حقُّ الإنسانِ في ملكيةِ الأرضِ التي يُفلِحُها، حقٌّ لا تختلفُ في أحقِّيتِه الشرائعُ
السماويةُ والأرضيةُ: قال الرسول صلى الله عليه وسلم «من أحيا أرضاً ميتة فهي له،
وليس لعِرق ظالم حق»، وهذا ما يتفق مع الشعار المعاصر الذي يرفعه اليساريون «الأرض لمن
يفلحها».
الوضعُ الحالي الظالمُ للمرأةِ:
- في الشمال الغربي، يبدو لي أن عدد النساء الأميات الأجيرات العاملات في
القطاع الفلاحي يفوق عدد الرجال الأميين الأجراء في نفس القطاع. ومن المؤكد أنهن
لا يملكن ولو شِبرًا واحدًا في الأرض مكان العمل ولا في القطعة الصغيرة مِلكِ
زوجِها، وأكثرهن ليس لهن حسابًا جاريًا بريديًّا أو بنكيًّا، لذلك لا يتمتعن
بالقروضِ الفلاحيةِ، ويُستَثنَون من المشاركة في الدورات التدريبية في المراكز
العمومية للتكوين الفلاحي.
- في الجنوب الغربي (وفي جمنة بالذات)، تعملُ النساءُ جنب الرجال. تُربّي
الصغارَ وتَروِى الماشيةَ والنخيلَ. وحين يذهبُ الزوج للعمل بفرنسا تتحمل الزوجة
المسؤولية كاملةً في رعاية الغابةِ (أو السانية أو الڤْتارْ)، وعادةً ما يموت
الزوج قبلها جرّاء مشقة العمل في فرنسا فلا تتزوج بعده على عكس ما يفعله الرجلُ
الأرملُ، يُعجِّلُ بالزواجِ. لكن وللأسف، ملكيةَ الأرض غالبًا ما يحتكرها الرجال
دونًا عن النساءِ.
مثال، أمي الله يرحمها: بعد موت أبي سنة 1967، لم تتزوج، رَعَتْ نخيلَنا
القليلَ إلى حدود وفاتها سنة 1993، فَلّحَتْ الأرضَ خلال 26 سنة متتالية دون
كَلَلٍ أو مَلَلٍ أو انقطاعٍ، ولم تطالبْ يومًا بحقها في ملكية جزءٍ منها ولو
الثُّمُنَ، حقها الرباني. أختايَ المتزوجتان لم تطالِبا أيضًا بِحصتَيْهِما في
الإرث، نصف قرنٍ بعد فراقِ أبي، رغم أن أمي باعت نصفَه لتصرِفَ على دراسة الذكور.
ربما بسبب حب ثلاثتهن لثلاثتنا وحنانهن علينا وتضحيتهن من أجل سعادتِنا، ربما بسبب
طغيان العُرف والتقاليد، وربما بسبب تخليهن الطوعي والواعي عن حقوقِهن الشرعية لفائدتنا.
- سمعتُ أخيرًا أن وزارة أملاك الدولة وزعت أراضٍ دوليةٍ على بعض الفلاحين
بولاية المنستير وخصّت الرجالَ بملكيتها، ومنطقُ المساواةِ يفرضُ عليها أن تشترطَ
مسبقًا على المستفيدين تشريكَ زوجاتِهم الفلاحات في حجة الملكية، ولكنني سمعتُ
أيضًا أن نفس الوزارة طبقت المساواة دون تمييزٍ جَنْدَرِيٍّ بين أصحاب وصاحبات
الشهائد، ومكّنت بعض المهندسات الفلاحيات والتقنيات الساميات من قطعِ أرضٍ كراءً
أو تمليكًا. فلماذا هذا التمييزُ في إسنادِ الحقوقِ حسب المستوى التعليمي أو
الاجتماعي ؟
- في الجمهورية التونسية عمومًا، غالبًا ما تتنازل البنات عن حقهن في الإرث
لصالح إخوتهم الذكور وذلك بتشجيعٍ ضمني من المحيط العائلي النسوي قبل الرجالي. لم
يردعنا عن عدم تمكين المرأة من حقها في الإرث، لا دينٌ (الإسلام) ولا مِلةٌ
(اليسار)، المتدينُ لا يعطيها النصف الذي شرّعه الله لها، واليساريُّ لا يساويها
مع نفسه كما شرّعت إيديولوجيتُه.
الوضعُ المنشودُ المنصِفُ للمرأةِ:
- على الدولة التي تدّعي الحداثةَ أن تُقنِعَ النساء الفلاحات بأن حقهن في
الإرث الفلاحي، شرعًا أو قانونًا، هو حقٌّ وليس مِنّةً من أحد أو عيبًا أخلاقيًّا
أو مُروقًا عن الدين (لا طاعة لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ).
- عل الدولة تطبيقُ المساواة التامة عند توزيع الأراضي الدولية الفلاحية،
وعليها أيضًا احترامُ الفلاحات الأميات (حتى ولو كن دون أرضٍ) وتشريكُهن في الدورات التدريبية
التي تنظمها مراكز التكوين الفلاحي المنتشرة في كامل أنحاء الجمهورية.
ملاحظة للأمانة:
كتبتُ هذا المقال بإيعازٍ من صديقي وجليسي اليومي بمقهى الشيحي، السيد نور الدين
السالمي، القيم العام المتقاعد، وبإيحاءٍ من مقالٍ قرأته اليوم بِجريدة
"لوموند ديبلوماتيك"، مارس 2018، حول ملايين الفلاحات الأجيرات الهنديات
الأميات المضطهَدات.
أقترح حلًّا من الحلول
الشرعية والمنطقية لمعضلة إرث النساء في الإسلام:
يبدو لي أنه لو طُبّق أجر
"الكد والسعاية" في الإرث الإسلامي لورثت النساء الريفيات نصف ما ترك
الزوج لأنهن مشاركات في فلاحة الأرض.
أحمد عبد النبي، صديقي الإسلامي، نشر في حسابه
الفيسبوكي ما يلي: "أجر
"الكد والسعاية" وهو نصيب يصل إلى النصف من ميراث زوجها، في حال كانت
مشاركة بالكسب خلال حياتهما الزوجية، وتحكم لها بنصيب الإرث الإسلامي العادي في
النصف الباقي ... وبطبيعة الحال ينعكس ذلك أيضا على حقها عند الطلاق حيث انه من
حقها أخذ نصيب كدها وسعايتها وفوق ذلك حق النفقة ....".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire