samedi 30 novembre 2024

النساء ألطف المربيات للأطفال

 

 

الأم مدرسة لأبنائها إذا أعددتها أو لم تعدّها والدليل أم الحيوان. والأم لا تقل لها أف ولا تنهرْها حتى لو كانت بائعة هوى على الطرقات.

فعلى الوزارة إذن أن تنتدب رسميًّا أفضلهن -حسب التجربة ودون ديبلوم كلاسيكي- لتتدخّلن في تكوين المعلمين والأساتذة والتلامذة والقيمين والمديرين والوزراء في يوم احتفالي نسمّيه "يوم إحياء العواطف والتضامن بين كل المتدخّلين في العملية التربوية". نحاول إحياء العلاقات العاطفية شبه المفقودة تقريبا بين الأسرة التريوبة وبين تلامذتها

 (C’est ce qu’on appelle les bonnes pratiques sociales de référence).

النساء الفنانات في ميادينهن متوفرات بالآلاف في كامل أنحاء الجمهورية ومستعدّات للعمل بأجر أقل بكثير من أجور ما يُسمّى "خبراء" وأغلبهم ليسوا بخبراء بل منتحلو صفة (الخبير عضوٌ في مخبر جامعي أو لا يكون).

ماذا سيعلمننا النساء: كنس المؤسسة وتوضيبها، تحضير أكلة كسكي شعبية نتناولها في ساحة المدرسة أو خبز طابونة أو رفيسة (salade de dattes aux éclats de pain caramélisé) أو لبلابي أو أكلة يشتهيها المشاركون في الدورة التكوينية، قصعة عملاقة يغرف مها كل واحد منها بحرية ما يكفيه وعلى راحته. (التكلفة مشتركة مالا وعملا).

استباقًا للتعاليق السخيفة والجاهلة عل الفيسبوك حول هذا الموضوع للنقاش، أرجو من المتابعين والمشاركين والمتابعين قراءة الكتاب التالي بأكمله حيث تجدون فيه الإطار النظري والفلسفي لمقاربتي التربوية المعروضة أعلاه:

Ma source d’inspiration : Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

آفاق التجربة: مرة نستدعي طباخة ماهرة ونكرّمها، مرة نجار ماهر، مرة شاعر مشهور، مرة كاتب عظيم، مرة طبيب أطفال، مرة مقاوم حي والباب مفتوح لكل فنان متطوع...

vendredi 29 novembre 2024

القرآن كرّمها والعالم العربي أهانها والشارع تحرّش بها والشرطة تجاهلتها والعدالة ظلمتها وعائلتها أسكتتها

 

La Femme

بعض الأقوال المتداولة في العالم العربي التي تفوح منها رائحة التهديد والعنصرية ضد المرأة (des menaces et des propos misogynes).
سأترجمها باللهجة الدارجة التونسية، خطاب غالبًا ما يوجَّه للبنات:
- "سيّبْ بسكلاتْ خوكْ وروّحْ للدارْ"
- "الراجلْ ما يعيبَ كان جيبَه"
- "نتزوّجكْ... على شرطْ تبطّلْ الخدمة"
- "وينو الفطور.. ديما ما زالْ ما احضرشْ" (أقولها يوميّاً لزوجتي)
- "أعمامكْ شافوكْ... توْ يقتلوكْ"
- "اضْربْها... لازمْ عِملتْ عملة"
- دون أن ننسى عبارة "بسسست" متبوعة بشتائم وتحرّش في حالة تجاهلت البنتُ المتطفّلَ عليها في الشارع.
إضافة من عندي:
- "اضربْ المرأة... كان أنت ما تعرفشْ علاش... هي تعرفْ علاش" (سمعتُها في الجزائر)
- "قريبْ تولدي... بطّلي الخدمة باش تتلهى بولدك" (قلتُها لزوجتي سنة 2002 واستجابت والحمد لله)

في المقابل:
- أؤمن بالمساواة التامة في الحقوق بين البشر دون تمييز ولا أؤمن بها في الواجبات لأنها مربوطة بالمؤهلات البدنية والذهنية الموروثة والمكتسبة.
- "وتقول النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا". المصدر: أسباب النزول، النيسابوري في الإخبار عن المرأة في القرآن والسّنّة، في د. ألفة يوسف، دار سحر للنشر، تونس 2009، 134 صفحة، الثمن: 4،500 دت.
- "الرسول -صلى الله عليه وسلّم- جَوَّزَ للزوجةِ الأخذَ من مالِ زوجِها الشحيحِ دون علمه لتنفقَ على بَنِيها". صحيح مسلم وصحيح البخاري، نفس المصدر السابق.
La définition du « féminicide » par l’ONU : « l’assassinat d’une femme parce que femme » Le Monde diplomatique, août 2021.
في تونس وفي عامين فقط 2019-2020: قُدِّمت 4000 قضية عنف ضد المرأة ووزارة الداخلية تلقت 65000 شكوى.
في الجزائر، في عام واحد 2020، قُتِلت 55 امرأة، وفي أول سداسية 2021، قُتِلت 23.
في الجزائر، 17 ماي 2021، تسع مدرسات اغتُصبن في بيوتهن في مدينة برج باجي مختار من قِبل مجموعة من الشبان. لقد سبق لهن وأخطرن الشرطة بمحاولة تحرش 4 مرات قبل الحادثة.
في تونس، الكاف 2021، رفقة الشارني، 26 عامًا، قتلها زوجها الأمني بخمس طلقات. لقد سبق لها أن قدمت ضده شكوى في العنف موثقة طبيا.
في الكويت، 20 أفريل 2021، "فْرَحْ أكبار"، اختُطِفت وقُتِلت أمام ولدَيها من قِبل رجل تحرش بها سابقا.
كل الدول العربية بما فيها تونس لا تجرّم صراحة "اغتصاب الزوج لزوجته"، موضوع جدل ديني حول شرعيته في مصر.
في ممالك الخليج، لا يوجد تشريع واحد ضد العنف المنزلي المسلط على المرأة من قِبل زوجها.
في الجزائر، قاتِل زوجته قد يتمتع بظروف التخفيف في حالة ارتكابها خيانة زوجية.
في الأردن والعراق وسوريا، قد يقبل القاضي التوافقات بين العائلات في ما يسمّى خطأ "جرائم الشرف".
في المغرب، ضحايا الاغتصاب يترددن في تقديم قضية خوفًا من أن يَتهمهن الحاكم بجريرة ممارسة الجنس خارج إطار مؤسسة الزواج.
في مصر 99,3% من النساء المستجوبات صرّحن بأنهن تعرّضن للتحرّش (بحث أجرته الأمم المتحدة سنة 2013).
"هشتاﭬات" (# ) ضد العنف ضد المرأة هزّت العالم العربي:
Me Too, Moi aussi, Lan_Asket, أنا كمان
Source : Le Monde diplomatique, août 2021

مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل وليس مماثلا له

 

 

أنطلق في هذا المقال من بحث أجريته عام 2000 علي عينة تونسيّة تتكوّن من 275 شخص، مستوي تعليم عال.  أبدأ أوّلا بموضوع من مواضيع هذا البحث   حيث توصّلت إلى النتائج المتواضعة التالية: 33% من الأشخاص المستجوبين يعتقدون خطأ أن وزن مخ المرأة أقلّ من وزن مخ الرجل.

 من المرجّح أن يرجع أصل هذه التصوّرات غير العلمية الراسخة في أذهان أفراد العيّنة إلي دراستهم الثانوية التي تعتمد على أعمال العالم الفرنسي "بروكا", مكتشف مركز الكلام في المخ (Le langage)، أو إلي غياب تدريس تاريخ العلوم في الاختصاصات العلميّة بالمعاهد والجامعات، ومن لم يدرس الأبستمولوجيا، لا يري أخطاء العلماء عند بناء علمهم.

 في سنة 1861، وَزَنَ العالم الفرنسي "بول بروكا" أمخاخ مجموعة من الرجال والنساء، فوجد أن مخ المرأة أقلّ وزنا من مخ الرجل. استنتج "بروكا" علاقة سببية لكنها غير علمية بين النتيجة العلمية الصحيحة الّتي توصّل إليها واستنتاجه الذي يؤيد تصورا غير علمي يقول بـ"نقص الذكاء" عند المرأة.

بعد 120 سنة، وفي كتابه "القياس الخاطئ للإنسان" ( la mal-mesure)،  أعاد عالم الأحافير (Les fossiles) الأمريكي "ستيفن جاي ﭬولد" النّظر في أعمال "بروكا" فوجد أنّ معدّل وزن المخ عند الذكور يساوي 1325 غرام، وعند الإناث 1144، فليكن الفارق بينهما 181 غرام.

 فنّد "ﭬولد" هشاشة استنتاجات بروكا غير العلمية وقال: "ينقص وزن المخ مع العمر، وفي عيّنة "بروكا" النساء أكبر سنّا من الرجال"، ثم أضاف: " يزيد حجم المخ ووزنه تناسبيّا مع القامة وفي عيّنة "بروكا" الرجال أطول من النساء 15 سنتمترا".

 أعاد " ﭬولد " تحليل معطيات "بروكا" فوجد أنّ الفارق في وزن المخّ، بين رجل قامته 1.62 متر وآخر قامته 1.93، يساوي 113 غرام ورغم هذا الفارق الكبير بينهما فلا أحد يفكّر في اعتبار الرّجل الطّويل أكثر ذكاءً من القصير، ولو كان الذكاء مرتبطًا بالوزن لكان حوت العنبر (cachalot) وهو من الثدييات البحرية أذكى مخلوق على الأرض لأن مخه يزن 10 كيلوغرامات.

 أثبت "ﭬولد" أن الاختلاف في الوزن لا علاقة له بالجنس، بل يتبع الاختلاف في القامة والعمر، لكن وبعد مرور أكثر من قرن على اكتشاف "بروكا"، فما زالت الاعتقادات الـ"بروكية" غير العلمية تؤثّر في أجيال المتعلّمين.

 ليس من السهل الخروج من هذا المأزق وتمرير موقف علمي من هذه التصوّرات الـ"بروكية" غير العلمية الّتي قد تؤدّي في جل الأحيان إلي أفكار تقلّل من ذكاء المرأة في المجتمع. من البديهي أنّ الأفكار المبنية على معلومات غير علمية، تكون أكيدا خاطئة، لكن إصلاح المعلومة العلمية لا يعني بالضرورة تغيير هذه التصورات الناتجة عنها، وفي كلّ الحالات يبدو أن الذكاء لا علاقة له بالوزن أو الحجم بل له علاقة بالشّبكات العصبيّة الّتي يبنيها المخ في تفاعله مع التجارب الّتي يعيشها الإنسان أثناء حياته اليومية (les synapses).

 

تتكوّن الشّبكة العصبيّة الواحدة (un réseau neuronal) من مجموعة من الخلايا العصبيّة المخية التي تتصل فيما بينها وتتعاون للقيام بمهمّة معيّنة، مثلا مهمة "تهريب اليد عند لمس النار".  خذ مثلا: شقيقان توأمان حقيقيان في ملجأ أيتام

(les deux sont issus de la fécondation d’un seul ovule par un seul spermatozoïde)

تبنّتهما عائلتان مختلفتان، واحد منهما أصبح مهندسا والآخر طبيبا. إذا قمنا بتشريح مخيّهما، بعد موتهما الطّبيعي، فسنجد شبكات مخ الطّبيب تختلف عن شبكات مخ المهندس رغم تماثلهما الكامل في الوزن والحجم وعدد الخلايا وطبيعة الجينات الوراثية. 

من الطبيعي جدًّا أن نجد فروقا بين شبكات مخ المرأة وشبكات مخ الرجل لأن المرأة عادة ما تمكث في البيت والرجل يسافر، والمرأة تطبخ والرجل يقرأ الصحف، والمرأة تُزوَّج والرجل يتزوّج، والمرأة تحبل والرجل لا يحبل، الخ... وشيئا فشيئا مخ كل واحد منهما يختلف عن الآخر في تشعّب شبكاته ويلعب التقسيم الاجتماعي والتاريخي بين المرأة والرجل دورًا في تكوين أمخاخ مختلفة تفرز بدورها تصورات مختلفة، فالمخ يؤثّر في السّلوك والسلوك يؤثّر في المخ ويترك عليه بصمات بيولوجية مجهرية.  مع العلم أنّ تَشعّب هذه الشبكات العصبية المخية  لا يزيد تناسبيّا مع وزن المخ، ومخ العصافير أكبر دليل علي ذلك فرغم صِغرِ حجمه فهو يحتوي علي شبكات خلوية عصبية مخية معقّدة جدّا ذات كفاءة عالية، في التغريد مثلا. 

 التصورات المختلفة عند المرأة والرجل ليست معلّقة في الهواء ولا نازلة من السّماء، بل هي وليدة عمل مليارات الشّبكات الّتي تبنيها خلايا المادّة الشخمة في القشرة المخيّة. ينتج نضوج المخ عن تفاعلات الموروث مع المكتسب. لن يصل ذكاء القرد إلي ذكاء الإنسان حتى لو وُضِعَ في محيط بشريّ لأنّه ببساطة لم يرثْ مخ إنسان منذ البداية.

 خلاصة القول:

مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل وليس مماثلا له، والتصوّرات غير العلمية لا تتغيّر بعصا سحريّة، ولا "بِكُنْ فيكون"، ولا بالعنف الثوريّ أو الرجعيّ، ولا أوتوماتيكيا بتصحيح المعلومات غير العلمية، والدليل فالمعلومة العلمية الصحيحة متوفرة في كتاب السنة الرابعة علوم تجريبية، وهي تقول حرفيا: "يتغير وزن المخ حسب وزن الجسم". هذه التصوّرات غير العلمية تنتقل من جيل إلي جيل عبر الموروث الثّقافي المكتسب، وفي كلّ جيل تترك بصمات بيولوجيّة في المخّ علي شكل شبكات عصبيّة حاملة للفكر والتفكير. بعض العبارات الشعبيّة المتوارثة مثل "الرأس الكبير للتدبير" أو نعت الأغبياء "بمخّ العصافير" تدلّ علي طول عمر هذه التصوّرات غير العلمية و صلابتها و تجذّرها في المجتمع. 

 أنهِي هذا المقال بطرح الإشكالية التالية: كيف نغيّر هذه التصوّرات غير العلمية التي تبيح حقوقا للرجال وتمنعها عن النساء حسب حجم الجمجمة لدى الجنسين ؟


La discipline dans les écoles du monde entier ? Citoyen du monde, Mohamed Kochkar, docteur en didactique de la biologie, Université de Claude Bernard Lyon 1 (UCBL1), 2007

 


Le problème de discipline dans les écoles du monde entier est beaucoup plus complexe qu'il parait l'être aux yeux des non spécialistes, car depuis la création de l'"Etat nation" dite état moderne au début du XIXe siècle, l'Etat a accaparé la responsabilité de l'éducation sous la tutelle du ministère de l'éducation à des fins politiques souvent idéologiques.

 

Date de la première publication sur mon compte Facebook : Hammam-Chatt, le 29 novembre 2024

jeudi 28 novembre 2024

أطالِبُ بتمكينِ المرأةِ التونسيةِ الأميةِ الفَلاحةِ من حقِّها (حقٌّ وراثِيّ ومُكتسبٌ لكنه مُغتصَبٌ) في ملكيةِ الأرضِ التي تُفلِحُها كما لا يُفلِحُ الأرضَ أحدْ "صباحًا مساءً وقبل الصباحِ وبعد المساءِ ويوم الأحدْ" ؟

 

حقُّ الإنسانِ في ملكيةِ الأرضِ التي يُفلِحُها، حقٌّ لا تختلفُ في أحقِّيتِه الشرائعُ السماويةُ والأرضيةُ: قال الرسول صلى الله عليه وسلم «من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعِرق ظالم حق»، وهذا ما يتفق مع الشعار المعاصر الذي يرفعه اليساريون «الأرض لمن يفلحها».

الوضعُ الحالي الظالمُ للمرأةِ:

-       في الشمال الغربي، يبدو لي أن عدد النساء الأميات الأجيرات العاملات في القطاع الفلاحي يفوق عدد الرجال الأميين الأجراء في نفس القطاع. ومن المؤكد أنهن لا يملكن ولو شِبرًا واحدًا في الأرض مكان العمل ولا في القطعة الصغيرة مِلكِ زوجِها، وأكثرهن ليس لهن حسابًا جاريًا بريديًّا أو بنكيًّا، لذلك لا يتمتعن بالقروضِ الفلاحيةِ، ويُستَثنَون من المشاركة في الدورات التدريبية في المراكز العمومية للتكوين الفلاحي.

-       في الجنوب الغربي (وفي جمنة بالذات)، تعملُ النساءُ جنب الرجال. تُربّي الصغارَ وتَروِى الماشيةَ والنخيلَ. وحين يذهبُ الزوج للعمل بفرنسا تتحمل الزوجة المسؤولية كاملةً في رعاية الغابةِ (أو السانية أو الڤْتارْ)، وعادةً ما يموت الزوج قبلها جرّاء مشقة العمل في فرنسا فلا تتزوج بعده على عكس ما يفعله الرجلُ الأرملُ، يُعجِّلُ بالزواجِ. لكن وللأسف، ملكيةَ الأرض غالبًا ما يحتكرها الرجال دونًا عن النساءِ.

مثال، أمي الله يرحمها: بعد موت أبي سنة 1967، لم تتزوج، رَعَتْ نخيلَنا القليلَ إلى حدود وفاتها سنة 1993، فَلّحَتْ الأرضَ خلال 26 سنة متتالية دون كَلَلٍ أو مَلَلٍ أو انقطاعٍ، ولم تطالبْ يومًا بحقها في ملكية جزءٍ منها ولو الثُّمُنَ، حقها الرباني. أختايَ المتزوجتان لم تطالِبا أيضًا بِحصتَيْهِما في الإرث، نصف قرنٍ بعد فراقِ أبي، رغم أن أمي باعت نصفَه لتصرِفَ على دراسة الذكور. ربما بسبب حب ثلاثتهن لثلاثتنا وحنانهن علينا وتضحيتهن من أجل سعادتِنا، ربما بسبب طغيان العُرف والتقاليد، وربما بسبب تخليهن الطوعي والواعي عن حقوقِهن الشرعية لفائدتنا.

-       سمعتُ أخيرًا أن وزارة أملاك الدولة وزعت أراضٍ دوليةٍ على بعض الفلاحين بولاية المنستير وخصّت الرجالَ بملكيتها، ومنطقُ المساواةِ يفرضُ عليها أن تشترطَ مسبقًا على المستفيدين تشريكَ زوجاتِهم الفلاحات في حجة الملكية، ولكنني سمعتُ أيضًا أن نفس الوزارة طبقت المساواة دون تمييزٍ جَنْدَرِيٍّ بين أصحاب وصاحبات الشهائد، ومكّنت بعض المهندسات الفلاحيات والتقنيات الساميات من قطعِ أرضٍ كراءً أو تمليكًا. فلماذا هذا التمييزُ في إسنادِ الحقوقِ حسب المستوى التعليمي أو الاجتماعي ؟

-       في الجمهورية التونسية عمومًا، غالبًا ما تتنازل البنات عن حقهن في الإرث لصالح إخوتهم الذكور وذلك بتشجيعٍ ضمني من المحيط العائلي النسوي قبل الرجالي. لم يردعنا عن عدم تمكين المرأة من حقها في الإرث، لا دينٌ (الإسلام) ولا مِلةٌ (اليسار)، المتدينُ لا يعطيها النصف الذي شرّعه الله لها، واليساريُّ لا يساويها مع نفسه كما شرّعت إيديولوجيتُه.

الوضعُ المنشودُ المنصِفُ للمرأةِ:

-       على الدولة التي تدّعي الحداثةَ أن تُقنِعَ النساء الفلاحات بأن حقهن في الإرث الفلاحي، شرعًا أو قانونًا، هو حقٌّ وليس مِنّةً من أحد أو عيبًا أخلاقيًّا أو مُروقًا عن الدين (لا طاعة لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ).

-       عل الدولة تطبيقُ المساواة التامة عند توزيع الأراضي الدولية الفلاحية، وعليها أيضًا احترامُ الفلاحات الأميات (حتى ولو كن دون أرضٍ) وتشريكُهن في الدورات التدريبية التي تنظمها مراكز التكوين الفلاحي المنتشرة في كامل أنحاء الجمهورية.

ملاحظة للأمانة: كتبتُ هذا المقال بإيعازٍ من صديقي وجليسي اليومي بمقهى الشيحي، السيد نور الدين السالمي، القيم العام المتقاعد، وبإيحاءٍ من مقالٍ قرأته اليوم بِجريدة "لوموند ديبلوماتيك"، مارس 2018، حول ملايين الفلاحات الأجيرات الهنديات الأميات المضطهَدات.


أقترح حلًّا من الحلول الشرعية والمنطقية لمعضلة إرث النساء في الإسلام:

يبدو لي أنه لو طُبّق أجر "الكد والسعاية" في الإرث الإسلامي لورثت النساء الريفيات نصف ما ترك الزوج لأنهن مشاركات في فلاحة الأرض.

أحمد عبد النبي، صديقي الإسلامي، نشر في حسابه الفيسبوكي ما يلي: "أجر "الكد والسعاية" وهو نصيب يصل إلى النصف من ميراث زوجها، في حال كانت مشاركة بالكسب خلال حياتهما الزوجية، وتحكم لها بنصيب الإرث الإسلامي العادي في النصف الباقي ... وبطبيعة الحال ينعكس ذلك أيضا على حقها عند الطلاق حيث انه من حقها أخذ نصيب كدها وسعايتها وفوق ذلك حق النفقة ....".

 



آيتان خارج السياق في العدل في الإرث مناصفةً بين الرجل والمرأة ؟ مواطن العالَم

 

 

الآية الأولى: التناصف الرياضي (La parité arithmétique) في تقسيم الإرث الجيني (Le patrimoine génétique: L’ADN parental) بين الذكر والأنثى: الأبُ يُورّثُ ذُرِّيَتَه أعز ما يملك من ثروةٍ، ثروةٌ لا تُقدّرُ بكنوزِ الدنيا، يورّثُها بالتناصف الرياضي بين أولاده وبناته. و -دون تمييزٍ ودون إرادةٍ ذاتيةٍ- يُورّثُ الذكرَ مثل حظ الأنثى. يملك الأبُ ثروةً جينيةً تتمثل في 46 كروموزوم (Vingt-trois paires de chromosomes) حاملةً لجميع الصفات الجسمانية، ولكل مولودٍ جديدٍ، ذكرًا كان أو أنثى، يمنح الأبُ بالتساوي نصفَ ما يملك، أي 23 كروموزوم.

الجينات تحت أقدام الأمهات: وكذلك تفعل الأم مع أولادها، ذكورًا أو إناثًا، بل هي أكرم قليلا من الأب في نقل الإرث الجيني إلى صغارها دون تمييز بين الذكر والأنثى منهم، فهي تورثهم/هنّ منه (L’ADN parental) أكثر قليلا مما يورثه الأب، وهذا القليل هو (L’ADN mitochondrial du cytoplasme des ovocytes) الذي لا يورِّث منه الأب شيئًا. يرث الابنُ إذن، ذكرًا كان أو أنثى، تقريبًا نصفَ جيناته من أبيه (environ quinze mille gènes contenus dans 23 chromosomes) والنصف الآخر من أمه.

بربكم هل رأيتم عدلاً أعدلَ من هذا العدلِ في توزيعِ الثروةِ بالتناصفِ بين المرأةِ والرجلِ ؟

الآية الثانية: التناصفُ الرياضِي في نسبة الذكورِ والإناثِ (Le sex ratio): عددُ الرجال في العالم يساوي تقريبًا عدد النساء.

خاتمةٌ: عَدَلَ العادِلُ في تقسيم الإرث بالتناصُفِ بين الرجلِ والمرأةِ، أعني به الإرثِ الجينِي، أهم وأغلى إرث في الدنيا، وما دون ذلك لا يُزكِّي يومَ الحسابِ (المالُ والعقارُ)، ولن أخوضَ في النقاشِ السائدِ حول الإرث المادي (Le patrimoine matériel)، وسخ الدنيا، بالمعنيَيْن الغفاري واليساري، لن أخوضَ فيه لأن مجالَ الفقه وتفسير القرآن، مجالٌ خارجٌ عن اختصاصِي العلمي (البيولوجيا وفلسفة البيولوجيا).

تَحَدٍّ وِدِّيّ: مَن لا يوافق على هذا التناصف البيولوجي العادل بين الجنسين، يرفع يده ؟

mercredi 27 novembre 2024

خِطابٌ أراهُ جيدًا أرُدُّ به على خِطابٍ أراهُ سيئًا ؟

 

 

نشرتُ التغريدة التالية: "أطالبُ بتأنيث كامل إطار التدريس في التعليم الابتدائي لأن الرجلَ غير مهيئ جينيًّا لتربية الأطفال. الانتقاء الدارويني هيأه لمهام أخرى أخشنَ".

علّق قارئٌ وكتب: "وهل توجد نساءٌ صالحاتٌ في تونس ؟".

أجيبُه وبكل لطفٍ أقول له الآتي:

هُنَّ بالملايين وأنت لا تراهُنَّ. هُنَّ أمهاتُنا ! وهل يوجد أصلحَ من أمك في هذا العالَم ؟ هي مَن حملتك في رحمها تسعة أشهر وغذّتك من دمها ثم وضعتك في الألم وهي تبتسم لقدومك ! ألم ترضعك حولَيْن من ثديَيْها حليبًا مغذيًا كاملاً دافئًا نافعًا ؟ ربّتك أحسن تربية.. أثمرت فيك أم لم تثمر.. شأنك وليس شأنها.. مسألة خارجة عن نطاقها.. مَن الأم التي لم تحلم يومًا بمستقبل زاهر لفلذات كبدها ؟ مَن الأم التي لم لم تسهر لكي يناموا صغارها ملء جفونهم ؟ مَن مِنهن لم تُضَحِّ بالغالي والنفيس لتنقذ ابنها من ورطة وقع فيها ؟

خلاصة القول: ألا تخجل من أمك قبل أن تخجل منّي ومن نفسك ؟

حِكمة بهائية:

-       البهائية ديانة توحيدية ظهرت بعد الإسلام في القرن 19 ميلادي. البهائيّون يؤمنون بما أنزِلَ في القرآن ويُقِرّون بِـمحمدٍ خاتمًا للأنبياء ولا يذكرون المصطفَى إلا مرفوقًا بـ"صلى الله عليه وسلّم". البهائيّون يؤمنون بالمساواة التامّة بين الرجل والمرأة ويقولون عنهما "جناحَا البشرية" ولا يمكن للإنسانية أن تنهض بجناح سليم والآخر معطوب.

-       لو كان لِـعائلة بهائية بنتًا وولدًا في سِن الدراسة والعائلة فقيرة ولا تقدر إلا على تعليم نفرٍ واحدٍ فقط، لَـفضّلت البنتَ على الولدِ. ألمْ يقل شاعرنا الكبير حافظ إبراهيم: "الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ. الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ. الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ".

مَن هم الأيتام في مأدبة اللئام ؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

 

 

الأيتام هم المؤمنون بالديمقراطية دون طمع، إلا في نمو تونس وتنميتها وتقدمها.

الأيتام هم التونسيون الذين لا يأتمرون بأوامر الخارج، غربا أو شرقا.

الأيتام هم المهمَّشون غير المنتمين حزبيا ولا إيديولوجيا ولا مذهبيا ولا طائفيا ولا جهويا.

الأيتام هم الحالمون دَومًا بغد أفضل لتونس وللتونسيين.

الأيتام هم الشجعان الذين قاموا بالثورة التونسية من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011، وقبل وبعد هذا التاريخ.

الأيتام هم الذين سُرقت من بين أيديهم ثورتهم، لا بسبب غبائهم بل بسبب نبذهم للعنف والإقصاء.

الأيتام هم المغيَّبون قصدا في المنابر الإعلامية على الفضائيات التونسية قبل و بعد الثورة.

الأيتام هم الذين لم ينساقوا وراء هواجس وهمية مثل الخوف على الإسلام في مجتمع تونسي مسلم منذ خمسة عشر قرنا وهم مَن اقتدوا بالرسول الكريم، محمد صلى الله عليه وسلّم، عندما دعا إلى العدل والمساواة بين الناس بـ"التي هي أحسن" وهو وحيد و أعزل إلا من إيمانه بعظمة الإنسان جنب عظمة الله.

الأيتام هم الذين لم يدعوا العصمة لأنفسهم ولا لإيديولوجياتهم وأفكارهم وآرائهم، فحتى الرسول -محمد صلى الله عليه وسلم- لم يدّعيها لنفسه ولا لأصحابه.

الأيتام هم الذين لم يستبيحوا دماء المسلمين مثل دم شكري بلعيد ودم لطفي نڤض ودماء ما يقارب المائة ألف من إخوانهم العرب المسيحيين والمسلمين السوريين، شيعة وسنة وعلويين نصيريين ودروز وأكراد وملحدين ولاأدريين وبهائيين.

الأيتام هم الذين يرددون دوما ويعملون بحديث الرسول الكريم، محمد صلى الله عليه و سلّم: "قطرة دم مسلم أغلى من الكعبة الشريفة"، أما المتطرفون الإسلامويون المتاجرون بالدين لخدمة أغراض إقليمية دنيوية رخيصة و دنيئة، فهم ينافسون العدو الأمريكي و الإسرائيلي في إراقة دماء إخوانهم المسلمين و غير المسلمين في تونس و ليبيا ومصر وسوريا والعراق والباكستان وأفغانستان والسودان والصومال وفلسطين واليمن والشيشان وكشمير ومادريد و لندرة ونيويورك.

الأيتام هم الذين يرددون وراء جان بول سارتر، فيلسوف الحرية ومناصر سابق لجبهة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي: "الإيديولوجيات، حرية عند تشكُّلِها وظلم وجور واضطهاد وطغيان عند اكتمالها".

الأيتام هم الذين يرددون وراء محمد إقبال، شاعر وفيلسوف الإسلام بلا منازع، عندما قال قولته العميقة: «إن النبوة لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها»، ومحمد بن عبد الله هو خاتم الأنبياء ولا نبي بعده فليتحمل الإنسان مسؤوليته على أفعاله، شرا كانت أم خيرا. وقد صدق الصّدِّيق، رضي الله عنه، عندما صاح في الناس صيحته الشهيرة والمدوية بعد وفاة الرسول ولا زال صداها لم ينقطع ولم يمّح طيلة خمسة عشر قرنا: "من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت".

الأيتام هم الذين يرددون شعر أولاد أحمد: "أحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد، صباحًا مساءً وقبل المساء وبعد المساء ويوم الأحد".

الأيتام هم الذين يعتقدون كما يعتقد ڤاستون باشلار، الفيلسوف الفرنسي وناقد المعرفة بلا منافس، بـأن "الحقيقة هي خطأ مُصحَّح باستمرار".

الأيتام هم الذين يرددون شعر وحِكَمَ جمال الدين الأفغاني، مؤسس النهضة الإسلامية: "ملعون في دين الرحمن... من يسجن شعباً.. من يخنق فكراً.. من يرفع سوطاً.. من يُسكت رأياً.. من يبني سجناً.. من يرفع رايات الطغيان.. ملعون في كل الأديان.. من يُهدر حق الإنسان.. حتى لو صلّى أو زكّى وعاش العُمرَ مع القرآن".

الأيتام هم الذين يؤمنون مثل كارل ماركس، فيلسوف العدالة الاجتماعية، بـأن "الدين زفرةُ الإنسان المسحوق، روحُ عالَمٍ لا قلبَ له، كما أنّه روحُ الظروف الاجتماعيّة التي طُرِد منها الروح".

الأيتام هم الذين يعشقون قولة موهانداس كرمشاند غاندي، نبي مَن لا نبي له ونابذ العنف ومبتدع المقاومة السلمية وبطلها وشهيدها الأشهر: "أنا مستعد للموت من أجل عديد القضايا، لكنني في الوقت نفسه لست مستعدا للقتل من أجل أي قضية".

الأيتام هم الذين يقدّرون قولة حسن البنّا (دون تبني فكره جملة و تفصيلا)، الداعية الإسلامي المصري و مؤسس حركة الإخوان المسلمين: "إن الناس قد بنوا لهم أكواخاً بالية من عقائدهم .. فلا تهدموا عليهم أكواخهم فيتنكرون للحق ولكن ابنوا لهم قصراً من العقيدة السمحة... فيهدمون أكواخهم بأيديهم ويدخلون القصر". أترجم قولته بلغة علوم التربية الحديثة: "أنا أعمل جاهدا من أجل الحث على التغيير الذاتي للتصورات غير العلمية (المفاهيم العامة غير الدقيقة أو السحرية والغيبية أو العقائد الأسطورية والخرافية الشائعة)، وأسعى إلى تفكيكها من الداخل وتسليط الضوء على كل جوانبها وزواياها وتشريحها وتشخيص نقاط ضعفها ومرافقة حامليها إبستمولوجيا وبيداغوجيا عند التركيب لكي يعيدوا البناء الذاتي المعرفي لتصورات علمية جديدة مكانها".

الأيتام هم الذين يرددون صرخة محمود درويش، شاعر الإنسانية والمقاومة الفلسطينية: "احتمَي أبوك بالنصوص فدخل اللصوص".

الأيتام هم الذين يطبقون قولة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: "كونوا دعاة إلى الله وأنتم صامتون. قيل: كيف ذلك يا فاروق؟ قال: بأخلاقكم". ولم يقل بفتاويكم أو قميصكم أو جلبابكم أو نِقابكم أو حجابكم أو ختانكم للبنات أو إرضاعكم للكبير أو شربكم لبول البعير.

الأيتام هم الذين يؤمنون كما يؤمن عبد الله العروي، الفيلسوف والمؤرّخ المغربي اليساري المتصالح مع بيئته المغربية الأمازيغية الإسلامية العربية، بأن "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه".

الأيتام هم الذين لا ينظرون - كما نصحهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه - إلى صيام أحد ولا صلاته ولكن ينظرون إلى صدق حديثه إذا حدّث وإلى أمانته إذا أؤتمن.

الأيتام هم الذين يرون مثل ما يرى أبو يعرب المرزوقي، فيلسوف "النهضة" المستقل، أن "للشريعة في الواقع وجهان: وجه تربوي ووجه ردعي. فلو طوّرنا الوجه الأول فقد نستغني عن الوجه الثاني".

الأيتام هم الذين يعملون بصمت، يفلحون الأرض وينشرون العلم والمعرفة ويعالجون المرضى ويكنسون الطرقات ويحترمون قانون الطرقات ولا يفرضون الأولوية.

الأيتام هم الذين لا ينتظرون أن تصل النار إلى باب بيتهم لكي يتحركوا لإطفاء الحريق.

الإمضاء

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 8 فيفري 2013.