vendredi 22 juin 2018

تجربة جمنة أكثر تضامنًا من الاقتصاد التضامني! مواطن العالَم



كيف؟
في تعاضديات الاقتصاد التضامني، كل الأجراء شركاء في الأرباح، فالتضامن يستفيد منه إذن عددٌ محدودٌ من الأفراد (الهيئة المديرة، الموظفون والعمال). أما في تجربة جمنة فالموظفون والعمال أجراء وليسوا شركاء في الأرباح لذلك أنا أعتبرهم شبه متطوّعين من أجل خدمة المصلحة العامة. الربح كله، كله (مليون دينار صافٍ سنويًّا) يذهب لفائدة المصلحة العامة (مشاريع غير ربحية، اجتماعية، ثقافية وخيرية، مثل التي أنجزتها بجمنة "جمعية حماية واحات جمنة": اشترت سيارة إسعاف تقدّم خدمات شبه مجانية لسكّان جمنة وأحوازها، شيّدت سوقًا بلديًّا مُغطى وقاعات للتدريس وسورًا للمدرسة وقاعة رياضة مغطاة وملعب معشّب، قدّمت إعانات مادية لفائدة التلامذة والطلبة المحتاجين والمعاقين والجمعيات الجهوية الثقافية والخيرية، وشجعت المؤلفين الجُدُدِ). أضِفْ إلى ذلك أن الأحد عشر فردًا، أعضاء الهيئة المديرة الحالية لواحة جمنة (11 ألف نخلة دڤلة نور) يعملون منذ سبع سنوات متطوعين لوجه الله والمصلحة العامة لجمنة وأحوازها (ڤبلي ودوز)، مثالٌ يحتذَي وقمة في نكراء الذات، ملّيمًا أحمرَا.. لا، صندوق دڤلة.. لا.. لا!

تجربة نموذجية فريدة من نوعها في العالم أجمع، وَجَدَ فيها الإسلامي المؤمن ضالّتَه وطبّق حرفيًّا الحديث الشريف "لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، واليساري غير الانتهازي وَجَدَ فيها أيضًا ضالّتَه وطبّق حرفيًّا المبدأ اليساري "مِن كلٍّ حسب جهدِهِ، ولكلٍّ حسب حاجته".

الخلاصة: يبدو لي أنه لا خيارَ أمام الدولة للنهوض بأراضي الدولة (500 ألف هكتار) إلا تعميم تجربة جمنة في الاقتصاد الاجتماعي-التضامني على كامل تراب الجمهورية التونسية.

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 22 جوان 2018.


mercredi 13 juin 2018

الفلسفة صالحتني مع نفسي وعلّمتني كيف أحب قَدَرِي وأرْضَى بما كُتِبَ لي نصيبَا. مواطن العالَم



فيلسوفٌ دخل بيتي والباب مقفلٌ والشبابيك منيعةٌ بالحديد، هَمَسَ في أذنيّ وقال: "أحبَّ قدرك وارْضَ بحلوه ومرّه فليس لك في هذا اختيارٌ".
دخل الثاني، أصبح بيتي منبرًا لهم، شَرَحَ ما قاله الأول: "لو أردتَ أن تكون سعيدًا، تعلّمْ أن تكونَ راضيًا بما عندك، ولا تبتئس بما ليس عندك".
ودون استئذان تكلّم فيلسوف السعادة: " السعادة يا بُنَيْ أن تعوّد نفسَك على تجديد الرغبة في ما لديك، فهذه زُبْدَةُ الحكمة".
نهرني أفصحهم وقال: "أعرفُ أنك سجينُ نفسك وجئتُ لأحرّرك من عبودية انفعالاتك الحزينة، غضبك على مَن ظلموك، خوفك من غدك، جبنك أمام الانتقام، حسَدك لمن سلكوا معك نفس الطريق ثم فاتوك ولقدرك تركوك، استياؤك من وضعك المادي، إحساسك بالذنب لعدم قدرتك على تحقيق ما رسمتَ وخطّطتَ". وكيف عرفتَ: "سيماهم في وجوههم، الانفعالات الحزينة تجعل أصحابها أشقياء". اتركني وحالي، مالك ومالي: "بؤسك مُعدِي". كيف الخلاص: "حياتك ملآنة أفراح دائمة مرتبطة بأفكار ملائمة، مطالعة، كتابة، نشر، قُرّاءٌ بالمئات منتشرون في شتّى بِقاع الأرض وأنت لم تتحرّك من مكانك، قهوة الشيحي كل يوم صباحًا، قهوة الأمازونيا كل يوم مساءً، فلاسفة تقرأهم، فلاسفة تسمعهم، فيلسوف ومثقفون تجالسهم يوميًّا، روتين جميلُ، والله لو كان لدينا ما لديك لحمدنا الله عن وعيٍ وشكرناه بكرة وأصيلا، أنت الفيلسوف لأنك تقول أنك لستَ فيلسوفًا، ونحن جئنا مبهورين بذهولك الدائم وتعجّبك الدائم وسؤالك الدائم وحجاجك الدائم، أنتَ طفلٌ-فيلسوفٌ في الخامسة والستين من عُمُرِهِ"

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 13 جوان 2018.




dimanche 10 juin 2018

لا يمكن أن نحارب الفساد بمنوال اتنموي قتصادي ليبرالي فاسد! مواطن العالَم



On ne peut pas lutter contre la corruption avec un modèle de développement libéral corrompu
الفكرة واضحة جدا وبسيطة جدا والحجة الدامغة والصارخة تتمثل في الآتي: كل الحكومات التونسية المتعاقبة منذ الاستقلال، قبل وبعد الثورة، لم تنجح في محاربة الفساد (الرشوة، المحسوبية، التهريب، التهرّب من الضرائب، الغِش، الاحتكار، الزيادة في الأسعار، إلخ.)، لا بل استفحل وانتشر بصمتها وفي أكثر الأحيان بتواطئها رغم أنها كلها رفعت شعار "محاربة الفساد"، كلمة حق أرِيد باطلٌ. لماذا؟ لأن الفساد لا يمكن أن يُحارب بمنوال اقتصادي تنموي ليبرالي فاسد! وواهمٌ مَن ينتظر العسل من عش الدبابير!

للتوضيح أكثر، أعطي مثالاً حيًّا معاصرًا تحقق على أرض الواقع في تجربة جمنة (مسقط رأسي في ولاية ڤبلي)، تجربة صغيرة في الحجم، كبيرة في المعنى:
1.     قبل التجربة، كان المنوال الاقتصادي التنموي الليبرالي الفاسد سائدًا في تونس: توجد بجمنة واحة على ملك الدولة، تعد 11 ألف نخلة، دخلُها السنوي الحالي يقارب المليونَيْ دينار. عرضتْها الدولة للكراء في صفقة أقل ما يُقال فيها أنها صفقة مشبوهة ويكفي أن تطّلِعوا على معلوم الكراء السنوي حتى تتأكدوا من فساد الصفقة، الصفقة تمّت بالمراكنة (دون نشرٍ) واستُعمِلت فيها المحسوبية والرشوة (20 ألف دينار سنويًّا معلوم كراء لِواحة تدرّ ربحًا سنويًّا يساوي المليون دينار بعد طرح مصاريف العناية بالنخيل). كان المستثمر يضع كل الأرباح في جيبه وبعضها في جيوب مَن يتستّر على فساده من المسؤولين الحكوميين المحلّفين. لم يكن يشغّل إلا عشرة عمال قارّين فقط ولم يوظّف أي مليم في أي مشروع تنموي بجمنة، خيري أو ربحي. منوالٌ تنمويٌّ يخدم المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.
2.     خلال الثورة وقبل هروب بن علي (بالضبط، يوم 12 جانفي 2011)، طُرِد المستثمر الرأسمالي، استرجَع أهالي جمنة ملك جدودهم الذي اغتصبه المستعمر سنة 1910، اغتصابٌ أبّدته الدولة التونسية عوض إرجاع الواحة للجمنين أصحاب الأرض الشرعيين.  تغيّر المنوال التنموي، من منوال تنموي اقتصادي ليبرالي فاسد إلى منوال اقتصادي تنموي تشاركي-تضامني، فتغيّرت معه التنمية: فجأة، سَطَعَ نورُ الشفافية، انقرض الفساد، ذُلِّلت العوائق البيروقراطية، تضاعف الإنتاج وزاد الربحُ المشترك، ارتفع عدد العمال القارّين من 10 إلى 130. أصبح كل المدخول السنوي بعد طرح المصاريف (مليون دينار) يُصرف لفائدة المصلحة العامة حيث أنجزت الجمعية المسيِّرة للواحة عدة مشاريع اقتصادية غير ربحية ومشاريع اجتماعية وثقافية وأخرى خيرية وعمّ خيرها بلدة جمنة وأحوازها.

ملاحظة 1 موجهة للمشككين في المنوال التنموي الاقتصادي التشاركي-التضامني 
(Modèle de développement d`économie sociale et solidaire):
 في فرنسا الرأسمالية الليبرالية يساهم هذا المنوال في الاقتصاد الفرنسي بنسبة 12% ويشغِّل مئات الآلاف من الأجراء-الشركاء.

ملاحظة 2 موجهة إلى المتفائلين المنتظرين خيرًا قد يأتي من حكومة الشاهد: وثيقة المخطط الخماسي لهذه الحكومة تعِد التونسيين برفع مساهمة الاقتصاد التشاركي-التضامني، مساهمة  قد تصل إلى 7% من الاقتصاد التونسي في نهاية 2020. الوعدُ كاذبٌ من أساسه والدليل أن هذه الحكومة نفسها هي التي تحارب اليوم تجربة جمنة وتريد القضاء عليها في المهد خوفًا من انتشارها في كامل تراب الجمهورية، ولو كانت صادقة في وعدها لشجعت تجربة جمنة واعتمدتها كنموذجٍ للمستقبل.

ملاحظة 3: هذه الكلمة أعلاه، ألقيتُها يوم السبت 10 جوان 2018 في مسامرة رمضانية بقاعة الأفراح ببلدية حمام الشط نظمها فرع حزب الجمهوري بحمام الشط تحت إشراف عصام الشابي الأمين العام للحزب والمولدي الفاهم عضو المكتب السياسي وثالث لا أعرف اسمه ورابع لا أريد ذكر اسمه. حضرها جمعٌ غفيرٌ (14 امرأة و46 رجل) وكان عنوانها "الوضع السياسي الراهن".

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 11 جوان 2018.


دفاعا عن منهجيتي! مواطن العالَم



للمرة الألف أدافع عن منهجيتي التي تعتمد التماهي مع الواقع المتخلف بهدف تغييره إلى الأفضل   (Faire avec pour aller contre)،  وسيلةٌ علميةٌ لمحاورة كل مَن يختلف معي في تناول القضايا المجتمعية العامة بهدف تجسير الخلافات بيني وبينهم من أجل إيجاد أرضية مشتركة للفعل - كل من موقعه - ومن أجل خلق تقاطع دائري (Rond-point)     قد يسهل عليَّ وعليهم المرور دون اصطدام والعيش بسلام. 

أنا أعترف أنني فشلت فشلاً ذريعًا في إقناع أقرب وأعز أصدقائي اليساريين بعلمية منهجيتي. أنا أراها تماهيا مع الواقع المجتمعي يهدف إلى التفاعل الإيجاب (Action interactive positive)، وهم يرونها نفاقا ومجاملة ناتجة عن انتهازية وجُبن. والله لو أجبِرتُ على الاختيار بين المواجهة و الجُبن لاخترتُ المواجهة دون تردد والمواجهة الوقحة لا تتطلب علما، وهي أسهل بكثير من التماهي، لكن نتائجها عادة ما تكون عكسية وسيئة. أما عن الانتهازية، فماذا عساه أن ينتظر فقيرٌ من فقيرٍ؟
بحكم اختصاصي العلمي في علوم التربية، أنا أعي جيدا أن التصورات غير العلمية تقاوم ولا تنهزم بسهولة ولا تنفع معها عادة كثرة وتعدد البراهين والحجج
(Les connaissances ne changent pas  automatiquement les valeurs)  
لكنني لا أملك غيرها مع فيضٍ من الحب والاحترام للناس، كل الناس.
للمرة الألف سأحاول وأكرر المحاولة أسوة بـ"سيزيف"، لكنني لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تتلخص منهجيتي في النقاط التالية:
-  التّماهي الذي أمارسه ليس نفاقا اجتماعيا أو مجاملة. أنا أطبق قيمة (Valeur) علمية نبيلة والعلم لا يجامل ولا ينافق والديداكتيك تدعو لتجنب الخطاب الصادم. تتلخص منهجيتي في جملة واحدة: "سايِرْ التصورات غير العلمية ولا تصدم حاملَها حتى يعوضها بنفسه وبمساعدة العلم إلى تصورات علمية". (Faire avec les conceptions non scientifiques pour aller contre ces mêmes conceptions non scientifiques). المسايَرة لا تعني الكذب أو التحيّل أو المغالطة بل تعني تفهم العوائق التي تمنع المتلقي من تقبل التفسير العلمي. تُمثل التصورات غير العلمية (مثلا: الرجل أذكى من المرأة) لصاحبها ملاذًا مُريحا أو عكازين يتكئ عليهما، والشاطر هو مَن يسحب هذين العكازين ويعوضهما بآخرين دون أن يسقِط المتلقي بل يساعده على اكتساب تصورات علمية بإرادته هو وبمشاركته (مثلا: لا يرتبط ذكاء الفرد بجنسه أو حجم جمجمته). المسايرة لا تعني التنازل عن الصرامة العلمية، فالعلم لا ينافق ولا يجامل لكنه لا يناقش المعتقدات بل يجلها ويحترمها ما لم تتعدى على مجاله، والعلم لا يفرق بين نهضاوي وجبهاوي.

-  لم أدّعِ يوما أنني مثقف عضوي ولا أطمح أن أصبح يوما مثقف السلطة، أنا رئيس جمهوريتي وسيّد نفسي، وبكل شفافية أعتبر نفسي ذاتًا حرةً مستقلّة مفكرة وبالأساس مُنتقِدة، أمارس قناعاتي الفكرية بصورة مركبة، مرنة، منفتحة، متسامحة، عابرة لحواجز الحضارات والدين والعرق والجنس والجنسية والوطنية والقومية والحدود الجغرافية والأحزاب والأيديولوجيات. باختصار، أنا مواطن العالَم.

-  قال عبد الله العروي: "لا أحد مُجبرٌ على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". أما أنا فأضيف: للوصول إلى التماهي يجب استعمال خطاب غير جبهوي وغير صادم (Discours non frontal et non traumatisant)  لأن الخطاب الصادم ينفّر ولا يبشّر، فعلينا إذن عند الحوار استحضار التصورات غير العلمية وعدم إهمالها ثم استعمالها وتوظيفها بهدف تفنيدها علميا وتعويضها بتصورات علمية دون المساس بحامليها ماركسيين كانوا أو إسلاميين. هنالك أفراد اختاروا المواجهة وعدم التماهي فهجروا مجتمعاتهم الأصلية والتحقوا بجبهات القتال وقد فعلها الشيوعيون الفرنسيون في إسبانيا فرانكو قبل أن يفعلها الإسلاميون التونسيون في سوريا الأسد وأنا لا أتعاطف مع الفئتين لكنني أحترم فيهم تماهيهم مع عقيدتهم. أما إذا فضّل أحدكم السلم على القتال فيبدو لي أنه قد تماهَى فعلا ورغم أنفه مع مجتمعه دون أن يشعر حتى ولو أنكر ذلك، ولا يحق لِمتماهٍ رغم أنفه وغير راضٍ عن تماهيه وغير واعٍ به أن يزايد على متماهٍ واعٍ مثلي بتماهيه.

-  يلومونني على عدم جرأتي على المعتقدات ويعيبون عليَّ احترامي للمقدسات ويستغربون من تعاطفي مع المتدينين. لا يعرفون أنني أؤمن صدقا بحرّية الضمير والمعتقد ولا يتصورون وجود بشر يحب كل البشر ولا يقصي أحدا ولا يصدقون أيضا أنني لا أريد ولا أرغب فعلا ولا يجوز منطقيا وصف النهضاويين بالجرذان أو الماركسيين بالاستئصاليين لأن لي لدى الخصمين أقارب وأصدقاء ولأن الاثنين لا ينطبق عليهما النعتان. كيف تنتظرون مني أن لا أحب أصدقائي وأقاربي وأبناء وبنات أختي المتدينين وأن لا أحترم أخي الأكبر اليساري حتى ولو اختلفت يساريته عن يساريتي؟ كيف تطلبون مني أن أعادي أصدقائي النهضاويين الذين تقبلوا يساريتي وقدَّروني حق قدري واعترفوا بمجهودي الذهني وأعلوا من شأني ووفروا لي منابر حرة لنشر علمي، وفي المقابل تطلبون مني أن أحترم مَن تجاهلني وأقصاني واستنقص من شأني وجرّدني من عنواني ولم يفوّت فرصة إلا ونهشني في حضوري وطبعا في غيابي إلا قلة قليلة مِن اليساريين الذين آمنوا فعلا بأن الاختلاف في الرأي لا يُفسِدُ للوِدِّ قضية؟

خلاصة القول:
قال عبد الله العروي: "لكي نحافظ على أسباب التقدم لا بد من الإبقاء على حقوق المخالفين في الرأي، لأن الاختلاف هو أصل الجدال والجدال هو أصل التقدم الفكري والابتكار".

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 15 أوت 2015.

samedi 9 juin 2018

لماذا أفضِّلُ الخطابَ التوافقيَّ على الخطابِ الصداميِّ؟ مواطن العالَم



خطابٌ توافقيٌّ غير صداميٍّ وغير عدوانيٍّ، أعتمده دائما في مقالاتي، إنتاجًا و تأثيثًا، ليس تقية أو نفاقا ولا حتى مجاملة كما قد يتبادر إلى ذهن بعض القرّاء الصادقين النزهاء غير الأيديولوجيين، بل هو منهجية علمية تعلّمية درستها في المرحلة الثالثة تعلمية البيولوجيا في جامعة كلود برنار بليون 1 فرنسا. هذه المنهجية العلمية البيداغوجية تتلخّصُ في تجنّب الخطاب الجبهوي الصادم المعادي، أتجنبه لأنه خطابٌ عقيمٌ لا يوصل المعلومة سليمة من الباث إلى المتلقي. أفضّل اعتماد منهجية "اعْمَلْ مع لتسِيرَ ضد" (Faire avec pour aller contre)، اعْمَلْ مع التصورات غير العلمية (الموروثة والموجودة فعلا في كل المجالات وفي كل الإيديولوجيات) لتسِيرَ ضد نفس هذه التصورات غير العلمية، أما في المسألة الدينية، فالدينُ لا يقع تحت سلطان العلم، الإيمانُ نورٌ قذفه الله في القلب كما خَلُصَ إلى ذلك الفيلسوف القروسطي أبو حامد الغزالي، والإيمانُ أسمَى من العلم بكثيرٍ. أفضِّلُ مرافقة المتلقي بأسلوب علمي بحت للوصول به إلى مرحلة البناء الذاتي-الاجتماعي لتصوراته العلمية بغض النظر عن الإيديولوجية والدين حتى يتجاوز تصوراته غير العلمية بكل حرية ودون ضغط، لا من الدين ولا من الأيديولوجية. هذه المنهجية تعتمد على نظرية العالِم بياجي وزميله فيقوتسكي وتُسمَّى "المدرسة البنائية الاجتماعية".

نحن العربَ، مسلمي ومسيحيي القرن الحادي والعشرين، نتموضع معرفيًّا (Épistémologiquement) في الوقت الراهن في المنعطف التاريخي الذي تموضع فيه قبلنا الأوروبيون أي في الحد الفاصل بين العصور الوسطى وعصر النهضة (Époque étalée sur une période qui va du XIIe au XVIe). هذا تشخيصٌ أصبحتُ الآن شبه متأكدٍ منه بعد حوالي ثلاثين سنة من التيه والدوران والضياع الأيديولوجي، قضيتها في شك دائم ويقين مؤقت، قضيتها في قراءات متعددة ومتنوعة باللغة الفرنسية، جلها ماركسي وبعضها علمي بيولوجي أو وجودي أو قومي أو إسلامي. لذلك احتطتُ اليوم لنفسي وارتبطتُ منذ سنوات بمشروع النهضة العربية الإسلامية كتابة ونشرا، ثم نقلا أو تأثيثًا أو تعليقا على رواد النهضة الفكرية العربية الإسلامية من أمثال المفكرين العرب المسلمين النهضويين التنويريين القدماء والمعاصرين: جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، الأمير عبد القادر الجزائري، أبو القاسم الشابي، الطاهر الحداد، طه حسين، جمال البنّا، نصر حامد أبو زيد، علي عبد الرازق، صادق جلال العظم، هاشم صالح، عبد الله العروي، محمد أركون، حسين مروة، علي حرب، محمد الشريف الفرجاني، عبد المجيد الشرفي، هشام جعيط، محمد الطالبي، آمال ڤرامي، محمد حداد وغيرهم ممّن لم أقرأهم. كان ذلك لي عزاء في غُربتين أو عدة غُربات دفعة واحدة: غُربة عن اللغة العربية، غُربة عن الأرض والتاريخ، غُربة عن التراث الأمازيغيي أوالعربي أو الإسلامي، غُربة عن مجتمعي التونسي، غُربة عن الأصالة والذات وهذه الأخيرة هي غُربة الغُرُبات.

أجتهدُ، أقرأُ، أكتبُ، أترجمُ، أنقلُ، أؤثِّثُ، أعلقُ، وأنشرُ يوميا في الفيسبوك، أفعل كل هذا، لا طمعًا في جاهٍ أو حبًّا في مالٍ أو منصبٍ. أقومُ بكل هذا من أجل متعتي الفكرية الخاصة الذاتية وما أروعها متعة، متعةٌ عظيمة لا يساويها أجرٌ مهما عَظُمَ، متعة حُرِم منها السياسيون والمنتمون والأيديولوجيون المتعصبون والمثقفون المأجورون، مرتزقةُ السلطةِ.

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 10 جوان 2018.Haut du formulaire


vendredi 8 juin 2018

كيف أفهم ديني؟ مواطن العالَم



في صدري آخر دين توحيدي في تاريخ البشرية. دين يشمل البشرية بأسرها وليس فقط المسلمين أو اليهود أو المسيحيين أو البهائيين. دين غير إقصائي وغير عنصري وغير متعصب. دين أتى برسالة للعالمين. دين أممي عالمي غير قومي وغير وطني وغير طائفي. أفهمه كدين للمحبة والتقى والورع والتسامح والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة البشرية. دين يحس بآلام الإنسان أيًّا كان دينه أو مذهبه أو طائفته أو عرقه أو جنسه أو جنسيته. دين لا يفرّق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. دين يعترف ويكرّم ويبجل ويحترم كل الأديان وكل الرسل وكل الأنبياء الذين سبقوه. أفهم الدين كعلاقة حميمة عمودية خاصة مباشرة مع الله. وللأسف الشديد، لقد فهمه غيري كشعائر وطقوس خارجية يمارسها المسلم بشكل ميكانيكي أو آلي مُفرغ من كل معنى روحي أو تأثير أخلاقي على الشخص المسلم نفسه قبل غيره. قد يمارس بعض المسلمين جميع الطقوس بخشوع مشهدي وبكل مواظبة وانتظام، لا خوفًا من الله بل خوفًا من محاسبة المجتمع، والدليل أنهم هم أنفسهم الذين يغشّون في تجارتهم وأعمالهم أو يحقدون على جيرانهم لأنهم ليسوا من دينهم أو مذهبهم.. ما نفعُ التديّن في مثل هذه الحالة؟ لقد فهموا الدين الإسلامي كطاعة سلبية وخضوع لعلماء الدين ودعاته. وقد استولى هؤلاء الأخيرين على العقيدة الإسلامية واستخدموها ووظفوها واستغلوها أسوأ استغلال لإشباع جشعهم ومآربهم ومآرب ملوكهم وأمرائهم ورؤسائهم. بل وحرّفوا المقاصد النبيلة للدين الإسلامي عن مسارها الصحيح، وقسّموا الناس إلى شيعة وسنّة وسلفية وإباضية، إلى حنفية وشافعية ومالكية وحنبلية، إلى إسلاميين وعَلمانيين، إلى أصوليين وحداثيين، إلى مذاهب إسلامية متناقضة متناحرة متباغضة متقاتلة، واستغلوا خشوع عامة المسلمين وميلهم للتقى والإحسان لكي يأخذوا منهم الصدقات والزكاة ويراكموا الأموال ويبنوا القصور أو يموّلوا الإرهاب في سوريا وليبيا والعراق.. وهكذا شاع الشقاق والنفاق والحسد والغيرة والأحقاد في المجتمعات العربية والإسلامية مما وفّر أرضية خصبة لانتشار الحروب الأهلية في جل الدول العربية والإسلامية، ولم يبق من الدين الإسلامي إلا المظاهر الخارجية الفارغة، والأحكام المسبقة المتوارثة التي تحوّل البشر إلى وحوش عن طريق الطائفية والمذهبية والتعصب والجهل والتزمت، وذلك لأنها تحرم المسلمين الأميين والمتعلمين غير المثقفين من استخدام عقولهم بشكل حر وتخنق فيهم شعلة العقل البشري. هذا العقل، ينبغي أن ننطلق منه لكي نؤسس مجتمعا آخر أكثر حرية وأكثر إنسانية. إن القرآن يعلمنا أفضل القيم الأساسية الضرورية لسلوكنا اليومي في الحياة. إنه يعلمنا أن الله موجود، أيّاً كان تصورنا له، ويعلمنا أن الله يسهر على مصير البشر، كل البشر دون تمييز، يشملهم بعنايته ويأمرهم بأن يحبوا بعضهم بعضا. ألم يقل الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وهل وُجِد في التاريخ البشري تسامحٌ أكبر من هذا التسامحِ؟ فكيف حوّل بعض علماء الدين ودعاته رسالة محمد السمحة هذه إلى تعصب ودعوة للعنف وإكراه في الدين وملاحقة لكل عالِم أو مفكر أو مبدع أو فنان أو فيلسوف مسلم عَلماني؟ كيف حوّلوا الشيء إلى نقيضه وحرّفوا الدين عن مبادئه الأصلية السامية؟ في الواقع إن الدين بالنسبة لي هو المحبة والتسامح والحرية المطلقة والكرامة البشرية والعدالة الاجتماعية والمعاملة الحسنة والسلوك المستقيم أولا وأخيرا. وأما كل ما عدا ذلك فطقوس وشعائر تختلف من هذا المذهب إلى ذاك ولا تؤثر في الجوهر الطاهر الخالص. في نظري، هنالك جوهر للدين يراه مَن يخشى الواحد القهّار فقط، وهنالك قشور وقوالب خارجية يطبقها كثرة من خُشاة المجتمع وقلة من خُشاة الله والمجتمع، والمهم هو الجوهر لا القشور. المهم هو الرسالة الروحية التي علمنا إياها الرسول والتي تدعو أساسا إلى التقى والعمل الصالح. فليس بالحقيقة وحدها يحيا الإنسان، وإنما بالوهم والحلم والخطأ أيضا. وكما قال هاشم صالح: "ليس بالماديات وحدها يحيا الإنسان، على عكس ما علّمتنا الوضعية الاختزالية  (Le positivisme réducteur)، أو الماركسوية الفجّة والكسيحة".

قال الرسول محمد، صلى الله عليه و سلم: "مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدَهُما". أي يتحمل القائل مسؤولية الكفر إن كانت التهمة باطلة، وهي في جميع الأحوال باطلة، لأن القائل لا يعلم ما في السرائر، فهو إذن متجنِّ حتى ولو كان المتهم كافرا فعلا، فعِلم الكافر وحسابه عند الله، والله وحده العلاّم بما في  القلوب.
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ".
الشك طريق إلى مزيد من الشك، في العلم بالطبع وليس في الدين، فالدين بطبيعته لا يتحمل الشك وهو يقين من أوله إلى آخره أو لا يكون.

قال صديقي النهضاوي بكّار عزوز، أفضل نهضاوي عرفته حتى الآن: "أفضلُ هديةٍ أقدمها للناس هي الإسلام. فهل أستطيع أن أقدّم هديةً لشخصٍ أكرهه؟ طبعًا لا! فقَدَرُ المسلمِ إذن أن يحب الناس جميعًا، المسلم والمسيحي واليهودي والبهائي والملحد والمثلِيّ، إلخ". أستاذ قرآن بباريس، لا يستحي من حَثِّ طلبته على البِرِّ بالأم حتى ولو كانت مومسًا. ديقراطي وتقدّميٌّ لأنه يقف ضد جميع أنواع العقوبات البدنية مهما كان المجرم ومهما كانت الجريمة التي ارتكبها، ينقد النهضة أكثر مني، هو ابنها ويعرفها أكثر مني، لا يرى غضاضةً في مجالسة الأصدقاء في المقهى-الحانة بباريس ويطلب لنفسه كوكا، وهو الذي يقدّم القهوة في رمضان لضيفه الفاطر، وهو الذي يؤجّلُ صلاته عندما يكون ضيفًا عابرًا لدى صديقٍ لا يصلّي حتى لا يُحرِج مضيّفه. هو الأقرب لليساريين الجمنيين والفرنسيين، وأول ما يحطّ الرحال بتونس، يطلبني، أشبع نقدًا للنهضة وهو يبتسم، يشبع نقدًا في الجبهة وأنا أبتسم، ثم نتفارق بالأحضان على أمل اللقاء مجدّدًا. سمعتُ مرّة بكتابٍ عن الإلحاد  (Traité d'athéologie, Livre de Michel Onfray)، رغِبتُ في قراءته، ثمنه باهظ جدًّا في تونس، هاتفتُه وكنتُ متأكدًا أنه قرأه، بعثه لي على الفور.

إمضائي
"و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا". هاشم صالح
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 9 جوان 2018.


lundi 4 juin 2018

كَمْ أخافُ على توازنِ ابني النفسي والاجتماعي (16 سنة) عندما أقارنُ طفولتي بطفولته! مواطن العالَم



أبدأ بطفولتي في الخمسينيات من القرن الماضي في مسقط رأسي جمنة (ولاية ڤبلي):
-         كنّا نلعب بالساعات دون رقيب ولا حسيب، نصنع لعبنا بأنفسنا، نلعب "غمّيضة" و"درڤيلة" و"كرّوسة" و"خوطة" و"بالّون بريزونييه"، نصطاد الطيور بـ"الشِّرْكة" وجرابيع الصحراء بالحيلة ومرّة واحدة الجراد بالخرواطة (كيس).
-         على ظهور بهائمنا، كنّا نجلب الماء من العين و"الحشيش" (العشب) من السانية، ونسافر على ظهورها أيضًا إلى سوق دوز (12كلم) وسوق ڤبلي (15كلم) نبيع تمرًا أو حَوالِيَ (البرنس الليبي).
-         في العيدَين، الصغير والكبير، كنّا نعيّدُ بالحضن والبَوْسِ على نصف أهل قريتنا تقريبًا (3000 ساكن حينها).
-         كنّا نزور الأولياء الصالحين على بعد 3كم (سيدي حامد بوڤَبْرِينْ) وحتى على 30كلم (أمي الدالية)، خاصة يوم "الزردة" لنأكل كسكسي باللحم (يصلنا منه بضع أسلاك معدودة).
-         نحتفل بعاشوراء ونفرح كثيرًا بـ"جمل عاشوراء"، هيكلٌ يشبهه، نملؤه بأجسامنا الصغيرة ونحمل جمجمة جمل حقيقية، نحرك الفكّين بخيوط، ولكل جهة (حي) جَمَلُها، عركة والانتصار للأحذق في الازدحام دون خصام.
-         في سن الـ15، عملتُ في المرمّة (البناء) وفي الشانطي (الحضيرة) وبعتُ اللاڤمي (حليب النخلة) وحساء الفول في المَشْرَبْ (آنية فخار مطلي صغيرة ومكوّرة بعروتين) وفلحتُ الأرض وجنيتُ الفول والفلفل.
-         سهرنا الليالي حول المذياع نستمع لروايات الدغباجي والبشير بن سديرة.
-         سمعنا "خُرّاف" (حكيات) الجارة والجار حول الغول وسيدنا علي و"الزازية" وبوزيد الهلالي.
-         تداوينا بالأعشاب وآيات القرآن وشُفِينا.
-         عُمنا في العين القديمة وفي شرشارة العين الجديدة.
-         سرقنا العنب والخوخ والتفاح ليلاً، ثمارًا طازجة لذيذة، وأكلناها دون غسيل. واقترفنا ذنوبًا أشنعَ يمنعني الحياء واللياقة من ذكرها، لكنني واثقٌ تمام الوثوق أن الله سيغفر للصغار ما خفي من زلاتهم وما ظهر. 

طفولة ابني بعد سنة 2000 في مسقط رأسه مدينة حمام الشط: والله العظيم لم يفعلْ المسكينُ شيئًا واحدًا مما فعلتُ. كيف يقضي إذن أوقات فراغه؟ يقضيها كلها مع مخه الخارجي الساكن في الحاسوب. بِحَيرَةِ أبٍ خائفٍ على توازنِ ابنه النفسي والاجتماعي، وبِجدٍّ أتساءل: هل الفضاء الافتراضي قادرٌ على تعويض الفضاء الحقيقي، وهل سيتعلم ابني من الافتراضي ما تعلمتُ أنا من الحقيقي؟ أتمنى من كل قلبي أن تكون الإجابة بنعم!

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 4 جوان 2018.