mardi 3 décembre 2024

الرجلُ، أصابَه الوَجْدُ في الكِبرِ، عَشِقَ في نفسِ الوقتِ صبيةً فرنسيةً وعجوزًا عربيةً

 

 

-       العربية، أهلها محافظون، في صِباها خَطَبَ وِدَّها عُشّاقٌ كثيرون، عجمٌ وعربُ، بيضٌ وسُودُ، بدوٌ وحَضَرُ، مسلمون ويهودٌ ومسيحيون، هندوسٌ وبوذيون، أكرادٌ وبربرُ، فُرسٌ على أتراك على بيزنطيين على هنود على أسبان، فتنتهم بجمالها الأخّاذ، لكن لم يدخل خِدْرَها أحدٌ.

-       الفرنسية، أهلها متحرّرون، كل مَن عشقها دخل خِدْرَها ووضع على خدّها قُبلةً.

-       العربية، "ابنةُ عمّي وحبها يجري في دمّي"، سُمّيتْ عليَّ قبل ولادتي.

-       الفرنسية، لقِيتها لأول مرة وأنا عمري ست سنوات ورافقتني مدى الحياة.

-       العربية، مرافقتها للنزهة اليومية لم تعد تغري إلا عشاقها الولهانين، ولو لم يفقْ أولياء أمرها من سبات أهل الكهف لكان مآلُها كمآلِ التحف النادرة، متحف اللوفر بباريس.

-        الفرنسية، تُزين الصالونات وأفواه الحسان وعشاقها من غير ناسها متواجدون في كل مكان، أفارقة وعُربان.

-       العربية، تزوّجت، ولمدة وجيزة، كل فلاسفة الإغريق ثم طلّقتهم بالثلاث جميعًا.

-       - الفرنسية، جدّها القانون الروماني وجدتها الفلسفة الإغريقية، قاطعتْهما قرونًا، ندمت فرجع الدرّ إلى معدَنه.

-       العربية، سِنّها لا يعيبها بل يُزينها، على أقل تقدير عمرها تقريبًا عشرون قرن.

-       الفرنسية، صِغَرُها وسامٌ على صدرِها، عمرها تقريبًا خمسة قرون.

-       العربية، جدودُها كُرَماءُ، لكن النار للسف خلّفـتْ رمادًا. أما أهلها اليوم فهم بخلاء ينقصهم الجَهدُ والعطاءُ، ظلموا الفتاة حتى صارت عانسًا هفاة، خذلوها، وبجهازٍ رَثٍّ جهّزوها، وكالمومياء حنّطوها وعلى الرفوف وضعوها، ومن التثاقف حرموها، وبعنوسة أبدية أصابوها، فهَجَرَها العشاق ولولا نسبها القرآني لتركها القاصي والداني. هل عرفتموها ؟

-       الفرنسية، هجينة وأصلُها مزدوج، أما أهلها اليوم فقد صانوها وبأفضل جهازٍ جهّزوها وبكساء العقل والعلم كسوها ولعيون العالمين عرضوها وبتعدد الأزواج وعدوها. هل عرفتموها ؟

-       في النهاية، لكم مني هدية هي مفتاح الحكاية والقضية: حبيبتاي الاثنتان، العجوز والصبية، يشتركان في نفس الجذر الذي نسميه "المنطق" (لغة -logos ).

lundi 2 décembre 2024

لم أسمع في حياتي عن لغة قدّسها الله وسَخِرَ منها أهلها في الواقع ومجّدوها في كتبهم، أعني بها اللغة العربية الفصحى ضحية العرب لا غيرهم

 

 

لكي تبدع وتجدد في الأدب العربي، عليك أن تتقن لغة أجنبية: طه حسين، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، نزار قباني، محمود المسعدي، توفيق بكّار، محمود درويش...

أقولها بكل أسف: في تونس، لغتنا الأم ليست العربية الفصحى بل هي العربية الدارجة، ولغة تدريس العلوم الأولى هي الفرنسية وليست العربية.

لَولا القرآن الكريم لماتت اللغة العربية الفصحى كما ماتت زميلاتها، الآرامية واللاتينية والإغريقية.

النموذج الصادقي كان نموذجا نصف معرّب (bilingue du primaire au supérieur)، واليوم أصبح التعريب مشوها: "هربنا من القَطرة جينا تحت الميزاب".

اللغة العربية الفصحى، ساهم في صقل نحوها وصرفها وانتشارها العرب والعجم (فُرس، تُرك، هنود، إلخ). اليوم تخلى عنها الأعاجم وهجرها أهلها.

انطلاقًا من تجربتي مع ترجمة مقالات جريدة "لوموند ديبلوماتيك"، أقترح تدريس الترجمة في الثانوي كمادة مستقلة من قِبل أساتذة يتقنون اللغتين.

اللغة العربية الفصحى، رحمها الله ولم يرحمها أهلها.

قال لي: كيف تقول أنك تعشق العربية وتعلق على تدويناتك بالفرنسية ؟

99%من مقالاتي منشورة بالفصحى فاعذروني في الـ1% خصصتها للفرنسية اعترافا بجميلها عليّ.

اليوم (8 أفريل 2015) ألقيتُ محاضرةً في مركز تكوين المتفقدين بقرطاج تحت عنوان "بعض أسباب النقص الفادح في مستوى اللغة العربية الفصحى لدى تلامذتنا التونسيين"

 

 

المكان: المركز الوطني لتكوين المكونين في التربية بقرطاج (CENAFFE).

الزمان: 7-8 أفريل 2015. أنا حضرت يوم 8 أفري. فقط.

الحضور: 25 منهم 6 نساء.

الجهة المنظِّمة: cifop Formation (شركة خاصة) وبعض المؤسسات الجامعية التونسية والأجنبية.

عنوان الملتقى: "اللقاء التمهيدي للملتقى الإقليمي حول تدريس العلوم في المنظومات التربوية العربية".

الأجر: إعجاب الحضور بما قدمتُه من نقد رغم عدم رضا المنظمِين الظاهر على وجوههم. بعد انتهاء كلمتي، أقبلَ المشاركون على أخذ كل نسخ المحاضرة المكتوبة الـ23، لم يأخذ منها الدكتور الجهبذ عبد الله محمد خطايبة ورئيس الجلسة وهو مهندس فعذرُه معه.

انطلق برنامج اليوم العاشرة صباحا وانتهى الثانية بعد الزوال بغداء سَمَك "وَرَقَة" في مطعم المركز.

افتتح الندوة الأستاذ الدكتور عبد الله محمد خطايبة، أستاذ في مناهج العلوم وأساليب تدريسها بجامعة اليرموك بالأردن. عنوان محاضرته "واقع تدريس العلوم في الوطن العربي: فاعلية المناهج وجودة المُخرَجات.."

ملاحظاتي حول هذه المحاضرة:

-  أطوَل محاضرة سمعتها في ملتقى علمي، ساعة وعشر دقائق.

  - شرائح معروضة محمّلة بنص غزير.

- من الدرر العلمية التي تفضل بها جلالته: "الغرب يعرّف التربية عل أنها إعداد الطفل للحياة الدنيا. هذا تعريف استعماري، ونحن نعرّفها على أنها إعداد الطفل للحياة الدنيا والآخرة، نعدّه ليوم القيّامة واستشهد بآيات قرآنية.. ثم قال: "لا يوجد في كتب العلوم العربية جملة واحدة تشير إلى عروبة الأمة وإسلامها.." عرّفَ البحث العلمي كالآتي: "الرضيع يبحث على ثدي أمه مباشرة بعد ولادته فهو إذن عالِم فتي". أعجبني إثارته لموضوع تدريس أخلاقيات العلوم لكنني خالفته في استعمال المصطلح وطرحتُ تدريس القِيم العلمية الكونية كالأمانة العلمية في النقل عن الآخرين وتَقاسُم المعرفة مع الجميع دون تمييز والعمل الجماعي وغيرها.

أما محاضرتي أنا فقد دامت رُبع ساعة وناقشها الحضور لمدة ساعة: سلبا (1)، إيجابا (4) وحيادا (4). لقد سبق أن نشرتها كمقال على الفيسبوك يوم الأحد 28 مارس 2015، واليوم 8 أفريل أعيد نشرها احتفاءً بإلقائها في ملتقى تربوي:

أعتذر منكم مسبقا أيها الأعزاء والعزيزات إن بدا في كلمتي تهجّم على اللغة العربية فنيتي طيبة وهدفي من وراء النقد التالي والله نبيلٌ، ربما تغفرون لي هناتي لعدم تخصصي في اللغة الشعرية الجميلة، لغة القرآن ولغتي المفضلة التي أحبها بل أعشقها وأكتب بها إراديا جل مقالاتي الفيسبوكية وأعتز بالانتماء إلى حضارتها القديمة والحديثة وثقافتها المتنوعة والمتحررة وتراثها الغني بالكنوز الفقهية والأدبية والشعرية.

الجمل الواردة بين ظفرين في كلمتي اقتبستُها من المقال التالي: اللغة العربية الفصحى لدى المتمدرسين – تحليل الواقع واقتراح الحلول/مثال الجزائر، بوطيبة جلول، جامعة بن باديس - مستغانم، كتابات معاصرة، صفحة 119، العدد 88، المجلد 22، ماي-جوان 2013.

 بوطيبة جلول تناوَلَ بالتحليل إشكاليات اللغة العربية الفصحى في الجزائر. أما أنا فسأتناول بالنقد مستوى اللغتين الرسميتين الأجنبيتين الاثنتين المعتمدتين في كل المراحل التعليمية التونسية مع اللغة العربية الفصحى التي أعتبرها للأسف الشديد لغة غريبة في تونس وربما تكون في وطنها أكثر انبتاتا وغربة من الفرنسية خاصة في أوساط المثقفين. يبدو لي والمختصون في العربية أعلم مني أن الفرنسية هي اللغة الأولى في التعليم العلمي التونسي خاصة في مرحلتيه الأخيرتين الثانوية (كل المواد العلمية تُدرّس بالفرنسية) والجامعية (كل الشعب العلمية في الجامعة دون استثناء تدرّس بالفرنسية) والفرنسية هي لغة الأنترنات عندنا بعد الأنڤليزية وقبل العربية لدى المُبحِرين افتراضيا وهي لغة التجارة لدى الحِرفيين والمستهلكين (خاصة لدى تجّار المواد الحديدية والصحية وقطع الغيار والأثاث العصري والآلات الكهرومنزلية والمواد الفلاحية من أسمدة وأدوية وآلات و"ماركات" الأغذية المعلّبة كبسكويت "ڤوشو" وحليب "ديليس" وعصير "تروبيكو" وغيرها من الأسماء الأجنبية الدخيلة التي لا تُحصى ولا تُعد) وهي لغة البحث العلمي عندنا في تونس بعد الأنڤليزية وهي لغة الأدب العالمي والتاريخ العربي الذي أثراه المستشرقون بدراساتهم وبحوثهم القيّمة ولغة الفلسفة الحديثة ولغة المخترعين المبتدئين في تونس.

1.  أبدأ بالتذكير بالأوهام الأربعة السائدة لدى العرب حول لغتهم العربية الفصحى:

- الوهم الأول يتمثل في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغةً-أم (Langue maternelle) والواقع المعيش يرشَح بغير ذلك، فاللغة الأم هي اللغة العربية الدارجة المتداولة باختلاف لهجاتها في الدول العربية الاثنتان والعشرين.

- الوهم الثاني يتمثل في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغة حضارة عالمية، كانت كذلك في القرون الهجرية الثلاثة الأولى (القرن السابع والثامن والتاسع ميلادي) وبقيتْ بعضُ جمرات نارها تنير دربنا حتى القرن السادس هجري (الثاني عشر ميلادي) ثم انطفأت آخرها مع موت الفلسفة الناطقة بالعربية مع موت ابن رشد سنة 1198 ميلادي.

- الوهم الثالث يتمثل في اعتبار اللغة العربية الفصحى المعجمية المستعملة اليوم لغة قادرة على تعريب واستيعاب مصطلحات التكنولوجيا. رفض النحويون العرب الأوائل إثراء لغتهم الفتية بتبني مصطلحات الحِرَفِيين الأعاجم (فرس وأتراك وبربر وغيرهم من الدول المفتوحة عنوة بحد السيف) بدعوى المحافظة على شاعريتها وصفائها وعذريتها فكيف ستقدر على فعل ذلك وقد هرمت اليوم، لكنني في الوقت نفسه -وقد ييدو موقفي هذا للبعض متناقضا- لا أشك لحظة في مستقبل القدرة الاشتقاقية المحتملة للغة العربية الفصحى في تعريب واستيعاب مصطلحات التكنولوجيا الحالية والقادمة لو توفرت المبادرة الشجاعة لدى اللغويين المختصين العرب لتحديث لغتنا وتحيينها وعصرنتها.

- الوهم الرابع يتمثل في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغة حية معاصرة. كيف تكون حية ومعاصرة، لغة يحتقرها أصحابها ويتباهون ويتجمّلون بالتكلم بمنافِساتِها الأجنبيات، لغة لا ينتج مستعمليها علما ولا تكنولوجيا ولا فنا راقيا ولا يمثلون وزنا في الاقتصاد العالمي إلا كمصدِّرِين سلبِيّين للنفط الخام. والله لو لم تكن لغة القرآن والشِّعْر لَمَاتت واندثرت وورثتها وعَوّضتها اللغة الدارجة منذ قرون كما ماتت قبلها اللغة اللاتينية وعوضتها تدريجيا اللهجات الدارجة كالفرنسية والإيطالية في بداية القرن الرابع عشر ميلادي (الانجيل كُتب لأول مرة بالآرامية، لغة المسيح عليه السلام، لغة ماتت منذ زمان ولا يستعملها اليوم إلا بعض الباحثين أو سكان قرية معلولة بالاضافة إلى قريتين أخريين في سوريا.

2. بعض أسباب تدني مستوى العربية لدى تلامذتنا التونسيين:

- "عند التحاق الطفل بالمدرسة لأول مرة ينتقل من الوسط الأسري وله في جعبته من المكتسبات رصيد لغوي لا بأس به من اللغة يستعمله في تواصله اليومي للتعبير عن حاجته واهتماماته، وهذا يُعد عاملا مساعدا على اكتساب اللغة العربية الفصحى. ورغم ذلك لا يجد سهولة في التحدث أو التحرير بالعربية الفصحى."

أنا أقول: ربما بسبب ذلك وليس رغم ذلك، يعني أن هذا الرصيد اللغوي غير الفصيح والفقير فقر الدارجة (حسب إحدى المختصات في اللغة: تحوي الفصحى على ستة عشر ألف مفردة أما الدارجة فلا تحتوي إلا على ثلاثة آلاف مفردة فقط) قد يكون عاملا عائقا وليس عاملا مساعدا كما يرى الكاتب بوطيبة جلول من جامعة بن باديس في مستغانم بالجزائر. يأتي الطفل التونسي إلى المدرسة وهو يتكلم جيدا العربية الدارجة التونسية فيجد نفسه مبتدئا في تعلم الفصحى ويُفاجأ بـ"السردوك" قد أصبح بالفصحى ديكًا و"القطوس" أضحى قطَّا.

- "تَساهُل المعلمون أنفسُهم مع اللغة العربية عند مخاطبتهم للمتعلمين أو التواصل معهم أثناء العملية التعلمية باعتبار أن اللغة محاكاة وتقليد الطلاب لأساتذتهم، فما بالك بذلك الطالب الذي يرى أستاذه لا يتحكم في اللغة ؟".

أنا أقول: منذ تعريب تدريس العلوم في التعليم الأساسي (الابتدائي والإعدادي)، قررت وزارة التربية التونسية تدريسها بالعربية الفصحى، لكن رغم وضوح التعليمة الوزارية لا يزال بعض معلمينا وبعض أساتذتنا يستعملون الدارجة في القسم بدعوى مساعدة التلميذ على فهم العلوم وكأنّ العلوم لا تحتاج إلى وعاء العربية الفصحى (للأسف الشديد في واقعنا العلمي التونسي، لا يحتاج المختص في العلوم للفصحى ولا للدارجة لأنه ببساطة يدرس كل العلوم بالفرنسية في الثانوي والجامعة) والمفارقة أن الامتحانات تُكتب بالفصحى ولا تُفسر بالدارجة في أول الامتحان داخليا كان أو وطنيا وهذا التمشي الخاطئ المتّبع من قِبل بعض مدرسينا قد يضرّ بالتلميذ ولا ينفعه البتة. امتد هذا الاستخفاف العام باللغة الحاوية والناقلة للعلم سواء كانت الفرنسية أو العربية ووصل إلى الفرنسية التي تُدرّس بها رسميا العلوم في التعليم الثانوي، والمتهم الرئيسي -حسب رأيي- هو مدرس العلوم في الثانوي الذي يتحتم عليه رسميا تدريسها بالفرنسية لكن بعضهم فضّل تدريسها بالعربية الدارجة لنفس الأسباب الواهية التي يتحجج بها مدرسو العلوم في التعليم الأساسي. زد على ذلك أن هذا التمشي أضرّ بتعليم اللغة نفسها أكثر من ضرره بتعلم العلوم لأن تعليم اللغة العربية أو الفرنسية هو مسؤولية يتحملها مدرّس العلوم كما يتحملها مدرّس اللغة.

- "أسباب من خارج المحيط المدرسي: 1 - الدور السلبي الذي تلعبه الفضائيات العربية الوطنية والإقليمية حيث أن أغلب البرامج المحببة لدى الأطفال والمسلسلات والحصص المتنوعة تقدَّم باللهجات أو بالعاميات أو بلغة عربية هابطة، رغم أن هناك قنوات أجنبية بريطانية وروسية وحتى صينية تبث بلغة عربية راقية. 2 - رؤية الشارع العربي إلى كل مَن يتكلم العربية الفصحى في الشارع أو في البيت بنظرة غير لائقة."

أنا أقول: إضافة إلى الأسباب الداخلية مثل السياسة التربوية التونسية الفاشلة منذ ثمانينات القرن الماضي أو التكوين الناقص الممنهج لرجال التعليم ونسائه المتمثل في إلغاء مدارس ترشيح المعلمين والأساتذة، نجد أيضا أسبابا خارجة عن الوطن نفسه ونذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: اللغات العالمية المنافسة كالفرنسية والأنڤليزية وما تحمله وراءها من مصالح استعمارية ثقافية واقتصادية واِملاءات البنك العالمي والدول المانحة وتأثيراتهم السلبية المحتملة على المنظومة التربوية التونسية.

- "اللغة الوطنية والرسمية وهي من أهم وسائل الارتباط الروحي بين أبناء الوطن والأمة والمقوّم الأساس للشخصية الجزائرية".

أنا أقول: أتفقُ مع الكاتب في المضمون لكن أسأله: هل اللغة العربية الفصحى تمثل اللغة الوطنية والرسمية في البلدان العربية ؟ حسب رأيي المتواضع علميا، يبدو لي أن اللغة الوطنية هي العربية الدارجة بلا منازع أما الفصحى فهي لغة رسمية لكنها ليست وطنية لأن الشعب لا يستعملها في حياته اليومية بل يستعمل الفرنسية أحيانًا أكثر منها.

- "إننا نركّز على تحسين مستوى العربية لأن المسألة تُعد في ضوء التربية الحديثة وسيلة تواصل وتفاهم، لذا يجب على المتعلم أن يعرف بأنه يتعلمها لأنه في حاجة ماسّة إليها في حياته".

أنا أعلّق قائلا: لو كان المواطن العربي الدارس وغير الدارس في حاجة ماسة للعربية الفصحى كما يؤكد الكاتب مجانا لأقبل عليها وتعلمها إن لم يكن من باب الأصالة الإسلامية أو القومية العربية فعلى الأقل يتعلمها ويتقنها من باب المصلحة والمنفعية والبراڤماتية والأنانية. لكن الواقع المعيش يقول عكس ذلك حتى في الجزائر نفسها أين يُدرّس علم الطب باللغة الفرنسية فيتيه طالب سنة أولى طب ويشقى في تصفح المراجع الفرنسية بسبب دراسته العلوم باللغة العربية من السنة أولى ابتدائي إلى غاية الباكلوريا على مدى ثلاثة عشر سنة متتالية، يتحصل على الباكلوريا علوم بملاحظة جيد جدا وهو لا يتقن اللغة الفرنسية ولا يمتلك زادا لغويا علميا بالفرنسية، أصبحت اللغة العربية لديه إذن عاملا عائقا وليس عاملا مساعدا في دراسته الجامعية في اختصاص الطب وقِس على هذا المثال وعمِّمه على كل الاختصاصات العلمية المدرّسة بالفرنسية في التعليم الجامعي الجزائري وما أكثرها. أما عن مدرّسي العلوم بالعربية في التعليم الأساسي والثانوي الجزائريين والمتعاونين الشرقيين المعرّبين، فعن حالهم المعرفي من الأفضل ألا تَسَلْ، جلهم لا يتقن الفرنسية ولا الأنڤليزية ولا توجد مراجع أو مجلات علمية معتبرة مكتوبة بالعربية ولا يستطيعون الاطلاع على النشريات العلمية الحديثة الصادرة باللغات الأجنبية فتصبح العربية عائقا في طريق تكوينهم الذاتي مما يؤثر سلبا على مِهَنيتهم ويترك نقاط ضعفٍ في تكوين تلامذتهم. يحدث الاستثناء ويتحسن المستوى اللغوي لأولاد العائلات الغنية الذين يتابعون تعليمهم الأساسي في بعض المؤسسات التربوية الخاصة باهظة الثمن التي تعتمد البرنامج الفرنسي في تدريس اللغة الفرنسية والبرنامج الأنڤليزي في تدريس اللغة الأنڤليزية.

لنأخذ مثلا تونسيا: يبدو لي أن الطبيب التونسي الذي لا يتقن العربية الفصحى تعبيرا وكتابة لم يفقد شيئا يندم عليه أو يتحسر ولن يحس في حياته بأي نقص، يخاطب مرضاه بالدارجة أو بالفرنسية، يكتب وصْفته بالفرنسية فيقرؤها أي صيدلي من بنزرت إلى بنڤردان، يشارك في المؤتمرات ويلقي محاضراته بالفرنسية أو الأنڤليزية، يقرأ ويطّلِع على أحدث المجلات الطبية بالفرنسية، يكتب وينشر مقالاته باللغات الأجنبية، فبماذا ستساعده العربية الفصحى لو كان يتقنها ؟ ربما بالعمل في الخليج أو إلقاء محاضرة في مؤتمر علمي عربي في السعودية أو في اليمن السعيد !

لنأخذ جدلا مثلا آخر دون تعميم غير علمي:  يبدو لي أن المثقف العربي الذي درَس اختصاصه بالعربية الفصحى والذي قد يكون لا يحذق لغة أجنبية فلن يجد في متناوله إلا إنتاجا علميا ضحلا -هذا إن وُجِدَ- فمآله التقوقع داخل تاريخه العرقي والديني أو استحضار الماضي المجيد للحضارة العربية الإسلامية. وهمٌ قد يمنعه من بناء حاضره واستشراف مستقبله. كسلٌ فكريٌّ قد يُعَدّ من أحد الأسباب التي جعلت العِلم يهجر لغتنا وديارنا إذْ لم يجد في اللغة العربية وعاءً أو حاملاً فذهب يبحث عن أوعية تحمله في لغات أخرى في بلدنا أو في بلدان أجنبية.

إمضائي

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

ملاحظة هامة:

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 8 أفريل 2015.


 

الديمقراطية الإسلامية فكرة صحيحة حسب مالك بن نبي والمسلمون المعاصرون حوّلوها إلى فكرة غير ناجعة. ترجمة مواطن العالَم

 


كانت صحيحة وناجعة في عهد الخلافة الراشدة أما اليوم فهي كفكرة ما زالت صحيحة لكنها أصبحت غير ناجعة والدليل جل البلدان الإسلامية المعاصرة هي بلدان غير ديمقراطية بالمفهوم الإسلامي ("ولقد كرّمنا بني آدم" - قرآن) وبالمفهوم الغربي أيضًا (تسودها جلها ديمقراطية شكلية تتمثل في انتخابات مزوّرة وغير شفّافة وتغيب فيها الحريات الفردية مثل حرية التعبير والنشر وحرية الضمير وحرية التنقل وتتشابه في عدم احترام الأقليات العِرقية والدينية والمذهبية ولا يتمتّع فبها المواطن المسلم بأقل حقوقه الأساسية كالحق في التعليم والصحة والكرامة ولا تحترم حق المرأة في المساواة مع الرجل في الحقوق وليس في الواجبات، إلخ).
وجب على المسلمين المعاصرين أن يُعِيدوا للديمقراطية الإسلامية نجاعتَها أو في حالة أضعف الإيمان يتبنّوا الديمقراطية الغربية بِـغثها وسمينها، فوجود الثانية أهوَن على المواطن المسلم من غياب الاثنتَين.

Idée inspirée de « Le problème des idées dans le monde musulman », Malek Bennabi, éd. Albouraq, Beyrouth 2006, 168 pages, Prix : 12 euros.

تاريخ أول نشر على حسابي الفيسبوكي: حمام الشط في 2 ديسمبر 2024.

dimanche 1 décembre 2024

اقتراحٌ ودي موجه لأزواج النساء الكادحات في شؤون المنزل دون أجرٍ ؟

 


يبدو لي أن الزوجة التي لا تشتغل خارج المنزل تحتاج إلى "مصروف جيب" (Argent de poche) لحفظ كرامتها من ذُلِّ سؤال زوجها الموظف ثمن التنقل أو ثمن ديودوران. فهي في أشد الحاجة إلى مبلغ متواضع تنفقه فيما تشاء ولا تُسأل في ماذا أنفقته.

على الزوج إذن أن يخصص لها شهرية متواضعة تسترها وتحفظ لها كرامتها: شهرية يقتطعها من مرتبه وتساوي عُشر مرتبه فقط، فلا تنزعجوا أيها الأزواج الفقراء المحترمون الموظفون الكادحون الذين كلما زادت سنوات عملكم زاد فقركم أما الأغنياء فهُم عن هذا الإجراء بطبيعتهم أغنياء.

تدقيق: مصاريف علاج ولباس الزوجة تُقتطع من شهرية الزوج.

ملاحظة: لو لم أكن أطبق أضعف الإيمان هذا ومنذ سنوات، لَمَا اقترحتُ مأسسته على غيري والعُشر يُمنح لها بغض النظر عمَن يتصرف في ميزانية البيت، هو أو هي.

أمَا آنَ للنساء أن يَنتزعْنَ المُلْكَ من الرجال ؟

 


يبدو لي أن كثيرًا من الصفات البشرية غير المؤاتِية 

(défavorables) 

التي طوّرها الانتقاء الطبيعي الدارويني 

(La sélection naturelle) 

واحتفظت بها جيناتُنا (ADN) إلى اليوم، هي صفاتٌ ذكوريةٌ سلبيةٌ.

1.     النضالُ السياسيُّ في تونس هو بالأساس صفةٌ ذكورية:

جلُّ النضالِ السياسيِّ في تونس ضد بورڤيبة وبن علِي قام به الرجال، وبعض النساء اكتفَين بمعاضدة أزواجهن وأبنائهن وزيارة السجناء منهم، مساندة فعّالة ومهمة. في عالَم الحيوانات، يتقاتل الذكور من أجل حيازة الإناث المرغوب فيهن، أما الإناث:

-         فيحمين صغارهن (وهو دورٌ مهمٌّ جدًّا جدًّا في تطوير شبكة الخلايا العصبية في أمخاخ الصغار وذلك عن طريق رعايتهم وتدريبهم الأوّل بعد الولادة: "الأمّ مدرسةٌ إذا أعددتَها *** أعددتَ شعباً طيب الأعراق، (حافظ إبراهيم).

-         أو يتفرّجن على هذه المبارزات الذكورية التي تُقام بسببهن، والذَّكَرُ القوي هو الذي يفوز بأفضل الإناث كي يورّثهنّ جيناتَه المميّزةَ بهدف تأبيدِها. هل يكون الفوزُ في المعارك هو واجبٌ جينيٌّ ذكوري ميّزه الانتقاء الطبيعي وطوّره عبر ملايين السنين (طيلة 6-7 مليون سنة منذ بداية ظهور أسلاف الإنسان)

(Les hominidés)

لكن لو كان الرجل ذئبًا لأخيه الرجل فالمرأة أكثر ذئبية لأختها المرأة دفاعًا شرسًا عن صغارِها !

 2.     في جل الحضارات، تُعامَلُ النساء كجنسٍ ناقصٍ مقارنةً بالرجال:

إخضاعُ النساءِ من قِبل الرجالِ، إخضاعٌ مدعومٌ طبيعيًّا وجينيًّا من قِبل الانتقاء الدارويني، إخضاعٌ وقع تأبيده في عديد المجتمعات عن طريق العُرف والعادات والتقاليد والأخلاق، خاصة في الحضارات التوحيدية الثلاث أي اليهودية والمسيحية والإسلام.

 موقف الإسلام من المرأة يختلف كثيرًا بل يتناقض أحيانًا مع موقف المسلمين منها:

لا يغرنّكم تغليفُ "إخضاعُ النساءِ" بكلمة الحق التي استعمِلت في الباطل: عندما تُحاورُ إسلاميًّا تونسيًّا حول حقوق المرأة المهدورة في الواقع اليومي المعيش، يصفعك بالقولة الجاهزة: "الإسلامُ كرّم المرأة". أجيبُه: صحيح، الله في القرآن كرّمها، أما أنتم الرجال المسلمون فقد مسحتُم بكرامتها الأرضَ على مدى 14 قرنًا، إلا مَن رَحِمَ ربي وهم قلةٌ قليلةٌ. وخير دليلٍ على وجاهة طرحي: لاحظوا غيابَها في المراتب الدينية الإسلامية كالإمامة والرئاسة والقضاء مثل غيابها في البابوية المسيحية أو الرِّبية اليهودية. (مصدر إلهامي في هذا الموقف هو كتاب الشيخ راشد الغنوشي، "إرهاصات الثورة"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015، 277 صفحة. كُتِبَ بين 1999 و2014).

على حدّ علمي فإن الديانات التوحيدية الثلاث تُحمّل حواء مسؤولية خروج آدم من الجنة.

مالك بن نبي قال ولا قول بعد قوله: "ليس الإسلام هو الحضارة، الإسلام وَحْيٌ نزل من السماء بينما الحضارة لا تنزل من السماء وإنما يصنعها البشر عندما يحسنون توظيف ملكاتهم" (ص 109 من نفس المصدر السابق)، ثم أضافَ: "كل باحث في طريقه إلى القرآن تتعثر أقدامه في المسلمين. تمنيت لو لم يكن هناك مسلمون أصلاً بمن فيهم شخصي. كلمة غيور غاضب" (ص 114 من نفس المصدر السابق).

في تونس اليوم، قليلٌ جدًّا من النساء يتبوّأن مناصبَ عُليا في الدولة رغم تفوقهن عدديًّا ونوعيًّا في التعليم الثانوي والجامعي وفي البحث العلمي. هذا الحيفُ هو من صنيع الرجال التونسيين المسلمين العنصريين ضد المرأة، والقرآنُ بريءٌ من تأويلات الفقهاء الرجعية. أما القلة من النساء التونسيات البارزات فيَحوم حول بروزهن السؤال التالي: هل برزن بجهدهن الخاص أو بفضل التناصف المفروض علينا من الغرب أو بفضل محاكاة نضالات الرجال من أجل المحاكاة ؟

عالَمُ اليوم ما يزال في أغلبه عالَمٌ رجاليٌّ حتى في الغرب، غربٌ صانعٌ للسلاح ومصدِّرُه، غربٌ متفوقٌ علميًّا وتكنولوجيًّا ومتخلفٌ إنسانيًّا. لا نستطيعُ أن نتنبّأ إذا كان هذا الوضعُ المستورَدُ حاملاً للأملِ أو قابرًا له ؟  ليس مضمونًا البتة أن وَضْعَنا في تونس سيتحسّن لو حكمتنا النساءُ ؟ لكن في الآخر أقول أنهنّ يستحقِقْن أن نمنحُهن فرصةً للتجريب، لكن تبقى المشكلة في معرفة كيف سينتزعْن المُلْكَ من الرجال دون أن يتصرّفْن بدورهنّ مثل الرجال، أي بعنفٍ وعُدوانيةٍ ذكوريتَين، صفتان ليستا مكتوبتَين في جيناتهنّ، وهذا من حسن حظنا وحظهن ؟

3.     تواجُدُ النساء التونسيات اليوم في المصعد الاجتماعي هو ظاهرة اجتماعية صحية وواعدة بمستقبل أفضل لتونس:

حتى ولو كان وضع المرأة اليومَ هشًّا (عادة ما لا تُمكَّنُ حتى من منابِها الشرعي في الإرث)، فإن التوجهَ العام الحالي قد يكون واعدًا ومشجعًا ومبشِّرًا بمستقبل أفضل للمرأة التونسية، أفضل على الأقل من نظيراتها في العالَم العربي. أصبحت المرأة اليومَ تعمل وتشارك في الحياة الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية ولو باحتشامٍ كبيرٍ، وأصبح بعض الرجال يساعدون زوجاتهم الموظفات في أعمال المطبخ، ومما يُفرح أكثر أن نسبة محترمة من التونسيين أصبحت تؤمن ولو باللسان بالمساواة التامة في الحقوق بين الرجل والمرأة وليس في الواجبات. مكسبٌ هامٌّ ومدسترٌ، أضيفَ سنة 2013 إلى حقوق المرأة السابقة المقنّنة في مجلة الأحوال الشخصية منذ سنة 1957، مثل منع تعدد الزوجات. 

 خاتمة:

لم يبقَ للنساء إذن من حلِّ سوى إعلانُ الجهاد على الجينات الرجعية الجندرية الذكورية المتخلفة والمتواجدة عند الرجال أكثر من النساء، وذلك عن طريق تبنّي عِلمٍ -نسبيًّا جديد (عام 70)- اسمه "ما فوق الوراثي" أو "ما بعد الوراثي"

(L`épigenèse cérébrale, sujet de ma thèse de doctorat en didactique de la biologie, UCBL1, 2007)، 

ويُسمّيه الأكاديميون "التخلّق" أي ما ينبثق من صفات ذهنية بعد التفاعل بين الموروث والمكتسب أو بين الجينات والبيئة المحيطة بها داخل الجسم وخارجه 

(Interaction entre l`inné et l`acquis ou entre les gènes et l`environnement). 

علمٌ واعدٌ أو نضالٌ علميٌّ ضد طبيعة جيناتنا المتخلفة التي "تعزز اللحمة داخل مجموعة بشرية ضيقة كالقبيلة أو الموطن" وفي نفس الوقت "تعزز العداوة للمجموعات البشرية الأخرى كالأجانب" (مثال: عرب\يهود)، نضالُ ثقافيٌّ مكتسبٌ ضد الطبيعي الموروث (Culture contre Nature)، نضالٌ يربّي النفسَ، يدرّبها، يصقلها، يهذبها.. يهذبها بالدين، بالفلسفة، بالموسيقى، بالتصوّف، بالرقص.. الوسيلة لا تهم، ما دامت نبيلة وتسعى لتحقيق غاية أنبل، نضالٌ أفضل وأنجع ألف مرة من "النضال السياسي".

"النضال السياسي" هو أكبر خدعة استوردناها من الغرب، والدليل على وجاهة طرحي: ما إن يتسلم المعارضون المناضلون السلطة حتى يظلمون ويقوم ضدهم مناضلون آخرون والشعب دومًا هو الضحية الوحيدة، ولا فرق عندي بين الحكّام الظلمة، رأسماليين كانوا أو شيوعيين أو علمانيين أو إسلاميين أو قوميين.

 ملاحظة: جُلُّ أفكارِ المقالِ هي أفكارٌ مستوحاةٌ من الكتابِ التالي، ص 218-221:

Livre : Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

 إمضاء مواطن العالَم: رجلٌ يحترمُ المرأةَ، يُحبُّها، يُجِلها ويَعشقُها في أمه وابنته وأخته وحبيبته.