lundi 25 novembre 2024

يا شُعْبَوِيّو العالَم، اتّحِدوا واصمُدوا ضدّ المثقفينَ الانتهازيينَ المتبرجِزِينَ وضدّ سجناءِ براديڤمات الإيديولوجياتِ المتكلسةِ الرجعيةِ والحداثيةِ، وضدّ أحزابِ السلطةِ وأحزابِ المعارضةِ ! مواطن العالَم

 

 

أيها الأصدقاء والقرّاء الكرام، أهنؤكم بالعام الجديد، عام 2019، وأتمنى لكم التوفيق في جميع أعمالكم، وبهذه المناسبة السعيدة أهدي لكم هذا المقال: مقالٌ "شُعْبَوِيٌّ" بامتيازْ !

Populistes du Monde, Citoyen du Monde vous lance un appel : Unissez-vous.

تحية من شُعْبَوِيٍّ إلى كل رفاقِه الجُدُدِ، شُعْبَوِيِّي العالم (مقالٌ مستوحَى من لوموند ديبلوماتيك ومن زميلي وصديقي، العصيّ عن التصنيفِ الإيديولوجي، مراد جرادي).

معادٍ للديمقراطية، كل مَن يُحقِّرُ من احتجاجاتِ الشعبِ العفويةِ ويَنعتُها بـ"الشعبويةِ"، لأن الكل يعي اليوم أن الاستعمال المكثف لسبّة "الشعبوية" من قِبل بعض المتعالين من مثقفي السلطة والمعارضة، لا يهدف إلا لتشويه الاحتجاجات الشعبية العفوية والمتتالية في مناطق الظل في الداخل والعاصمة ضد المنوالِ الاقتصاديِّ والثقافيِّ المستورَدِ، المنبَتِّ والمهيمِنِ في تونس منذ الاستقلال حتى الساعة، منوال يعاديهم بشراسة.

المشكل يكمن في أن هؤلاء المحتجين "الشعبويين" العفويين لا يحملون إيديولوجيا ولا برنامج انتخابي ولا نظام سياسي بديل ولا يتكلمون بلسانٍ مبينْ ولا يفكرون بالمنطق المتعفن للمثقفين الجبناء الانتهازيينْ، ولا منبر لهم ولا ممثل لهم ولا يتسابق الاتحاد ولا الرابطة للتوسط لهم، منكورين ومنبوذين من قِبل وكلاء السلطة والمعارضة والنخبة المثقفة. رغم ذلك فهم لا يقلون عنهم جميعًا أهمية، أو بطريقة أوضح، هم تعبيرةٌ مباشرةٌ عن هموم الشعب ومشاغله اليومية، لغتهم أرقَى من لغة ناكريهم وخطابهم أصدقَ من خطابِهم.

شعبٌ متأهِّبٌ دومًا لشنِّ هجومٍ على الطغمة الحاكمة وعلى بديلِها المتربصِ به في المعارضة (وجهان لطغمةٍ واحدة). شعبٌ يطالبُ بتجذيرِ الديمقراطية، ديمقراطية المساواة في الحقوق وتكافئ الفُرص، لا ديمقراطية التمثيل والتدجيل المتسترة وراء ديكتاتورية الصندوق أو ديكتاتورية البروليتاريا.

هذا الشعب، غير المحدّد وغير محدود الموارد، الذي يجب خلقه وإيجاده إن لم يوجد بعدُ، ثم نحته وصقله تحت نيران المواجهة. هو وحده، ولا أحد غيره، القادر على نسج علاقات تضامنية في لمح البصر ودون سابق إعلام أو إنذار، علاقات ذاتية وموضوعية تسهِّل نضالاته وتدعّمها.

السؤال: كيف الطريق إلى منعِ تَفكّكِ هذه القوةِ الجديدةِ المنبثقةِ وتَجنّبِ تمزّقِها وتَفتتِها بنفسِ السرعةِ التي تَكوّنتْ بها ؟ عندي إجابة جزئية، تجربة محدودة في الزمان والمكان لكنها تجربة حبلَى بالمعاني والأماني: تجربة جمنة بدت في الوهلة الأولى "شعبوية" للكثير من مثقفي أحزاب السلطة والمعارضة (استرجاع حق مغتصب منذ قرنٍ)، لذلك لم يساندها هؤلاء في بداياتها وبقوا طويلاً مبهورين حيالها لكنهم بقوا أيضًا مترددين. تجربةٌ جمنة تكونت نسبيًّا بسرعة (اعتصام 100 يوم)، لكنها صمدت ولم تتفكك بل هي التي انتصرت وفككت الحصارَ المضروبَ حولَها، أوفت بوعدها، أنجزت ما عجزت الدولة عن إنجازه. تجربةٌ جمنة أصبحت منارة ومحجة للباحثين الجامعيين من تونس وجميع أنحاء العالَم، وموضوعًا هامًّا للملتقيات العلمية. تجربةٌ جمنة، حُبِّرَتْ حول نجاحاتها عديدُ الرسائلِ في الماجستير والدكتورا، ألِّفَ فيها كتابٌ تطوّعًا (جمنة وفخ العولمة، محمد كشكار، 2016، وُزّعت منه 900 نسخة مجانًا في كامل أنحاء الجمهورية)، نُشِرَ حولها مئات المقالات والفيديوهات، أخرِجَ حولها فيلم وثائقي، وزارها آلاف المعجبين التونسيين والأشقاء والأجانب. تجربةٌ جمنة، اشتدّ اليوم عودُها ولم يعد قابلا للكسرِ، بل أصبحَ نموذجًا نوعيًّا  يُدرَّسُ في الاقتصاد الاجتماعي التضامني، وبالنسبة للآخرين أملاً يرتجَى ومثالاً يُحتذَى.

أما عن أفكاري أنا شخصيًّا فقد قال عنها بعض رفاقي: "هرطقات كشكارية وأفكار شعبوية وستين شعبوية". انتبِهوا جيدًا، لم أعمّم ولستُ ناكرًا لانتمائي اليساري ما قبل الماركسي، بل أعتزّ به دون تعصّبٍ أو إقصاء، فكل التونسيين أهلي وإخوتي، بإسلامييهم وقومييهم وماركسييهم (لي صديق ماركسي واثنين تروتسكيين، أحلى من العسل على قلبي): هل يُعتيَرُ شعبويًّا مَن يطالب بحذف المعاهد النموذجية وأسلاك المتفقدين والقيمين. هل يُعتيَرُ شعبويًّا مَن يريدُ تجريم الإضراب في القطاع العمومي. هل يُعتيَرُ شعبويًّا مَن ينادي بالتقشف في مصاريف الدولة وحرمان كل المسؤولين من سكن وظيفي وسيارة وظيفية ووصولات بنزين مجانية. هل يُعتيَرُ شعبويًّا مَن يلِحّ على مجانية النقل العمومي في كامل تراب الجمهورية. هل يُعتيَرُ شعبويًّا مَن يقول أن الحاكم يكذب على الشعب عندما يقول أن الدولة ليست لها ميزانية تزيدها في مرتبات الأجراء الفقراء، هل يُعتيَرُ شعبويًّا مَن يرى أن الحل لأزمتنا المزمنة يكمن في الرجوع إلى الأصل وإحياء عاداتنا المتصالحة مع البيئة وتثمين قيمنا التضامنية الأمازيغية-العربية-الإسلامية. إذا كانت هذه هي الشعبوية التي تقصدونها، يا حرّاس المعبد، دون أجرٍ سوى الفتات، فأنا "شعبوي وستين شعبوي"، ويشرّفني ذلك.    

 

يبدو لي أنه من الصعب جدا تصنيف هؤلاء المحتجّين حسب قواعد علم الاجتماع التي قد تختزلها وتربطها بمطالب فئوية آنية ضيقة.

المؤلفة البلجيكية "مُوفْ" لا تحلم  (Chantal Mouffe, Pour un populisme de gauche, Albin Michel, Paris 2018, 144 pages, 14 euros): هي تعِي جيدًا أن الحركات العفوية الأفقية (المظاهرات، الاعتصامات، الاحتجاجات) لها تأثير محدود: هذه الحركات، التي رفضت كل وساطات النواب والاتحاد والرابطة والأحزاب والشخصيات المحذوفة، هي حركات لا تدعو إلى تأسيس نظامٍ جديدٍ ولا إلى القطعِ مع الديمقراطية الليبرالية التعددية، هي فقط ترفض "التصنيفات المجرَّدة" التي يتبنّاها المثقفون واليساريون المتطرّفون الذين، وبسبب عدم اهتمامهم بمطالب الشعب الحقيقية، لن يخرجوا قريبًا من هامشيّتهم. 

يبدو لي أيضًا أن هؤلاء المحتجّين يكوّنون خليطًا بشريًّا غيرَ متجانسٍ ثقافيًّا، لكنهم، وعكس ما يروِّج له أبواق السلطة ومَن لَفَّ لفّهم، متحدون في مطالبتهم بتجذيرِ الديمقراطية وفرض المساواة أمام القانون. جسمٌ يتكون بسرعة ويتفرّق بنفس السرعة، لذلك يصعب، بل ربما يستحيل تسلمه لمقاليد السلطة من أجل تحقيق مطالبه، خاصة في مواجهة سلطة متماسكة صلبة غير هشة وغير سائلة، سلطة شرسة لا تتردد في استعمال السلاح لو شعُرت بتهديدٍ جدي لمصالحها الكبرى وامتيازاتها المتعددة، سلطة تسند ظهرها بيروقراطية المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل. هؤلاء المحتجّون لا ينتظرون شيئًا أيضًا من أحزاب المعارضة (بديلُ السلطة، الذي ينتظر دوره باستكانة، سيفعل مثل الحاكم الحالي أو أشنع منه لو وصل أو أوصلوه للحكم).

 

Référence: Le Monde diplomatique, décembre 2018, Extrait de l`article « Politique. Un peuple en construction », par Serge Halimi, président, directeur de la publication, p. 26.

 

إمضاء مواطن العالَم، أعرّف نفسي كشخص تطوّعي-تضامني-اجتماعي، نسبة إلى تجربة في الاقتصاد الاجتماعي-التضامني، تجربة لا شرقية ولا غربية، تجربة أصيلة ونوعية ومبتكرة في جمنة مسقط رأسي والناقدُ لا يُطالَبُ ببديلٍ. البديلُ ليس جاهزًا. البديلُ يُصنَعُ ولا يُهدَى.  وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي.

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو

و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

 

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 1 جانفي 2019.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire