jeudi 13 janvier 2022

فكرة قرأتها في كتاب: نظرة الماركسية للحرية. نقل مواطن العالم

 


كتاب "مفهوم الحرية"، تأليف: عبد الله العلروي، الناشر، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة السادسة 2002. 114 صفحة.

تنبيه ضروري

ما أنشره في هذه السلسلة من نقل و تعليق، تحت العنوان المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل بالضرورة موقفي الفكري بل هو عبارة عن مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع إلى الكتاب الأصلي. لا تغني هذه الاقتباسات عن قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي الحذر الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا تصل إليكم فكرة الكاتب ناقصة أو مشوّهة. أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد الاعتبار لفن ثامن في طريق الانقراض، اسمه "مطالعة الكتب" و فكرة الكتاب تلزم الكاتب و لا تلزم الناقل دون أن نتغافل عن كون الأفكار هي وقائع فكرية تستقل عن قائلها.

نص عبد الله العروي

صفحة 67

رأينا أن "هيغل" يضع الحرية في بداية التاريخ. تأتي الماركسية فتقلب هذه المقولة و تضع الحرية في النهاية، عندما يختفي المجتمع الحالي المبني على الملكية الفردية و عندما يستوعب الإنسان العلوم الموضوعية و يتحكم في الطبيعة. بالقضاء على الملكية يتحرر الإنسان من تحكم أخيه الإنسان و بامتلاك العلوم يتحرر من تحكم قوى الطبيعة. و هكذا يتحرر من الخصاصة و الفقر و المرض و من التطاحن الناتج عن انقسام المجتمع إلى ملاكين و مستخدمين. و هذا التطور يحصل بكيفية تلقائية من جراء التناقضات الطبيعية و الاجتماعية، ثم يتحول بعد حين إلى تطور ذاتي عندما يعقل الإنسان تلك التناقضات و يعمل على تعميقها في مرحلة أولى و على محوها في مرحلة ثانية (هامش 17: يقع هذا التحول من تعميق التناقضات إلى محوها حسب قانون جدلي و هو استحالة الكم إلى كيف) و في فهم التناقضات و في الإقدام، لأسباب مصلحية و خلقية، على تعريتها و لإفنائها أكبر دليل على وعي الإنسان بالحرية، لأنه يصبح عندئذ فاعل مستقبله. حينما يدرك المرء جدلية المجتمع و التاريخ يسترجع عقله و يتحرر من القيود الموروثة المتمثلة في الأخلاق العائلية و في القواعد القانونية. فيخرج من حيز القدر المقدر ليدخل حيز التاريخ الذي أصْلُه الإنسان و هدفه الإنسان. و من نافلة القول التذكير بأن المجتمع لا يتحرر كله دفعة واحدة، و إنما تفرز طليعة يلتقي فيها أرقى أنماط الإنسانية المتواجدة: العامل الصناعي المتحرر من قيود الملكية و العادات و المثقف الثوري المتحرر من التراث الموروث. و تلك الطليعة توحي بما سيكون عليه المجتمع الحر في المستقبل، بتنظيمها المبني على المبادرة و النقاش المتكافئ و النقد المتبادل و احتكام الجميع إلى الممارسة التي هي في الميدان الاجتماعي كالتجربة في العلم الطبيعي، أي الفصل بين المعقول و اللامعقول، بين طريق الحرية و طريق العبودية.

و نلاحظ دون تعجب في الماركسية  نفس الظاهرة التي وجدناها في الهيغيلية. بتلازم تعميق الحرية و تأصيلها مع الاستخفاف بتجلياتها في تصرفات معينة كتلك التي عبرت عنها الليبرالية. و لا شك أن التناقضات التي تواجه الحريات الليبرالية و التي ذكرنا بعضها سابقا تقوي موقف الماركسية. إن المرء الذي يعيش في مجتمع ليبرالي و يجرب يوميا حدود حرياته يكون مهيأ للإصغاء لمن يعلل تلك الحدود بالنظام الطبقي و يعد بحرية أتم و أكمل عند استبدال ذلك النظام بآخر متساو، خاصة و التعليل يندرج تحت نظرية عامة تجعل من الحرية المفهوم المؤسس للإنسان و التاريخ.

صفحة 74

يتلقى المجتمع بالقبول أية فلسفة تدعو إلى الحرية لأن الحرية هدف تفرضه الحياة، و قد يلتقى مذاهب متناقضة في مبادئها و أهدافها البعيدة، بشرط أن تتفق و لو مؤقتا في الدعوة إلى الحرية. لذا نلاحظ في العهد الليبرالي تداخلا بين الإسلامية الجديدة (هامش 29: "أعني بذلك تأويل المعتقد التقليدي حسب متطلبات الفكر الحديث و العلم التجريبي بخاصة، و هو الذي نشأ في القرن الماضي كرد على النقد الأوروبي الموجه ضد الإسلام". و أضيف أنا، مواطن العالم، ما يلي: يبدو لي أن المفكرين المسلمين (حضاريا و اجتماعيا على الأقل) الآتية أسماؤهم يندرجون في إطار الإسلامية الجديدة التي يتحدث عنها عبد الله العروي في هذا الكتاب و هم، دون ترتيب: "عبد الله العروي و حسين مروة و صادق جلال العظم و علي حرب و هشام جعيط و عبد المجيد الشرفي و محمد حداد و آمال قرامي و محمد الشريف الفرجاني و محمد الطالبي و نصر حامد أبو زيد و جمال البنّا و ألفة يوسف و يوسف الصديق و محمد أركون و هاشم صالح و غيرهم - أكيد الكثير - مما لا أعرفهم أو لم أطلع على إنتاجهم). يقول مثلا الماركسي للليبرالي: حريتك فارغة تتحقق لنخبة ضئيلة و تبقى جوفاء بالنسبة للأغلبية العظمى. فيرد الليبرالي على الماركسي: حريتك حلم مستبعد التحقيق يُخفي استعبادا دائما. لكن لا الأول و لا الثاني، أثناء الفترة المذكورة، يطرح بجد السؤال: ما هي الحرية ؟ لأن السؤال في الواقع غير وارد. لا توجد نظرية الحرية آنذاك لأن الحاجة إليها منعدمة. الحرية شعور بديهي و ليست مفهوما. نفوذه في فضفاضيته و صوريته لا في تفصيله و تعيينه.

صفحة 76

قلنا إن الماركسية ورثت إطلاق مفهوم الحرية عن هيغل ثم تميزت عنه بكونها رفضت تجسيد الحرية المطلقة في دولة قائمة و فضلت إناطتها بنظام اجتماعي مستقبلي. فهي بالتالي، قبل الشروع في تطبيق برنامجها و تشييد الأسس المادية للمجتمع المرتقب، عندما تكون تمثل رَفْضَ الحريات الليبرالية، تظهر بمظهر دعوة صارمة إلى الحرية الإنسانية الشاملة. هذا في مجتمع متحرر نسبيا. أما في مجتمع لم تتحقق فيه حرية واحدة من تلك الحريات، كما هو الحال في البلاد العربية، فيكون دورها بالطبع أهم و أوسع. و بالفعل استُقبلت الماركسية في المشرق و المغرب العربيَّيْن ابتداء من الأربعينات كدعوة إلى الحرية و استعمِلت لنشر الدعوة. فعُرِّبت كتب ماركسية سياسية و بُسِّطت أفكارها، فغزت عقول الطلبة على الخصوص و كذلك بعض العمال الصناعيين. و وُظِّفت التحليلات الاقتصادية الماركسية لتبرير ضرورة الاستقلال السياسي كخطوة أولية في طريق انعتاق الطبقات الشغيلة من الاستغلال، و المرأة من العادات العتيقة، و الثقافة الوطنية من الخرافات و الأساطير. و اتجه المثقفون بدافع الماركسية إلى إعادة النظر في التاريخ العربي و في الإنتاج الفكري التقليدي. و هكذا اهتم الكتّاب بالثورات الاجتماعية كثورة الزنج و حركة القرامطة و فُسِّرت الدعوة الباطنية على أنها محاولة أولى لزعزعة نفوذ الطبقة المستغِلة عن طريق التشكيك في معتقداتها الروحية. و ما زال يُمارَس هذا العمل التأويلي إلى يومنا هذا.

إن الممارسة السياسية في العالم العربي تلح على أن تحرير الفرد يمر حتما عن طريق تحرير المجتمع، و أن حرية الفكر مرتبطة بالحرية السياسية و هذه بالحرية الاجتماعية و الاقتصادية. و كلما توسعت الممارسة و عمّت التجربة انتشرت المقولة الماركسية على حساب المقولة الليبرالية، أولا كدعوة سياسية، ثم كنظرية فلسفية بعد أن يُعاد ربط تلك المقولة بجذورها الهيغيلية.

 

إمضائي

الحوار بين اليساريين التونسيين و الإسلاميين التونسيين لا يمكن أن يتم بالعقليات التقليدية، لا بد له من عقلانية مركبة ذات رؤية منفتحة لا مغلقة وصيغة مرنة لا جامدة وبنية مركبة لا بسيطة ومنهج تعددي لا أحادي ونظام متحرك لا ثابت، خصوصاً ونحن نلج في عصر تبدو فيه المعطيات في حركة متواصلة وسيلان دائم. بتصرّف علي حرب.

تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 17  فيفري  2012.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire