samedi 23 novembre 2024

هل المرأة "الجمنية" المسلمة غير مساوية للرجل "الجمني" المسلم ؟

 

يقول الذين أعمتهم النصوص عن واقعنا المعيش: "المرأة غير مساوية للرجل، لا تتمتع بنفس الحقوق في المجتمعات الإسلامية ويجمع الرجل المسلم بين أربع زوجات". عن أيّ مجتمع إسلامي يتحدثون وما أكثرها في تنوّعها واختلافاتها ؟ أنا سأتحدث عن الواقع دون الغوص في النصوص لأنني لست مختصا في فقه النصوص، سأحاول فقط نفي هذه التهمة المغرضة عن مجتمعي "الجمني" الإسلامي الضيق جدا جدا،  عشت وترعرعت في أحضانه الكريمة وسأروي الحياة اليومية لنساء قريتي الصغيرة ومسقط رأسي "جمنة الستينات"، قرية تقع في الجنوب الغربي التونسي حيث عاشت المرأة طليقة حرة، تختلط بالرجال دون الخروج عن التقاليد الإسلامية المحافظة. ظلت المرأة عندنا تعمل فلاّحة بكفاءة عالية تضاهي كفاءة الرجل أو تفوقه أحيانا. تخرج عند السّحَر إلى العمل في حقلها أو غابتها أو "سانيتها" دون إذنٍ يومي من زوجها، تشتغل طوال النهار سافرة، تقابل الرجال من أجوار وأقارب دون حجاب. تستقبل الضيف المُقرّب في بيتها رجلا كان أو امرأة بحفاوة كبيرة، تقدم له الشاي والطعام في حضور زوجها أو في غيابه. تربّي أولادها باللين تارة وبالشدة تارة أخرى وبعضهن يُدير شؤون البيت بحنكة حتى رجوع أزواجهن من العمل في فرنسا. عندما تترمل المرأة عندنا، حتى في عز شبابها كما وقع لأمي وجاراتها الثلاث، لا تتزوج، تحرم نفسها، تقمع شهواتها المادية والجنسية بقوة وعزيمة رهيبة، تضحّي أكثر من الرجل ألف مرة، تسهر على تعليم أولادها وترعاهم بحِنية تساوي أو تفوق حنية ألف أب. يخشاها أعتي الرجال ويستشيرونها في الكبيرة والصغيرة. داخل حيّنا الضيق بجمنة (زنڤة حادة تقطنها ثمان عائلات فقط) تخرج المرأة سافرة الوجه وتمشي على الأرض مرفوعة الرأس مزهوة بنفسها وبأنوثتها، بثقة لا تتمتع بها النساء الأوروبيات في باريس. تتميز امرأتنا الجمنية بكنوز من العطف والحنان، حُب يكفي الأجيال الحاضرة والقادمة. كنت عندما أعود في العطلة إلى مسقط رأسي وأنا تلميذ في الثانوي بـ"ڤابس" (مدينة بعيدة عن قريتنا 117كلم)، تستقبلني جاراتي، متوسطات العمر، بالأحضان والقُبل مثل أمي أو أكثر. فِعْلٌ مليء بالحب والحنان والصدق، لا تقدر عليه أكثر التقدميات تحررا. هل يجرؤ واحد من المتدينين الجدد أن ينعتنا بأننا كنا مجتمعًا غيرَ محافظٍ ؟ تعمل المرأة في المنزل في غزل الصوف وتعمل خارج المنزل في جني التمور لتكسب قوتها وقوت عيالها من عرق جبينها. لا تمد يدها للقريب ولا للغريب. لا يوجد في بلدتنا سائل أو سائلة في الطريق. أختي، البعيدة عني جغرافيا والقريبة مني عاطفيا، أرق وأحن واحدة في أخواتي، المدعوة "الصغيرة"، هي صغيرة في براءتها كبيرة في عشقها لأخوتها وأخواتها، كانت من أوائل البنات اللواتي التحقن بالمدرسة في القرية عام 1950. في حيّنا عاشت امرأة تقوم بعمليات جراحية بسيطة دون غرفة عمليات، يتمثل هذا العمل، الذي لا يقدر عليه الرجال الغلاظ، في استعمال شفرة حلاقة لتوسيع الجرح واستئصال "شُوكة" نخيل مذبّبة انغرست عَرَضًا في عمق قدم أحد سكان الحي. في قريتنا أرملة مشهورة بشدة المراس وإدارة التجارة، ربّت بعد موت زوجها خمسة أولاد وكبّرتهم فتخرّج منهم المحامي المشهور والمعلم المدير. في قريتنا، اليوم، مهندسات، طبيبات، أستاذات في كل الاختصاصات، معلمات، وممرضات، إلخ. عبر تاريخ قريتنا الحديث، قبل وبعد قانون بورقيبة الذي ينصّ في مجلة الأحوال الشخصية على منع تعدد الزوجات، لم يوجد في قريتنا، التي تعد في الخمسينيات تقريبا 4 آلاف ساكن، إلا ثلاثة أو أربعة رجال متعددو الزوجات، تزوج كل واحد منهم امرأتين. قانون بورقيبة إذن ليس بدعة بل جاء ليقنن وضعا اجتماعيا سائدا ومعيشا بغض النظر عن الجدل القائم حول توافقه أو تعارضه مع أحكام الشريعة الإسلامية. لم تدخل المرأة "الجمنية" ميدان الاحتراف السياسي وحسنا فعلت عن قصد أو دون قصد، وماذا جنينا من بعض الرجال "الجمنين" المحترفين بالسياسة سوى الكذب والنفاق والشعوبية والقبلية والوشاية المغرضة حتى بأقرب الناس (اليوم في الانتخابات البلدية 2018، تغير الوضع). في قريتنا يتساوى الإناث والذكور حتى في تقسيم الإرث، لا لأننا لا نطبق القانون أو الشرع بل بكل بساطة لأننا فقراء، لا نرث شيئا غير الصفر، والصفر الذكري يتساوى مع الصفر الأنثوي.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire