samedi 4 mai 2024

تطبيق أحكام الشريعة أو المساواة الحداثية في تقسيم الإرث بين المرأة والرجل ؟

 

أمي، يامْنة بنت احْمِدْ، رحلت سنة 1993 ولم تترك لنا شيئًا، ما عدى ذكراها العطِرة. وما أبهاها من ذكرى، وما أعذبها ! وهل ملكت أمي شيئًا في حياتها حتى تورِّثه لنا بعد مماتها ؟ ملكت قلوبَنا، والقلوبُ عادةً لا تُورَّث (إلا في حالات التبرع بالأعضاء، قلبٌ سليمٌ مات صاحبه للتو، يرثه مريضٌ ينتظر الفرجَ). تركتْ لنا كنزًا من الحنان، حنانٌ لو قُسِّم على الخليقة بالتساوي لكفاها جميعًا، أما الإرث المادي فقد تركتْ لنا منه صِفرًا، والصفرُ عددٌ لا يُقسَّم بالشرع ولا بالحداثة !

المعذرة... نسيتُ... ماذا نسيتُ ؟ أمي تركتْ كنزًا ! لا أسخرُ ! حاشا أن أسخرَ من أمي، تاجُ رأسي والمُضحِّيةُ من أجلي وإخوتي وأخواتي بعد فقدان أبي وأنا في الخامسة عشرة من عمري. قبل وفاتها، أوصت بتقسيم كنزِها بالتساوي بين جارتَيها. كنزُها يتمثل في أربعة أوتادٍ حديديةٍ للمنسج، (وهذا هو كل ما ورثت عن والدَيها) و"عَدِيلة" (قفة كبيرة من الحلفاء). بالأوتادٍ الأربع، كانت أمي تحضّر الغزلَ لـ"مِنسِجْها" لصنع الحولِي (برنس الليبيين، أبيعه أنا في سوڤ الخميس بدوز بثمانية دنانير قي الستينات من القرن 20). هذا النشاط كان مصدر رزقها ورزق الباقين في الدار (ثلاثة أولاد تلامذة وأخت ضريرة) على مدى عقدَين من الزمن الصعب، كان عصرًا جميلاً بوجودِها. أما "العديلة" فكانت تجلبُ فيها العشبَ الأخضرَ لـ"شويهاتها" الخَمس. أوصت بالأوتادِ الأربعة لجارتها على اليمين، للت الزينة بنت غنوة، و"العديلة" لجارتها على اليسار، للت امْنِي بنت احْمِدْ.

أما أبي، بَايْ زمانه، فقد رحل سنة 1967 وترك لنا من الإرث المادي (حوش عربي آيل للسقوط، وعشرون نخلة وبهيمة شارِف). فهل هذا الإرثُ قابلٌ للقسمة ؟

خاتمة: علاما تتخاصمون أيها المشرِّعون ؟ الفقراء لا إرث لهم أما الأغنياءُ، فثروتهم عادةً ما يكون مصدرُها الاستغلال، والاستغلالُ حرامٌ شرعًا وممنوع قانونًا. وهل يجوز تقسيمُ الحرامِ بالحلالِ ؟

 


تعليقٌ حول الشعارات التي رُفِعَت في بريطانيا خلال المظاهرات المساندة لفلسطين أو لإسرائيل. ترجمة دون إضافة، مواطن العالم

 

 

-       مناصرو فلسطين رفعوا شعار "من النهر إلى البحر، فلسطين سوف تصبح حرة". شعارٌ اعتبره مناصرو إسرائيل شعارًا ضد السامية وفهموه على أنه نفيٌ لحق الوجود لدولة إسرائيل. ردّ المناصرين وقالوا: "لا بل هو دعوةٌ للمساواة بين الشعبَين، الفلسطيني والإسرائيلي، وليس نفيًا لحق الوجود لدولة إسرائيل".

-       مناصرو إسرائيل رفعوا شعارَين "الحق لإسرائيل في الدفاع عن كيانها" و" الحق لإسرائيل في الوجود كدولة مستقلة" لكنهم في الشعار الأول لم يحددوا بأي طريقة ستدافع إسرائيل عن نفسها وفي الثاني تجاهلوا الحق لفلسطين في الوجود كدولة مستقلة جنب دولة إسرائيل.

-       حزب العمال البريطاني قال: "من حق الإسرائيليين أن يحصلوا على ضمان بأن لا يتكرر الرعبُ الذي حصل يوم 7 أكتوبر 2023" لكنه لم يقل: " من حق الفلسطينيين أيضًا أن يحصلوا على ضمان بأن لا يتكرر الرعبُ الذي حصل قبل يوم 7 أكتوبر 2023 خلال 75 سنة وبعده خلال 7 أشهرٍ".

 

Source : Le Monde diplomatique, mai 2024.

مواقف سياسية شخصية لم أكن أجرؤ على نشرها "خَوفًا" من استياءِ بعض أصدقائي الستالينيين !

 

 

1.    موقف من مظاهرة الهاشمي الحامدي باعث تيار المحبة بِغَضِّ النظر عن تاريخه مع بن علي وخلفياته ونواياه السياسية التي قد تكون ديماغوجية وانتهازية:

يبدو لي أن مطالبه الاجتماعية معقولة وهي حسب اجتهادي تصبُّ في صالح الفقراء والمعطَّلين عن العمل، مثل: منحة بطالة على شرط أن تكون وقتية ولا تعوّض العمل الدائم. بطاقة علاج لكل مَن لا يقدر على الانخراط في الضمان ضد المرض (CNAM) وخاصة المزمن منه (APCI). مجانية التنقل في وسائل النقل العمومي لكل تونسي تجاوز سن 65. أنا أرى مثله أن الدولة قادرة على تلبية هذه المطالب خاصة ونحن نراها تُبعثِر المليارات على الأغنياء ولا تطلب حق الشعب من المتهربين من الضرائب أمثال رجال الأعمال وأصحاب المهن الحرة والتجارة الموازية. نزلتُ إلى مظاهرته  في شارع بورقيبة بالعاصمة يوم 12 أكتوبر 2015 على الساعة 15 و30 والمظاهرة بدأت على الساعة 14، وصلتُ متأخرًا فلم أجد إلا العشرات من المتعاطفين قُبالَة المسرح البلدي.

2.    موقف من رَمْيِ التمورِ في الشارع (نوع دڤلة كانت أو كِنْتَة) احتجاجا على انخفاض ثمنها نتيجة الاحتكار:

دون مجاملة أو مواربة أو مخاتلة، أنا لا أدين طريقتهم في الاحتجاج، ففلاحو ڤبلي أوعَى وأدرَى وأقدَر مني ألف مرة على استنباط حلول لمشاكلهم بأنفسهم. لستُ واعِظًا دينيا إسلاميا لهم كـ"البشير بن حسن" وإنما أريد أن أعبِّر عن رأي شخصي مخالِف، رأيٌ مَبنيٌّ على عِلم البيئة (Environnement ou Ecologie) ولمَن نسيَ أو تناسَى فللعِلمِ أيضا سُلّم أخلاقيات إنسانية راقية ونبيلة حِيالَ مثل هذه الطرُق في الاحتجاج (مثل رمي التفاح في أوروبا أو سكب الحليب في الأرض في الشمال الغربي، إلخ)، رأيي هذا رأيٌ قديم وسابِق لتاريخ إضرابهم العام يوم 5 نوفمبر 2015. الخلاصة: هم أحرار فيما يرَوْه صالحا لهم ويخدم نضالَهم وأساندهم وأحيّيهم لكن لا أوافقهم وأنا حر في أن يكون لي رأي شخصي مخالِفٌ، رأيٌ لا يُلزمهم في شيء ولا يعطل نضالهم، لا من بعيد ولا من قريب. لستُ في حاجة إلى تذكير، أنا أعي جيدا أن "العافِس على الجمرة" ليس كالمتفرّج.  ختامًا أحترمهم وأشدّ على أياديهم والدڤلة دڤلتهم يفعلون بها ما يشاؤون ! أنا أحترمهم كبشر أحرار ولو كنت لا أوافقهم في طريقة احتجاجهم لذلك أطلب المعاملة بالمِثل وهذا حقي الذي لا ولن أتنازل عنه ولا ولن يقدر أن يسلبه مني أحد واعلموا أنني لا ولن أستجدي مزية من أحدٍ.

3.    موقف مما يحدث بـجامع اللخمي في صفاقس:

لا أساند ولا أدين الوزير بَطيخ ولا الإمام الجوادي وذلك لِـنَقْصٍ لديَّ في الإلمام بالمسألة إعلاميا وخاصة فقهيا. وبصفتي أنتمي فكريًّا وليس تنظيميًّا إلى التيار اليساري العَلماني، ألوم بشدة على الجوادي شَتْمَه في الجامع لليساريين والعَلمانيين لو صحّت الاتهامات ضده (الفيديوهات التي تابعتها في التلفزة والفيسبوك لم تكن واضحة الصوت). لكنني أرى أنه لا يجوز ديمقراطيا فرض إمام على المُصَلِّين في جامع اللخمي في صفاقس ولو بحجة هيبة الدولة وتطبيق القانون، وانطلاقا من الدستور أرى أنه من حق الإمام في الجامع الخوض في الشأن العام (هو بالضبط تعريف مفهوم السياسة) مع المُصلين دون توجيههم حزبيا أو الدعاء لـتيار سياسي بعينه (أقصد هنا التيار الإسلامي) أو الدعاء على تيار مخالف لتياره (أقصد هنا التيار اليساري والتيار العلماني) وهو حر خارج الجامع يعبر عن رأيه في الأحزاب كما يشاء ولو كنتُ أفضّل بصراحة أن لا يُنتدب لهذه الرسالة الإسلامية الأخلاقية إلا المستقلون حزبيا إذ لا وجودَ لمستقلين سياسيا.

4.    ملاحظة عابرة:

في هذه العاصفة السياسية التي يمر بها حزب نداء تونس، يتراءى لي أن لسان حال الغنوشي يترنم ويقول: "امطِري حيث شئت فخراجُكِ لي". يبدو لي، والله والأمريكان أعلم، أن خراج سحابة الانشقاقات الحزبية داخل النداء واليسار والقوميين والدساترة والتجمعيين قد يرجع كله أو جله بالفائدة على حزب حركة النهضة.

معنى كلمة "كشكار":

"كشكار دائم ولا علامة مقطوعة" (مَثل متداوَل في مصر منذ سبعة قرون). تفسيره: الكشكار هو الدقيق الخشن الذي يقدر على شرائه الفقراء، والعلامة هي الدقيق المكرَّر الذي لا يقدر على شرائه الفقراء. يشرِّفني أن تكون مقالاتي الفيسبوكية غذاءً فكريّا في متناول الفقراء.

حمام الشط، الأربعاء  11 نوفمبر 2015.

vendredi 3 mai 2024

مجتمعُنا التونسيُّ مجتمعٌ غريبُ الأطوارِ، مجتمعٌ يتعايشُ دون مبالاة مع مجموعةٍ من المتناقضات: أهي نقطةُ ضعفه أم نقطةُ قوته ؟

 

 

Pamphlet

-        الصدقُ من قِيَمِهِ  المفضلة، والكذبُ عنده في المصالح جائزٌ.

-        يكرّمُ المرأةَ في كُتُبِه الدينية والإيديولوجية، ويتجاهلُ حقوقَها في حياته اليومية.

-        يغفرُ لسارقِ المال العامْ إذا كان من قبيلته، والسرقةُ في دينه حرامْ.

-        الزبلةُ في كل مكانْ، والنظافة في دينه من الإيمانْ.

-        التكاسُلُ في عُرفه عادَةٌ، والعملُ في دينه عبادَةٌ.

-        دارُه مرتبَةٌ وأفكاره مبعثرَة.

-        يُنصتُ بأدبٍ للمثقف، وفي نفس الوقت يوقّرُ الغني الجاهلَ.

-        في مقاهيهِ المديرُ العامْ يجالسُ الخدامْ، وفي مكاتبِ إداراتِهِ الحاجبُ لا يحترم إلا أصحاب المقامْ.

-        في جوامعهِ، الأقلُّ علمًا يعِظُ الأكثرَ علمًا.

-        في معاهدِهِ النموذجيةِ وكلياتِهِ العلميةِ، يُكوّنُ الأطباءَ والمهندسينَ و"يُجبرُهم" على الهجرةِ إلى أوروبا الغربيةِ والدولِ الخليجيةِ.

-        يَعيشُ فيه الشيوعيُّ بسلامْ، ويُصدّرُ إلى سوريا أكبر عدد من الدواعش.

-        يتهافتُ على الدروس الخصوصية، ويرفع شعار "تقرأ وَلاَّ ما تقراشْ، المستقبل مثمّاشْ".

-        يصلّي خمس مرات في اليوم الواحد والمُنكَرُ فيه متفشٍّ.

-        كل ما حوله ومن صُنعِهِ خالٍ من الجمالِ، والله يحبُّ الجمالَ.

-        أنانيٌّ قَلوقٌ، والله أوصاهُ بالصبرِ والمرحمةِ.

-        عند الشدائدِ يلتجئ لعَلمانيةِ الغربِ، وعند الانفراجِ يُكفّرُ عَلمانيةَ الغربِ.

-        يستفيدُ من علمِ الغربِ ويتمتعُ بِتكنولوجيتِهِ ، ويسبُّ فلسفةَ الغربِ التي أنتجت علمَ الغربِ.

-        فرّطَ في بُذوره الأصليةِ المتأقلمةِ مع بيئتِهِ المحليةِ، واستوردَ بالعملةِ الصعبةِ بذورًا هجينةَ. 

-        يُصدّرُ زيتَ الزيتونِ والتُمورَ، غذاءُ الفقراءِ، ويستوردُ السياراتَ الفاخرةِ وموادَّ التجميلِ للأغنياءِ.

-        تخلى عن نظامِه الغذائي المتوسطيِّ الصحيِّ، وبدّله بنظامٍ غذائيٍّ غربِيٍّ جالِبٍ لأمراضِ القلبِ والشرايينِ.

-        يبالِغُ في التحدُّثِ باسمِ الأخلاقِ ولا يُطبِّقُ القانونَ، وهو لا يعِي أن الثاني يَحمِي الأولَ.

-        يُمجِّدُ الأفوار (L`avoir) ولا يُثمّنُ السافوار (Le savoir)، وهو لا يعِي أن الثاني يُولِّدُ الأولَ.

 

خاتمة: المجتمعُ التونسيُّ، مجتمَعٌ مسلِمٌ مستسلِمٌ لأهوائِه وغرائزِه لا إلى وجه الله.

jeudi 2 mai 2024

ما هي مواصفات الفرد التونسي الذي أنتجه النمط الليبرالي خلال ستين سنة استقلال ؟ فكرة ميشال أونفري، تَونسة مواطن العالَم

 

 

Pamphlet

سليلُ ثلاثة آلاف سنة حضارة لكنه لقيطُ وليس ابناً شرعيّاً لهذه الحضارات، لا ابن الأمازيغ ولا الفينيقيين ولا الرومانيين ولا المسلمين الشرقيين أو الأتراك ! ليس بِـملحدٍ وليس بِـمسلِمٍ، شِبْهْ شِبْهْ حتى في عقيدته. نصفُ جاهلٍ نصفُ مثقفٍ. مغرورٌ محدودٌ. طيّعٌ لرئيسِه صلبٌ مع مرؤوسيه. ضعيفٌ مع الأشدّاء شديدٌ مع الضعفاء. خبيثٌ وخبثُه مكشوفٌ. يعبد الفلوسَ ولا يعصَى لها أمرًا فإن لم تكن بين يديه فهو يعرف أقصرَ الطرقِ للوصول إليها. عاشقٌ للحيلة وتاركٌ للفضيلة. منافقٌ من الطراز الرفيع، ينافقُ حتى أمَّه وأباه. دعيٌّ مختصٌّ في التفاهات والأفكار البتراء وحب الذات الصغيرة. أناني حتى النخاع. مستهلك للأساطير والخرافات. سلفي لا يشبه السلف الصالح إلا في كثافة لِحِيِّهم وطول جلابيبهم. غدّارٌ لم تغير من قِيَمِه السوقية ثورةٌ بأكملها. غيرُ مهذبٍ. غيرُ قارئٍ. قصيرُ الذاكرةِ. مُنبتٌّ يرى نفسَه أكثر أصالةً من أصلِه. يتكلم عدة لغات ولا يتقن حتى لغته الأم. لديه قابليةٌ سريعةٌ للرشوة والارتشاء في آن. ضد العنصرية في الخارج وعنصري في تونس. مع المرأة في المقهى وضدها في المنزل. يحترم أمه ويحتقر أم أولاده. انتهازيٌّ بامتياز. ثوريُّ الخطابِ رجعِيُّ الفعلِ. تافهٌ ربي يحفظه لأمّه !

يبدو لي أن هذا النوع من البشرِ التونسي لا يحتاج إلى مخ يفكر به، فنخاعٌ شوكيٌّ يكفيه لقضاء حاجاته الحيوانية، دون تعميمٍ على كل التونسيين، فالشرفاء موجودون حتى وإن كانوا قلة قليلة.


 

mercredi 1 mai 2024

ماذا دهانا ؟

 

 

الخبر (TV SCIENCE & VIE, le 2\03\2016):

قرية في اليابان: لاحظ العلماء أن كثيرا من سكانها يعمِّرون أكثر من مائة سنة وفي صحة جيدة أيضاً. سألوهم عن سبب ارتفاع متوسط العمر المتوقع عندهم (espérance de vie) ؟ فأجابوا: "نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع، ونعتمد في أكلنا على الخضروات والغلال والسمك أكثر من لحم البقر والضأن". انطلَق البحث العلمي من هذه الملاحظة وشرَع البحّاثة الغربيون في إجراء تجارب على أقرب الحيوانات للبشر (قرد صغير جدا في حجم فأر) من أجل إيجاد نظام غذائي قد يُعتمد في المستقبل ويُعمّم لرفع متوسط العمر المتوقع في العالَم أجمع.

 

التعليق:

هذه المقولة الرائعة "نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع" موجودة في تراثنا  وهنالك مَن ينسبها للرسول صلى الله عليه وسلم وهنالك مَن ينكر ذلك أما أنا فلا أرى مانعًا من نسبة كل جميل للجميل واستبعاد كل حديث لا يتماشى مع مقاصد القرآن السامية وأخلاق الرسول العالية حتى ولو دوّنه مسلم أو البخاري. يبدو لي أن النظام الغذائي المتّبَع من قِبل معمِّرِي القرية اليابانية هو شبيه بالنظام الغذائي المتوسِّطِي (Le régime méditerranéen) الذي كان سائدا عندنا في تونس الستينات حيث كنا نعتمد في غذائنا على البروتينات النباتية (فول، عدس، جلبانة، إلخ.) أكثر من الحيوانية (اللحم الأحمر) والكثير من الخضروات والغلال. لكن رغم وجود هذه الكنوز في تراثنا العربي الإسلامي، فقد اكتفينا بترديدها دون تفعيلها ولم يلتفت لها علماؤنا ولم يبحثوا فيها. يوجد فينا مَن يجوع ولا يجد ما يأكل وفينا مَن يأكل ولا يشبع. لم نفلح إلا في التباهي المزيّف بالقول أن كل ما توصّل إليه الغرب من تقدم بالعلم والعمل هو موجود عندنا في قرآننا وسيرة رسولنا: فهمٌ خاطئٌ لنشأة العلم وتطوره، العالِم الغربي لم يرفع غطاءً فوجد تحته عِلمًا. العلم يا سادة يا كرام هو أعقد من هذا الفهم السطحي، العلم بحثٌ واجتهادٌ ومعاناةٌ ومراكمةٌ لتجارب مَن سبقونا وفشلٌ ونجاحٌ وخيبةٌ وأملٌ. ما توصّل إليه العلم في القرن 21 م لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتوصّل إليه علماء القرن السابع ميلادي في المدينة المنوّرة أو في أثينا، ومعرفة القرن 21 يستحيل التفكير فيها في عهد الرسول إلا "علم الغيب" وهو من معجزات الله وليس للبشر، أنبياءً كانوا أو أناسًا عاديين.


 

كلما تهرّب أحدهم من دفع الضرائب إلا وسقطَ سقفٌ في مدرسة أو ظهرت حُفرٌ في الطريق أو نقصَ سريرٌ في مستشفى. (كاريكاتور مستوحَى من كاريكاتور في أخبار فرانس 24 حول فضيحة أوراق بنما)

 

 

-        عام 2009 تهرّب جل تجار الجملة التونسيين من دفع ما عليهم من ضرائب فأغلِق الخط الحديدي الرابط بين ڤفصة وتوزر وعام 2010 وقعت نفس الغلطة فانقطع الخط الحديدي الرابط بين تونس وطبرقة.

-        عام 2011 تهرّب جل المحامين التونسيين من دفع ما عليهم من ضرائب فتهشمت جل نوافذ قاعات مدارس معتمدية جدليان وتعطلت أقفال أبوابها وعام 2012 وقع نفس الشيء في معتمدية الحْفَيْ.

-        عام 2013 تهرّب جل الأطباء التونسيين الخواص من دفع ما عليهم من ضرائب فتحفّرت جل طرق معتمدية البير لَحمر وعام 2014 وقعت نفس المصيبة في معتمدية القصيبة.

-        عام 2015 تهرّب جل المهندسين التونسيين الخواص من دفع ما عليهم من ضرائب ففٌقِد نصف الدواء في  جل مستوصفات معتمدية دوز الغربي وعام 2016 وقعت نفس الكارثة في معتمدية الشوارفة.

-        عام 2020 سيتهرّب جل الصناعيين التونسيين من دفع ما عليهم من ضرائب وستُغلَق في تونس جل المدارس والمستشفيات وعام 2021 لو أعادوا الكَرّة فسأخسرُ أنا مرتب التقاعد هذه المرة.

-        جلنا أنانيون وغير الأناني فينا نتهكّم منه ونُحبِطه !

 

-        قال تعالى: " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا". حسب تأويلي الحر: الفجور هو الأنانية، والتقوى هي الاستقامة ونكران الذات وإيثار الآخر. الآخر هو المختلف عنا جنسا أو لونا أو عرقا أو دينا أو فكرا أو ثقافة أو إيديولوجيا أو تاريخا أو جغرافيا. يبدو لي أن قدرَنا هو أن نحب هذا الآخر. ولو لم نحبه فكيف سنهديه أفضل ما عندنا: كنوز تراثنا المتمثلة في ديننا وفكرنا ومنطقنا وقِيمنا وتراثنا وتاريخنا وكرمنا وتقوانا. وهل تُقدَّم الهدايا لغير الأحبة ؟ ألَمْ يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". أخوه في الإنسانية، ملحدا كان أو لاأدريا أو يهوديا أو نصرانيا أو بهائيا أو بوذيا أو هندوسيا.

-                  أما نحن اليوم معشر التونسيين، فعِوض أن ننهي عن المنكر، ترانا نحارب المعروف بنصائحنا العجيبة المتداولة باللغة الدارجة وكل إناء بما فيه يرشح: "ابعِدْ عَالشَّرْ وغَنِّيلُو".. "أخْطَأ رأسي واضربْ".. "سَيّبْ عْلِيكْ".. "آشْ إهِمِّكْ".. "آشْ لَزِّكْ".. "آشْ دَخِّلِكْ".. "تِلْهَى في حْوايْجَكْ".. "قِيمْ الفرضْ وانڤب لَرْضْ".. "عامِلْ فيها مُصلح اجتماعي"..، إلخ.

-        "إيه يا سيدي عامِلْ فيها مُصلح اجتماعي" ! ألم يأمرنا القرآن الكريم: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ".

-        والله لا توجد أمّة في التاريخ تصلي خمس مرات في اليوم وتذكر كلام الله وتتذكره أكثر من أمة المسلمين، وفي نفس الوقت والله لا توجد أمة في التاريخ لا تخاف ربها ولا تخشاه في سرّها وعلنها أكثر من أمة المسلمين المعاصِرة !

-        أمّة لم تبدع ولم تنجح إلا في محاربة النجاح رغم قلة تواجده فيها منذ عشرة قرون. تحارب أصحابه على ندرتهم وتتهكم من نجاحاتهم وتقلل من شأنها. وفي المقابل تتستر على الفاسد وتحميه تحت غطاء القبلية والعروشية.

-        أمّة لا تحاول أبدا تغيير ما اعتراها من وهن بل تقعد عن العمل وتمجد الكسل وتنتظر تغييرا قد يأتي وقد لا يأتي من السماء ولله في حكمته شؤون، سبحانه يَسأل ولا يُسأل، يُحاسِب ولا يُحاسَب، ناسية أو متناسية قوله تعالى: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

-        الألمان غيّروا ما بأنفسهم بعد الحرب العالمية الثانية وكذلك فعل اليابانيون فغيّر الله ما بهم ورفعهم إلى أفضل الشعوب والدول دون أن يطلقوا رصاصة واحدة ضد أعدائهم بعد الهزيمة أما نحن فما زلنا في مكاننا قابعين وللرصاص ضد أنفسنا مُطلقين وللقدر دون عملٍ مستسلمين. الله يستر العاقبة...