dimanche 10 juin 2018

دفاعا عن منهجيتي! مواطن العالَم



للمرة الألف أدافع عن منهجيتي التي تعتمد التماهي مع الواقع المتخلف بهدف تغييره إلى الأفضل   (Faire avec pour aller contre)،  وسيلةٌ علميةٌ لمحاورة كل مَن يختلف معي في تناول القضايا المجتمعية العامة بهدف تجسير الخلافات بيني وبينهم من أجل إيجاد أرضية مشتركة للفعل - كل من موقعه - ومن أجل خلق تقاطع دائري (Rond-point)     قد يسهل عليَّ وعليهم المرور دون اصطدام والعيش بسلام. 

أنا أعترف أنني فشلت فشلاً ذريعًا في إقناع أقرب وأعز أصدقائي اليساريين بعلمية منهجيتي. أنا أراها تماهيا مع الواقع المجتمعي يهدف إلى التفاعل الإيجاب (Action interactive positive)، وهم يرونها نفاقا ومجاملة ناتجة عن انتهازية وجُبن. والله لو أجبِرتُ على الاختيار بين المواجهة و الجُبن لاخترتُ المواجهة دون تردد والمواجهة الوقحة لا تتطلب علما، وهي أسهل بكثير من التماهي، لكن نتائجها عادة ما تكون عكسية وسيئة. أما عن الانتهازية، فماذا عساه أن ينتظر فقيرٌ من فقيرٍ؟
بحكم اختصاصي العلمي في علوم التربية، أنا أعي جيدا أن التصورات غير العلمية تقاوم ولا تنهزم بسهولة ولا تنفع معها عادة كثرة وتعدد البراهين والحجج
(Les connaissances ne changent pas  automatiquement les valeurs)  
لكنني لا أملك غيرها مع فيضٍ من الحب والاحترام للناس، كل الناس.
للمرة الألف سأحاول وأكرر المحاولة أسوة بـ"سيزيف"، لكنني لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تتلخص منهجيتي في النقاط التالية:
-  التّماهي الذي أمارسه ليس نفاقا اجتماعيا أو مجاملة. أنا أطبق قيمة (Valeur) علمية نبيلة والعلم لا يجامل ولا ينافق والديداكتيك تدعو لتجنب الخطاب الصادم. تتلخص منهجيتي في جملة واحدة: "سايِرْ التصورات غير العلمية ولا تصدم حاملَها حتى يعوضها بنفسه وبمساعدة العلم إلى تصورات علمية". (Faire avec les conceptions non scientifiques pour aller contre ces mêmes conceptions non scientifiques). المسايَرة لا تعني الكذب أو التحيّل أو المغالطة بل تعني تفهم العوائق التي تمنع المتلقي من تقبل التفسير العلمي. تُمثل التصورات غير العلمية (مثلا: الرجل أذكى من المرأة) لصاحبها ملاذًا مُريحا أو عكازين يتكئ عليهما، والشاطر هو مَن يسحب هذين العكازين ويعوضهما بآخرين دون أن يسقِط المتلقي بل يساعده على اكتساب تصورات علمية بإرادته هو وبمشاركته (مثلا: لا يرتبط ذكاء الفرد بجنسه أو حجم جمجمته). المسايرة لا تعني التنازل عن الصرامة العلمية، فالعلم لا ينافق ولا يجامل لكنه لا يناقش المعتقدات بل يجلها ويحترمها ما لم تتعدى على مجاله، والعلم لا يفرق بين نهضاوي وجبهاوي.

-  لم أدّعِ يوما أنني مثقف عضوي ولا أطمح أن أصبح يوما مثقف السلطة، أنا رئيس جمهوريتي وسيّد نفسي، وبكل شفافية أعتبر نفسي ذاتًا حرةً مستقلّة مفكرة وبالأساس مُنتقِدة، أمارس قناعاتي الفكرية بصورة مركبة، مرنة، منفتحة، متسامحة، عابرة لحواجز الحضارات والدين والعرق والجنس والجنسية والوطنية والقومية والحدود الجغرافية والأحزاب والأيديولوجيات. باختصار، أنا مواطن العالَم.

-  قال عبد الله العروي: "لا أحد مُجبرٌ على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". أما أنا فأضيف: للوصول إلى التماهي يجب استعمال خطاب غير جبهوي وغير صادم (Discours non frontal et non traumatisant)  لأن الخطاب الصادم ينفّر ولا يبشّر، فعلينا إذن عند الحوار استحضار التصورات غير العلمية وعدم إهمالها ثم استعمالها وتوظيفها بهدف تفنيدها علميا وتعويضها بتصورات علمية دون المساس بحامليها ماركسيين كانوا أو إسلاميين. هنالك أفراد اختاروا المواجهة وعدم التماهي فهجروا مجتمعاتهم الأصلية والتحقوا بجبهات القتال وقد فعلها الشيوعيون الفرنسيون في إسبانيا فرانكو قبل أن يفعلها الإسلاميون التونسيون في سوريا الأسد وأنا لا أتعاطف مع الفئتين لكنني أحترم فيهم تماهيهم مع عقيدتهم. أما إذا فضّل أحدكم السلم على القتال فيبدو لي أنه قد تماهَى فعلا ورغم أنفه مع مجتمعه دون أن يشعر حتى ولو أنكر ذلك، ولا يحق لِمتماهٍ رغم أنفه وغير راضٍ عن تماهيه وغير واعٍ به أن يزايد على متماهٍ واعٍ مثلي بتماهيه.

-  يلومونني على عدم جرأتي على المعتقدات ويعيبون عليَّ احترامي للمقدسات ويستغربون من تعاطفي مع المتدينين. لا يعرفون أنني أؤمن صدقا بحرّية الضمير والمعتقد ولا يتصورون وجود بشر يحب كل البشر ولا يقصي أحدا ولا يصدقون أيضا أنني لا أريد ولا أرغب فعلا ولا يجوز منطقيا وصف النهضاويين بالجرذان أو الماركسيين بالاستئصاليين لأن لي لدى الخصمين أقارب وأصدقاء ولأن الاثنين لا ينطبق عليهما النعتان. كيف تنتظرون مني أن لا أحب أصدقائي وأقاربي وأبناء وبنات أختي المتدينين وأن لا أحترم أخي الأكبر اليساري حتى ولو اختلفت يساريته عن يساريتي؟ كيف تطلبون مني أن أعادي أصدقائي النهضاويين الذين تقبلوا يساريتي وقدَّروني حق قدري واعترفوا بمجهودي الذهني وأعلوا من شأني ووفروا لي منابر حرة لنشر علمي، وفي المقابل تطلبون مني أن أحترم مَن تجاهلني وأقصاني واستنقص من شأني وجرّدني من عنواني ولم يفوّت فرصة إلا ونهشني في حضوري وطبعا في غيابي إلا قلة قليلة مِن اليساريين الذين آمنوا فعلا بأن الاختلاف في الرأي لا يُفسِدُ للوِدِّ قضية؟

خلاصة القول:
قال عبد الله العروي: "لكي نحافظ على أسباب التقدم لا بد من الإبقاء على حقوق المخالفين في الرأي، لأن الاختلاف هو أصل الجدال والجدال هو أصل التقدم الفكري والابتكار".

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 15 أوت 2015.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire