lundi 11 novembre 2024

ما هَلَكَنَا في تونس إلا "النضال الإيديولوجي" ! فكرة فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، صياغة مواطن العالَم

 

 

أعني النضال بجميع تمظهراته، الدستورية والنقابية والقومية واليسارية والدينية-الإيديولوجية (وليس الإسلامية-العقائدية كما فعل أسلافُنا العرب من الصحابة، "الرجال الأحرار" على حد تعبير الفيلسوف الألماني نيتشه). كلها لم تأتِ لنا بحلولٍ لمشاكلنا بل زادتها تعقيدًا وحوّلت كل مشكلةٍ عندنا (مشكل له حل) إلى معضلةٍ (مشكل لا حل له في المستقبل القريب)، وعوض أن ننظر مباشرة في واقعنا نظرنا إلى ما تقوله الإيديولوجيات المستوردة في واقعنا.

وفدت علينا الدستورية والقومية والنقابية من العالم الحر (أوروبا وأمريكا)، والشيوعية من الاتحاد السوفياتي، والإخوانية من مصر والوهابية من السعودية.  كلها وافدة ومنبتّة في بلادنا وغير متجذّرة في ترابنا. كنا مجتمعًا متناسقًا فشتتتنا الإيديولوجيات شِيعًا وأحزابًا وفرّقت بين الأخ وأخيه وبين الابن وأبيه.

1.  "النضال" الدستوري قسّم البلاد في فجر استقلالها إلى بورڤيبيين ويوسفيين، وقامت بينهم حربٌ أهليةٌ انتصر فيها الأقربُ لأطروحات فرنسا الاستعمارية لا الثورية.

2.  "النضال" النقابي انتشر في غير موضعه الطبيعي، أي في القطاع العمومي عوض القطاع الخاص، مَهْدُ نشأته وسِرُّ نجاعته. حسب رأيي يجب مَنْع الإضراب في القطاع العمومي لأن كل يوم انقطاع عن العمل يدفع ثمنه دافعو الضرائب لا الرأسماليين.

3.  "النضال" القومي جزّءنا أكثر ممّا وحّدنا وجلب لنا الهزيمة تلو الهزيمة، 48، 56، 67، 73، 2003 والقادم أشوم.

4.  "النضال" اليساري، صراعُ طبقات أردنا تطبيقه في بلدٍ لم تتكون فيه الطبقاتُ بعدُ لأن الطبقة يحددها وعيُ الطبقة بنفسها كطبقة وليس مستواها المادي:

La classe est déterminée par sa conscience.

5.  "النضال" الديني-الإيديولوجي (وليس الديني-العقائدي) ضد العلمانيين المسلمين أنتج حروبًا أهلية مدمِّرة لقوانا الذاتيّة في مصر والسودان والجزائر وسوريا والعراق ولبنان واليمن (إضافة جديدة في 12 أكتوبر 2024:  و"القاتل والمقتول في النار" كما قال أخيرًا صديقي، الإسلامي التونسي، الديداكتيكي منصف الساكري).

خاتمة: هذا وصفٌ وليس تحليلا لكنها نتيجةٌ كارثيةٌ لا أجد لها تفسيرًا ولا تبريرًا. خللٌ في المناعة أصاب الجسم العربي (Une maladie auto-immune)، مرضٌ عُضالٌ لا علاجَ له لأن مضاداتنا الحيوية (Les anticorps) أصبحت لا تُفرّق بين الأخ والعدو (Le soi et le non-soi) بل تقضي على الأول قبل الثاني. ضعُفت مناعتُنا الداخلية حتى أصبح كيانُنا عُرضةً للأمراض الانتهازية (Les maladies opportunistes) وأصبحت أوطانُنا مستباحةً من قِبل الأعداء الضعفاء قبل الأقوياء. علينا إذن تحطيم الإيديولوجيات وبناء الكفاءات. فهل يقدر على هذا "مناضلونا" ؟

 (Les militants et les activistes de tous bords)

 مناضلونا "الأشاوس" لا يجدون وقتًا كافيًا للتفكير، همهم الوحيد يتمثلُ في الوصول إلى السلطة حتى ولو كانت على حساب إخوانهم في الوطن والدين واللغة والثقافة.

لو كنتُ في السلطة -ولن أكون فلا تفزعوا أيها "المناضلون"- لَمنعتُ كل "المناضلين" الإيديولوجيين بجميع تلويناتهم من تولِّي المناصب العليا في الدولة، وعوض أن أكرّمهم، سوف أحاسبهم على الفُرَصِ التاريخية التي فوّتوها علينا للحاق بِرَكْبِ الدول المتقدمة وأفضَلُها عندي اليوم ووقتيًّا هي الدول الأسكندنافية الأكثر عدلاً والأقل إيديولوجية !

ملاحظة ديونتولوجية: رجاءً هاجموا الفكرة ولا تشتموا ناقلَ الفكرة أو صاحبَها (وحيدُ زمانه، وهو جليسي اليومي المفضّل في مقهى البلميرا بحمام الشط الشرقية، المقهى الثقافي التي تتحطم فيه الإيديولوجيات، كل الإيديولوجيات).


حمام الشط، الأربعاء 2 أوت 2017.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire