lundi 3 janvier 2022

ماذا يعني مفهوم "اضمحلال الدولة" في النظرية الشيوعية أو مفهوم "دولة اللاّدولة" في الدين الإسلامي ؟ نقل دون تعليق مواطن العالم

 


كتاب "مفهوم الدولة" لعبد الله العروي، الطبعة السابعة 2001، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء - المغرب، 179 صفحة. متوفر بالمكتبة العمومية بحمام الشط

 

نص عبد الله العروي

1.     ماذا يعني مفهوم "اضمحلال الدولة" في النظرية الشيوعية ؟

صفحة 83: ماكس فيبير، كان يقول: بما أن جهاز الدولة القمعي والتنظيمي والتربوي غير مرتبط بالطبقة الوسطى، فإنه لن يضمحل بعد زوال النظام الرأسمالي، بل العكس هو الذي سيحدث. إن خاصيات الدولة الحديثة ستزداد قوة وانتشارا بعد تأميم وسائل الإنتاج لأن النظام الاشتراكي عبارة عن عقلنة أوسع وأعمق. ستزداد البيروقراطوية  في الإدارة والأدلوجة في التعليم، سيتسع مجال التوجيه في الاقتصاد و القمع في الحياة اليومية. ليست الاشتراكية في نظره اضمحلال الدولة كما يعتقد أنصارها، بل طريق تضخمها وتقويتها.

هامشة 36 على نفس الصفحة: البيروقراطوية انحراف عندما تعود لا تستجيب لرغبات الناس ولا تحفزهم على الإنتاج. حينذاك، لم تعد نواة عقلنة في المجتمع، بل تعود رمز اللاعقلانية والتحجر.

صفحة 84: يقول اليوم المعجبون بفيبير: لقد أظهرت التجربة أنه على صواب. قامت ثورات ضد البورجوازية، فألغت الملكية الخاصة و غيرت قواعد الإنتاج، انتفى نفوذ الطبقة الوسطى في كل الميادين، و مع ذلك لم يتغير شيء في أداة الدولة. هذا دليل على أن أصلها لم يكن في مستوى العلاقات الاجتماعية، بل في مستوى القيم والذهنيات. وبما أن الاشتراكية، كاتجاه ذهني، هي ذاتها نتيجة لتلك العملية المميزة للغرب الأوروبي -عملية العقلنة - فكان من الطبيعي أن يعني تطبيق الاشتراكية عقلنة أعمق وأوسع.

 

بيد أننا ذكرنا في فصل سابق أقوالا ماركسية لا تتعارض مع موقف فيبير، على الأقل فيما يتعلق بالمرحلة الأولى من الثورة. يؤكد لينين أن قانون القيمة ، الذي هو أصل عقلنة الاقتصاد، لن يُلغى مع إعلان التنظيم الاشتراكي (هامشة 37 على نفس الصفحة: قانون القيمة هو الذي يقول أن تبادل المنتوجات يتم على أساس مقارنة ما يتضمن كل واحد منها من عمل إنساني. قيمة البضاعة ليست إذن سعرها). و إلا كيف تتم المحاسبة الاقتصادية و يتم التخطيط ؟ إن فائض القيمة -ما ينتج العامل دون أجرة- لن يُلغى ولا يمكن أن يُلغى، إذ دونه ينعدم مفهوم الاقتصاد ذاته. سيؤمَّم، سيصبح ملكا للشعب العامل كله عوضا أن يكون من حظ أقلية مالكة. بناء على هذا، سيبقى القانون البورجوازي قائما والدولة كذلك. لذا، قال لينين أن الدولة الاشتراكية ستكون بالضرورة في بدايتها استبدادية كما كانت الدولة البورجوازية. الفرق هو أن الأولى تعني استبداد أغلبية بينما الثانية تعني استبداد أقلية. و قد يزداد العنف في المرحلة الأولى من الثورة. لن يضمحل جهاز الدولة إلا إذا انتفت الحاجة إليه بمحو الفوارق الطبقية، أي بمحو الطبقات ذاتها، و من ضمنها الطبقة الشغيلة. وهذه عملية تاريخية تتطلب زمنا طويلا، حتى لو توفرت كل الظروف الملائمة.

 

حتى في هذه النقطة الحساسة لا نرى تعارضا واضحا بين التحليلات الماركسية و الفيبرية، فيما يتعلق بالواقع الماثل أمام أعيننا. أما المستقبل البعيد، فذك شيء آخر.

 

2.     ماذا يعني مفهوم "دولة اللادولة" في الدين الإسلامي ؟

صفحة 122: إن العبارة -الإسلام دين ودولة- وصف للواقع القائم منذ قرون، أي لحكم سلطاني مطلق يحافظ، لأسباب محضة، على قواعد الشرع، وليست بأي حال تعبيرا عن طوبى الخلافة كما حللناها في الصفحات السابقة. ما يجب أن يلفت نظر القارئ في العبارة المذكورة هو واو الربط الدّال على التساكن لا على الاندماج و الانصهار، مع أن منطق الخلافة الحق يقضي أن الدين لا يتساكن مع الدولة بل يصهرها ليحيلها إلى لا دولة. تعني كلمة إسلام في العبارة المذكورة الحضارة التي تطورت أثناء التاريخ في دار الإسلام ولا تعني أبدا العقيدة (هامشة 47 على نفس الصفحة: يتفق في هذه النقطة السلفيون مع المستشرقين، ودون شك تحت تأثيرهم.). لتلك الحضارة مميزات من ضمنها تساكن الدين و الدولة دون أن يغير في العمق أحدهما الآخر. نلاحظ بالفعل من جهة أن الدولة لم تحول الإسلام لتجعل منه دين دولة (هامشة 48 على نفس الصفحة: كما نجد ذلك في الإمبراطوريات القديمة وفي الدولة الفاشية)، لو تحقق هذا لكانت الدولة صنما يعبد، لكان في ذلك شرك بالله وهو ما يحرمه الشرع تحريما قطعيا، ومن جهة ثانية أن الإسلام لم يحول الدولة إلى مؤسسة دينية لأن الدولة في الظروف العادية تعني دائما المُلك الطبيعي، لو حصل التغيير المذكور وأصبحت الدولة أداة تمكن كل فرد من التحلي بمكارم الأخلاق لما نشأت الحركة الصوفية التي تدعو كل فرد إلى النجاة بنفسه غير عابئ بغيره.

نواجه هنا مفارقة عجيبة، إذ يقول السلفيون: الإسلام دين ودولة يظنون أنهم يعبرون عن خصوصية الإسلام. في الواقع إنهم يصفون الإمارة الشرعية ولا يتعرضون في شيء للخلافة. إنهم يتكلمون عما يجمع النظام الإسلامي بالأنظمة السياسية الأخرى. ألا يحق لنا أن نقول أن النصرانية دين ودولة ؟ أو ليست دينا يعيش بجانب دولة في نطاق مؤسسة مستقلة ؟ في هذا السؤال طبعا مغالطة، لكنها مغالطة يرتكبها المستشرقون والسلفيون باستمرار. عندما يقولون: النصرانية دين فإنهم يعنون المعتقد وعندما يقولون: الإسلام دين ودولة فإنهم يعنون الحضارة الإسلامية. لو عنوا بالنصرانية حضارة محددة لوجب عليهم الاعتراف بأنها دين ودولة، كنيسة وإدارة، بابوية وإمبراطورية. ولو عنوا بالإسلام المعتقد لوجب القول أنه دين فوق الدولة وما سواها.

 

إن العبارة التي نحن بصددها تبررها ظروف القرن الماضي، ظروف مواجهة الفقهاء لليبرالية الغربية. لكنها لا تعبر عن روح الدعوة الإسلامية. التعبير الصحيح، حسب مصطلحاتنا، هو أن نقول: الدولة السلطانية دين ودولة. أما الإسلام فإنه دين الفطرة الذي يهدف إلى إحالة الدولة إلى لا دولة.

 

صفحة 124: يحكي لنا التاريخ، ويثبت لنا الفقه، أن دولة أخلاقية وُجدت بالفعل، لكن كان ذلك في زمن الوحي، عندما "غسل جبريل قلب النبي" وأثر النبي فيمن حوله حتى "كانوا يفضلون الدين على أمور دنياهم , إن أفضت إلى هلاكهم وحدهم دون الكافة". حينذاك لم تعد دولة طبيعية، حيث أنها تسامت على العادات الحيوانية. فيحق لنا أن نسميها دولة اللاّدولة.

 

3.     نتيجة اجتماعية خطيرة للطوبى الإسلامية والطوبى الشيوعية والطوبى الليبرالية

إنما نريد أن نؤكد على نتيجة اجتماعية خطيرة، إن الطوبى الإسلامية -انتظار عودة الخلافة بإلهام رباني- أظهرت فصم الدولة عن المجتمع بمظهر طبيعي لا مفر منه و بذلك أقعد الفقهاء عن البحث عن وسائل عملية لتوحيدهما، كذلك الطوبى الليبرالية، و بعدها الماركسية (إضافة مواطن العالم: انتظار اضمحلال الدولة وانقراض الطبقات وصراع الطبقات في المجتمع الشيوعي الطوباوي الموعود)، أضفتا على نفس الفصم حلّة العلمية فبقي الناس على تشاؤمهم التقليدي، لا ينتظرون من الدولة سوى القمع والاستغلال، حتى تتحقق الدولة الليبرالية المنتجة حيث تتكلف فقط بالأمن، أو تتحقق الدولة الشيوعية المنحلة في إدارة الأشياء. نعم، قد تقود الطوبى، الموروثة والمستوردة، في ظروف مؤاتية إلى الثورة، إلى نقض الكيان القائم، لكن، في الظروف العادية، وهي الغالبة، تقف حاجزا على طريق إدراك الواقع وبلورة نظرية الدولة، إذا لم يع المرء أن الطوبى طوبى.

 

خلاصة القول

 

يمكن لنا أن نجيب عن سؤال يطرح كثيرا: لماذا لم تتغلب الليبرالية على السلفية في القرن الماضي والماركسية على السلفية الجديدة في الوقت الحاضر ؟ الجواب في رأينا واضح: إن الليبرالية والماركسية، كما تؤثران في المحيط العربي لا كما يجب أن تكونا في حقيقتهما، لا تمثلان العلم والموضوعية بقدر ما تمثلان نوعين من الطوبى، وهل يمكن أن تتغلب طوبى على أخرى أقدم وأشمل وأعمق وأعرق منها.

 

تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 29 ماي 2012.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire