vendredi 6 mars 2020

بلاغ رقم 1 للأحزاب اليسارية الماركسية التونسية بعد الهزيمة المدوّية التي مُنيت بها أخيرًا في الانتخابات الرئاسية والتشريعية (2019). مواطن العالَم الكسّار الجسّار، يساري غير ماركسي حر ومستقل



لأول مرة في تاريخ تونس، وبمناسبة إحياء ذكرى مئوية "الفتح الشيوعي" وتأسيس أول حزب شيوعي تونسي (1920)، اجتمع كل قادة الأحزاب اليسارية الماركسية التونسية في فضاء بورصة الشغل بالعاصمة، تدارسوا الهزيمة، قاموا بنقد ذاتي عميق وشجاع، تشاوروا، تدبّروا، تفكروا، ثم أصدروا البلاغ التاريخي التالي في عشر نقاط:
1.     نعلن تخلينا النهائيّ، علنًا وسرًّا، عن اعتماد النظرية الماركسية المستوردة (بكل تفرعاتها) كإيديولوجية لأحزابنا، لا بل أصبحنا نعتبرها أفيونًا للمثقفين اليساريين البورجوازيين الصغار (Raymond Aron) ونراها منافية للديمقراطية (ديكتاتورية البروليتاريا، الحزب الواحد، الإلحاد دين الدولة، إلغاء الملكية الخاصة الكبيرة والصغيرة، إلخ.).
2.     نلعن التجربة الستالينية الديكتاتورية الكُليانية البغيضة والمقيتة رغم نجاحاتها في التصنيع الحربي وتشييد البنى التحتية (القومية والشيوعية في دولة واحدة والامبريالية حيال الدول الأخرى وهدم الكنائس والمساجد، إلخ.).
3.     نعلن تصالحنا الصادق والتام (Indigénisation totale) مع هوية شعبنا العربية-الإسلامية.
4.     نعلن إيماننا الكامل بمفهوم الأمة الإسلامية وسوف نسعى بكل ما أوتِينا من جَهدٍ إلى توحيدها تحت راية خلافة إسلامية ذات منزع ديمقراطي على غرار الخلافة الغربية الحالية (الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأمريكي - CE & USA).
5.     نعلن إيماننا الكامل بمفهوم الوحدة العربية وسوف نسعى بكل ما أوتِينا من جَهدٍ إلى تكريسها تحت شعارات  "شعبٌ عربيٌّ واحدٌ".. "برلمانٌ عربيٌّ واحدٌ".. "جيشٌ عربيٌّ واحدٌ".. "سيادة عربية أبية".
6.     نعتبر الإسلاميين، نهضاويين وسلفيين، منافسين سياسيين وليسوا أعداءً متربصين.
7.     نعترف بالحق المقدّس في الملكية الصغيرة الخاصة والخالية من آفة استغلال الإنسان للإنسان.
8.     في الملكية الكبيرة، نعتمد المنوال الاقتصادي التضامني على طريقة تجربة جمنة النموذجية الناجحة حيث يكون مبدأ التطوّع وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ركنًا أساسيًّا من أركانه.
9.     نؤمن بالديمقراطية التشاركية المباشرة (Rousseau) والتداول السلمي على المسئولية والتناصف الرياضي بين المرأة والرجل داخل أحزابنا ونرضى بنتائج الصندوق الانتخابي حتى ولو أتى بـ"ائتلاف الكرامة" حاكمًا لتونس.
10.                        لن -لن الزمخشرية- لن نتخلى عن الاستماتة في النضال ضد الرأسمالية الأليفة والمتوحّشة وفي كل تجلياتها الظاهرة والخفية.

ملاحظة هامة: يا إخواني الإسلاميين التونسيين، لا تفرحوا كثيرًا، ويا رفاقي اليساريين الماركسيين التونسيين، لا تحزنوا كثيرًا، فالبلاغ رقم 1 أعلاه لا يعدو أن يكون إلا سيناريو من وحي الخيال الكشكاري السقيم.

إمضائي (مواطن العالَم البستاني، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري غير ماركسي حر ومستقل، غاندي الهوى ومؤمن بمبدأ "الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي" - Adepte de l’orthodoxie spirituelle à l’échelle individuelle):
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence verbale

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 6 مارس 2020.


jeudi 5 mars 2020

فيروس كورونا واسمه الرسمي، وباءٌ انبثق من جشع الإنسان: نحن الذي جنينا على الحيوان والحيوان لم يجن على أحد. لوموند ديبلوماتيك، ترجمة الديداكتيكي مواطن العالَم



الأوبئة المحدثة: اعتدينا على الحيوانات البرية ودمرنا مجالها الحيوي فكافأتنا بهدايا مسمومة: الحصبة، السل، السعال الديكي، أنفلونزا الطيور، السيدا.
بدأنا بتحميل الذنب للحيوان ونسينا أنه حتى ولو كان الحيوان مصدرها فالإنسان هو الذي يتحمل المسئولية كاملة لأن الحيوانات لا تعقل فلا ذنب عليها إذن. هذا النوع من التخمينات يمنعنا من رؤية الحقيقة العلمية الموضوعية العارية التي تقول أن هشاشتنا المتزايدة في مواجهة هذه الأوبئة المحدثة لها سبب أعمق: تدمير متسارع للمجال الحيوي للحيوانات البرية في الغابات والمحيطات.
من الخطأ الجسيم أن نقول أن هذه الحيوانات مسكونة بفيروسات قاتلة متربصة بنا، نحن الحيوانات العاقلة أو الأصح المصابة بفيروس جنون العظمة. الحقيقة أن جل هذه الجراثيم تعيش داخل أجسام الحيوانات دون أن تتسبب لها في أي مرض.
المشكل يكمن في مكان آخر: بِـحرقنا للغابات وتمدننا المشوّه وتصنيعنا الجنوني واستهلاكنا الجشع وأنانيتنا المفرطة، بكل هذا الصلف أعطينا لهذه الكائنات الدقيقة وسائل مكنتها من غزو أجسامنا والتأقلم داخلها والتحول من مسالمة لدى الحيوان إلى قاتلة لدى الإنسان مثل فيروس كورونا.
قَطْعُ أشجار الغابة يحرم الأرض من طبقة غنية بالجذور والأوراق المتساقطة، فينساب الماء حاملاً معه الرواسب (les sédiments) معرّضًا التربة لأشعة الشمس ومكوّنا بحيرات مواتية لتكاثر الناموس الناقل لداء الملاريا (Le paludisme). ولإشباع نهمه اللاحم، دمّر الإنسان غابات تساوي مساحتها مساحة القارة الإفريقية بأكملها من أجل تربية حيوانات للاستهلاك الآدمي الجشع. مئات الآلاف من الحيوانات مكدّسة على بعضها البعض في انتظار سكين الجزار في المسلخ البلدي (L’abattoir)، الوسط الأمثل لتحوّل الجراثيم المسالمة إلى جراثيم قاتلة (Mutation): مثلا، فيروس أنفلونزا الطيور خرّب المداجن أين تحوّل إلى نوع أخطر يصيب الإنسان عن طريق العدوى وقد قتل نصف الحاملين للفيروس، مما أوجب قتل عشرات الملايين من الطيور لتجنب انتشار سلالة أخرى من سلالاته.
جبال الفضلات الحيوانية غير المحمية التي فاقت احتياجاتنا للأسمدة العضوية، وفّرت وسطًا مواتيًا لمزيد من العدوى بالجراثيم، وقد تسربت للماء الصالح للشراب والغلال والخضر.

خاتمة: نستطيع حماية غاباتنا من الحرق ومحيطاتنا من التلوث وبهذا الصنيع فقط نحمي حيواناتنا ونحمي أنفسنا ونترك الجراثيم تعيش في سلام ووئام داخل أجسام الحيوانات حيث خُلِقت.

Le Monde diplomatique, mars  2020, extrait de l`article « Contre les pandémies,
l’écologie », par Sonia Shah, journaliste et auteure, p. 1 & 21
إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence verbale

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 5 مارس 2020.



mercredi 4 mars 2020

محمد كشكار، شاكِرُ نفسِه يُحيّيكُم!



بالله قُل لنا مَن أنتَ يا كشكار حتى تنتقد "النداء" و"النهضة" واليسار ولم تترك "الجبهة" ولا "الأوطاد" ولا "المسار" ولم يسلمْ من قلمك لا المدرّسين ولا القيمين ولا حتى المتفقدين؟ أنت درّستَ عشرون سنة في الإعدادي دون إجازة في اختصاصك ولا حتى "جَرْدْ" باكلوريا. أنت لا تفقه في أي شيء غير اختصاصك وقد قلتَ بعظمة لسانك أنك قرأت فلسفة فوكو ودولوز وباشلار وسارتر وأفلاطون وأرسطو وابن تيمية والغزالي وابن رشد وتاريخ الطبري وغيرهم ولم تفهم فيها شيئًا. تتباهى باختصاصك "إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا"، وهو في الواقع فرعٌ صغيرٌ من الديداكتيك أوالتعلمية، وهذه الأخيرة هي نفسها فرعٌ  فتيٌّ طرِيٌّ من معارف التربية، اختصاصٌ لقيطٌ هجينٌ غير معترفٍ به في جل البلدان الأنغلوسكسونية وجل البلدان العربية. فبأي زادٍ علمي تخاطبنا؟ لم تَدْرُسْ أكاديميًّا علوم السياسة ولا علوم الاقتصاد ولا الاجتماع ولا النفس ولا .. ولا.. وفي الأدب والفن والشعر لم تتجاوز نجيب محفوظ وفيروز ونزار قباني، يستعصي عليك فك رموز درويش والنواب، أما سمفونيات بتهوفن وباخ ولوحات  بيكاسو ودالي فهي طلاسم لا يرقى لها ذوقك المتخلف. ما زلت ذوقًا بدائيًّا تهتز طربًا لنغمات حضرة العيساوية الجمنية وعمِّي الشيفور للمرحومة فاطمة بوساحة وأفضل طبقٍ عندك خبز طاجين بزيت الزيتون أو مصلي دجاح أو رأس علوش.

تدّعِي أنك مثقفٌ وأنتَ لا تتقن اللغة الأنڤليزية نطقًا ولا كتابة، ومَن لا يقرأ اللغة الأنڤليزية، أعتبره مصابًا بِـ"فقر الدم الثقافي"! تنتقد الماركسية وأنت لم تَدْرُسْ أكاديميًّا الماركسية ولو يومًا واحدًا ولم تقرأ كتاب ريمون آرون "أفيون المثقفين"، أشهر كِتاب في نقد الماركسية، إلا بعد التقاعد مع أنه صدر في فرنسا قبل سنة ميلادك.  تنتقد الإسلاميين وجل مقالاتك شخصية انطباعية أو منقولة عن مفكرين عَلمانيين. تكتب بلغة الضاد وأنت تجهل جُلَّ نحوِها وصرفِها.

لم تنتمِ إلى أي حزبٍ قبل الثورة ولو دقيقةً واحدةً في حياتك، فكيف تسمح لنفسك بتقييم أنشطة الحزبيّين المنتمِين، يساريين أو إسلاميين أو قوميين. هل عانيتَ معاناتهم؟ هل عرّضتَ نفسك يومًا للسجن أو التعذيب؟ هل تعرّضتْ عائلتُك للقمع والتجويع والحرمان والترويع؟ هل ذقتَ مرارة الهجرة القسريّة أو الفصل التعسّفي عن العمل؟

اِسْمَعْ يا ظالم ما قاله فيك بعض أصدقائك "الحميمين" اليساريين، اِسْمَعْ ما لم تسمعه في حياتك قَطُّ:
تنكرتَ لرفاق الأمس فكيف تريد أن يطمئن لك أصدقاء اليوم؟ علّمتْكَ الماركسية الرماية، ولمّا اشتد عودُك، أول ما رَميتَ، رميتَها بأمضَى السهامِ. هجرَك أصدقاؤك القُدامَى الواحد تلو الآخر ولم تستطع تعويضهم. وهل تحلم ببناء صداقات جديدة بعد الأربعين؟ بقي لك الكِتابُ الأخرسُ، جليسُك الوحيدُ في المقهى، وبقي لك الفيسبوكُ الباردُ الصامتُ، محاورُك الفريدُ في عزلتك المؤبَّدة. قَلَمُكَ في العِلمِ سليطٌ، ولسانك في النقاش طويلٌ، وصبرك على الخصم قليلٌ. تبدو ظاهريًّا مجاملاً، لكن العلمَ الذي تنقله بأمانة، يُمِيتنا ولا يحيينا. لن نغفر لك أبدَا، يا مُرتدّ، تَخَلِّيكَ الصريحَ والعَلني عن الماركسية، "النظرية العلمية الوحيدة الشاملة والشمولية التي تملك الحقيقة، كل الحقيقة".

اِرْجَعْ إلى حجمك الضئيل ولا تتطاول على أسيادك. اِلزَمْ جُحْرَكَ والأسْلَمُ لك أن تكفَّ عن الهذيان وتصمتْ. لو عرفتَ قدْرك وحصرتَ نشاطك في نقل ما ينتجه كبار المفكرين كما تفعل أحيانًا لَكفاك ذلك شرفًا (ما يقارب ثلث ما نشرتَ). لكننا نعرف أن وفاءك الجنوبي وحساسيتك المفرطة وحنينك إلينا وتعلقك العاطفي بنا، نقاط ضعفك التي تمنعك من كرهنا و تحرمك السعادة بدوننا، فلا تفرح كثيرًا فلن تظفر منّا بأي قدرٍ من الاعتراف، اعترافٌ قد يريحك أو يرضيك. سوف نتظاهر أمامك بأننا لا نقرأ لك، ونتجاهل ما تكتب، قريبًا سنقتلكَ كمدَا، فمُتْ بغيظك أيها الفاشل في كل شيء إلا في نقدنا وانتقادنا.

محمد كشكار، الواعي بحدودِه وحدودِ معرفتِه، عبدُكم الفقيرُ لله يُقْرِئُكُمْ السلام.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 9 ديسمبر 2015.




الأوبئة المحدثة: اعتدينا على الحيوانات البرية ودمرنا مجالها الحيوي فكافأتنا بهدايا مسمومة: الحصبة، السل، السعال الديكي، أنفلونزا الطيور، السيدا، وأخيرًا وليس آخرًا، كورونا. لوموند ديبلوماتيك، ترجمة مواطن العالَم




منذ 1940، مئات الجراثيم المسببة للأمراض البشرية بدأت تظهر أو تعيد الظهور في مناطق حيث لم نكن نلاحظها من قبل، مثل السيدا أو إيبولا في غرب إفريقيا أو زيكا في القارة الأمريكية. أغلبها (60%) من أصل حيواني وهذا ما نسميه "اختراق حاجز النوع" (Passage de la barrière de l’espèce). بعضها أتى من حيوانات أليفة، لكن أكثرها (أزيد من الثلثين) من حيوانات برية.
حديثًا تسارعت هذه الظاهرة المتمثلة في انتقال جراثيم حيوانية إلى جراثيم مسببة لأمراض بشرية (Mutation)، لكنها ليست ظاهرة جديدة. تزامنت نشأتُها مع ثورة العصر الحجري
 L’âge néolithique commence vers 8000 av. J. -C., avec l'apparition de l'agriculture, et prend fin avec l'apparition de l'écriture vers 4000-3000 av. J. -C
عندما شرع الإنسان في استصلاح الغابات وتوسيع الأراضي الزراعية وتربية الحيوانات لاستعمالها في النقل والحرث، فكافأتنا هذه المخلوقات البرية البريئة بهدايا مسمومة: الحصبة والسل من البقر، السعال الديكي من الخنازير، أنفلونزا الطيور من البط، السيدا من القرود، بكتيريا الكوليرا من الغابات المائية (mangrove).
قد يعجز الإنسان أمام هذه الظاهرة (Mutationلكنه لم يقفْ مكتوف الأيدي أمام انتشار الأوبئة الناتجة عنها، بل قاومها بالتلقيح والأدوية. الإنسان لن يستطيعَ أن  يتجنبها (Mutationإلا إذا غيّر سياسته الحالية الكارثية في التعاطي مع البيئة وحيواناتها ونباتاتها البرية.

Source : Le Monde diplomatique, mars  2020, extrait de l`article « Contre les pandémies, l’écologie », par Sonia Shah, journaliste et auteure, p. 1 & 21

إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence verbale

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 4 مارس 2020.


mardi 3 mars 2020

سِيرةٌ ذاتيّةٌ وغير ذاتيةٍ، موضوعيةٌ وغير موضوعيةٍ. مواطن العالَم



مواطن العالَم د. محمد كشكار، أستاذ تعليم ثانوي متقاعد: قد يكون " التشاؤم هو شكل أقصى من النّقد" لكنني سأبقى دومًا متفائلاً، وذلك لسببينِ اثنينِ لا ثالث لهما (على الأقل الآن): الأول، يتجدّد الإنسان بيولوجيًّا عند كل وِلادةٍ ويأتي للحياةِ قابلاً للتشكّلِ من جديدٍ مع التأكيد - ورغم براءة الرضيع - أنه ليس صفحةً بيضاءَ، فله موروثٌ جينِي، نسبيّا وجزئيّا محدّدٌ لشخصيته المستقبلية بالتفاعل مع محيطه ومكتسباته، وله اسمٌ ووالدانِ ودينٌ وثقافةٌ وبلدٌ ولونُ بَشرةٍ وجنسٌ ومناخٌ ومستوى اجتماعِي، إلخ. السبب الثاني، أنا أومن بمفهوم الانبثاق (L`émergence) الذي علمني عدمَ الرضوخِ للواقع مهما كان هذا الواقعُ تعيسًا، وما أحلامُ اليومِ إلا حقائقُ الغدِ، وانبثاقُ تجربةِ جمنة في تونس أحسن تبريرٍ وجيهٍ لتفاؤلِي بالمستقبلِ الواعدِ دومًا رغم ما رافق ولادة هذه التجربة من آلامِ المَخاضِ و"ربي يخلص وحَلْها عن قريب".
عندما يقدِّم المثقفُ نفسَه إلى الغيرِ، يحاول عادة تجميلَها، وإذا كان موضوعيًّا، فقد يحاول إبرازَ التجارب الناجحة فيها، ويرنو في داخله إلى إبهارِ غيره وافتكاكِ إعجابِ هذا الأخير واعترافه به مثقفًا. أما أنا فلا أملِك في حياتي إلا التجاربَ الفاشلةَ أعرضُها للتفكيرِ والعِبرةِ وعدم الوقوعِ في نفسِ الخطأ، فمِن حسن حظي إذن أنني لن أبهرَ المتلقِّي ولا أرغبُ في ذلك وليست لي القدرةُ على ذلك حتى ولو طمعتُ في ذلك، ليس تواضعًا مجمِّلا لشخصيتي بل اقتناعًا ديداكتيكيًّا منِّي بتجنبِ خلقِ عائقٍ جديد لدي سامِعِي، وما خُلِقتْ الديداكتيكْ (فلسفة التعلّم) إلا لإزالةِ العوائقِ وليس لخلقَها.

سِيرةٌ ذاتيةٌ فاشلةٌ لا يُحتذَى بها على الإطلاق، وعلى كل المستويات، الدراسي والعلمي والاجتماعي والسياسي والثقافي:
- مسارٌ دراسيٌّ متعثِّرٌ ومُمَطَّطٌ: في سن 22 تخرجتُ أستاذ إعدادي (ENPA, Tunis, 1974, CAPES sans Bac)، في سن 28 باكالوريا جزائرية (Annaba, 1980)، في سن 30 عام فلسفة في فرنسا بالمراسلة (Université de Reims, France, 1983) تُوِّجَ بالفشلِ جرّاءَ كُلفةِ التنقل المالية لإجراء الامتحانَيْنِ، الكتابي والشفاهي، المتباعدينِ زمنيًّا، والتي لم أقدر على مواجهتِها، في سن 41 الأستاذية في علوم الحياة والأرض (ISEFC, Tunis, 1993)، في سن 48 ديبلوم الدراسات المعمقة في ديداكتيك البيولوجيا (ISEFC, Tunis, 2000)، في سن 55 دكتورا في ديداكتيك البيولوجيا (UCBL1, France, 2007).
- مسارٌ علميٌّ مَبتورٌ: لِمَن لا يعلم، أقول أن شهادة الدكتورا لا تمثل قِمَّةَ العلمِ في الاختصاص بل هي تمثل بطاقة دخول إلى مجال البحث العلمي. أنا تحصلتُ على بطاقة دخول وكالتلميذ المتنطع خرجتُ من الجامعة ولم ألتحق بقاعة المخبر.
- مسارٌ اجتماعيٌّ بدأ بالفقر، أي موظف عمومي متوسط وانتهى بالفقر أستاذ تعليم ثانوي متقاعد.
- مسارٌ سياسيٌّ على هامش النضال السياسي، أعتبر نفسي معارضًا في عهد بورڤيبة وبن علي لكنني لم أنتمِ في حياتي لأي حزبٍ معارِضٍ، خوفٌ مُشرَّبٌ باستقلاليةٍ فكريةٍ صادقةٍ، وكما قال القِدّيسُ أو الروح العظيمة، المهاتما غاندي: "لو أجبِرتُ على الاختيارِ بين العُنفِ والجُبنِ، لَنصحتُ باختيارِ العُنفِ".
- مسارٌ ثقافيٌّ: المجالات الثقافية التي أجهلها تُعدّ بالعشرات ولا أعرف إلا مجالاً واحدًا أحدًا وهو علوم التربية، وداخل هذه العلوم لا أعرف إلا علمًا واحدًا أحدًا هو علم الديداكتيك، وداخل هذا العلم لا أعرف إلا فرعًا واحدًا أحدًا هو ديداكتيك البيولوجيا.
- أجهل اللغة الأنڤليزية وعدم إتقانها هو بمثابة فقر دم الثقافة. أجهل الفلسفة ما عدى فلسفة البيولوجيا. أجهل علوم الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ والفقه، إلخ.
- لم أربِّ أذنِي ولا عينِي، ولم أصقل ذوقي على سماع السمفونيات أو الشعر ولا على الاستمتاع باللوحات الفنية.
- أنا رجلُ فكرٍ ولستُ رجلَ سياسة ولا طموحَ لي ولا رغبة إلا في القراءة والكتابة والنشر بكل متعة وحريةٍ واستقلاليةٍ وأنانيةٍ وذاتيةٍ وفرديةٍ، ولا أقدر على غير ذلك.
- أنا صوفِي النزعة بمقياس القرن 21 ولا أرى لأفكاري أي تأثيرٍ على المجتمع إلا مَن رَحِمَ ربي.
- أنا أعشق الروتين الذي أعيش فيه وأسعد به في حمام الشط: صباحًا مطالعة في مقهى الشيحي، مساءً نقاشٌ فلسفي في مقهى أمازونيا مع أفضل أستاذ فلسفة صاحبته في حياتي، زميل التقاعد الجديد حبيب بن حميدة، وبين المقهَيَيْنِ كتابةٌ ونشرٌ وتمتعٌ واستمتاعٌ بأعز الناس، مثل الفلاسفة الثلاثة إدڤار موران وميشيل سارْ وميشيل أونفري والعالِمان السياسيان فرانسوا بورڤات وجورج قرم وعالِم الوراثة ألبير جاكار وغيرهم كثير في اليوتوب "الله يرحم والديه"، وفي الليل أرضخُ لذوق زوجتي المصون وألغِي عقلي وأستسلم لأتفه الناس في برامج "لباس" و"كلام الناس" و"أمور جدية" وما شابه.
- لقد تجنبتُ قصدًا تقمّصَ دورَ الضحية (Le syndrome de victimisation) واكتفيتُ بسردِ سِيرتي الذاتية دون زيادةٍ أو نقصانٍ، لأن كل ضحية ليست عادة بريئة مائة في المائة كما تدّعي هي، أو كما قد يتبادر إلى أذهانِ المتعاطفين معها، ولأن داخل كل ضحيةٍ كبيرةٍ يوجد جلادٌ صغيرٌ، أو بمعنى أوضح أنا أتحمل جزئيًّا ونسبيًّا المسؤولية في ما أحاق بي من فشلٍ طِوالَ مسيرتي في الحياة. إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

المصدر: "سيرة ذاتيّة وغير ذاتية، موضوعية وغير موضوعية"، فقرة من كتابي الأخير والآخِر "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي، سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956 - 2016)"، صدر سنة 2017، فقرة وَرَدَتْ في غلاف الكتاب (4è page).
ملاحظة: هذا إعلامٌ وليس إشهارًا، والدليلُ: مَن يُكلّفُ نفسَه عناءَ التنقل أو يكلّف مَن يتصل بي في مقهى الشيحي صباحًا بحمام الشط (23139868)، أُهدِيه ما بقي عندي، نسخة من كتابي الرابع والأخير، وفوقَه شكرًا على الاهتمامِ بما أنشرُ.


lundi 2 mars 2020

زلاّت المفكرين الكبار: هل نغفرها لهم أم لا نغفرها؟ مواطن العالَم



1.     سيڤموند فرويد أرسل نسخة من كتابه إلى القائد الفاشي موسوليني وضمّنها إمضاءه - Dédicace . (المصدر: الفيلسوف الفرنسي المعاصر  ميشيل أونفري)
2.     ماكسيم ڤوركي، بابا الأدب السوفياتي، سنة 1934، يقول في خطاب الكراهية: "أبيدوا المثليين جنسيًّا، تختفي الفاشية"
 (Exterminez les homosexuels, le fascisme disparaîtra).
3.     الفيلسوفان الفرنسيان، جان بول سارتر وبول ريكور، كتبا في جرائد فيشي المتعاونة مع العدو النازي الألماني. (أونفري)
4.     الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار عملت في إذاعات فيشي المتعاونة مع العدو النازي الألماني. (أونفري)
5.     الفيلسوف الألماني، هايدڤير، تعاون مع هتلر (أونفري).
6.     ابن خلدون تخابَرَ مع تيمور لنك (تيمور الأعرج) الغازي المغولي الهمجي لدمشق - 1400م. (كتاب "مسرح سعد الله ونّوس بين التوظيف التراثي والتجريب الحداثي"، محمد عزّام، منشورات دار علاء الدين، الطبعة الثانية 2008، دمشق، ص 91)
7.     الأمير المجاهد عبد القادر الجزائري والمصلح الإسلامي جمال الدين الأفغاني كانا عضوين في منظمة "البنّائين - Les Francs-maçons. (نسيتُ المصدر)
8.     المفكر الإسلامي التونسي العظيم الطاهر بن عاشور سَعَى للجلوس على المنصة الشرفية في "المؤتمر الأفخارستي" الكاثوليكي الذي انعقد بالأكروبوليوم بقرطاج (1930) وتم خلاله توزيع مناشير بالعربية تدعو التونسيين إلى اعتناق المسيحية، ولذلك اعتبر التونسيون هذا المؤتمر تحديا لمشاعرهم الإسلامية. (شكري مبخوت، كتابه "تاريخ التكفير")
9.     الكاتب اليساري التونسي، شكري مبخوت، الذي كتب عن تكفير آل سعود لبورڤيبة، تسلّم "جائزة الملك فيصل" من دولة المملكة العربية السعودية. (شكيب درويش)
10.                       الفيلسوف الماركسي التونسي، حمادي بن جابلّه، كتب كتابًا حول عهد المافيوزي بن علي، سمّاه "الثورة الهادئة". (خبرٌ مشهور لا يحتاج إلى مصدر)

الخبر مقدّس والتعليق حرّ: أنا لا أضخّم من أخطاء هؤلاء المثقفين العظماء، وفي نفس الوقت لا أقلّل من شأنها، لذلك يبدو لي أنها لا تمسّ من جوهر إنتاجهم الفكري. ميشيل أونفري فيلسوف فرنسا، وحبيب بن حميدة فيلسوف حمام الشط، يريان خِلافًا لِما أرى، يقولان أنها زلات لا تُغتَفر وتضرب مصداقية المفكرين المتهمين في العمق وتشكّك في نزاهتهم، لا بل تنسفها نسفًا.

إمضائي: "إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence verbale

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 1 ماي 2018.

dimanche 1 mars 2020

تَحَدٍّ تربويٌّ موجّهٌ إلى وزارة التربية وجيشها العرمرم من المتفقدين البيداغوجيين! مواطن العالَم الكسّار



ما سأحبّره قد يبدو للبعض بِدعةً لكنها بِدعةٌ علميةٌ، وبِدَعُ العلم تمثل معالِمَ على الطريق، حتى ولو كانت شاذة عن السائد.

-         محمد كشكار يُنبّه ويقول ويكرّر: متفقدونا البيداغوجيون ناقصون تكوين في الديداكتيك (هي فلسفة التعليم والتعلّم) وعلوم التربية (Pédagogie, Docimologie, Psychologie de l’enfant, TICE, etc). محمد كشكار  يضيف: متفقدونا البيداغوجيون ناقصون تكوين علمي في اختصاصاتهم، وزادهم العلمي لا يفوق ما يتمتع به جل المدرسين، أغلب متفقدينا لم يحصلوا على "كفاءة التبريز" في اختصاصاتهم (L’agrégation)، وهي لَعَمْري في التعليم الثانوي تصلح أكثر من شهادة الدكتورا (في فرنسا كل المتفقدين مبَرَّزين). محمد كشكار يستنتج: متفقدونا البيداغوجيون يمثلون جزءً من المشكل وليس جزءً من الحل! (لا أعمّم، قد يكون فيهم أناس أكفّاء وهم قلة قليلة، ولي فيهم أيضًا أصدقاء حميمين محترَمين جدًّا).
-         متفقدونا البيداغوجيون الأجلاء يؤكدون العكس، ويزعمون أنهم الأقدر والأكفأ على إبتكارِ حلولٍ ملائمةٍ لجل الإشكالية العامة في النظام التربوي التونسي !
-         الحل: "قالُّو: الحصان يصف السدرة.  قالُّو: هذا الحصان وهذي السدرة".

هيّا تعالوا نفعل مثلما فعلت دولة الشيلي عندما قرّرت إصلاحَ نظامها التربوي.
ماذا فعلت؟
أولاً، أذكّر بأنماط التفقد البيداغوجي في العالم: نموذج التفقد الكلاسيكي، نموذج التفقد المركزي، نموذج المراقبة عن بعد والدعم والعلاج عن قرب ونموذج خالٍ من التفقد.
ثانيًا، أعرّف بالنموذج الذي اعتمدته  دولة الشيلي: نموذج المراقبة عن بعد والدعم والعلاج عن قرب: وزارة التربية الشيلية صنفت عددًا من مدارسها التي تعاني من صعوبات لوجستية وتعلمية، ثم عَيّنت متفقدًا في كل واحدة منها، واشترطت عليه أن لا يغادرها قبل أن يجد حلولاً لكل مشاكلها بالتعاون مع كامل أسرتها التربوية. تَطلبت المهمة عامًا، عامين، ثلاثة.. لا يهم.. المهم إنقاذها وإلحاقها بركب المدارس الناجحة.


في تونس، عندنا حوالي 6000 مؤسسة تربوية (مدارس وإعداديات وثانويات) وعندنا حوالي 600 متفقدًا. فلماذا لا نفعلُ مثلما فعلت دولة الشيلي: نختارُ 600 مؤسسة تربوية الأقل حظًّا (تعاني من ضعف النتائج في الامتحانات الوطنية أو من تزايد الانقطاع المبكّر أو من التغيّب المكثف للمدرسين والتلامذة، إلخ.)، ونبعث لكل واحدة منها متفقدًا يسكن فيها، يتعاون يوميًّا مع إدارتها ومدرّسيها على تذليل الصعوبات اللوجستية وتجاوز العوائق التعلمية، ولا يغادرها إلا بعد تحسّن نتائجها حتى ولو تطلب الأمر تمديد إقامته فيها بعامٍ أو عامين.

ملاحظة: سيحتجون عليّ ويقولون: "لكل متفقد اختصاصه". أجيبُ سادتي الأفاضل: البيداغوجيا هي معرفة أفقية عامّة وليست خاصة بمادة معيّنة (الديداكتيك أو إبستمولوجيا التعليم هي وحدها الخاصة والمتعددة: ديداكتيك البيولوجيا، ديداكتيك الفيزياء، ديداكتيك العربية، إلخ.).

إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence verbale

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 1 مارس 2020.