إلي بحثنا الذي بيّن أنّ أكثرية الأساتذة يعتقدون أن الإيمان مكتسب وليس وراثيّا. يقول المستجوبون أن الإيمان نابع من دور المحيط العائليّ والمدرسيّ والثقافيّ في نحت سلوكيّات الإنسان وأفكاره ومعتقداته خلال تجربته الشخصيّة في الحياة. أما الذين أجابوا بنعم فيبرّرون إجابتهم انطلاقا من نظرية الحتمية البيولوجية في إطار التفكير (أو  باراديم) المسمى "كل شيء وراثي"، الذي يؤكد على أن  كل الصفات الذهنيّة كالذكاء والإيمان بالله محدّدة مسبّقا في الجينات مثلها مثل الصفات الجسدية كلون العينين أو فصيلة الدم.

يبدو لي أن جل العلماء المعاصرين تقريبا قد أجمعوا علي أن كل الصفات الذهنيّة والسلوكيّة هي وليدة التّفاعل الدائم بين الموروث والمكتسب, أي بين الجينات والمحيط الداخلي والخارجي للخلية منذ نشأتها من اتحاد الخليتيّن التناسليّتين البويضة والحيوان المنويّ.

خلاصة القول:
الإيمان بالله هو سلوك ناتج عن إرث ثقافيّ مكتسب عبر العصور لكن لا يؤمن إلا من ورث مخّا بشرياّ لأن الحيوانات لا تدرك الأفكار المجرّدة وهمّها الوحيد هو البقاء علي قيد الحياة أطول مدّة ممكنة وإشباع رغباتها الغذائيّة والجنسيّة للمحافظة علي النوع.
نذكّر بأن الجدل العلميّ الذي كان قائما بين النسبة المئوية للموروث والنسبة المئوية للمكتسب في الصفات البشريّة وخاصة الذهنية منها، هذا الجدل العقيم  قد ولّي وانتهي وأصبحنا نقول اليوم أن الصفات الذهنية مثل صفات الإيمان بالله والذكاء والعنف هي صفات وراثيّة بنسبة 100 %  ومكتسبة بنسبة 100   % ، وذلك لأن الأسباب الوراثية والمكتسبة غير الوراثية، المسؤولة عن  تشكّل الصفات الذهنية، عديدة ومتداخلة ومتشابكة فيما بينها وتتفاعل مع بعضها باستمرار فلا نستطيع  تجزئتها أو فصلها ميكانيكيا عن بعضها البعض أو تحديد نسبة الوراثي فيها من نسبة المكتسب.


Références bibliographiques 
REVOY, N. & BOURDIAL, I. (2005). Pourquoi Dieu ne disparaîtra jamais.  Sciences & Vie, 1055, pp 47- 66
Atlan, H. (1999). La fin du « tout génétique » ? Vers de nouveaux paradigmes en biologie. Paris : Editions de l’INRA

Lexique
Prédisposition génétique : استعداد جيني مسبق
Molécule : جزيء
Code génétique : الترميز الجيني
Paradigme du « tout génétique » : إطار تفكير "كل شيء وراثي"
Sérotonine : سيروتونين

الإمضاء:
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
"الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد".
عزيزي القارئ, أنا لست داعية، لا فكري ولا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة والمختلفة عن السائد, إذا تبنيتها, أكون سعيدا جدا, وإذا نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, وإذا عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضون.



اجتهادان تونسيان مختلفان في فهم القرآن الكريم. نقل سمعي بتصرف دون تحريف مقصود لـمواطن العالَم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 13 ماي 2013.

1.     الاجتهاد الأول للشيخ "الأرتدوكسي" (1) راشد الغنوشي الذي ينتمي إلى  الإسلام السياسي أو الديمقراطي (والديمقراطية هي سياسة أيضًا)، وقد قاله أثناء محاضرة ألقاها في فضاء سينما الحمراء في مناظرة مع أستاذة الحضارة الإسلامية نائلة السليني يوم السبت 16 أفريل 2011 على الساعة الثانية والنصف بعد الزوال:
إذا أقرّينا بوجود ثوابت في الإسلام فطبيعي أن لا نراجع ونناقش الثوابت.
أركان الإسلام الخمسة من الثوابت.
الخمر حرام والزنا حرام من الثوابت.
المساواة بين الناس، مسلمين وغير مسلمين، من الثوابت.
الثوابت، معناها ثابتة الورود وواضحة الدلالة، يعني وردت في نص لا يختلف في تأويل دلالته اللغويون العرب.
الخلافة، ليست من الثوابت وهنالك حزب ينادي بهذا.
تحريم الديمقراطية، ليس من الثوابت بل هو اجتهاد.
الدين ليس قطعة من الصلصال نفصّلها كما نريد.
الدين يحتوي على قواعد صلبة حتى لو لم تكن كثيرة في القرآن.
لا تكوّن آيات الثوابت إلا 7 في المائة فقط من القرآن و الـ93 في المائة المتبقية هي آيات المتشابهات القابلة للاجتهاد والتأويل.

2.     الاجتهاد الثاني للفيلسوف غير الأرتدوكسي، يوسف الصديق الذي ينتمي إلى الإسلام الفكري (والفكر يؤثر في السياسة ويتأثر بها)، وقد قاله أثناء محادثة في التلفزة الوطنية 1، يوم الاثنين 13 ماي 2013 حوالي الساعة التاسعة صباحا في تفسير آيات المتشابهات:
القرآن كالجبل، نراه ونقرؤه ونتفكّره ونتدبّره من جميع جوانبه.

3.     محاولة لشرح اجتهاد يوسف الصديق:
القرآن رسالة للعالمين ولم يخص الله بها العرب وحدهم ولا المسلمين وحدهم.
القرآن كالجبل، نتفكّره ونتدبّره من جميع جوانبه عن طريق نظرة شاملة (Approche systémique) دون تغليب جانب على جانب إلا باستعمال آخر ما توصلت إليه العلوم الحديثة من اكتشافات وحقائق نسبية وظرفية (العلوم الحديثة هي : الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والسوسيولوجيا وعلم النفس والفلسفة والإبستمولوجيا والألسنية وعلم الأجناس والأنتروبولوجيا وعلم الأديان المقارن والأركيولوجيا والجيولوجيا... وغيرها كثير).
ولكل مسلم أو غير مسلم الحق في الحفر والتنقيب والنهل والاستفادة من هذا الجبل  ومن الجانب الذي يريحه أو يراه صالحا له، دون تغيير أي حجرة من مكانها إلا لتحليلها في المخابر العلمية المختصة مع عدم المساس بالتوازن البيئي المتوارث أو بمبدأ التنمية المستدامة وحق الأجيال القادمة في هذه الثروة الوطنية المؤممة ربانيا.
ولكل مسلم أو غير مسلم الحق في الاجتهاد وتأويل آيات القرآن من وجهة نظره دون تطاول ودون تزوير أو تعديل ودون نية سيئة مبيتة ودون شرك بالله ودون إقصاء أو تكفير غيره ممّن  ينظرون للقرآن من جانب أو جوانب  أخرى أو من فوق أو من تحت الجبل أو من قلبه.
ومَن يصرّ على رؤية الجبل من زاوية واحدة، يحرم نفسه من بهاء وجمال القمم والسفوح الأخرى، وقد صاغها حكمة شاعرنا العظيم أبو القاسم الشابي منذ قرن تقريبا، حين قال: " ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر"، لأن مَن عاش في حفرة لا يرى غير الحفرة، ومَن يصعد إلى قمة الجيل يستمتع برؤية بارونامية شاملة.

(1) تفسير كلمة أرتدوكسي
« On dira d’un sujet qu’il est orthodoxe dans la mesure où il accepte et même demande que sa pensée, son langage et son comportement soient réglés par le groupe idéologique dont il fait partie et notamment par les appareils de pouvoir de ce groupe. » Deconchy J-P

الإمضاء
"لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه" عبد الله العروي
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
الكتابة بالنسبة لي، هي مَلْءُ فراغ، لا أكثر ولا أقل، هواية أمارسها وأستمتع بها، متعة ذهنية لا تساويها أي متعة أخرى في الوجود.
تحية دائمة ومتجددة لزملائي المربين: في ألمانيا المعلمون أعلى دخلاً في البلد، وعندما طالب القضاة والأطباء والمهندسون بالمساواة، ردت عليهم ميركل: كيف أساويكم بمن علّموكم؟
قال ويليام بلوم: لو كان الحب أعمى فـالوطنية الشوفينية الضيقة الإقصائية  والمتعصبة فاقدة للحواس الخمس.
"الذهنُ غير المتقلّبِ ذهنٌ غير حرٍّ".
"الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد".
"الرجل الذي يقلّم نفسه ليُرضي الآخرين، سوف يتلاشى في القريب العاجل".
Nietzsche
Il faut frapper avec un marteau sur les mythes, non pour les détruire, mais pour les faire résonner car ils sont creux
ما أقصر العمرَ حتى نضيّعه في الهجر والجفاء بين الأحبة والأصدقاء! 





lundi 27 mai 2019

جوابان جميلان على سؤالين دينيين - ظننتهما محرجين - سمعتهما اليوم في المقهى من صديق شباب، نهضاوي قيادي بالمهجر. مواطن العالم



صديق صدوق ديمقراطي طيب ومخلص لدينه ولوطنه، وابن موطني ومسقط رأسي جمنة الحبيبة، المربي بمعاهد باريس الإسلامية الخاصة، أستاذ القرآن، السيد بكار عزوز، أحترمه كثيرا وأحبه أكثر، أطمئن في حضوره وأرتاح لرؤيته، وكيساري غير ماركسي آخذ حريتي معه في نقاش المسائل الدينية الإسلامية الكبرى دون أدنى حرج من أي نوع.

سألته بكل لطف وأدب: إذا سلّمنا بحرية الضمير وحرية المعتقد فلن يبقى موجب للجهاد بالسيف لإكراه الكفار للدخول في الدين الإسلامي؟
أجابني مبتسما كعادته: أولا، إكراه الكفار للدخول في الإسلام مُنافٍ للعقيدة الإسلامية نفسها. ثانيا، واجب على كل مسلم الجهاد بالسيف من أجل الدفاع عن مبدأ حرية العقيدة وحرية الضمير ومن أجل نشر الديمقراطية ورفع الظلم عن المظلومين. قلتُ: مثلما تفعل أمريكا اليوم! أجاب: الحكومة الأمريكية ترفعه شعارا، زورًا وبهتانًا، وتخالفه عملاً جهارًا في العراق وأفغانستان.

ثم ثنّيت بالسؤال التالي: وهل المواطن المسيحي مطالَبٌ بدفع الجزية في الدولة الإسلامية؟
قال: لا، ليس مطالبا بها البتة، هو مطالب فقط بدفع الضرائب إلى الدولة. أما المسلم، أخوه في المواطنة، فهو كمواطن مطالب كالمسيحي بدفع الضرائب إلى الدولة، ولكن كمسلم هو مجبر على دفع الزكاة إلى الدولة أيضا، لأن الزكاة هي عبادة نتقرب بها إلى الله ونتمم بها أركان الإسلام الخمسة، ولا يعفينا منها القيام بالواجب المدني المقتصر على دفع الضرائب. قد يسهو  المسلم عن صلاته أو صيامه ولا يحق للدولة إكراهه على القيام بواجباته الدينية نحو ربه، لكن من أشد وأوكد واجبات  الدولة الإسلامية إكراهه على القيام بواجباته الدينية نحو أخيه المسلم لضمان التكافل الاجتماعي ولأن الله قد يتسامح في حقه   لكنه لا يتسامح في حق عباده.

مواصلة للنقاش في مقهى آخر في يوم آخر، قلت لصديقي النهضاوي: عندما تفرض الدولة الإسلامية على المواطن المسلم دفع الضرائب ودفع الزكاة، ألا تثقل كاهله؟ قال: لا، والدليل أن في فرنسا تُفرَض ضريبة على أصحاب الثروات الكبرى زيادة على دفعهم للضرائب العادية وهي بمثابة زكاة مدنية غير عقائدية لتحقيق نفس الهدف وهو التكافل الاجتماعي في دولة إسلامية أو غير إسلامية.

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 8 أوت 2014.



حكمةٌ إسلاميةٌ رائعةٌ سمعتُهما اليومَ (8 أوت 2014) في المقهى من بكار عزوز، نهضاويٌّ قياديٌّ بالمهجرِ، صديقُ شبابٍ


قال: الإسلامُ رسالةٌ للعالمينَ، مسلمينَ وغير مسلمينَ، هو هديةٌ لهم جميعا من السماءِ. والمسلمُ مطالَبٌ بأن يبلّغَ الهديةَ إلى صاحبِها غير المسلمِ. فكيف سيهدِي أغلى هديةٍ في الوجودؤ إلى شخصٍ يَكرَهُه؟ لذلك قدرُ المسلمِ أن يحبَّ الناسَ جميعًا، يحبَّ المسيحيَّ واليهوديَّ والبهائيَّ والهندوسيَّ والبوذيَّ واللاأدريَّ والملحدَ والإرهابيَّ والمجرمَ والمثليَّ والسليمَ والسقيمَ، يحبهم جميعً لكي يستطيعَ أن يَدعوَ لهم بالهدايةِ والتوبةِ النصوحةِ دون تمييزٍ دينيٍّ أو مذهبيٍّ أو قوميٍّ أو عرقيٍّ أو طبقيٍّ، ولو خالفَ ذلك، خانَ عقيدتَه وكرَّهَ الناسَ فيها.

هل عِرقُنا ودِينُنا هما سببُ تَخلّفِنا؟ مواطن العالم



تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 4 جويلية 2012.

لماذا يلجأ المسلم المعاصر دوما إلى التباهي بعدد قليل من قدماء العلماء المسلمين، والعالم الحديث يعج بمئات الآلاف من العلماء المسلمين المعاصرين المنتجين للمعرفة في الغرب؟
لفت انتباهي أخيرا مشهد من مسرحية عرضها تلامذة بمناسبة يوم العلم في قاعة البلدية تحت إشراف فرع حزب حركة النهضة بمعتمدية حمام الشط. يحث فيه الأستاذ تلامذته على الاجتهاد وطلب العلم ويرفع معنوياتهم مذكرا إياهم بأجدادهم العلماء أمثال الخوارزمي والفارابي وابن رشد وابن سينا وغيرهم.

وددت لو قال لهم: اليوم وفي القرن الواحد والعشرين، يوجد مئات الآلاف من العلماء: نعم مئات الآلاف، أظن أنني لست مخطئا ولا مبالغا وأعني بالعالِم: الفرد المشارك في إنتاج المعرفة العلمية بالقليل أو بالكثير، والمشتغلين في مجالات البحث العلمي في الدول الغربية المتقدمة وخاصة في أوروبا وأمريكا وكندا، مئات الآلاف من المسلمين من جنسيات مختلفة، فرس وهنود وباكستانيون وعراقيون ومصريون (على سبيل الذكر لا الحصر: مصريون (أحمد زويل، جائزة نوبل في الكيمياء، فاروق الباز، عالِم جيولوجي في وكالة الفضاء الأمريكية النازا) وتونسيون (محمد الأوسط العياري عالِم جيولوجي في وكالة الفضاء الأمريكية النازا ) وجزائريون ومغاربة وأردنيون وغيرهم.

يبدو لي أن المشكل لا يكمن في الدين أو العرق أو الجنسية أو المذهب لأن العلم التجريبي المادي لا دين له (لا يعني أنه لا قِيم ولا أخلاق له، العلم ينشر قيما وأخلاقا لا تتناقض في غاياتها الإنسانية السامية مع الأديان وخاصة مع الدين الإسلامي).
ومن يدخل محراب العلم، عليه أن ينزع جبة التدين ويشمّر عن ساعد الجد والعمل ويستند ويستعين بحجج مادية قابلة للدحض والتفنيد، ولن تنفعه في هذا المحراب صلاته أو صيامه ولن ينجده كتابه المقدس (مع العلم أن القرآن والحديث يحثان على العلم والمعرفة). يكمن المشكل إذن في المحيط المادي والثقافي والسياسي المشجع للعلماء، محيط مفقود في جل دولنا الإسلامية، لذلك أرى أن اللوم يرجع على أنظمتنا السياسية أكثر مما يرجع على عرقنا العربي أو ديننا الإسلامي.

خلاصة القول:
العلم والدين - لكل محرابه - فلا يهدم الواحد منهما محراب الآخر وإذا رُمت المقام في أحدهما أو في كليهما فالدين رحب, يسكنه المؤمنون فقط وهم كثر, والعلم أرحب، يدخله المؤمنون وغير المؤمنين وهم أكثر. يبدو لي أنه من الأفضل أن لا نسجن أنفسنا في خانة الخيارات الخاطئة مثل: أنت مؤمن بنظرية التطور لداروين إذن أنت ملحد أو العكس أنت مؤمن  بالله إذا أنت لا تعترف بهذه النظرية. من الممكن أن يكون الإنسان مؤمنا بالله ويعترف بنظرية التطور أو ملحدا ولا يعترف بها. التفكير الديني والتفكير العلمي يكوّنان عالَمين مختلفين ومنفصلين ومستقلين، لا تطابق بينهما ولا تناقض، والمواجهة بينهما معركة خاسرة للاثنين. قد يلتقي الدين والعلم في علم الأخلاق (Éthique).

بصمتي الفكرية:
-         "إياكم والظلم إياكم والظلم إن الله يسامح في حقه ولا يسامح في حق الخلق إياكم والظلم".
علي حرب:
-         "إن نقد الحقيقة يجعلها أقل حقيقة...و لهذا ليست الحقيقة سوى الاعتراف بحق الآخر"، "فحقيقة الحقيقة أنها أقل حقيقة مما يدعي قول القائل".
-         "أليست ممارسة الفكر ضربا من الانشغال بالذات والاشتغال عليها وممارستها؟".
-         نحن لا نطرح الأفكار على غيرنا لكي يعملوا بموجبها، أي لكي يفكروا مثلنا ويصبحوا نسخا عنا، كما يتصور مهمته العقائدي اللاهوتي، أو كما يمارس دوره المثقف النخبوي  أو المنظّر الحداثي.. فالممكن والمجدي هو أن نطرح أفكارنا على سوانا، لكي يعملوا عليها، فيتغيروا بها ويسهمون في تغييرها بقدر ما ينجحون في استثمارها وصرفها إضافات جديدة وغنية في المعرفة والقيمة أو في الثروة والقوة.
Jean Paul Sartre :
L’Intellectuel  est une création du XIXè siècle qui disparaîtra à la fin du XXè ou du XXXè  parce qu’il est fait pour disparaître. L’homme qui pense pour les autres, cela n’a pas de sens. Tout homme qui est libre ne doit être commandé par personne que par lui-même
Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites
محمد كشكار:
-         كل ما يُقال لك نصف الحقيقة، فابحث عن النصف الآخر بنفسك.
-         على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
-         أقرأ وأكتب وأنقل وأنشر للمتعة الفكرية وللمتعة الفكرية فقط، لا أكثر ولا أقل، ولكن يسرّني جدا أن تحصل متعة القراءة أيضا لدى قرّائي الكرام والسلام.